مئوية المجزرة الأرمنية.. العدالة سبيل لعدم التكرار

مرور قرن على المجازر التي تعرض لها الأرمن، على يد السلطنة العثمانية، لم تكن كافية لإحقاق الحق وإقامة العدل. ولم تكن حتى كافية للإعتراف بالجريمة والإعتذار عنها (كما يطالب الأرمن الدولة التركية)، كما لم تكن كافية لانهاء الجدل حول هذه المسألة. وهذا ما أثير في ندوة “القضية الأرمنية والعدالة الدولية في ظل التحولات السياسية في المنطقة”، التي نظمها في “بيت المحامي”، طلاب جامعة زافاريان في حزب الطاشناق بمناسبة مرور مئة سنة على وقوع المجازر، التي راح ضحيتها مليون ونصف مليون أرمني.

في العام 1915 بدأت السلطنة العثمانية بتنفيذ أعمال التهجير والقتل المنهجي تجاه الأرمن، لتكون بذلك مرتكبة لجرم الإبادة الجماعية. ولتكون هذه الابادة أول إبادة جماعية ترتكب في القرن العشرين. على ان مرور هذه السنوات لم يحفز الدولة التركية على الإعتراف بما قام به العثمانيون والتعويض لضحاياهم، كما يطالب الأرمن. و”النكران هو الموت الثاني في جريمة الإبادة”، بحسب النائب غسان مخيبر. يشرح مخيبر أن مرور 100 عام على هذه الجريمة لا يؤدي الى سقوطها بـ”مرور الزمن، فلا مرور زمنياً في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية”. بمعنى آخر، فإن مرتكبي الجرائم خلال الحرب يبقون ملاحقين في جرمهم هذا طيلة حياتهم، خلافاً للجرائم العادية التي يلاحق مرتكبها مدة تتراوح بين 10 و15 عاماً.

وهذا ما يؤكده رئيس نقابة المحامين في بيروت جورج جريج. اذ ان “هذه الجريمة مثل كل جريمة في حجمها لا يمكن أن تتقادم وتُنسى بفعل مرور الزمن”. وذلك بالرغم “من بعض الآراء الفقهية التي تقبل بالزمن المئوي المُسقط، بدل العشري، لكل أنواع الجرائم بما فيها الكبرى”. فالعدالة تفترض ألا تعين السنوات مجرمي الحروب على التنصل من جرائمهم، فـ”استشهاد مليون ونصف مليون أرمني عبارة عن جريمة تاريخية وليس حادث سير”. وهذا ما يمكن لبيان الأمم المتحدة الصادر في العام 1968، وفق جريج، ان يحسمه. “وهو ينفي أي إمكانية لاستخدام مفهوم مرور الزمن على الجرائم الحربية”.

من جهته، يسترجع مخيبرالتاريخ ليقول إن “اللبنانيين والأرمن عانوا مصيراً واحداً على يد العثمانيين”. ذلك أن 40 في المئة من “شعب جبل لبنان قضوا من المجاعة الناتجة عن حصار العثمانيين. كما عُلقت المشانق للبنانيين أيضاً في الساحات. منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا، تتكرر الإبادات على يد دول مختلفة، تشترك في عدم خشيتها من القانون الدولي والعدالة الدولية”. على أن “عدم الاعتراف بالإبادة الأرمنية، وبالتالي إقامة العدالة في مسألة أول جريمة إبادة حصلت خلال القرن الماضي، شجع النازيين لاحقاً على ابادة الشعب البولندي، وشجع مجرمي الحرب في روندا..”، وفقه.

الخطوة الأولى نحو العدالة في القضية الأرمنية كانت قبل حوالي ثلاثين عاماً. فالمحكمة الدائمة للشعوب أصدرت حكماً حددت فيه ماهية الإبادة التي حصلت تجاه الأرمن. يؤكد مخيبر أنه “التحديد الأهم لهذه الجريمة، على الرغم من قيمة الحكم المعنوية”. ويتضمن القرار المعنوي هذا، إعترافاً بحق الأرمن بأن تُحترم حقوقهم كضحايا لجريمة إبادة. وتحديد ماهية الإبادة يظهر في ذكر القرار لـ”عملية الإخفاء أو التهجير القسري نحو الصحارى، كعناصر وخصائص لهذه الجريمة”. وتزداد أهمية هذا الحكم بتوجهه نحو تأكيد المؤكد: “لا تملص من هذه الجريمة بالتحديد الزمني”. ويكمل الحكم مفترضاً “وجوب إستتباع الجريمة بواجب الإعتراف الرسمي، والتعويض من قبل الدولة التركية عن الأضرار التي تكبدها الشعب الأرمني وإعادة الأموال المصادرة الى أصحابها أو التعويض عنها”.

مطالبة تركيا بالإعتراف والتعويض كخطوة سابقة على المصالحة مسألة يشترك فيها أصحاب الحق، ويتوافق عليها الحقوقيون. يعتبر جريج ان “ليس أسوأ من المجزرة إلا التهرب من مسؤوليتها، والسكوت عنها وعن نتائجها، ومن ثم تبريرها”. لكن تركيا اليوم، بشعبها ورئيسها ليست الفاعل، وفقه. وليس الشعب التركي من لوث يديه بدم المدنيين الأبرياء. “إنها السلطنة العثمانية من فعل ذلك”. وبناءاً عليه، فإن “رئيس الجمهورية التركية لن يحاكم جنائياً عن المجزرة التي ارتكبها أسلافه، بل ان محاكمته ستكون مدنيةً بفعل استمرارية السلطة”. يضيف الجريج: “والأصح أن يحتكم، أي الرئيس التركي، الى ضميره ويصدر حكماً ذاتياً يعترف فيه ويندم ويعوض ويتصالح مع نفسه ليصالح الضحية”.

اليوم، بات القانون الدولي أكثر وضوحاَ بالنسبة للجرائم الكبرى. يوضح مخيبر أن أحكام القانون الدولي، بالأخص الإتفاقية الدولية لمعاقبة مرتكبي جرائم الحرب، تسمح لمحكمة العدل الدولية بالنظر في جرائم ارتكبت بحق الأرمن على أساس شكوى يمكن أن تتقدم بها دولة أرمينيا. بعد مئة عام يكمن التحدي في أن يصدر قرار جديد من محكمة العدل الدولية لمصلحة دولة أرمينيا.

إلهام برجس

المدن، جريدة الكترونية مستقلة  

Share This