مَن يفرض على تركيا دفع تعويضات للأرمن؟ محكمة العدل الدولية شرط طلب الدولة الأرمنية

لا يكلّ الأرمن ولا السريان ولا الآشوريون، ولا يملّون من التذكير بالإبادة التي تعرضوا لها على يد العثمانيين الاتراك. وها هي مئوية الابادة والذاكرة الارمنية الجماعية ترفض الاستكانة قبل انتزاع الاعتراف من الأتراك بالإبادة والحصول على تعويضات عن الخسائر والاراضي والممتلكات والأرواح الكثيرة التي أزهقت في تلك الابادة العرقية غير المسبوقة.

ثمة أسئلة يطرحها المتابعون لهذا الملف ومن يهتمون بقضايا الاقليات والصراعات الاتنية ومنها عن الطرف المسؤول عن المطالبة بالتعويضات. ورغم ان شريعة حمورابي نظمت العلاقات الانسانية منذ القدم، الا ان مظاهر القانون الدولي لم تبرز الا في القرن السادس عشر، وتحديدا معاهدة ويست فاريا 1648 بعد حرب الثلاثين عاما بين البروتستانت والكاثوليك، حيث صار للبشرية ما يعرف بالقانون الدولي، الذي اهتم ومع مرور الزمن بمعالجة قضايا محددة بين الدول، وكان آخرها مسألة الإبادات الجماعية والمجازر وغيرها مما يصنف في إطار الجرائم ضد الانسانية.

صفير 
الاستاذان في القانون الدولي المحامي انطوان صفير، والمحامي انطونيوس ابو كسم الذي يشغل ايضا مركز محام رئيسي لدى المحكمة الخاصة بلبنان، يتفقان على ان المبدأ الاساس هو عدم تقادم جرائم الحرب ضد الانسانية مهما طالت مدتها. ويحدد صفير ان الابادة هي جريمة واقعة تحت طائلة القانون الدولي بموجب معاهدة 1948 التي وضعت موضع التنفيذ عام 1951 بموجب القرار 620 الذي حدد جرائم الابادة. وكان اول الغيث الدولي ملاحقة جرائم الابادة التي حصلت في رواندا والبوسنة. وفي رأيه ان المحكمة الجنائية الدولية تصبح مخوّلة النظر في جرائم الابادة اذا تلكأ القضاء الوطني او كان غير قادر على ذلك. وفي حال الابادة الارمنية والمجازر السريانية التي حظيت باعترافات مهمة على المستوى الدولي، يمكن الدولة الارمنية التحرك كدولة لها شخصيتها المعنوية المستقلة في القانون الدولي والتقدم بطلب تعويضات استنادا الى معاهدة اوسلو 1899 و1907 التي تتيح الحصول على تعويض مالي و/أو عقاري و/أو فردي وجماعي. لكن صفير يطرح سؤالا قانونيا حول ما اذا كانت تركيا الحالية تشكل امتدادا للشخصية المعنوية للسلطنة العثمانية؟

ويعود صفير الى المراجع التاريخية ليؤكد جملة معطيات تثبت مسؤولية الاتراك المعنوية، مثل قرار وزير التجارة والزراعة التركي عام 1916 تحويل جميع اموال المؤسسات الاقتصادية الارمنية الى الحكومة، والتعهد التركي الواضح في معاهدة سيفر بعد الحرب العالمية الاولى بمحاكمة مجرمي الحرب ومرتكبي الجرائم ضد المواطنين من اتنيات مختلفة. ويوضح انه “يمكن الملاحقة امام المحاكم الوطنية والمحكمة الاوروبية لحقوق الانسان للمطالبة باعادة الممتلكات المستولى عليها اثناء الابادة وبعدها من دون ان يصل الامر الى حد المطالبة باعادة أراضٍ الى السيادة الارمنية. كما لا يمكن ملاحقة المجرمين المتوفين والدول امام المحكمة الجنائية الدولية، في حين يمكن المطالبة بالتعويض امام محكمة العدل الدولية، الامر الذي يحتاج الى موافقة تركيا للمطالبة بالتعويضات والاعتذار والاعتراف بالجرائم وجملة امور أخرى”.

