أكل العنب أم قتل الناطور؟

نادر فوز – “الاخبار”

ترفض الأحزاب والطوائف الأرمنية تجوال المسؤولين الأتراك في لبنان وأداءهم أدواراً دبلوماسية. ليس هذا رفضاً مطلقاً للعلاقات اللبنانية – التركية، بل للمطالبة باعتذار الحكومة التركية عن المجازر العثمانية بحق الشعب الأرمني خلال العقد الثاني من القرن الماضي.

يحاول الأرمن المحافظة على ذاكرتهم وثقافتهم والتأكيد أنّ في علاقتهم بتركيا فجوة يمكن محوها بمجرد الاعتراف بأنّ شعباً تعرّض للإبادة، فيطلبون الاعتذار عن سفك تلك الدماء. عند الساعة الواحدة من ظهر اليوم، تنظم الأحزاب الأرمنية اعتصاماً في ساحة الشهداء اعتراضاً على زيارة رئيس الحكومة التركية، رجب طيب أرودوغان.

إذ من المقرر أن يلقي كلمة مطران طائفة الأرمن الأرثوذكس، كيغام خاتشريان، إضافة إلى ثلاث كلمات أخرى لممثلين عن الأحزاب الثلاثة: الطاشناق، الهنشاك والرامغفار.

وهو اعتصام أعطت هذه الأحزاب نسخة أوّلية عنه أمس عند مدخل المطار، حيث احتشد عشرات الطلاب الأرمن لاستقبال رئيس الوزراء التركي بلافتات التذكير بالجرائم بحق الأرمن.

في الشارع الأرمني سرد لتفاصيل تلك المجازر، وصور في البال عن أسلاف يذبحون، وتهجير قرى ومنازل وأرزاق يحرقها جنود بقبعات صوفية سوداء. هذه المشاهد الدموية التي يتوارثها الأرمن اللبنانيون منذ عقود لا تمنع أنّ في برج حمود بضائع تركيّة. في المحال الأرمنية قمصان وسراويل وقماش «صنع في تركيا»، حتى الشوكولاته التركية دخلت الأسواق الأرمنية، بعد حملة مقاطعة ضخمة لهذه المنتجات نجحت قبل سنوات.

يبرّر الأرمن الذين قرروا فتح خطوط التجارة بين برج حمود وإسطنبول بأنه «لا دخل للعلاقات الاقتصادية بالأذى الذي ارتكبه الأتراك بحقنا». معادلة توفيقية بين مطلب سياسي أخلاقي ورغبة في تجاوز الماضي لمرة واحدة وأخيرة.

أما التجّار الأرمن «المتلزمون» فلا يزالون يعلّقون في محالهم قصاصات مكتوب فيها باللغة الأرمنية: «لا للمنتجات التركية» أو «لا منتجات تركية». وعند سؤال أصحاب هذه المحال عن موقفهم من الاعتراض على زيارة المسؤولين الأتراك، يسارعون إلى الإشارة إلى هذه اللافتات الملونة بالأبيض والأحمر.

ويعلّق هؤلاء على من «يتعامل» مع الأتراك بالقول: «كل واحد هو وذوقه وأخلاقه»، مشددين على أنّه لا أحد (الأحزاب، لجنة التجار، النوادي، الناس) تدخل ليمنعهم من استيراد البضائع التركية وبيعها.

وفضّل أحد الخياطين في شارع أراكس التعبير بنحو قاطع عن موقفه من زيارة المسؤولين الأتراك إلى بيروت، فرفع علماً تركياً كبيراً وقد وضع عليه علامة X باللون الأسود.

أكمل تشويهه للعلم «العثماني» بعبارات مفهومة لكن غير مترابطة: «تاريخ تركيا كله أسود، سفر برلك، إبادة للأرمن، شهداء لبنان، فلّو من لبنان يا سفاحون».

ما يجري في شوارع برج حمود يمكن تلخيصه بالمثل الشعبي عن أكل العنب وقتل الناطور.

في المناطق الأرمنية انتهت الاستعدادات لاعتصام اليوم، وخصوصاً أنّ المواكب السيارة لم تكلّ أمس من التنقل في الشوارع رافعة العلمين اللبناني والأرمني.

وعنوان هذا الاعتصام يتلخّص بأربع جمل رفعت كلافتات في برج حمود: الحقيقة والكرامة أغلى من العالم، أردوغان لن يشتري ضمائر اللبنانيّين بحفنة من المال، العثمانيون الجدد في لبنان، زيارة أردوغان (هي) للأطماع التركية في المنطقة.

25 تشرين الثاني 2010

http://www.elnashra.com/articles-1-24362.html

Share This