اللبناني جيرار أفيديسيان يرسم «الأسلاف والحريم» بلمسات أرمينية شرقية

يجمع شخصياته من مجتمعات الحرب والفقر ليحولها إلى “برجوازية ملونة”

بيروت: كارولين عاكوم


من موطن أجداده في أرمينيا، إلى موطنه الشرقي اللبناني، وما بينهما من حروب ومحاربين وتقاليد وتراث، استطاع الممثل والمخرج اللبناني، جيرار أفيديسيان، أن يجمع كل ذلك في معرض لوحات أبدعتها يداه، وأطلق عليه عنوان «أسلاف وحريم»، تحت سقف واحد في غاليري «عايدة شرفان»، في وسط بيروت.

أفيديسيان، الذي عُرف كممثل ومخرج منذ نحو نصف قرن، يطلّ اليوم على محبي الفن أيضا من باب الرسم الذي أراد أن «ينحت» فيه اللوحات بالـ«أكريليك» والـ«كولاج»، وبمواد أخرى من القماش على أنواعه، إلى الإكسسوارات والحلي، محولا اللوحة إلى تحفة فنية تعكس رقيا وفخامة. هذه التقنية العالية في رسم الشخصيات التي يهوى أفيديسيان جمع صورها من مختلف أنحاء العالم لتكون الأساس الذي ينطلق منه في رسوماته، مسقطا عليها أفكارا وتفاصيل اجتماعية، أو حتى سياسية، جعلته يبدع في تحويل شخصياتها إلى ما يشبه أبطال حكايات «ألف ليلة وليلة»، وأزياءهم الجميلة، فكانت كل منها تشبه رواية، وتختصر حقبة تاريخية أو بيئة معينة، اختار أفيديسيان أن يقدمها بنظرة مختلفة، حتى عن الواقع الذي أخذت منه.

مسيرة أفيديسيان الفنية هي عبارة عن تراكمات عمل على صقلها وغنائها، يوما بعد يوم، وسنة بعد سنة، خلال تنقله في مرحلة شبابه بين فرنسا والاتحاد السوفياتي، سابرا أغوار المعارض التشكيلية والفوتوغرافية التي أسهمت في تنمية هذه الهواية، وفي تنفيذه لأعمال ولوحات كان نصيبها أن تهدى إلى أصدقائه، من دون أن يعلن أو يعترف بنفسه بأنه فنان محترف، لكن الصدفة هي التي دفعته إلى الانطلاق في هذه المسيرة الاحترافية، وذلك بعدما شجعه المقربون منه على تقديم أعماله إلى «صالون الخريف» الذي ينظم في متحف سرسق في لبنان، وكانت نتيجة هذه الخطوة اختيار إحدى لوحاته، التي تحمل اسم «الجندي الصغير»، في عام 2005، الأمر الذي أعطى أفيديسيان دعما معنويا جعله يتخذ قرار الإعلان عن موهبته، سالكا طريق الاحتراف، انطلاقا من «الجندي الصغير» التي لن يبيعها، وستبقى ترافقه في معارضه التي بدأها في الكويت قبل بيروت، علها تكون «باب الحظ» في خطواته الاحترافية المستقبلية.

يقول أفيديسيان لـ«الشرق الأوسط»: «أهرب من واقع الصورة إلى الخيال وما يدور في فضائه من فرح وألوان، بعيدا عن كل ما قد يعكسه هذا الواقع من حزن أو كآبة». ويضيف: «يكاد يكون البحث عن الصور في الدول التي أسافر إليها وفي المكتبات الهاجس الذي يرافقني أينما تنقلت، وأنا أملك اليوم آلاف الصور التي يعود بعضها إلى عام 1880، وكانت قد التقطت في أرمينيا أو بعض الدول العربية والإسلامية. أبحث عنها في المكتبات وفي أرشيف الجرائد وفي الأسواق، لأنتقي منها ما أجد فيها لمسة إنسانية أو اجتماعية أو حتى فنية، وتأتي فيما بعد مهمتي في قولبتها، ووضعها في إطار خاص مستمد من الفرح والألوان التي أحرص على أن تطبع شخصيات لوحاتي، وإن كانت في الحقيقة لا تعدو كونها شخصيات فقيرة أو بسيطة، وذلك من خلال إضافة لمسات فنية تمنح اللوحة سحرا خاصا، مستعينا ببعض الأقمشة ذات النقوش المميزة وألوانها المنتقاة بدقة، إضافة إلى الإكسسوارات التي تعكس مجتمعة صورة واقعية عن هذه الشخصية أو تلك».

وشخصيات أفيديسيان هذه مستمدة في معظمها من تاريخ أرمينيا، ولا سيما المحاربين من النساء والرجال، الذين قاوموا الأتراك، لكن تفاصيل ملامح هذه الشخصيات التي لطالما كانت «مشوبة» بالحزن، الذي كانت تعكسه ألوان الثياب الرمادية والسوداء، يحرص أفيديسيان على أن يحولها، من خلال اللمسات الفنية، ولا سيما الألوان المتألقة بنقوش ومنمنمات وهندسة أرمينية، تعود إلى القرنين الثالث والرابع عشر، إلى شخصيات غنية ترتدي أفخم الثياب، من دون أن يخرج أيضا عن المظهر الأرميني التقليدي، المتمثل في الشروال والطربوش الأحمر، أو كأن يضيف إلى بعضها المنمنمات المستوحاة من العهد المملوكي والسرجوكي والتطريز العثماني والبلاط الفارسي؛ فتتحول مثلا الفلاحة المصرية، أو المتسولة المغربية ذات المظهر الفقير في لوحة أفيديسيان، إلى أرستقراطية بعيون مكحلة وثوب مغربي مرصع بنقوش وزخرفات، لتدخل «البرجوازية» من بابها العريض، من خلال التطريزات أو المزركشات التي يضفيها على اللوحة، محولا إياها إلى امرأة ساحرة تشبه إحدى بطلات المسرحيات الاستعراضية الراقصة.

الشرق الأوسط

Share This