في ذكرى مئوية مذبحة الأرمن

 

لا أدري لماذا نسعى الى إعتراف أردوغان بالمجازر التي ارتكبها أجداده ضد الأبرياء من إخواننا الأرمن قبل مائة عام بينما لدينا الإعتراف الموثق من أكبر جزار قام بإرتكب هذه الجرائم البشعة بحق إخواننا الأرمن وهو المجرم الدموى المشهور “طلعت باشا” بالوثيقة المسماه “الكتاب الأسود لطلعت باشا” والتي سلّمتها زوجة طلعت باشا الى المؤرخ التركي “مراد بردقجي” الذي قام بدوره بنشرها سنة 2008 وفيها يعترف هذا السفاح الدموى بارتكابه جرائم الذبح والقتل بالرصاص وبالصلب ثم تشتيت الآلاف من إخواننا الأرمن الأبرياء وجُلُّهم من الشيوخ والنساء والأطفال، وقال بصريح العبارة، بعد كل هذه الجرائم التي تقشعر لها الأبدان، بأنه غير نادم على ما اقترفت يداه المضرجة بالدماء من جرائم إبادة الأبرياء.

وهل بعد هذا الإعتراف الصريح من المُرْتَكِب الأصلى لجرائم الإبادة الجماعية والتشريد لمليون ونصف المليون من الشعب الأرمنى الذين يمَثِّلون نصف عدد الأرمن فى ذلك الوقت ….. هل نحتاج الى اعتراف آخر من أحد أحفاده خصوصا أن هذا الذي نسعى أن يعترف أو يقدم ندمه على هذه الأعمال الشريرة الدمويه لإبادة الأرمن هو السيد أردوغان الذى يسعى حاليا لإقامة دولة الخلافة العثمانية الجديدة ويكون هو خليفها الجديد الأول !!

إننا نريد أن نحاكم “طلعت باشا” وهو في قبره على ما اقترفت يداه من جرائم وهو حيّ فى حق إخواننا الأرمن. لدينا الإعتراف الصريح من المجرم نفسه ولن نطالب حفيد المجرم باعتراف آخر. سنطالب الحفيد بالتعويضات المناسبة عمّا اقترفت أيدي أجداده من جرائم الإبادة بحق إخواننا الأرمن. إن القاضي العادل الذى يحاكم مجرما ارتكب جريمة قتل واعترف بجريمته صراحة لا يطالب حفيد المجرم باعتراف آخر لتلك الجريمة بل يطالبه بدفع تعويضٍ لأهل الضحية مما ورثه من الجاني.

هذا ما نريد أن تقوم به دولة أرمينيا الآن. إن للأرمن دولة مستقلة ذات سيادة ولها رئيس دولة أرمنى ولها حكومة أعضائها من الأرمن، فلهم الحق كل الحق بمطالبة أحفاد “طلعت باشا” بالتعويض عما اقترفت يداه من جرائم قتل وإبادة بحق الأرمن. إن التعويضات تقدر بمليارات ومليارات الدولارات لمن قتلوا فى تلك المجازر وإعادة المنازل والأراضي لمن يريد العودة من أولاد وأحفاد الأرمن المتضررين أو تعويض من لا يريد العودة.

يجب ألّا ندع احتفال “المئوية” الأخير أن يمر مرور الكرام كما مرت احتفاليات سابقة. يجب أن ندعوا الى “مليونية” عالمية تبدأ في يريفان الآن الآن وليس غداً وتكون بمثابة محاكمة علنية عالمية لمجرمى إبادة الأرمن، يشترك فيها ويكون قضاتها هم رؤساء الدول الذين اعترفوا بإبادة الأرمن بالإضافة الى قداسة بابا الفاتيكان وقداسة البابا تواضروس الذى اشترك فى المئوية الأخيرة وكذلك رؤساء الكنائس الأرمنية، ويطالبون فيها علنا بالتعويضات العادلة لضحايا مجازر العثمانيين ضد الشعب الأرمني. يجب أن نُفَعِّلَ شعوب العالم وحكوماتهم دون الذهاب الى ما يسمى المحافل الدولية مثل مجلس الأمن والأمم المتحدة وغيرها إذ أثبتت الأحداث أن هذه المحافل لا فائدة ترجى منها لمثل هذه القضايا، وقضية فلسطين أكبر مثل شاهد على ما أقول.

وبعد ذلك يجب تنظيم مليونيات مماثلة كل شهر أو شهرين في عواصم العالم المختلفة التى يعيش فيها إخواننا الأرمن إبتداء من باريس لأن الرئيس الفرنسي من أول المعترفين بجرائم إبادة الأرمن وكانت مليونيته الأخيرة مثلا ناجحاً يُحتذى به ، وبعدها تجوب المليونيات عواصم العالم دون انقطاع الى أن يذعن هذا “العثماني التركي” ويدفع التعويضات لأصحاب الحق .

عند نجاح مليونيات إخواننا الأرمن هذه فى ردّ الحقوق الى أهلها ستكون مثلا لكل أصحاب الحقوق المسلوبة فى العالم وسيقومون بمليونيات مماثلة لاسترداد حقوقهم والحصول على تعويضاتهم دون اللجوء الى محافل الأمم المتحدة ومجلس الأمن التى ثبت عدم جدواها فى مثل هذه القضايا وعلى رأسها قضية فلسطين التى مَرَّ عليها سبعون عاما فى أروقة المحافل الدولية دون أى حلّ، بل بالعكس زادتها تعقيداً وزاد تشتيت أهلها فى بقاع الأرض وتشعبت تبعا لذلك المشاكل في معظم الدول العربية وعمَّت الفوضى كما هو الحال فى سوريا ولبنان والعراق واليمن وليبيا … وربنا يُستُر على الباقي!!

وكذلك فإن المحاكمات العلنية للمجرمين الأموات الذين ارتكبوا جرائم إبادة وقتل جماعى وتشتيت للأبرياء وهم أحياء، ستكون ردعا ودرسا لكل من تسول له نفسه أن يرتكب جريمة إبادة او قتل جماعى بحق أي شعب من الشعوب البريئة والمغلوبة على أمرها ويعرف هذا المجرم بأنه سيحاكم على جرائمه حتى بعد مماته بعشرات أو مئات من السنين من أولاد وأحفاد الضحايا ومعهم العالم أجمع، بالإضافة فإن هذا المجرم سيعرف بأنه سيُوَرِّثُ أحفاده عِبْئاً ثقيلا عندما يُجبرون على تعويض أبناء وأحفاد الضحايا حتى بعد مرور مئات السنين على موته. طبعاً هذا غير حسابه العسير من ربّ العالمين.

نرجو كل التوفيق لإخواننا الأرمن، ونحن كلنا معكم، ونحن كلنا أَرْمَنْ.

صبحى أبو حمدة

مواطن مصري من أصل فلسطيني

(وُلد فى القدس منذ 81 سنة وله عشرات من الأصدقاء الأوفياء من أرمن القدس وغيرها)

Share This