كم هو عمر الشعب الآذري … الهوية الخرافية العجائبية لهذا الشعب (1)

 

تعاريف:

سياسة الكافيار: سياسة الرشوة لتحريف الحقائق. يقول المثل طعمي الفم تستحي العين.

ازيربروب: مؤسسة الدعاية والاعلام الأذربيجانية.

أرتساخ: الاسم الحقيقي لغاراباغ، وهي تسمية بالأرمنية منذ القدم ضمها ستالين الى أذربيجان هي ومنطقة ناخيتشيفان الواقعة جنوب غرب أرمينيا الحالية.

أرمينيا الروسية: هكذا كانت تسمى أرمينيا عندما كانت محكومة من قبل روسيا القيصرية.

هذا المقال كتبه الباحث التاريخي الأرمني هايكارام نهابيديان الذي يعمل الآن مراسلاً لتلفزيون أرمينيا في الولايات المتحدة الامريكية والذي له دراسات تاريخية عن التاريخ الأرمني ومنطقة القوقاز، وهو يظهر فيها كثيراً من الحقائق التاريخية لكي يطلع عليها كل من يتجاهل الحقائق التاريخية لتلك المنطقة أكان بشكل مقصود أو بجهل تام. (نشر المقال في جريدة أزتاك الأرمنية الصادرة في بيروت في العددين 17 و18 شباط 2015).

ترجمة هذا المقال جاءت نتيجة لما أذيع في التلفزيون قبل مدة عن بيان صادر من قبل المؤتمر الإسلامي الأخير الذي يطالب في إحدى بنوده إعادة منطقة أرتساخ الى دويلة أذربيجان. هذه الفقرة تدعو الى الأسف على من قام بتحضيره وعلى من قام بالموافقة عليه من العلماء المشاركين في المؤتمر.

هنا أتساءل عن اختصاصات هؤلاء. هل هم مختصون في مجالات علمية أخرى غير الدينية، أكانت تاريخية أم جغرافية أوغيرها من العلوم. وهل هم مطلعون أو يطلعون على كل ما صدر في السابق أو ما يصدر من جديد في هذا العالم الذي يتقدم يوماً بعد يوم بخطوات هائلة.

فالفقرة الخاصة بأرتساخ تبين لنا بأنهم يجهلون الحقائق التاريخية ولا يريدون أن يعرفوها لأنها تكررت في مؤتمرات سابقة أيضاً. ومن البديهي أنهم صادقوا على هذه الافتراءات كرمى لعيون أذربيجان، إحدى الدول المنتسبة للمجموعة.

يقول المؤرخون: لمعرفة تاريخ دولة أو منطقة ما، يجب الرجوع الى الأبحاث والدراسات التاريخية التي قام بها أجانب وغرباء عن تلك الدولة أوالمنطقة، لأنهم يكونون متجردين من أية تأثيرات أو ضغوط تفرض عليهم من حكام تلك الدول. فمثلاً إذا قرأنا تاريخ دولة ما تم تحضيره في بلاده. لا نرى فيه سوى أنهم أصلاء على هذه الأراضي منذ آلاف السنين، وتحكي عن الانتصارات والانجازات التي تكتب بصفحات عديدة. أما الخسائر الحربية مثلاً فهي خسارة معركة وتسجل (إن سجلت) ببضعة أسطر فقط. وهذه حقيقة دامغة لا يستطيع أحد ينكرها أو يقول عكسها.

بعد هذا لنعد الى المقال لتبيان الحقائق الدامغة التي قد لا تسر الكثيرين.

أذربيجان اليوم متشبثة بسياسة الكافيار، تطور أيضاً مجال استعماله ليس فقط في أذربيجان، بل في انحاء العالم موصياً (خلق) اكتشافات للتبيان بأن مساحة أذربيجان الحالية وأرتساخ ومنطقة زانكيزور الواقعة جنوب أرمينيا وحتى يريفان عاصمة أرمينيا بأنها أراض آذرية من آلاف السنين. فهي تعلن بأن الآثار المسيحية الموجودة في المناطق المذكورة وحتى في مناطق سكن الأرمن هي آثار الشعب الأغواني. وحتى إذا فرضنا بأنها أغوانية فهذا لا يعطي أية أفضلية لأذربيجان على أرمينيا بأنها الوريثة لتلك المساحات المسيحية التاريخية. بالعكس فالحضارة الأغوانية هي قريبة جداً من الحضارة الأرمنية وليس لها أية علاقة بشكل تام مع الوجه التركي التتري لأذربيجان.

