جامعة الروح القدس في لبنان أحيت الذكرى المئوية للإبادة الأرمنية ومؤتمر بعنوان “الإبادة الأرمنية: مئة عام…وماذا بعد؟”

أحيت جامعة الروح القدس- الكسليك الذكرى المئوية للإبادة الأرمنية، في مؤتمر نظّمته كلية الفلسفة والعلوم الإنسانية فيها بعنوان “الإبادة الأرمنية: مئة عام…وماذا بعد؟”، بحضور وزير الطاقة والمياه أرتور نظاريان، ممثل بطريرك الأرمن الكاثوليك نرسيس بدروس التاسع عشر الأستاذ رفائيل أوموديان، أمين عام حزب الطاشناق النائب هاغوب بقرادونيان، النواب جان أوغاسبيان وشانت جنجنيان وألبير مخيبر، رئيس جامعة الروح القدس- الأب هادي محفوظ، المديرة العامة للإدارة المركزية للإحصاء الدكتورة مارال توتاليان، أمين عام الجامعة الأب ميشال أبو طقة، عميدة كلية الفلسفة والعلوم الإنسانية البروفسورة هدى نعمة، وحشد من الفعاليات الدينية والحزبية والسياسية والاجتماعية والأكاديمية والطلاب.

بعد النشيدين اللبناني والأرمني، افتتحت المؤتمر أمينة السر الأكاديمية للكلية د. كارين نصر ديميرجيان بكلمة ترحيبية عرّفت فيها بموضوع المناسبة وبالمحاضرين.
ثم تحدثت عميدة الكلية المنظِّمة البروفسورة هدى نعمة التي قالت: “في لحظةٍ حاسمة من تاريخنا، في نقطة تحوّل مصيرية في مستقبلنا في الشرق الأوسط، في لحظة شاهدة على تنامي الظلم والتعصّب وارتفاع حائط الكراهية وازدياد الشعور بالغربة، يظهر الوعي الجماعي للشعب الأرمني ليؤكّد لنا أنّ النسيان غير مدوّن في سجل شعب حي، وأنّ المغفرة ليست غريبة عنه، إنّما ينبغي دائماً ترك مكان للحقيقة التاريخية وتذكرها على الدوام”. وشددت على وجوب بناء اتحادٍ للأقليات بهدف تأليف أغلبية الأقليات المتحدة في إطار التنوّع الثقافي والحضاري في مواجهة الطغيان وتفاقم الأصولية الدينيّة. وأضافت: “ورداً على السؤال: مئة عام… وماذا بعد؟ نقول: بعد ذلك، هناك المقاومة الثقافية ضد كل أشكال التطهير العرقي والديني… بعد ذلك، هناك حوار الحقيقة كي لا نستسلم في المستقبل إلى الفتنة القاتلة… بعد ذلك، هناك الاعتراف بالآخر المختلف والمتساوي والحرّ على حدٍّ سواء… إنّها المغفرة التي تُكمّل المعذرة النابعة من تأمل الإنسان وكرامته. فلنتّحد للتعبير عن عزمنا وتصميمنا لزرع الأمل ونشر المحبة حيث لم تنجح السياسة إلاّ في زرع الضرر”.

ثم انعقدت جلسة عامة قدّم فيها الدكتور صالح زهر الدين، من الجامعة اللبنانية، محاضرة بعنوان “الإبادة الأرمنية في ضوء الوثائق العثمانية والتركية”، مؤكّداً أنّ “واجب المؤرخ قراءة التاريخ “بعين الوثيقة” لا “بعين السياسة والعاطفة”، لأنّ الوثيقة هي “مرآة التاريخ” فلا تاريخ بلا وثائق ولا وثائق بلا تاريخ”. فقدّم لائحة عن أبرز هذه الوثائق والشهادات الدامغة والمذكرات الشخصية والاعترافات لأشخاص عايشوا تلك الحقبة؛ فتشير هذه الأدلة إلى أنّ “عملية الإبادة المنظّمة، والتي نفذّت بكل إتقان، لم تكن “نزعة فردية” ولا “مزاجية شخصية”، بل كانت نتيجة اجتماعات ومؤتمرات وقرارات اتخذت على أعلى مستوى حكومي”. وأمل أن “تُفتح صفحة جديدة من الوفاق والسلام والتعاون بين الأرمن والأتراك، بعد أن يُصار إلى اعتراف تركي رسمي بالمجازر الأرمنية، وإعادة الحقوق التاريخية إلى أصحابها الأصليين… مع العلم أنّ الأرمن لا يعتبرون الشعب التركي عدواً لهم، حيث أنّ الفرق كبير جداً بين الشعب والنظام الحاكم وسياسته الرسمية…”

