وليكن مهران مثلاَ لنا


واثق الغضنفري

رحم الله مهران وأدخله فسيح جناته. انها لقصة كفاح عراقي شريف ابى الا ان يحيى ويموت في ارضه رغم المغريات الكثيره. ان قصة مهران من الواجب ان يسمعها كل العالم بان ارض العراق هي ملك كل العراقين ومهما طال الفراق فالعوده هي حلم قريب التحقيق ان شاء الله .

توفي قبل أيام المهندس الارمني (مهران اكوب كريكور) والذي كان موظفا في دائرة صحة نينوى ومن مواليد 1951 ووالده المصور المشهور –اكوب- توفي وحيدا مريضا في بيته المتواضع وهذا خبر عادي جدا فكل يوم يموت العشرات من العراقيين ولانكتب عنهم ولكن لدي أسبابي التي سأوضحها لكم والتي جبرتني على الكتابة عنه.

مهران الارمني لديه أخت مقيمة في كندا وأخ مقيم في السويد منذ زمن طويل مهران مهندس ذكي وعبقري وكفاءة علميه نادرة حيث انه اشتهر بنصب وتصليح الاجهزه الطبية وكان يجوب العراق شمالا وجنوبا لتصليح الاجهزه في زمن الحصار الظالم على بلدنا والذي كنا في أمس الحاجة لتصليح الاجهزه لأننا لانملك غيرها وعندما أقول يجوب العراق ليس ذلك تعبيرا مجازيا بل كان مهران فعلا يذهب من الموصل إلى البصرة لتصليح جهاز أشعه بل أن في احد سفراته إلى كركوك لتصليح احد الاجهزه تعرض لحادث سيارة بقي على أثره في المستشفى لثلاثة أشهر وكان الفنيون يأتون به هو والسرير إلى الجهاز ليصلحه .
عمل مهران مع شركات أجنبيه كثيرة ومنها شركة ماروبيني اليابانية الشركة التي بنت مستشفيات صدام في حينها وكان عددها 18 عشر مستشفى في عموم العراق أعجبوا بكفاءته فعرضوا عليه العمل معهم مقابل اجر مجزي ويختار البلد الذي يعمل فيه ولكنه رفض رفضا قاطعا مع العلم أن هذا العرض لايمكن لأي إنسان أن يرفضه فكان يقول (انأ عراقي وسأبقى لأخدم العراق) .

في فترة الحصار أرسلت إليه أخته الساكنة في كندا فيزا إلى كندا ليلتحق بها فخرج من العراق ووصل إلى قبرص ولكنه قفل راجعا إلى الموصل والتحق بدائرته وعاد إلى العمل رافضا ألهجرة وقال لااريد أن يقولوا عني ترك العراق وهرب وهو في هذه الظروف الصعبة وبعدها ذهب بإيفاد إلى عمان فأرسلت أخته الفيزا مره أخرى وبالفعل سافر وفي اليونان وتحديدا في مطار أثينا مزق البطاقة وعاد مرة أخرى إلى العراق. أما بعد الاحتلال أرسلت شركة ماروبيني بطلبه فذهب إلى عمان وقامت الشركة بعلاجه من آثار حادث السيارة السالف الذكر ويذكر أن الشركة أنفقت (25) ألف دولار على علاجه ليعمل في مكتبها في عمان فجلس هناك لفترة وجيزة ثم عاد إلى العراق وقال إن حالي ليس بأحسن من العراقيين وأطفالهم الذين عانوا ويلات الحصار ويعانون ألان ويلات الاحتلال .وعندما عاد سأله أصدقائه لماذا عدت فالناس تتمنى الذي أنت فيه من عمل مجزي وأقامه مترفة فقال إن العراق هو الذي رباني وجعلني مهندسا وأبي وأمي مدفونان في العراق أريد أن ادفن بقربهم محتضنا تراب العراق.

قدم مهران طلبا للتقاعد مع انه مازال صغيرا على التقاعد فقبل طلبه وأحيل على التقاعد لأنه لم يستطيع العمل وسط هذه الظروف الصعبة ووسط التجاذبات السياسية التي هو بعيد عنها كل البعد اعتكف في شقته المتواضعة وحيدا لايخرج إلا ليشتري حاجياته ومشروبه نسيت أن أقول لكم انه غير متزوج لشدة انهماكه بالعمل نسي الزواج . المهم بقي مهران وحيدا إلا من بعض الأصدقاء الذين يزورونه فهو كان مضيافا بطبعه اخذ يبيع أثاثه قطعة قطعه حتى لم يتبقى له سوا القنفه التي يجلس وينام ويأكل عليها فأصبحت هي غرفة استقباله وعيشه ونومه .أحب العراق بشكل جنوني واخلص له رغم كل المغريات ..
زار معظم دول العالم من اوروبا واسيا ولم يحب غير العراق فكان يقول قطرة من مياه دجله تساوي فرنسا وقطرة من مياه الفرات تساوي روسيا أما لترمن مياه شط العرب يساوي الدنيا ومافيها .!!!!

قالوا عنه سكران ومجنون لأنه لايلتحق بأشقائه الذين توسلوا إليه ليلتحق بهم ونسوا بأنه عراقي خط ونخله وفسفوره. اخذ مهران يضعف شيئا فشيئا وبدأت تخور قواه لشدة حسرته وألمه على العراق وقبل أيام أغمي عليه اثر هبوط في الدورة الدموية فنقل على أثره إلى المستشفى وطلب الأطباء إعطاءه دما وما ان ذهب المتبرع ليتبرع له وكان احد جيرانه وعاد له بقنينة الدم فوجده قد فارق الحياة عن عمر يناهز ألسبعه وخمسين عاما قضاها في خدمة العراق العظيم. فارقد يامهران مطمئنا مرتاح البال مع والديك محتضنا تراب العراق .

الحق أقول لكم هناك الآلاف من أمثال مهران يرفضون الهجرة خارج العراق وظروفهم صعبة ولكن حبهم للعراق يجعلهم يعيشون كالأمراء ولكن في أحلامهم.

وأخيرا أقول: مهران اكوب كريكور ارمني عاش ومات في الموصل عفوا عاش ومات في العراق الذي أحبه واخلص له فهل كان مهران مخطئا في ذلك ؟ وان لم يكن الا يحق لي ان أقول ليكن مهران مثلا يحتذى لعراقيي الداخل والخارج.

Share This