إذا كان المصريون يستطيعون القول بأنهم الورثة الحقيقيون للذين بنوا الأهرامات، وهذا ثابت تاريخياً، فإن الآذريين لا يستطيعون سوى الإعلان بأنهم ورثوا المراكز الأغوانية المسيحية. فالفارق واضح. الأول ثابت تاريخياً والثاني كلام فارغ فقط لأنه لا يوجد أي أثر تاريخي للآذريين في كل تلك المنطقة.

الشيء الوحيد والذي لا يمكن لمسؤولي باكو (عاصمة أذربيجان) أن يحرّفوها ويغيروها، هي المراجع التاريخية وكتابات المؤرخين والرحالة والمستشرقين المطبوعة (انتبه لكلمة مطبوعة) التي تتكلم عن تلك المنطقة (القوقاز) خلال المئات والعشرات السنين الماضية. ففي تلك الأزمنة لم يكن وجود لأذربيجان حرة أو حتى بشكل تام لم يكن لها وجود. وبالتالي لم تكن مؤسسة حيدر علييف قد تأسست. لذا ولم تكن سياسة الكافيار تقوم بعملها لتحريف الحقائق التاريخية. وكان الخبراء العلماء الاجانب أحراراً لتحقيق الصدق التام بالدراسات التي يقومون بها لتقديم التاريخ الحقيقي لتلك المنطقة بتجرد تام بعيداً عن أية قيود تفرض عليهم من قبل حكام تلك المنطقة.

إذاً فبدراسة تلك الابحاث والوثائق نستطيع أن نكشف الحقيقة ونلقي الضوء على الخلافات التاريخية الأرمنية الآذرية إن كان على تاريخ ارتساخ أو على تاريخ تلك المنطقة بشكل عام.

وبالنتيجة نرى بأن من قاموا بتلك الابحاث لم يكن لهم أي انحياز ان كان لطرف ايجابي للأرمن أو السلبي للآذريين. إنهم بكل بساطة سجلوا الحقائق التاريخية الدامغة.

ماذا كانت تكتب الموسوعات العلمية العالمية:

– الموسوعة البريطانية (بريتانيكا) ابتداء من طبعتها الاولى (القرن الثامن عشر 1768-1771).

– موسوعة بروكهاوس وايفرون للقيصرية الروسية التي بدأت طباعها عام 1890 وانتهت عام 1907.

– الموسوعة المختصة بالمواد الاسلامية التي صدرت طبعتها الأولى عام 1913.

لقد عمل على أبحاث ودراسات هذه الموسوعات فرق كثيرة مؤلفة من عشرات المختصيين والمؤسسات العلمية. لنرى ماذا قالوا عن أرمينيا وأذربيجان.

بصورة خاصة ولافتة للنظر سنرى ما احتوته الموسوعة الاسلامية الآنفة الذكر والذي طبع اصداره الاول في مدينة لايدن في هولندا وبعناوين:

The Encyclopedia of Islam: A dictionnary of the Geography, ethnography and biography of the Muhammadan peoples 1913-1930.

والذي بدأت طباعتها الثانية عام 1960 باضافات تكميلية The Encyclopedia of Islam, New edition.

في الطبعتين تم تقديم قسم أذربيجان بشكلين مختلفين قليلاً. وبمقارنة الشكلين نستطيع رؤية تكون الوجود الآذري الذي بدأ المجتمع الدولي يشعر به.

في الطبعة الاولى (1913) اسم أذربيجان يختص بصورة استثنائية المنطقة المسماة قديماً ادرباداغان الإيرانية ولا توجد أية كلمة عن أذربيجان في منطقة القوقاز. وحسب الموسوعة أذربيجان عام (1913) يحدها من الشمال منطقة القوقاز. أي لا يوجد أذربيجان في القوقاز بل فقط في جنوبه.

والموسوعة تنظر أيضاً الى الدول التي لها صلات وعلاقات مع العالم الاسلامي والقريبة منها أيضاً. فتتطرق الى أرمينيا. وحسب ما ذكر نرى أنه أمام الصفحة والنصف صفحة التي تشغلها أذربيجان هناك 14 صفحة عن أرمينيا.

