ندوة في كلية الحقوق الفرع الثاني في ذكرى الابادة الأرمنية

بقرادونيان: نطالب تركيا بالاعتراف والاعتذار والتعويض واعادة الاراضي

الوطنية – نظمت كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية في الجامعة اللبنانية – الفرع الثاني – جل الديب ندوة حوارية لمناسبة الذكرى المئوية للابادة الأرمنية، قبل ظهر اليوم في القاعة الكبرى للفرع، شارك فيها النائب أغوب بقرادونيان، عميد كلية الحقوق الدكتور كميل حبيب واستاذة العلاقات الدولية في الجامعة الدكتورة نورا بيرقداريان، بحضور المطران نوراير اشكنيان ممثلا كاثوليكوس الارمن الارثوذكس، عميد معهد العالي للدكتوراه في الجامعة اللبنانية البروفسور انطوان عطاالله، ومديرة الفرع الثاني الدكتورة اوجيني تنوري، وعدد من الاساتذة والطلاب.

بداية النشيد الوطني ونشيد الجامعة ثم الوقوف دقيقة صمت عن ارواح شهداء المجازر الارمنية، بعده القت مقدمة الندوة كلمة رحبت فيها بالحضور ومشددة على أهمية المناسبة”.
ثم القت بيرقداريان كلمة جاء فيها: “في زمن الحرب العالمية الاولى، برزت الابادة كأداة من ادوات الحرب او ما يمكن الاشارة اليه في اللغة الاجنبية “as an act of war”، وان كانت موجهة نحو الداخل. فبعد ان دمجت مطالب الشعب الارمني من السلطنة العثمانية في “المسألة الشرقية”، المتمثلة باستبدادية الادارة وتخلفها في الامبراطورية العثمانية المتداعية وبيقظة الشعوب المستعمرة وتحررها التدريجي والتي اتسمت ايضا بالمنافسات بين الدول الكبرى المتدخلة وتعارض مصالحها المادية، نفذت على هامش الحرب العالمية الاولى، اول ابادة في القرن العشرين، ذهب ضحيتها ما يقارب المليون ونصف المليون من الارمن”.
واضافت: “يرى المفكرون ان هناك طريقتين لمقاربة الابادة الاولى للقرن العشرين. المقاربة الاولى تندرج في سياق الربط بين واقع الابادة وظروف الحرب العالمية الاولى التي ساهمت في تمريرها، والمقاربة الثانية تفسرها ضمن الاطار المحلي الداخلي، اي تنفيذ مجازر واسعة النطاق داخل الدولة”.

وختمت: “يمكن القول ان ابادة الارمن في عام 1915، تجسد الحالتين. لقد نفذت الابادة في اطار حرب شاملة زمنيا، ولكنها جسدت في نفس الوقت سياسة دولة مستقلة تبغي الغاء جزء مهم من مواطنيها”.

ثم القى حبيب كلمة قال فيها: “مليون ونصف مليون أرمني لاقوا حتفهم عام 1915 في واحدة من أفظع الجرائم في تاريخ الإنسانية. وهذه الجريمة اقترفتها السلطنة العثمانية، وأي انكار للابادة يعني امكانية حصولها من جديد، وهي تحصل الآن. وما أشبه اليوم بالبارحة حيث تتمادى “داعش” في ذبح وتهجير الأقليات، وسط صمت عالمي مريب وللتذكير فقط، الشعب الأرمني هو أول من بنى الكنائس، وتركيا وداعش هما أول من هدمها في نينوى والموصل وفي كافة أنحاء سورية”.

اضاف: “حتى لا تتكرر الإبادة الأرمنية في المستقبل، على تركيا، أن تعترف بحصولها، وعلينا أن ندينها على فعلتها الآثمة. فما يريده الشعب الأرمني هو: اعتراف تركيا بتنفيذ الابادة بحق الأرمن – الاعتذار عن قتل مليون ونصف مليون أرمني – تقديم التعويض المادي لأبناء الضحايا وأحفادهم – اعادة أراضي غرب ارمينيا (شرق تركيا حاليا) اليها”.

