أجراس الثقافة الأرمنية ما زالت تقرع

تشبه الموسيقى الارمنية سفينة نوح، المرسومة في الشعار الرسمي للجمهورية الارمنية، والتي حملت معها الهوية والتراث، لتحمي الارمن من طوفان المذبحة، في حين شكل كل مكان وطئت فيه أقدام الناجين مساحة جديدة، ليصح ما قاله الكاتب الارمني وليم سارويان: «أرْسلهم إلى الصحراء من دون طعام أو ماء، أحرق منازلهم وكنائسهم، ثم انظر اليهم لترى أنهم سيضحكون مجدداً ويغنّون ويصلّون، لأنه عندما يجتمع اثنان منهم في مكان ما في العالم فسيخلقون أرمينيا جديدة».

لم تستطع فرقة «قابضي الارواح» المؤلفة من قطاع طرق ومجرمين، والتي أطلقها السلطان عبد الحميد الثاني سنة 1903، ان تتملك الشعر والموسيقى والغناء، فسكاكين العثمانيين التي قتلت 196 أديباً، و168 فناناً، و64 ممثلاً ومخرجا، و575 موسيقياً، عجزت من منع الارمن من الحفاظ على هويتهم، فكانت المدرسة والكنيسة والاحزاب والنوادي خير وسيلة لمنع تحقيق الابادة الثقافية بعد الجسدية للأرمن.

وتعتبر اللغة العامل الاساس في الحفاظ على الهوية الارمنية، فلا تدخل منزل عائلة أرمنية، إلا ويكون الحديث المتداول هو باللغة الام، وهو ما ينسحب على روابط العلاقات العائلية، فالعبرة الاساسية تكمن في المحافظة على الارمن ومنع إفنائهم.
ومع ذلك، فإنّ حرص الارمن على صيانة هويتهم لم يمنعهم من الاندماج المجتمعات، فأصبح منهم في سوريا اعضاء في مجلس الشعب والحكومات والاحزاب السياسية.
ويبقى الحفاظ على الخصوصية الارمنية هاجساً مشروعاً لدى الارمن، وهو ما دفع بكنائسهم الى افتتاح مدارس خاصة تعنى بتدريس اللغة الارمنية، الى جانب المواد العربية.
وفي كل كنيسة ارمنية ثمة مدرسة ملاصقة لها، مثل «مدرسة النور والمنار» في باب توما في دمشق، والتي تعد في بنائها مكملة لكنيسة الارمن الكاثوليك
داخل الكنائس، التي تشكل لدى الارمن عامل فخر، كونهم اول دولة تعترف بالمسيحية كدين رسمي، تتلى الصلوات باللغة الام، فيما تقام الطقوس وفق التقليد واللباس المعروف لدى الأرمن.
وتعد الكنائس الموجودة في سوريا أحد الشواهد على المذابح التي تعرضوا لها، وابرزها، في هذا الإطار، «كنيسة شهداء الارمن» في حي الراشدية في دير الزور، لكونها كانت الوجهة الاولى للهاربين من المذابح من منطقة الاناضول، بحكم القرب الجغرافي من الحدود مع تركيا.

وتضم «كنيسة شهداء الارمن» رفات وعظام لشهداء انتشلت من الجزيرة السورية ودير الزور. وقد تعرضت للتدمير من قبل تنظيم «الدولة الاسلامية في العراق والشام».
أمّا في حلب، فتعد الكنائس رمزاً للتجمع الارمني في المدينة، حيث شكل عدد الهاربين ربع سكان المدينة خلال عام 1915، ومعظمهم قدم من كيليكيا.

وبدورها، تشكل النوادي الثقافية والفرق الكشفية الرديف الاجتماعي للأحزاب الارمنية، فالدخول ضمن المجتمع لم يكن بشكل سياسي، بقدر ما كان بشكل اجتماعي وثقافي.وتأسست النوادي لتعكس الصورة الثقافية العريقة للارمن.وبرغم الازمة الحالية، تعتبر حلب نموذجا لهذا العمل، حيث تحولت النوادي والفرق إلى العمل الاغاثي في الاحياء التي تتواجد فيها، وبخاصة بعد تعرض المدينة لعمليات قصف مستمرة بقذائف الهاون والصواريخ.
وقد حافظت النوادي على العلم الارمني في نشاطاتها، الى جانب علم البلد المضيف.
في الموسيقى والفن، كان التأثير الاكبر.

وتقول إحدى العائلات لـ «السفير»، إن الموسيقى واللغة هي التي حملت هويتنا، ونقلها لنا اجدادنا من الذين تعرضوا للابادة.

ويوضح احد افراد العائلة الارمنية إن «الثقافة بالنسبة إلينا هي حياتنا المتكاملة، ولهذا تكثر المواهب الفنية في الوسط الارمني».

تعبر الاغنية الارمنية عن محتواها في الغناء والرقص معا.ومع المذبحة اصبحت الموسيقى تحكي قصص الشهداء والعائلات التي تعرضت للتنكيل على الطرقات، أضافة لتحول الشعر، كما تصف العائلة، إلى ضمير الامة الارمنية، وخاصة من الذين شهدوا على المجزرة بعيونهم، فكتبوها شعراً ومسرحاً.

يوم 24 نيسان ستقرع أجراس الكنائس الارمنية في كامل انحاء العالم 100 مرة، مع مرور قرن من الابادة، وذلك الساعة السابعة والربع ( 19:15 ) كرمز على تاريخ وقوع المجزرة.
هي أجراس تتذكر الماضي ، وتلتقي مع الحاضر في سوريا، في ظل ما يتعرض له الشعب السوري من المجموعات التكفيرية، منذ ايام السلطان الاحمر العثماني إلى ايام «الخليفة» الاسود ابي بكر البغدادي، في محاولة مشابهة لإبادة التنوع الحضاري في البلاد.

وسام عبد الله

السفير

Share This