الأسقف أشود مناتسكيان مطران الأرمن الأرثوذكس بمصر: مذابح الأتراك ضد الأرمن حرب عرقية وليست دينية

سهير عبد الحميد

الكنيسة الأرمينية الأرثوذكسية من أقدم الكنائس فى العالم، فالدولة الأرمينية هى أول دولة فى العالم اعترفت عام 301 ميلادية بالمسيحية دينا رسميا للدولة. وتعتبر الكنيسة الأرمينية إحدى الكنائس الأرثوذكسية الشرقية الخمس، والتى يشترك جميعها فى المبادئ الدينية. لكن الكنيسة الأرمينية تختلف فى الملابس والترانيم والطراز المعمارى والتقاليد، وتحكمها لائحة خاصة فى القانون المصرى وعندما ينتخب المطران لرئيس الحكومة المصرية، يتم اعتماده بقرار جمهورى ويتم منحه الجنسية المصرية، إذا لم يكن مصريا. ولذلك تعتبر الكنيسة الأرمينية الأرثوذكسية وحدة إدارية مستقلة أمام الحكومة المصرية، ومن الناحية الروحية تتبع الكنيسة الأم فى أرمينيا.

وتستعد الكنيسة للذكرى المئوية التى تشارك فيها كنائس الشرق أوسط، استعدادا كبيرا يبغى تحقيق عدة أهداف صاغها الأسقف أشود مناتسكيان مطران الأرمن الأرثوذكس بمصر فى حوارى معه:

كيف يشارك الأرمن المصريون من خلال الكنيسة فى إحياء ذكرى المئوية؟ وما الرسالة التى تحرصون على توجيهها للعالم أكمل؟ 

جزء كبير من الأرمن المصريين انتقلوا إليها بعد المذبحة، ولذلك لا نستطيع إلا أن نشارك فى المئوية، ولذلك تم تأسيس لجنة مشتركة بين الكنيسة الأرمينية الأرثوذكسية ونظيرتها الكاثوليكية، وكل المؤسسات الأرمينية الموجودة بمصر، أما اللجنة الثانية فتكونت داخل البطرخارنة من أربعة أعضاء، واللجنتان تسعيان إلى تعريف العالم كله بإلابادة الأرمينية عبر الصحافة والتليفزيون، وعقد المؤتمرات والمنشورات والكتيبات، وحتى الآن قطعنا شوطا طويلا على هذا الطريق وسعداء بما أنجزناه فى سبيل تحقيق أهدافنا التى لا تقتصر على مجرد التعريف بالمذبحة فى مصر والعالم العربى، فنحن نريد للعالم أن يعرف أن هناك جريمة قد ارتكبت وأن الأتراك لم يرتكبوا جريمة ضد الأرمن فحسب، بل هى جريمة ضد الإنسانية، ولابد للعالم أن يقوم بإدانتها حتى لا تتكرر ثانية. كما نسعى أن تصل الرسالة إلى تركيا حتى يعيدوا النظر إلى تاريخهم ويقولوا الحقيقة لشعبهم، لأنهم ما زالوا مصرين على تزوير الحقائق أمام شعبهم وأمام العالم.

لدينا هدفان: الأول أن تظل القضية حية تتناقلها الأجيال حتى يتم الحصول على اعتراف تركى ودولى بالإبادة، وهذا ما ظللنا حريصين عليه، فرغم مرور مئة عام على المذابح، فإن حماسة الأرمن تزداد فى الدفاع عن قضيتهم. فهى لم تفتر يوما ولم ينجح الأتراك أبدا فى هذا.
لقد قال أحد الزعماء الأتراك “نفذوا الإبادة وتركوا أرمينيا واحدا لوضعه فى المتحف”، وما حدث بالفعل كان عكس ما أرادوا فقد عاش الأرمن وتكاثروا وانتشروا فى مختلف دول العالم.. الهدف الثانى: أن يشارك العالم كله فى طرح قضيتنا وتبنيها وقد أنجزنا شوطا طويلا فى هذا. فهناك أكثر من أربعين ولاية فى الولايات المتحدة اعترفت بالإبادة، كما أن هناك أجانب أصبحوا يدافعون عن القضية الأرمينية كأنهم من الأرمن.كذلك فى مصر هناك كتاب آمنوا بالقضية وتبنوا الدفاع عنها من منطلق إنساني.