تذكر الموسوعة الاسلامية أن كانتساك (كنجا) التي تشمل منطقة اليزابيتبول ومدينة اوردوبات هي قسم من أرمينيا الروسية. أما من أجل ناخجيفان وHرتساخ نقرأ (ناخجيفان وكما يريفان لهم تاريخ حافل في تاريخ أرمينيا). ومدينة شوشي التي هي احدى مدن منطقة ارتساخ كانت بصورة خاصة عاصمة أحد الخانات (حاكم منطقة).

ففي التاريخ الأرمني لم يتم أبدأً النفي بوجود هذه الخانات. وهذا الخان لم يسمى أنه أذربيجان ولم يصبح قسماً من أذربيجان الحرة ولغاية اتفاقية كوليسدان كانت تحت وصاية إيران وليس أذربيجان وإلا لكان القائد القيصري الروسي ريتشيف (1813) يوقع في كوليسدان اتفاقية مع أذربيجان وليس مع حكام إيران. فإيران الأيام الحالية لم تطالب ضم مناطق أو مساحات من هذه المناطق إليها بالتذرع بأنها قد احتلتها سابقاً، ولكن طفيليي أقلام باكو لا يعلمون لماذا ضموا إليهم المنطقة الواقعة في إيران إليها.

في تاريخ القرون الوسطى يذكر عن أرتساخ أنه كان يتألف من خمسة ممالك الذين كانوا يؤمنون له حالة نصف أو شبه مستقلة.

في الطبعة الثانية من الموسوعة الاسلامية (1960) تغيرت الصورة قليلاً. هنا أيضاً تم تقديم أذربيجان كمنطقة من مناطق إيران. وعلى الرغم من ذلك تمت اضافة ثلاثة مقاطع بمساحة نصف صفحة إضافية عن السابق ذكر فيها عن أذربيجان آخر بأنها دولة غير حرة موجودة في القوقاز (عام 1960 كانت أذربيجان جمهورية من جمهوريات الاتحاد السوفياتي).

وهنا من المهم أيضاً معرفة ما كتبه المؤلفون المولودة الجديدة (أذربيجان 2).

القوات التركية برئاسة نوري باشا احتلت باكو في 15 ايلول 1918 وقاموا باعادة تنظيم المنطقة السابقة تحت اسم أذربيجان. وفسروا عملهم ذلك تيمناً وبالتشابه مع من يتكلمون اللغة التركية في منطقة أذربيجان شمال إيران (الطبعة الثانية صفحة 191).

للتذكير فإن قسم أذربيجان في الطبعة الثانية شملت 4 صفحات فقط أما عن أرمينيا فهي تتكلم في 16 صفحة. بصورة خاصة لم يكن هناك شيء خاص يجب ذكره عن أذربيجان وبصورة عامة لم يكن معروفاً كيفية التعامل مع (أذربيجان 2). هنا نأتي لنرى ما فعله سفاح الشعوب ستالين. كان للنظام الستاليني الديكتاتوري كل الصلاحيات لاختراع شعب جديد، ثم اختراع تاريخ لهذا الشعب الجديد، وحتى اختراع شعراء وكتاب ومثقفين واجبار تداول ذلك داخل المجتمع السوفياتي. ولكن في المؤسسات الخارجية التي لم تكن تأخذ القرارات السوفياتية كأساس اختلطت لديهم الامور بين الأذربيجانيين.

أما في قسم أرمينيا فقد تطرق لاتفاقية الكسندرابول عام (1920). ففي الطبعة الجديدة للموسوعة نقرأ: أعادت تركيا احتلال مدينتي كارس وارداهان واحتلت منطقة إكدير الواقعة في القسم الجنوبي الغربي من مدينة يريفان على مقربة من سفح جبال أرارات، كما طالبت بأن تشكل ناخجيفان (القسم الجنوبي الغربي لأرمينيا التي أهداها ستالين بالاضافة الى ارتساخ لأذربيجان السوفياتية) جمهورية تاتارية بحكم ذاتي.

هذا الكلام في عام 1960، أي عن موسوعة مطبوعة قبل 55 عام حيث كان مؤلفوها يعتبرون الأذربيجانيين الحاليين بأنهم تتار.

