ليون زكي: هل عملة أرمينيا الـ”درام” ماضية إلى الزوال ؟

تستعجل روسيا، جراء العقوبات الاقتصادية الغربية عليها، طرح عملة جديدة موحدة للاتحاد الاقتصادي الأوراسي الذي يضم روسيا وبيلاروس وكازاخستان وأرمينيا لضرب عصافير عديدة بحجر واحد بما يعيد هيبة وريث دول الاتحاد السوفياتي السابق ويقوي موقفها السياسي الآخذ بالتصاعد على الساحة الدولية والذي يحتاج إلى تعزيز صمود اقتصادها الذي نال منه هبوط سعر النفط وسعر صرف الروبل على الرغم من هواجس شركاء تكتلها الاقتصادي من نزعاتها.

الدول الأعضاء توجست من التوجه والطموح الروسي بعد طلب الرئيس فلاديمير بوتين من الحكومة الروسية والبنك المركزي التنسيق مع الجهات المالية لتلك الدول لمناقشة تأسيس اتحاد نقدي وإطلاق عملة موحدة حدد لها أيلول المقبل سقفاً زمنياً في انتظار ما ستؤول إليه “المشاورات”، وتراوحت ردود الفعل بين مرحبة وحذرة من الخطوة الروسية، ومن المتوقع أن يطلق على هذه العملة تسمية “ألتين” وهي كلمة ذات جذور منغولية تعني الذهب أو “أوراس” المشابهة لأسم العملة الأوربية الموحدة “يورو”، وفي ذلك إشارة إلى الحلم الروسي بمواجهة عملة الاقتصاد الدولي الثاني بعد الولايات المتحدة الأمريكية وهيمنة الدولار.

يأتي ذلك في ظل تصاعد حدة الخلافات بين روسيا والدول الغربية على خلفية توتر علاقات الأولى مع أوكرانيا وفرض الأخيرة عقوبات اقتصادية قاسية عليها تسببت بموجة ركود وتضخم انتقلت مفاعيلها إلى دول الجوار ومنها أرمينيا التي تقف أمام مفترق طرق ينعكس على مستقبلها حيث لم تتضح الجدوى الاقتصادية من قرار موسكو توحيد عملة الاتحاد الأوراسي التي ستأتي على الـ “درام”، (الدولار الأمريكي نحو 400 درام)، وهو العملة الوطنية للجمهورية التي طرحت للتداول سنة 1993 وعانت من تقلبات متفاوتة ارتبطت بتقلبات الاستقرار السياسي والاقتصادي في المنطقة.

مخاطر إلغاء العملة الوطنية لأرمينيا، المرتبطة بوجدان مواطنيها، وبقية دول الاتحاد الأوراسي يقابلها فوائد، ولكن في المدى المنظور من غير الممكن استقراء النتائج على العملية الاقتصادية حيث لكل دولة حسابات سياسية واقتصادية قد لا تتطابق أو تتوافق مع المصالح الروسية.

وفيما يخص أرمينيا فإن تحويلات أرمن الشتات المغتربين، وهم غالبية الشعب الأرمني، بالعملات الصعبة لأرمن الداخل تظل صمام أمان للاقتصاد الأرميني وإن تراجعت قيمتها في الآونة الأخيرة لتدني سعر صرفها أمام الدولار حوالي 20 بالمئة جراء الأزمات الاقتصادية التي تمر بها تلك الدول وفي مقدمتها روسيا التي تأثرت استثماراتها في أرمينيا وتحويلاتها إليها ومبادلاتها التجارية معها بشكل كبير مع هبوط سعر الروبل 30 بالمئة.

استدارة أرمينيا، العضو في أكثر من 40 منظمة دولية، من التقارب مع الاتحاد الأوربي إلى الاتحاد الأوراسي لها ما يبررها على أمل بروز الأخير كقوة وتكتل اقتصادي كبير ووفق مبدأ “عصفور باليد أفضل من عشرة على الشجرة” لكن الاستعجال الروسي بطرح عملة موحدة خلال فترة قصيرة من تشكيل الاتحاد الأوراسي في كانون الثاني (يناير) الماضي تحوم حوله الشكوك ويطرح جملة من التساؤلات المهمة حول قدرة موسكو الحفاظ على تماسك وقوة العملة الموحدة في ظل الضغوط الممارسة بحقها ونزعتها إلى شغل قطب سياسي ندّ للولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، ما يعرض اقتصادات شركاءها في الاتحاد للخطر على الرغم من الإغراءات التي يوفرها بحكم كتلته السكانية الكبيرة ومنابع الطاقة المتوافرة لديه وعوامل جذب اقتصادي أخرى عديدة.

ومن وجهة نظري، أستبعد تحقيق روسيا لأهدافها الاقتصادية والسياسية من توحيد عملة الاتحاد الأوراسي في الموعد المرتقب لأسباب عديدة في مقدمتها عدم توافر العوامل الموضوعية التنموية والاقتصادية والتكنولوجية اللازمة لتشكيل تكتل اقتصادي عالمي وقوة سياسية ترتقي إلى مصافي القطب القادر على مواجهة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الذين ينظران إلى سياسة موسكو الخارجية على أنها “مغامرة” و”مقامرة” وليس في مقدور دول صغيرة انضمت إلى كيانها الاقتصادي تغيير مساراتها وتوجهاتها، ولذلك يرجح ألا تتعدى تأثيرات الاتحاد الحدود الإقليمية ما لم تغير روسيا سياساتها المناهضة للغرب.

Share This