ندوة حوارية في “أزتاك” حول موضوع عيد الشهداء

المشاركون يؤكدون على ضرورة التزام لبنان بإرث الشهداء معتبرين الشعب الأرمني مثالاً يحتذى به

دعت جريدة “أزتاك” الى ندوة حوارية بمناسبة ذكرى عيد الشهداء في 6 أيار شارك فيها الدكتور جورج حايك، حفيد الأب يوسف خوري أول شهيد لبناني علق على المشانق بأمر من جمال باشا عام 1915، والأب بيير نجم نائب رئيس جامعة (سيدة اللويزة)، والدكتور وائل خير الأستاذ المحاضر في قسم العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية في بيروت والمدير التنفيذي لمنظمة حقوق الانسان غير الحكومية في لبنان، وأدارت الندوة محررة الأخبار اللبنانية في جريدة “أزتاك” الأرمنية أرشو باليان.

وتم التطرق الى تعرض اللبنانيين الى المجاعة في جبل لبنان، وتعليق مشانق المفكرين والوطنيين اللبنانيين والسوريين في ساحة البرج والمرجة، والخطوات والقرارات التي اتخذت لعدم الاحتفال بذكرى الشهداء في 6 أيار في لبنان، وكذلك الذاكرة الجماعية للبنانيين، والمطالب لاعادة إحياء الذكرى.

وطرحت أرشو باليان عدة أسئلة على الضيوف للنقاش، ومنها: عشية عيد ذكرى الشهداء اللبنانيين ماذا يمكن أن نقول عن الذاكرة الجماعية لدى اللبنانيين؟ما رأيكم بمطالبة إحياء ذكرى الشهداء اللبناننين؟. هل يمكن أن نسمي ما حصل في جبل لبنان إبادة؟ هل جمال باشا حقاً سفاح؟، وهل يمكن فتح وتسمية شوارع باسمه؟، ماذا يمكن أن نفعل لإنعاش الذاكرة الجماعية؟، وغيرها.

وتحدث جورج حايك عن الأحداث التي جرت بحق الشعب اللبناني وتعريضه للتجويع من قبل الإمبراطورية العثمانية معتبراً إياها إبادة جماعية، لأن الهدف من ذلك كان إفناء سكان جبل لبنان. وأدان بشدة التصريحات التي لا تعتبر الأحداث التي جرت بين عامي 1915-1916 في جبل لبنان على أنها إبادة، وتساءل بماذا يمكن توصيف عملية تجويع 200 ألف من أصل 450 ألف من سكان جبل لبنان إن لم تكن إبادة؟.

ومن جهة أخرى، أشار الدكتور وائل خير أنه وفق القانون الدولي من الصعب اعتبار المجاعة في جبل لبنان إبادة، وتساءل قائلاً: “أنا كلبناني أتمنى أن يعترف العالم بما حدث في جبل لبنان، ويقوم بالتعويض للبنانيين، لكن الى أي مدى قضيتنا قوية”. وأضاف أنه تم تعليق مشانق الرجال الوطنيين اللبنانيين ورجال الدين والصحفيين في الإمبراطورية العثمانية بسبب وشاية موظف القنصلية الفرنسية فيليب زلزل”.