ثم كانت كلمة النائب اغوب بقرادونيان قال فيها: “اننا نعيش في عصر التحولات الكبرى والتغيرات الديموغرافية الكبرى، زمن تقسيم الدول وشرذمة الشعوب نعيش في عصر الثورات الكبرى والحروب الكونية بترجمات محلية. اننا نعيش عصر الصفقات السياسية والاقتصادية الكبيرة على حساب الشعوب الصغيرة المقهورة. نعيش زمن التناقضات، زمن الشعارات الزائفة والمبادئ الرنانة، مبادئ الكبار لاجل الصغار، نعيش زمن المزايدات في مجال حقوق الانسان والديموقراطية، زمن محاربة الارهاب وضرب حقوق الشعوب، نعيش زمن الاكاذيب، زمن المزايدات، وزمن الكلمات. اننا نعيش زمن الحكمة والجنون، زمن حقوق الانسان وذبح الانسان، زمن الحقيقة وطمسها، زمن العدالة وارتكاب الجرائم باسم العدالة، زمن الحرية وانتهاكها، نعيش زمن الاستشهاد وزمن المقابر الجماعية زمن المؤامرات المستمرة وزمن الانتفاضات الشعبية”.

اضاف: “اننا ببساطة نعيش في زمن مجهول، زمن انكار الجرائم وعدم معاقبتها، زمن الظلم والظلام، زمن القهر والاستبداد، زمن الكذب والتكاذب، زمن الصمت المريب والرهيب. وفي هذه الازمنة الرديئة يأتي الارمني في كل اصقاع العالم ليتذكر لا بل ليذكر الجميع بأن “القضية الارمنية قضية حية تعيش، لان وراءها شعب يناضل ويكافح”.

وتابع: “لن ادخل في تفاصيل ما حدث قبل 100 سنة ونحن انطلقنا نحيي المئوية الاولى لذكرى جريمة ابادة الشعب الارمني. لن استنكر المأساة ولا طرق القتل والتشريد وبكاء الاطفال وسيلان الدم في الفرات والدجلة، ولا صور المشانق واكوام الجماجم والعظام في دير الزور ومرقدة ومسكنة والرقة، ولا عشرات الالاف من الايتام يفتشون في النفايات ربما يجدون حبة قمح او شعير ليكملوا طريق الجلجلة. فهذه الصور تتكرر كل يوم في منطقتنا امام اعين الدول التي كانت ولا تزال تدعم ضرب الشعوب المستضعفة واقتلاعهم في اوطانهم. لكن ببساطة اريد ان اشدد على النقاط التالية:

اولا، جريمة ابادة الشعب الارمني هي جريمة ضد الانسانية موصوفة بكل عناصرها وتداعياتها. انها جريمة تم ارتكابها عن سابق اصرار وتصميم وبقرار حزبي وحكومي، وتم تنفيذها بدقة مدروسة كاملة بدءا بالاعتقال فالتنكيل والقتل والذبح والترحيل والتشريد، فمصادرة الاملاك والاحتلال وتدمير المعالم الدينية والثقافية والتربوية والاجتماعية وتغير وجهة استعمال ما لم يتعرض للدمار، وصولا الى ارغام اللاجئين والمشردين على توقيع مستندات التنازل عن الاملاك المتروكة، فقوانين عنصرية وعدم الاعتراف بحقوق ما بقي من الارمن على اراضيهم”.

واردف: “ثانيا، جريمة ابادة الشعب الارمني جريمة مستمرة الى يومنا هذا فتداعيات المذابح والترحيل والارغام على تغيير الدين ونتائج التشريد وتغيير هوية الاراضي المحتلة وانشاء الشتات الارمني عناصر تؤكد ان الجريمة لا تزال مستمرة وستستمر حتى اعتراف الدولة التركية الحديثة بالجريمة والاعتذار عنها ودفع التعويضات المادية والمعنوية واعادة الاراضي المحتلة الى الشعب الارمني.

