نرفض العثمانية الجديدة من ساحة الشهداء ودير الزور

إن برنامج عمل مكثف بانتظار المنظمات الأرمنية في لبنان، والطائفة الأرمنية بوجه أعم. ويلفت انتباه الجميع حدثان أساسيان. فاليوم، يصل الى لبنان رئيس الدولة الحريصة على تعزيز العثمانية الجديدة. وبذلك، تستقبل الحكومة اللبنانية بحفاوة بالغة قائد العثمانية الجديدة.

وهنا تكمن المفارقة. عندما تعلن أنقرا رسمياً أنها وريثة الامبراطورية العثمانية وأنها تتبع العقيدة العثمانية من أجل منح الامبراطورية طابعاً جديداً وتوسيع دائرة التأثير، فإن الدولة والشعب اللذان تضررا من الامبراطورية العثمانية وتعرضا للقتل والاضطهاد والمجاعة يستقبلان ويكرمان وريث السفاح، وضميرهم مرتاح للغاية.

إن الاحتجاج على زيارة رئيس الوزراء أردوغان لا يحمل أية مضامين أرمنية صرفة. رغم أنه لا يجدر لأية قوى سياسية أن تمتلك حق معارضة أية تحضيرات لاحتجاجات منطلقة من اهتمام أرمني. فالأرمن اللبنانيين يشكلون إحدى أهم الطوائف في المجتمع اللبناني. ولكن الآن ليس وقت مناقشة هذا الموضوع.

فالمسألة لها بعد لبناني شامل، أولاً كماضي ودرس يأتي من التاريخ ويجدر البحث فيه، وثانياً، كسياسة معاصرة.

فلبنان الذي لا تربطه مع اسرائيل أية علاقات دبلوماسية، والذي يواجه تهديدات اسرائيل بشكل دائم، ويتحمل النتاج العدائي الاسرائيلي كل يوم، يستقبل شريك اسرائيل الاستراتيجي الفريد.

فهذا الشريك، ومن خلال استعراض مشاهد مسرحية معادية لاسرائيل، يهدف لاستلام الدور المفتاح لحل عقد المنطقة ولبنان، وخلق مناطق تأثير، والتواجد، واستلام الأدوار تحت غطاء مجالات الصحة والتربية والأعمال الخيرية. وبكلمة أخرى، استغلال الساحة اللبنانية ليتحول الى قوة إقليمية. ينبغي ألا يفوت ذلك على القوى السياسية اللبنانية.

ومن الطبيعي إدراك وجود اتفاق في المصالح. فاتفاق المصالح له طابع مؤقت وعلى مدى قصير. وينبغي على الجانب اللبناني أن يتحرك بحيث لا يضطر في الوقت القصير هذا توقيع اتفاقية استراتيجية على المدى البعيد مع شريك خصمه الأول.

وبالتوازي مع هذا الحدث، يصل رئيس المجلس الوطني في أرمينيا الى بلد جار للبنان، حيث صرّح من منبر مجلس الشعب السوري التزام الدولة الأرمينية بالاعتراف بالابادة الأرمنية، ورفض الانصياع للشروط التركية، مضيفاً أن الجانب الأرميني قد اتفق بعدم وضع شروط مسبقة لتطبيع العلاقات مع تركيا. وأن الذي يضع شروطاً مسبقة لتنفيذ تلك العملية هو الوريث الشرعي للامبراطورية العثمانية.

نعم، هو الوريث الشرعي نفسه الذي ينبغي على الجانب اللبناني ألا ينجرف في شركه. تتسارع الأحداث بحيث يعبّر الأرمن اللبنانيون عن رفضهم للعثمانية الجديدة عبر الاعتصامات والاحتجاجات في ساحة الشهداء من جهة، ومن جهة أخرى، عبر رفض الشروط التركية المسبقة من خلال المشاركة في “التيليتون” (جمع التبرعات) ودعم مشاريع التنمية في أرتساخ.

و في “صدفة سياسية”، وخلال الأيام التي يزور فيها رئيس تركيا بيروت، يصل الى سوريا رئيس المجلس الوطني الأرميني، حيث يتحدث عن أهداف ورثة الامبراطورية العثمانية. وتتزامن زيارته الى دير الزور مع التكريم الذي سيلاقيه ذلك الوريث في لبنان.

فالأرمن المتجمعون في ساحة الشهداء كما في صحراء دير الزور في نفس الساعة سيكشفون خداع العثمانيين الجدد وسيرفضون تكريم ممثلهم، وسيحتجون على قرار مماثل، وسيؤكدون من جديد التزامهم الجماعي تجاه حقوق الأرمن التاريخية.

افتتاحية جريدة “أزتاك” الأرمنية

24 تشرين الثاني 2010

Share This