وهنا علق الدكتور حايك وروى قصة جده، مشيراً الى أن كشف الوثائق من قبل زلزل أدى الى استشهاد اللبنانيين. وأشار الى أن جده الأب يوسف حايك الذي كان كاهناًفي سن الفيل، كانت تربطه علاقة جيدة مع رئيس الوزراء الفرنسي. ومن خلال رسائله طلب من رئيس الوزراء ورئيس البرلمان التدخل في المأساة التي حلت بلبنان، والمجاعة التي تعرض لها السكان في جبل لبنان، والملاحقات وغيرها. وقد بعث رئيس الوزراء الفرنسي بول دوشانيل في حينه رسالة شكر الى يوسف الخوري ووعده بدعم سكان جبل لبنان من البحر، لكي يتمكنوا من مقاومة أعمال العنف التي ترتكبها الإمبراطورية العثمانية. ويرويجورج حايك بأسى قائلاً: “رسالة جدي الموجهة الى دوشانيل قام زلزل بتسليمها الى جمال باشا الذي قرر تلقين المسيحيين درساً لا يُنسى. بعد أن ترأس قداس ليلة عيد الميلاد في 24 كانون الأول 1914 عاد الأب يوسف الخوري الى منزله. وفي وقت متأخر دخل عليه العسكر الأتراك، ليأخذوه لمدة ساعتين الى والي جبل لبنان..وطبعاً لم يعد..”.وتابع يقول بأنه تم في البداية استجوابالأب يوسف حايك في عاليه وسجنه دون مأكل أو مشرب،كما جرىتعذيبه. وأضاف: “تواجد في ذات المعتقل رجل دين مسلم تعاطف مع جدي واقترح تبديل الثياب معه من أجل الهروب من عاليه. لكن رفض جدي اقتراح الشيخ، مصراً على عدم التخلي عن ثوبه الكهنوتي. وبعد التعذيب على مدى أشهر يحاكم جدي بالموت. وفي 22 آذار 1915 تم تعليق مشنقته في ساحة المرجة بدمشق. وبصق الناس على جثته، ورموه بالحجارة وربطوه بالحبل ليجر في شوارع دمشق، حيث تسلم مطران سوريا بطرس شمالي (أصوله من لبنان) جثة جدي، ودفنه في الكنيسة دمشق. وكان والدي بعمر الخمس سنوات آنذاك.وتوجه الى دمشق عام 1932 لنقل رفات والده الى لبنان، ليرقد في كنيسة سن الفيل التي شيدها بنفسه”. كما أشار الى أنه بعد الحرب اللبنانية استطاعوا بصعوبة كبيرة تشييد تمثال الأب يوسف الخوري عام 2004 في ساحة حايك في سن الفيل.

من جهته، أوضح الأب نجم أنه حين نتحدث عن الذاكرة الجماعية نشير الى المنطق العام والأفكار المشتركة، التي يمكن أن نصل اليها بالمعرفة. “نحن اليوم، نقف أمام معضلة دراسة تاريخ لبنان، لا يوجد قراءة واحدة لتاريخنا. وهناك مشكلة أساسية في التجمع حول الحقيقة وليس لمناقشة الفرضيات. أي هناك مشكلة حقيقية في اطار الذاكرة الجماعية لدى اللبنانيين، ليس بسبب ضعف الذاكرة بل لأننا لم نأخذ العناصر الأساسيةلبناءالذاكرة”،مشيراً الى أن هذه الفترة هيالحقبة الوحيدة التي تجمع الجميع.

وتساءل الأب نجم عن توصيف ما جرى في جبل لبنان من قبل الإمبراطورية العثمانية بالإبادة وتعريض سكان المنطقة للمجاعة، مؤكداً أنه لايمكن إنكار هدف الإمبراطورية العثمانية في الإفناء،مستشهداًبقول طلعت باشا “لقد قمنا بإبادة الأرمن بالسيف وسنقتل اللبنانيين بالجوع”.

وأكد الأب نجم على أن هدف الإمبراطورية العثمانية لم يكن قتل 21 من الوطنيين فقط بل إبادة شعب. وأوضح أن المجاعة في جبل لبنان لم تحدثبسبب الجراد بل كانت مجاعة مخططة، معتبراً أن أعمال العنف التي نفذتها السلطات العثمانية كانت عملية إبادة، فالمجاعة بدأت قبل الجراد في 13 نيسان، ولأن الأولوية بالنسبة لهم هي الحفاظ على الطورانية، ونفي مَن يخالف ذلك،ومحاولة كل عنصر غير تركي.