ثالثا، مسؤولية تركيا الحديثة في الاعتراف والاعتذار والتعويض واعادة الاراضي هي مسؤولية لا شك فيها. استمرار الدولة في القانون الدولي لا يتأثر بتغيير الحكومة او النظام فلا تعديل او تغيير الدستور ولا الانقلاب ولا الثورة ترفع المسؤولية عن الدولة، فالحكم استمرارية من السلطان العثماني الى حزب الاتحاد والترقي الى مصطفى كمال اتاتورك الى الحكومات المتتالية وصولا الى زعماء تركيا اليوم من اردوغان وداوود اوغلو وشركائهم”.
واشار الى ان “المبدأ القانوني العام واضح ان الحق لا يمكن ان ينشأ عن باطل. فلا يمكن لتركيا الادعاء بحقها في الاراضي الارمنية المحتلة او المطالبة بها بموجب القانون الدولي بناء على ان الذي يأتي طالبا للعدل يجب ان يكون طاهر اليدين وتركيا ليست طاهرة اليدين. تركيا الحديثة تتحمل المسؤولية الكاملة على اساس معاهدات برلين 1878 وسيفر 1920 ولوزان عام 1923. انها تتحمل المسؤولية لانها قامت بالاخلال بواجب الحماية وقامت بحيازة ومصادرة املاك تعود للارمن. المسؤولية تتحملها بموجب قرارات عصبة الامم وعن عدم مقاضاة ومعاقبة مدبري ومنفذي المذابح ومجرمي الحرب”.

وقال: “تركيا تتحمل المسؤولية لانها قامت ولا تزال تقوم بانتهاكات للقانون الدولي في المجالات التالية: في الميثاق الوطني التركي – في الاستمرار في المذابح في الجمهورية التركية – في جرائم الحرب اثناء الحرب العالمية الاولى وحرب 1920 بين تركيا وارمينيا – في الترحيل بقوة السلاح الذي استمر حتى 1929 – في خرق بنود حماية الاقليات في معاهدة لوزان – في الاستمرار في مصادرة واحتلال الاملاك العامة والخاصة العائدة للكنيسة الارمنية ولاشخاص ارمن. وتتحمل تركيا المسؤولية بموجب ميثاق الامم المتحدة وشرعة حقوق الانسان واعلانات واتفاقيات حول حقوق الانسان وجرائم وابادة الاجناس”.
اضاف: “رابعا، مسؤولية الدول ولا سيما الدول التي كانت حليفة مع الدولة العثمانية وتلك التي تحالفت مع الجمهورية التركية ولا تزال تحافظ على حلفها معها رغم الانتهاكات المستمرة للديموقراطية وحقوق الانسان وكل المواثيق والاتفاقات الدولية بشانها وبشأن جرائم الحرب والجريمة ضد الانسانية وسياسة انكار الجريمة.

فانطلاقا من هذه العناصر والثوابت نقول:

-ان جريمة ابادة الارمن جريمة ضد الانسانية وهي قضية كل انسان شريف يؤمن بالكرامة والعدالة والحرية وحقوق الانسان انها ليست قضية الارمن فقط لا بل قضية كل انسان لا يزال في قلبه ذرة من الانسانية

– دول العالم وخاصة تلك التي تنادي بمبادئ جميلة ورنانة مسؤولة عن استمرار الجريمة. فهي مدعوة للاعتراف بجريمة ابادة الارمن وبمسؤولية تركيا عن تلك الابادة ليس ارضاء للشعب الارمني لا بل ارضاء لشعوبها وارضاء لمبادئها ولمصداقية مواقفها. فاعتراف الدول بجريمة ابادة الارمن ليس منة منهم لا بل واجبهم وهم مجبرون على ذلك.
– على تركيا ان تعترف بجريمة الابادة والكف عن انكار الجريمة وكأنها لم تحصل. فهذه ليست مسألة تاريخية متروكة للمؤرخين للنظر فيها. انها واقع عشناه ولا نزال نعيشه والانكار لا ولن يجدي. الارمن في الانتشار وفي ارمينيا لن يسمحوا بأن يجلس المجرم التركي على تلال الجماجم والاجساد رافعا يديه الملوثتين بالدم ليقول لم افعل شيئا فانت المجرم وعاجلا ام اجلا ستدفع الثمن وستعترف.

– على الدول العربية ان تعترف بجريمة ابادة الشعب الارمني وبمسؤولية تركيا في تلك الجريمة فالشعوب العربية عاشت الاستبداد والظلم والقهر العثماني ودفعت الثمن باهظا. فاربعة قرون من الاحتلال وقتل المسلمين والمسيحيين على السواء في سوريا وفلسطين والعراق ولبنان والمناطق العربية الاخرى، والمجاعة ومشانق 6 ايار في بيروت ودمشق وجريمة سيفو لاخواننا في المصير من السريان والكلدان والاشوريين الى سفر برلك في الاقطار العربية الى قتل الشعب العربي في الاسكندرون واحتلالها الى قتل الاكراد وتشريدهم تجعل من قضية الابادة قضية عربية ارمنية واحدة اكبر واقوى بكثير من المصالح والتسويات السياسية والتحالفات المرحلية مع دولة قامت على اشلاء الشهداء الابطال وابقت على تحالفاتها مع العدو الاسرائيلي رغم استغلال بعض المواقف المسرحية الاستعراضية والبالونات الفارغة”.