وماذا عن الكتاب الأتراك.. أعلم أن هناك منهم من دافع عن القضية الأرمينية ودفع الثمن غاليا؟

هنا تحقق إنجاز آخر، وهو أننا وصلنا إلى داخل تركيا، وظهر من بين الأتراك من اعترف بوقوع الإبادة، وطالب الحكومة التركية بالاعتراف بها. وهذا هو الإنجاز المهم، ومنهم من يعيش خارج تركيا، لأن طرحهم لمثل تلك الأفكار تجعلهم موضع تهديد، فللأسف العقلية التى ارتكبت المذبحة ما زالت موجودة وهى التى تتولى الحكم وترفض الاعتراف بالمذبحة، لكننا نؤمن أنه طالما أننا نمتلك الحق فعلينا ألا نكتمه.. “حتى لو لم يتكلم الناس لتكلمت الأحجار” كما فى الإنجيل.
الأتراك يدافعون عن أنفسهم ويزعمون أن الأرمن خانوا الإمبراطورية العثمانية بانضمامهم إلى الروس فى الحرب؟

مسألة انضمام الأرمن للجيش الروسى لم تحدث، وحتى لو كانت حقيقية كان يمكن معاقبة الأشخاص المحاربين لا أن يقوموا بتدمير شعب بأكمله. هم يحاولون استخدام تلك الحجة لتبرير موقفهم.

الأتراك كانوا يريدون محو الشعب الأرمينى، حتى يستولوا على أراضيهم وينفذون سياسة الامتداد التركى جغرافيا، واستغلوا الحرب العالمية الأولى لتحقيق سياساتهم وعدم فقدان أى أجزاء أخرى من أراضى الإمبراطورية العثمانية، فركزوا فى القضاء على الأرمن، ولكى تنفذ الإبادة الأرمينية كان لابد أن توضع مراحل، فبدأ العثمانيون بطريقة سرية فى البداية بتصفية المثقفين والمفكرين والأطباء والمهندسين. وفى الخطوة الثانية قاموا بجمع كل الرجال القادرين على حمل السلاح وأرسلوهم إلى مواقع قتال دون أسلحة ووضعوهم فى بيئة للقضاء عليهم. وفى المرحلة الثالثة جمعوا النساء والأطفال إلى الصحارى. فقاموا بإجهاض النساء ببقر بطونهن وألقوا بالأطفال إلى البحر، وكانوا يلعبون برءوس الأطفال كرة قدم، رؤساء الكنائس تم جمعهم فى مغارات وحرقهم داخلها أحياء. وقاموا بتدمير الكنائس والأماكن الأثرية والمدارس واستولوا على الأراضى.

بعض المراجع التاريخية تنظر للقضية الأرمينية بوصفها صراعاً دينياً فكيف ترونها؟ 
في الرسائل الرسمية للعثمانيين كتبوا أنهم ارتكبوا هذا باسم الدين، وهم أرادوا بذلك توظيف الدين لاستمالة الشعب التركى ليشارك فى عملية الإبادة هم والأكراد، كما أنهم وعدوا هؤلاء بالحصول على ممتلكات الأرمن بعد التخلص منهم.

لكننا لا نضع القضية الأرمينية فى إطار الصراع الدينى، لأن أول من استقبل المشردين الأرمن هم العرب المسلمون فى مصر والعراق وسوريا ولبنان، فكيف يكون صراعا دينيا، العرب المسلمون أعطوا الفرصة للأرمن للعيش فى مجتمعاتهم إيمانا بأن الأرمن شعب مسالم ومجتهد وأمين.

الأهرام

Share This