مائة عام على المحرقة

ينتسب الأرمن إلى العرق الهندو-أوربى «الأسيوي» الذى استوطن المنطقة الممتدة من تخوم الهند إلى تركيا الحالية، وأول ذكر للأرمن كشعب يعود إلى نحو عام 550 قبل الميلاد.

في الرابع والعشرين من الشهر الجارى، يحيى السريان والآشوريون والأرمن الذكرى المئوية لأجدادهم الذين سقطوا على مذبح شهوة السلطة التي انتابت مجموعة عنصرية تركية، كما يعتقدون ويرددون في مراجعهم التاريخية ومذكراتهم.

تاريخيا.. تُعرف مذابح الأرمن باسم «المحرقة الأرمنية» أو«المذبحة الأرمنية» أو «الجريمة الكبرى»، وتشير إلى القتل المتعمد والمنهجى للسكان الأرمن من قبل الإمبراطورية العثمانية خلال وبعد الحرب العالمية الأولى، من خلال المجازر وعمليات الترحيل، القسرى في ظل ظروف قاسية أدت إلى وفاة المبعدين..حسبما يرى الأرمن والمتعاطفون معهم، ومن بينهم الكاتب جاك جوزيف أوسى.

توصف مذابح الأرمن بأنها ثانى أكبر قضية بعد المحرقة النازية، ويتهم السلطان عبد الحميد بكونه أول من قام بتنفيذ هذه المجازر، ولكن تركيا ترفض هذه الاتهامات جملة وتفصيلا، وترى أن هذه الروايات تنطوى على مبالغات تاريخية فجة، من حيث الرقم الإجمالى للضحايا، الذي ترى أنه يفوق عدد جميع الأرمن في هذه الفترة، كما تجزم بأن سياسة التهجير والإبادة لم تكن من عقيدة الدولة العثمانية، بل إنها تتهم الأرمن بأنهم كونوا ميليشيات مسلحة للحرب مع روسيا ضدها، كما تتهم من وصفتهم بـ»السفراء الصهاينة والمبشرين البروتستانت في الدولة العثمانية» بتضليل الرأى العام ونشر تقارير مبالغ فيها عن اضطهاد الدولة العثمانية للاقليات والأعراق وعن اعداد قتلى الارمن.
يرى مؤرخون أن «الإبادة المنتظمة للأرمن بدأت في نهاية القرن التاسع عشر، إذ يدور الحديث عن القتل الجماعى الذي وضع أساسه في أعوام 1894-1895 بغية تقليص عدد الأرمن في تركيا والقضاء عليهم قضاء تاما في المستقبل، ويعتبر 24 أبريل عام 1915 بداية رسمية لإبادة الأرمن الجماعية، إذ استمر القتل الجماعى في فترة حكم مصطفى كمال أتاتورك، حتى العام 1922، حين دخلت القوات التركية مدينة إزمير في سبتمبر من نفس العام، ورافقت عملية الاستيلاء على المدينة مجزرة السكان من الأرمن واليونانيين، فحرقت الأحياء الأوربية للمدينة تماما، واستمرت المجزرة 7 أيام.

يتفق عدد من المؤرخين على أن عدد القتلى من الأرمن تجاوز المليون، غير أن الحكومة التركية وبعض المؤرخين الأتراك يشيرون إلى مقتل 300 ألف أرمنى فقط.. والرقم الأخير ليس قليلا أو هينا.

عندما دخل الإنجليز إلى إسطنبول في 13 نوفمبر عام 1919، أثاروا المسألة الأرمنية وأوقفوا عددا من القادة الأتراك لمحاكمتهم غير أن معظم المتهمين هربوا أو اختفوا فحكم عليهم بالإعدام غيابيا، ولم يتم إعدام سوى حاكم مدينة «يوزغت» الذي أباد مئات الأرمن، وبسبب هذه المذابح هاجر الأرمن إلى العديد من دول العالم لاسيما سوريا ولبنان ومصر والعراق، وبات 24 أبريل من كل عام مناسبة لتذكر ما حدث لهم والتنكيل بهم، وهذا العام، تكمل المذبحة عامها المائة.

في ظل إنكار تركيا للإبادة الجماعية للأرمن، دشن ناشطون في مجتمعات الشتات حملات من أجل الاعتراف الرسمى بتلك الإبادة الجماعية من مختلف الحكومات في جميع أنحاء العالم، واعترفت 20 دولة و42 ولاية أمريكية رسميا بوقوع المجازر كحدث تاريخي، وفى 4 مارس عام 2010، صوتت لجنة من الكونجرس الأمريكى بفارق ضئيل بأن الحادث كان في الواقع «إبادة جماعية»، إلا أنه في غضون دقائق أصدرت الحكومة التركية بيانا تنتقد «هذا القرار الذي يتهم الأمة التركية بجريمة لم ترتكبها».

تعترف بعض المنظمات الدولية رسميا بـ»الإبادة الأرمنية» مثل الأمم المتحدة والبرلمان الأوربي ومجلس أوربا ومجلس الكنائس العالمى ومنظمة حقوق الإنسان وجمعية حقوق الإنسان التركية.