وكان للمديرة التنفيذية للهيئة الوطنية الأرمنية في الشرق الأوسط، فيرا يعقوبيان، مداخلة قدّمت فيها لمحة تاريخية عن “مراحل القضية الأرمنية من 1915 إلى 2015″، وأكّدت أنّه “على عكس ما قد يعتقده البعض بأن القضية الأرمنية تختصر بالاعتراف الدولي بالإبادة الجماعية وبالتعويض على الشعب الأرمني حقوقه الشرعية، فإن للقضية الأرمنية أبعاداً تاريخية وأخلاقية وقانونية وسياسية، هي تأمين الاعتراف الدولي بالإبادة الأرمنية، تعزيز موقع جمهورية أرمينيا سياسياً واقتصادياً وجغرافياً، ضمان حل عادل لأزمة ناغورني كاراباخ، حيث تعتبر كاراباخ إحدى أهم ركائز القضية الأرمنية، خلق أرمينيا حرة مستقلة وموحدة، وضمان الحقوق المشروعة للشعب الأرمني في وطنه الأم أرمينيا الغربية”. ودعت تركيا إلى “الاعتراف بالأحداث التاريخية التي حصلت في تلك الحقبة، وضع حدّ لمشاعر العداء ضد الأرمن، عدم تمويل الأبحاث والدراسات المعادية للأرمن، القبول بالاعترافات الدولية بالإبادة الجماعية الأرمنية والتعويض المادي والمعنوي على الشعب الأرمني…”

كما ألقت البروفسورة سهيلة سلّوم، من جامعة الروح القدس- الكسليك، محاضرة بعنوان “نضال شعبٍ: أزمات الماضي وتحديات المستقبل”، ركّزت فيها على ثلاثة أفعال أساسية، هي: “أولاً، فعل إيمان لدى الشعب الأرمني وفعل إعتراف بالأزمات المأساوية التي مرّ بها، ثانياً، فعل أمل بقدرته على إعادة بناء ذاته، وعلى تنقية ذاكرته، وعلى تحقيق العدالة للضحايا، وعلى مواجهة كل تحديات المستقبل، وأخيراً فعل محبة وعطاء الذي يتجسّد بالمغفرة”. وخلصت بالقول: “إنّ فعل الذاكرة يقوّي فينا شعور الانتماء إلى خطٍ طويل، احترام التقاليد والمحافظة عليها، التأقلم مع علم الأنساب الذي يجذرنا في الإنسانية…”

واختتم المؤتمر بشهادة حياة للدكتورة تالار أتيشيان، من الجامعة الأنطونية، التي تحدّثت عن تجربتها الخاصة وتجربة عائلتها عقب الإبادة الأرمنية. واعتبرت أنّ “الشعب الأرمني قد نجح في الانخراط في المجتمع اللبناني بالرغم من اهتمامه بالمحافظة على هويته الأرمنية. ويعود ذلك إلى ديناميكية الشعب الأرمني للمساهمة بالتطور الصناعي والتجاري والثقافي والفني في لبنان من جهة، وإلى حسن ضيافة الشعب اللبناني من جهة أخرى. فبنى الأرمن كنائس ومدارس وجمعيات خاصة بهم”. وأكّدت أنّ “الشعب الأرمني سيستمر بنقل إرثه إلى الأجيال القادمة وبالمطالبة بالعدالة، إذ تكمن قيمة أمّة ما باستمرارية إرثها”. وفي الختام، عبّرت عن ثقتها الكاملة بعمل المنظمات الوطنية والدولية لجعل تركيا تعترف بارتكابها هذه الإبادة وبالجيل الأرمني الجديد المثقف”.

وتخلّل المؤتمر عزف على آلة الدودوك الأرمنية القديمة لنشيد روحاني عميق من وحي المناسبة، قدّمه هاغوب كالوكيان الذي تميز بزيّه الفولكلوري الأرمني.

(الوطنية)

Share This