كلمة الدكتور كارو بيلاوجيان في حفل توقيع كتاب سفير جمهورية أرمينيا في سوريا الدكتور أرشاك بولاديان “شهود عيان عن الإبادة الأرمنية في الإمبراطورية العثمانية”

كلمة الدكتور كارو بيلاوجيان ألقاها باسم اللجنة المنظمة، في حفل توقيع كتاب سفير جمهورية أرمينيا في سوريا الدكتور البروفسور أرشاك بولاديان “شهود عيان عن الإبادة الأرمنية في الإمبراطورية العثمانية”، في فندق “بارك اوتيل” في شتورا، جرى برعاية سفارة جمهورية أرمينيا في لبنان واتحاد بلديات البقاع الأوسط وقد نظمته هيئة إحياء الذكرى المئوية للإبادة الأرمنية في حزب الطاشناك في عنجر:

حضرة المطارنة ورؤساء الكنائس ورجال الدين،

سعادة سفير الجمهورية الأرمنية لدى الجمهورية اللبنانية أشود كوتشاريان،

سعادة سفير الجمهورية الأرمنية لدى الجمهورية العربية السورية البروفيسور أرشاك بولاديان،

معالي الوزراء، سعادة النواب،

حضرة الأمين العام لحزب الطاشناق في لبنان سعادة النائب أغوب بقرادونيان،

حضرة الدكتورة نورا أريسيان،

حضرة القضاة حضرة رئيس بلدية قب الياس الدكتور درغام توما،

سيادة الضباط وممثلي الأحزاب،

حضرة المدراء العامون ورؤساء البلديات، حضرة رؤساء الجامعات ومدراء المدارس،

حضرة الدكاترة والمهندسين حضرة الفنانين والشعراء والأدباء والمفكرين،

أيها الحضور الكريم :

اجتمعنا اليوم لإحياء ذكرى المجازر الأرمنية وهي كثيرة،نحيي اليوم الذكرى الواحدة والعشرون بعد المئة لمجازر السلطان العثماني عبد الحميد الثاني التي ذهب ضحيتها أكثر من ثلاثمئة ألف شهيد وحرق خلالها أكثر من ثلاثة ألاف وخمسمئة منزل ودمر أكثر من ستمئة وسبعون كنيسة ودير.

نحيي اليوم الذكرى السادسة بعد المئة لمجزرة أضنة التي ذهب ضحيتها أكثر من ثلاثين ألف شهيد على يد الصهاينة العثمانيين قيادي حزب تركيا الفتاة، ونجتمع اليوم لإحياء الذكرى المئوية للإبادة الأرمنية التي ذهب ضحيتها أكثر من مليون ونصف المليون شهيد، كانت جميع مراحل الإبادة مهندسة بأعلى دقة من قبل الثلاثي الاتحادي (طلعت، أنور، جمال) المدعوم بالصهيونية العالمية ففي ليل الرابع والعشرين من نيسان عام 1915 كان موعد أول مرحلة من مراحل الإبادة فقد أعتقل أكثر من ستمئة مفكر وأديب وكاتب وشاعر ونحات وصحفي وسياسي وحكيم ومهندس ودكتور وغيرهم من الطبقة المثقفة من معظم مناطق الإمبراطورية العثمانية وأبيدوا في ذات الليلة حتى يبقى الشعب الأرمني بدون قيادي.

أما المرحلة الثانية فكانت تجريد أربعون ألف عسكري أرمني يخدمون في الجيش العثماني آنذاك من سلاحه وتعذيبه حتى الموت كي لا يبقى من قادر على حمل السلاح في الصفوف الأرمنية والدفاع عنهم، أما المرحلة الثالثة فكانت قيادة كل الطبقات المتبقية من أطفال وشيوخ ونساء إلى المجهول إلى الموت المحتم. ينطوي تحت تسمية الإبادة الأرمنية ليس فقط إبادة شعب بأكمله أو محاولة إبادته بالكامل بل إبادة لغته وحضارته وثقافته وتقاليده ووجوده وحتى إبادة عرقه .