من جانبها، تصر تركيا على أن وفاة الأرمن نتجت عن ظروف الحرب والتهجير، وتم تمرير الفقرة 301 في القانون التركى في عام 2005 يجرم فيه الاعتراف بالمذابح في تركيا.
يوما ما كتب نعيم بك، السكرتير الأول لدى المدير العام المساعد لشئون المنفيين الأرمن، في مذكراته قائلا: «أعتقد أن مسألة النفى والقتل المفجعين للأرمن، تجعل اسم «التركي» خليقًا باللعنة الأبدية للإنسانية، لأنها لا تشبه أيًا من الوقائع الرهيبة التي سجلها التاريخ العالمى حتى اليوم، ولدى التفتيش في أي نقطة أو زاوية مظلمة في الأراضى التركية الواسعة، يمكن العثور على الآلاف من جثث وعظام الأرمن الذين ذبحوا بأفظع الطرق».

هذه المذكرات وغيرها من الاعترافات التي أدلى بها في المحاكمات التي جرت في تركيا أو أمام مجلس الحلفاء بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى جاءت بعد أن نشر الألمان نصوص المراسلات السرية، التي تتناول الممارسات الوحشية للحكومة العثمانية أثناء الحرب ضد الأقليات، بين السفارة الألمانية وقنصلياتها المعتمدة لدى الباب العالى وبرلين، مع نصيحة لطرفى السلطة في تركيا آنذاك «أنصار السلطة وأتباع مصطفى كمال أتاتورك» بالاعتراف بما حصل والتنصل من المسئولية باتهام حزب تركيا الفتاة وجمعية الاتحاد والترقى بارتكاب هذه الجرائم.

إذن من هم الأرمن؟

ينتسب الأرمن إلى العرق الهندو-أوربى «الأسيوي» الذي استوطن المنطقة الممتدة من تخوم الهند إلى تركيا الحالية، وأول ذكر للأرمن كشعب يعود إلى نحو عام 550 قبل الميلاد عندما سماهم المؤرخ الإغريقى هيكاتوس الملتى «أرمينوي» وكانت هذه هي التسمية التاريخية الأولى للأرمن، ثم وجد اسم أرمنيا، كما نعرفه اليوم، في النقوش المحفورة على صخرة «بيهستون» التي تركها الملك الفارسى داريوس الأول عام 521 ق.م، والتي تشير إلى بلاد الأرمن على أنها أرمنيا، ومنذ ذلك التاريخ، يعتبر معظم الباحثين أن عملية تكوين الشعب الأرمنى قد تمت، وبدأت مسيرة الدولة الأرمنية عبر الزمن ولا تزال مستمرة حتى وقتنا الحالي.

يذهب بعض علماء السلالات البشرية إلى اعتبار أن للإنسان الأرمنى شكلًا متميزًا تمامًا كاللغة الأرمنية، واعتبروه نموذجًا خاصًا للدراسات المتعلقة بهذا المجال، أما نفسيًا، فإن الأرمنى هادئ بشكل عام، إلا إذا أثير، كثير التحمل للمشاق، وفى أحوال كثيرة يصعب توجيههم وترؤسهم كمجموعة، نظرًا للروح الفردية العالية لديهم ولانفراد كل منهم برأي، ومهنيًا، هم بارعون في المهن اليدوية التي تتطلب الدقة والإتقان، يمتلكون الموهبة التجارية والدماثة الأخلاقية التي كانت من أسرار نجاحهم كأفراد في المجتمعات والدول التي هاجروا إليها بعد مذابح عام 1915، مثل سوريا ومصر وغيرهما.

في عام 1913 كانت أحوال الأرمن تزدهر وأرباحهم تتزايد، بينما كانت أعمال الأتراك تتراجع وأحوالهم تتدهور، لذلك كان هذا هو السبب الاقتصادى للصراع العرقى الذي نشًا بين الأتراك من جهة والأرمن واليونانيين من جهة أخرى بحسب بعض المتورطين، وبعد أن انتهت عمليات القتل والترحيل، أصبح بمقدور الأعيان المحليين من الأتراك الاستيلاء على الأعمال التجارية والصناعية ووضع اليد على الأراضى الزراعية التي هُجّرَ منها أصحابها.
في عام 2011.. أصدر البرلمان الفرنسى تشريعا يجرم إنكار وقوع إبادة جماعية للأرمن ويعاقب من يفعل ذلك، بغرامة قدرها ٤٥٠ ألف يورو، كان وراء هذا القرار الرئيس الفرنسى اليهودى من جهة الام «نيكولا ساركوزي»، وقبلها بأربعة أعوام اعترف الكونجرس الأمريكى بمذبحة الارمن، على خلفية حملة شنتها « الرابطة اليهودية لمكافحة التمييز» التي يرأسها اليهودى آب فوكسمان.

ونحن نشارك الجالية الأرمنية في مصر، التي اندمجت في الشعب المصرى، خلال العقود الماضية، الاحتفال بالذكرى المئوية لتلك المذبحة بهذا الملف.. تاركين للتاريخ الحكم العادل والمنصف على ما حدث.

المصادر:
-“اليهود والماسون” في قضايا الأرمن للدكتور بهاء الامير.
-“تاريخ الدولة العثمانية” لـروبيرت مانتران.

– ملحق أزتاك للشؤون الأرمنية

(فيتو) المصرية

Share This