وتابع: “هذه الابادة مستمرة اليوم بحق الشعوب العربية. فقد سقط القناع التركي العثماني المزيف. واصبحت تركيا المنصة المتقدمة في الحروب التكفيرية على العرب وشعوب المنطقة.

اما لبنانيا، ونحن كمواطنين مناضلين لاجل هذا الوطن اذ نفنخر بقرار المجلس النيابي في ايار 2000 بالاعتراف بمسؤولية تركيا في ابادة الشعب الارمني نقول والغصة في قلبنا سئمنا المواقف الظرفية وسئمنا المجاملات والكلمات الطيبة نعم نحن تجار واصحاب حرف ولنا ثقافة وفن ونجحنا في القطاع الاقتصادي وغيره من القطاعات الا ان هذه الكلمات تدغدغ مشاعرنا لكن ليست مواقف سياسية نحن شركاء في هذا الوطن ومن حقنا ان نطالب باحترام شهدائنا وقضيتنا مثلما نحن نحترم جميع الشهداء من كل الطوائف الذين سقطوا لاجل لبنان. هل لنا ان نذكر الجميع في لبنان ان الذي حصل ابان الحرب العالمية الاولى هي جريمة ضد الانسانية. جريمة نسميها ابادة ولا نسميها مأساة وخاصة بعد ان اعلن قداسة الحبر الاعظم بوضوح ان ما حدث ضد الارمن جريمة ضد الانسانية نسميها ابادة. هل لنا ان نذكر، وانا حفيد شهيد قتل على يد الاتراك عام 1915 الى شركائي في الوطن، احفاد شهداء المجاعة بأننا امام مجرم واحد وسياسة واحدة ودولة لا تعترف الا بالطورانية ولا تحلم الا بالعودة الى هذه المنطقة”.

واردف: “لقد ارتكب مواطنونا جرائم لا يصدقها العقل، ولجأوا الى كل اشكال الاستبداد التي لا يمكن تصورها ونظموا اعمال النفي والمجازر، واحرقوا رضعا احياء بعد ان صبوا عليهم البترول، واغتصبوا النساء والفتيات امام ذويهم المقيدي الأرجل والأيدي، وانتزعوا الفتيات من آبائهن وامهاتهن، واستولوا على الممتلكات المنقولة وغير المنقولة، وطردوا الى بلاد ما بين النهرين اناسا في حالة من البؤس والشقاء واهانوهم واضطهدوهم خلال الطريق بوحشية. لقد وضعوا الارمن في ظروف لا تطاق لم يعرفها قط اي شعب طوال تاريخه هذه الكلمات لم يسجلها مؤرخ ارمني ولا صحافي اوروبي. انها من اقوال مصطفى كمال اتاتورك عام 1919. الا تكفي هذه الكلمات ومواقف القيادات التركية من جمال وطلعت وانور وناظم وشاكر بضرورة اقتلاع الارمن من جذورهم، وازالة الاسم الارمني من الوجود وابادة الشعب اللبناني عن طريق المجاعة، الا تكفي هذه الكلمات لتحفيز الذاكرة الجماعية ولنطالب جميعا الدولة اللبنانية باعلان يوم 24 نيسان يوم تضامن وطني ضد الابادة. هل من العجب ان ننتظر من اخواننا في الوطن دعوات للمشاركة في فعاليات ابادة الشعب الارمني”.

وختم: “امام ذكرى الشهداء، شهداء الحق والحقيقة ماذا نطالب: نطالب معا بالحق والعدالة نطالب معا تركيا بالاعتراف والاعتذار والتعويض واعادة الاراضي المحتلة. نطالبها ان تتصالح مع تاريخها وتتراجع عن انكار الحقيقة. فنضال الشعوب يستمر ما دام الاجرام مستمرا. ووحدة الشعوب المضطهدة هي الوسيلة الاجدى لتحقيق الحق والعدالة. فنحن ولدنا واستشهدنا لنعيش ومعا سنبقى”.

Share This