أبو كسم

أما بالنسبة إلى المحامي ابو كسم، فإن المبدأ الاساس هو عدم تقادم جرائم الحرب ضد الانسانية. ويشرح ان العقدة الاساسية في العدالة الجنائية الدولية تتمثل في ان مرتكبي جريمة الابادة والضحايا ما عادوا على قيد الحياة، ما يعني ان المدخل الوحيد يتمثل في محاكمة الدولة ككيان لطلب التعويضات. ويشير الى شيء اسمه “الجبر” وانواع التعويضات مثل رد الحقوق، والتعويض، واعادة التأهيل وضمان عدم التكرار. وتاليا يحق للدولة الارمنية، استنادا الى قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة 60 – 147 الصادر في 16 كانون الاول 2005 تحت اسم “الحق في الانتصاف والجبر لضحايا الانتهاكات الجسيمة”. لكن المثير في الأمر ان حكومة يريفان الارمنية لم ترفع اي دعوى ضد الدولة التركية حتى الساعة على رغم ان تركيا انضمت في 31 تموز 1950 الى اتفاق منع جريمة الابادة الجماعية والمعاقبة عليها للعام 1948، في حين انضمت الجمهورية الارمنية الى المعاهدة بعد الاستقلال في 23 حزيران 1993، وما عليها اليوم سوى المبادرة الى رفع دعوى امام محكمة العدل، والكلام للمحامي ابو كسم.

ليست الابادة الارمنية هي الأولى ولن تكون الاخيرة في تاريخ الانسانية، فالدولة الالمانية دفعت 60 مليار دولار الى حكومة اسرائيل عام 1952 تعويضات عن المجزرة اليهودية التي ارتكبها النازيون، ومحكمة العدل الدولية عملت على قضايا كثيرة مشابهة وإن كان عدد ضحاياها اقل في يوغوسلافيا السابقة. ويشرح ابو كسم ان فريق AGRSG المهتم بدراسة الابادة الارمنية حدد قيمة الاضرار الناجمة عن الابادة بـ100 مليار دولار، وتاليا فإن محكمة العدل الدولية يمكنها اقرار التعويضات للدول بموجب المادة 36 من نظامها الاساسي، لكن الامر يحتاج الى قرار من الحكومة الارمنية برفع الدعوى. ويشير الى حل آخر يتمثل في قرار عن مجلس الامن تحت الفصل السابع كما جرى بالنسبة الى التعويضات التي فرضت على العراق بعد احتلاله الكويت، لكن ذلك أمر مستبعد في ملف الابادة الارمنية.

خير
في رأي المدير التنفيذي لمؤسسة “الحق الانساني” وائل خير ان جرائم الاعتداء والابادة كانت مذ كانت البشرية، ومفهوم التعويض حديث ويعود الى الحرب العالمية الأولى عندما رفض الحلفاء على المانيا التعويض عن الخسائر التي تسببوا بها. ولاحقا كانت محاكمة النازيين على الهولوكوست اليهودية. لكنه يستدرك ان ثمة ملاحظات كثيرة على محاكمة النازيين في نورمبرغ ولماذا حوكموا ولم يحاكم الجيش السوفياتي مثلا على قتل الآلاف من ضباط وجنود الجيش البولوني. اما في الابادة الارمنية والسريانية فالامر يحتاج الى دولة سريانية اولا، بحسب خير، والى تصميم لدى الحكومة الارمنية على المبادرة الى فعل المطالبة بالمحكمة خصوصا ان الابادة موثقة في الكثير من الوسائل والمذكرات والصور، وهي لم تبدأ في 1915 بل بدأت منذ 1895 والاتراك لم يحاولوا اخفاء ما جرى.

“النهار

Share This