وقال: “لقد قتل الأب يوسف حايك وغيره لأنهم طالبوا بالحرية، واستقلال الكيان اللبناني، واستقلال سوريا. لذلك العملية ليس لها أرضية الاختلاف الديني، بل الهدف منها قمع إرادة الاستقلال والعيش بحرية.إن إعلان الجهاد من قبل السعودية ضد تركيالأنها انفصلت عن الخلافة هو دليل قوي آخر لأن الإبادات والمجازر لا ترتكز على أساس ديني”.

وأوضح أنه في كلمته خلال احتفال أقامته جامعة اللويزة بمناسبة الذكرى المئوية للابادة الأرمنية أكد على أن الشعبين العربي والأرمني اجتمعوا في بلد واحد وأصبحوا شعباً واحداً، بتاريخ واحد.والاختلاف الوحيد هو أن أجداد اللبنانيين كانوا أقل جرأة من الأرمن في المطالبة بحقوقهم. وينبغي دراسة التاريخ، للوصول الى حلول موحدة.

وأشار الى ضرورة دراسة الأرشيف والوثائق، والانتقال الى المطالبة بالتعويض. فالأرمن يناضلون على مدى 100 عام، ويطالبون بحقوقهم، مشيراً الى معلومات تفيد بأن بكركي قررت جمع الأرشيف ودراسته لتسليط الضوء على ما جرى في جبل لبنان قبل 100 عام، لأنه لم يكن وجود حينها لقضية مسلم-مسيحي.

أما في قضية إحياء ذكرى الشهداء في 6 أيار أشار جورج حايك أنه تم إلغاءالعيد بحجة وجود أعياد أخرى، في حين لا يوجد في لبنان ثقافة الاستقلال. وتساءل عن موقع الدولة في قضية تدريس التاريخ بدقة في المدارس.

كما تناول الحديث عن تغيير عيد الشهداء الى عيد شهداء الصحافة اللبنانية، وتعديلها فيما بعد الى عيد الصحافة.

وأدان نجم بشدة الموقف الذي يؤول الى تبديل ذكرى الشهداء في لبنان في 6 أيار بأعياد أخرى، مؤكداً على الوضع المزري لمدافن هؤلاء الشهداء.كما شدد على ضرورة إعادة إحياء ذكرى الشهداء لكي يتمسك المواطن بهويته، وقال: “ينبغي أن نتعلم من الشعب الأرمني”.وأعرب الأب نجم عن أسفه عن عدم التوحد بهذه المناسبة. ففي 6 أيار ينبغي أن يتحدث الجميع عن ذلك، وينبغي توعية المجتمع لكي يعرف أنه تم تعليق مشانق عدد من اللبنانيين بسبب الاستقلال والهوية.

وقال نجم إن الشعب الأرمني هو أفضل مثال لكي نتعلم منه الدرس، “فالأرمني يتم تنشئته في البيت على أسس الانتماء الأرمني. فهذا الشعب يعيش خارج أرضه منذ 100 عام، لكنه يحمل وطنه وأرضه في داخله، في بيته. ونحن رغم كوننا في لبنان نحن بحاجة الى إدخال لبنان الى بيوتنا”. مشيراً الى أن قائمة الشهداء هو المكان الوحيد حيث يتواجد اللبنانيون جميعاً. “فالمشانق والرصاص والمجاعة والموت هي التي وحدتنا. نحن بحاجة الى التجمع والانطلاق مع 18 طائفة باتجاه القضية، وكل جهة تتحمل مسؤوليتها، وأنا شخصياً موافق على إعادة إحياء ذكرى الشهداء”.وأضاف أن إلغاء الذكرى هو محاولة تغييب إرادة الاستقلال والمواطن الحر.

كما أكد المشاركون في الندوة الحوارية على ضرورة نشر كتاب عن تاريخ لبنان بشكل موحد لتأمين تنشئة الأجيال على تاريخ بلده بشكله الصحيح، وتوعيتهم وتربيتهم على أهمية احترام ذكرى الشهداء، لأن الشهادة أمر مقدس. كما أعرب المشاركون عن احترامهم تجاه الأرمن، موضحين التزام الأرمن بالإرث الوطني وانتمائهم الوطني.

Share This