قد يظن البعض أن أتراك اواخر القرن العشرين أو قرن الواحد والعشرين قد تغيروا أو تطورا، أو بسبب معجزة ما قد تغيرت التركيبة البشرية التركية إلى الأفضل ولكن التاريخ يشهد أن المغولي العثماني الكمالي التركي العلماني لم ولن يتغير ومجزرةسومغايت داخل أذربيجان هي شاهد على التطهير العرقي إذ أن في سنة 1988 وفي غضون ثلاثة أيام من السابع والعشرين من شباط حتى التاسع والعشرين منه وبسبب ضعف القيادة المركزية للاتحاد السوفياتي وبسبب البدء بثورة فجة لضم اقليم ناغورنوكاراباغ لأذربيجان، بدء الأذري وهو أبن عم وأخ الأتراك بمجزرة أرمنية جديدة في مدينةسومغايت التي كانت آنذاك تعيش بسلام تحت النفوذ السوفياتي حيث ذهب ضحيتها ألاف الأرمن وشُرد عشرات الألف، حيث كانت تركيا الداعم الأساسي العسكري وكانت الوسائل المستخدمة هي ذاتها التي أستخدمها التركي إبّان الإبادة الكبرى سنة 1915.

أدت تلك المجزرة إلى اندلاع الثورة ورصّ الصفوف الأرمنية والانتصار على الطاغية الأذربيجاني- التركي في 12 أيار 1994.

شاهد آخر على التطرف الأذري ظهر في 19 شباط 2004 في مدينة بودابست الهنغارية حيث كان يشارك ضباط من عدة دول منها أرمينية واذربيجان ضمن برنامج الشراكة من أجل السلام، حيث قتل الملازم الاذري راميل سافاروف باستخدام فأس الملازم كوركانماريكاريان عندما كان نائماً فقط لأنه أرمني, وكان التطرف جلياً عندما كرم الملازم الاذري على فعلته من قبل رئيس جمهوريته.

اغتيال الصحفي ورئيس تحرير صحيفة “أغوس” هرانت دينك في وضح النهار في استطنبول في 19 كانون الثاني 2007 على يد متشدد تركي فقط لأنه كان يوثق الإبادة الأرمنية، هو أيضاً شاهدٌ آخر على التخبط الدائر في اللاوعي للشعب التركي.

شهد العالم إبادات ومجازر كثيرة منها موثق وكثير غير موثق ابتداءً من مجازر سكان أميركا الأصليين الهنود الحمر سنة 1492 مروراً بمجازر الموريوريونوالأكراد والرونديون والبوسنيون وغيرهم, ولكن شهدت المجازر الأرمنية متابعة رخيصة وذليلة على أيدي تنظيمات متطرف المدعوم من الحكومة التركية علناً تدميرها لكنيسة الشهداء الأرمن في دير الزور في 21 أيلول 2014 وحرقها المستندات المتعلقة بالإبادة الأرمنية وقيامها إبادة اخرى لرفات شهداء الإبادة الأرمنية التي قد جمعها الأرمن من الصحراء السورية وخاصة دير الزور.

ضمن سياسة الإنكار بالإبادة الأرمنية ومحو كل ما يتعلق من وثائق ومراجع تأكد حقيقة الإبادة حتى يومنا هذا، ففي 23 شباط 2015 موّلت تركيا بمليون دولار أميركي المتطرفين في مصر لحرق معهد مصر الذي يحتوي على مستندات تمت للإبادة الأرمنية لمحو صفحة سوداء من تاريخ تركيا.

استناداً لكل هذه الحقائق من الطبيعي أن تكمل تركيا بسياسة الإنكار لأن العنصر التركي لا ينتمي للإنسانية بشيء ولا إلى أي دين، والدين الإسلامي منه براء, لأن هو من حرض ودعم وقتل ومزق وحرق ودمر ونفى ليس فقط الشعب الأرمني بل أيضاً الشعب الأشوري والكلداني والسرياني والكردي والبلغاري والعربي وغيرهم, فقط لكي يتوسع شرقاً نحو آسيا الوسطى لإشباع أطماعه الطورانية وبناء إمبراطورية لا يعيش فيها إلا العنصر التركي ولادين إلا الدين الإسلامي حسب قولهم!