أما عن قسم غاراباغ (ارتساخ) تذكر الموسوعة بأنها كانت تسمى محافظة أرتساخ التابعة لأرمينيا والذي كان في اعوام 1918-1920 حراً من أي احتلال خارجي وليس قسماً من نظام ما يسمى أذربيجان الموساواتي كما يدعي ازيربروب بعناد لا مثيل له.

عام 1940 تم اعادة نشر الطبعة الاولى من الموسوعة بتغييرات كيفية في تركيا. وقد انتبه المؤرخ روبين كاليتشيان فيها الى احدى التغييرات التي كانت تخص مقطع أذربيجان والذي أخذ منحى طريفاً ومضحكاً ذاكراً بأن اسم أذربيجان قد استعمل للأقسام الشمالية لإيران وقليلاً عن منطقتي آران وشيرفان وبعد 28 أيار 1918 سميت أذربيجان القوقازية باسم أذربيجان.

الجملة الاخيرة (أذربيجان القوقازية) كما قلنا كانت طريفة ومثيرة للسخرية. فكأنه بهذا المقطع أرادت انقرة ان تجرب وبواسطة التحريف المليء بالوقاحة أن تساعد أخاها الصغير بتحريف ما كتب في موسوعة لايدن السابقة الذكر. ولكن من الصعب قبول هذه الفكرة المحرفة حتى في أذربيجان الحالية، لأنه من الثابت لديهم بأنه قبل 70 عام كان يقال في تركيا وفي احسن الاحوال بأن المنطقة الواقعة شمال نهر أراكس كانت تسمى في بعض الاحيان أذربيجان وليس بشكل دائم كما يتمناه الاذريون. وهكذا نرى بأن أذربيجان قد أخذت اسمها أو نسبتها حسب المصادر التركية قبل 97 عام فقط.

في الموسوعة البريطانية وحتى الطبعة الرابعة عشرة لم نر أي ذكر أو تلميح حتى عن أذربيجان القوقازي. وفي المجلد الثاني من الطبعة 14 الذي صدر في نيسان 1930 نقرأ: المنطقة الشمالية الغربية لإيران المسماة أذربيجان يحدها من الشمال أذربيجان السوفياتية ويفصل بينهما نهر اراكس. إذاً قبل 85 عاماً لم تكتب الموسوعة البريطانية أي شيء عن هذه الدولة العجيبة الخيالية المسماة أذربيجان القوقازي.

بالمناسبة فقد ذكرت بريتانيكا عن سكان أدرباداغان الإيرانية بأنها تتألف من أتراك وأرمن وإيرانيين وأكراد ولم تذكر آذريين. ويتابع نفس المصدر ويقول بأن ادرباداغان هي منطقة حدودية شرقي بلاد الطاليش. هذا الكلام يعنى به منطقة لينكوران. وبالنتيجة وحسب ذلك التاريخ وحسب أصدق الموسوعات فإنه لا يوجد أذربيجان ولا آذريين بل يوجد شعب طاليشي ودولة طاليش.

في نفس الموسوعة يتكلمون عن تاريخ أرمينيا وثقافتها وحضارتها وآدابها ولغتها مع خرائط وصور مزينة. فالطبعة الـ14 انتهت عام 1973 وفي العام الذي يليه بدأت الطبعة 15 باسم New Encyclopedia Britannica وفيها كتب عن الآذريين بأن هذا الشعب هو خليط من شعوب مختلفة ولا يوجد أي تلميح حتى بأن القسم الجنوبي الغربي للقوقاز كان ملكاً للشعب الآذري.

أما موسوعة بروكهاوس وايفرون الروسية تذكر بأن أذربيجان هي المنطقة الواقعة شمال غرب إيران والذي يفصل بينها وبين أرمينيا الروسية نهر اراكس، وبالنتيجة نرى أن الموسوعة القيصرية تكون قد أكدت بأن أرتساخ أيضاً هي قسم من أرمينيا الروسية.

عام 1984 وفي موسوعة رجال مسلمون المطبوعة في الولايات المتحدة الاميركية وفي قسم آذري Azeri نقرأ: الآذريين الأتراك يسمون انفسهم بعض الاحيان أذربيجانيين. إنهم منقسمون الى قسمين بتواجدهم تحت سيطرة الروس وإيران.

أحد قراء موقع “أزتاك العربي للشؤون الأرمنية”

Share This