هذا هو تاريخ تركيا الدموي بشكل وجيز جداً على مر العصور، ولكن الشعب الأرمني استطاع رغم كل هذه الاضطهادات والضغوط والاحتلال والمجازر والإبادة أن يحافظ على العنصر الأرمني وأن يبني دولة مستقلة قوية بتاريخها وحضارتها حتى ولو بقي من تلك الحضارة القليل, واستطاع أن ينتصر في ناغورنوكاراباغ ويمد جسور التواصل مع جميع الأرمن في الاغتراب. واستطاع الشعب الأرمني في الاغتراب أن يتطور ويحافظ على لغته وتاريخه وحضارته وتقاليده وأن يثقف جيلاً بعد جيل قادراً على حمل شعلة المستقبل التي ستنير درب الشعب الأرمني.

السياسة التركية المنظمة عبر الاعلام لن تكون عقبة على جيلنا الجديد أن ينسى تاريخه ولن تكون عقبة على بناء أرمينية جديدة قادرة دائما على المطالبة باعتراف دولي جامع بالإبادة الأرمنية.

نشكر جميع البرلمانات والولايات والمحافظات والحكومات والدول التي اعترفت بالإبادة الأرمنية وعلى رأسهم الدولة العربية الوحيدة وهي الجمهورية اللبنانية حيث أن كثير من دول العالم يجب أن تسير على خطى احترام الشعوب وتقرير مصيرهم واحترام الحقوق الإنسانية كما فعلت الجمهورية اللبنانية.

منا كل الاحترام والتقدير إلى الأمة العربية وخاصةً الشعبين اللبناني والسوري على احتضانهم للأرمن وتقديرهم لهم واعتبارهم أخوة وأخوات كما ينص الدين الإسلامي الحقيقي، وتحية إكرام وتقدير لكل من ساعد وحوى وقدر واحترم وحضن طفل أو طفلة عجوز أو شاب أو شابة وأبقاهم على ما كانوا عليه أي أرمن, ومن الطبيعي أن لا ننسى لأن النسيان ليس من شيم الشعب الأرمني أن نشكر الأمة العربية والإسلامية على ماقدمته من دعم معنوي للشعب الأرمني كي يحافظ على لغته وتاريخه ودينه.

والشكر الدائم للأحزاب الأرمنية جميعاً وعلى رأسهم حزب الطاشناق الذي بذل قصارى جهده على متابعة القضية الأرمنية منذ بدايتها وعلى شمل القوى الأرمنية واهداء أول استقلال للجمهورية الأرمنية عام 1918، وعلى ضمه جميع الأرمن في الاغتراب كأنهم بنية واحدة وعلى معاقبة كل قياديّ الإبادة على ايدي الثوار الأرمن، وعلى تشجعيه كل فرد أن يقدم الغالي والنفيس ليس فقط للوطن الذي حضنه بل أيضاً للوطن الأم أرمينيا.

تحية اجلال للأم الأرمنية التي ورغم كل المجازر ربت أولادها على الخير والجمال.

تحية اكبار إلى المعلم والمعلمة الأرمنية الذين نهضوا ونوروا الأجيال الصاعدة على الحق والمطالبة بتنفيذه.

تحية اكرام إلى رجال الدين الأرمن الذين زرعوا الأيمان في قلوبنا ووجداننا وأكدوا لنا أن حقاً الشعب الأرمني هو أول شعب في التاريخ اعتنق الديانة المسيحية.

أم الأب الأرمني فلا ينتظر أي تحية لأنه هو الذي قام بتلبية التحيات لكل أفراد الأمة بكل تواضع وهو الذي لا ينتظر أي وسام لأنه يعتبر تهيئة جيلاً أرمنياً واعياً وصادقاً لأمته وقضيته هو أثمن وسام على صدره .

ختاماً نقول إذا كان العدو التركي يراهن على أن الجيل الأرمني الرابع بعد الإبادة في الاغتراب وأرمينية الأم سينسى القضية الأرمنية فنحن نقول له أن الذاكرة الأرمنية حية ولاتوجد أي قوة على وجه الأرض تمحو حرفاً من تلك الذاكرة لأننا نربي أجيالنا كي يكونوا متجذرين في أرضهم كما جذور آرز لبنان وعلى العدالة الناصعة كما ثلج جبل آرارات ومثلهم الثوري الأعلى ثوار جبل موسى الذين انتصروا على طغيانكم .. وشكراً …

Share This