تراجع متدرج في الحضور والدور وخوف من المستقبل مسيحيـــــو العـــــراق وتحديـــــات البقـــــاء


أعدت مجلة “العراق اليوم” الصادرة عن مؤسسة الامام الحكيم ملفاً عن مسيحيي الشرق، كتب فيه رئيس تحريرها هيثم مزاحم تحقيقاً عن مسيحيي العراق، ارتأينا اعادة نشره للإضاءة على تاريخية هذا الوجود وواقعه الراهن مع ازدياد اعمال العنف التي تطال الكنائس والتهديدات الموجهة للمسيحيين.
المسيحيون العراقيون هم من سكان بلاد ما بين النهرين الاصليين، احفاد البابليين والكلدانيين والأشوريين والعرب، المتمثلين بقبائل تغلب، واياد، ومضر، وربيعة، وسليم، وطيء. ولا شك في أن تاريخ المسيحية في العراق يعود الى بدايات هذا الدين السماوي، الذي ظهر في فلسطين، وانتشر في بلاد الشام والعراق والجزيرة العربية.
ظهرت المسيحية في العراق في القرن الأول الميلادي، حين اعتنق معظم سكان بلاد الرافدين المسيحية، فيما كان بعض منهم يدين باليهودية والمجوسية والمانوية الى عبادة الأوثان.
ويروى أن طيمون، أحد الشمامسة السبعة، قد بشّر بالدين الجديد في البصرة وكان أسقفاً لها. وعلى الرغم من أن الاقبال على المسيحية كان بطيئاً في العراق، فقد شارك في اعمال المجمع المسكوني الثاني في القسطنطينية عام 381م أسقف واحد من بصرى (البصرة) في العراق.
ويعود الفضل في بدء التبشير بالمسيحية في غرب العراق الى بعض الاسرى المسيحيين، الذين نقلوا الى الحيرة وغيرها، عام 260م. خلال الصراع بين الغساسنة والمناذرة. ولكن الفضل الاول في الانتشار يعود الى القديس سمعان العمودي في النصف الاول من القرن الخامس الذي أثر في حركة التبشير كثيراً.
وقد أسهم ملوك الحيرة المناذرة في حماية المسيحية في العراق وفارس، وخصوصا المنذر الاول (418 – 462م) وشارك اساقفة الحيرة في القرن الخامس في مجامع محلية، ترأسها جاثليق سلوقية، ووافقوا على مقرراتها، فأمسوا من النساطرة. وفي مطلع القرن السادس الميلادي، نشط السريان لبث دعوتهم في الحيرة، فأمها شمعون الأرشمي، وأقام فيها، واستجاب له بعض المسيحيين، وبنى أشرافهم كنيسة أو أكثر في العراق. وعاصر شمعون ملك الحيرة آنذاك المنذر الثالث، واعتبر أكبر داع الى المسيحية في الحيرة عاصمة الدولة.
وكانت حيرة النعمان في الربع الاول من القرن السادس أرثوذكسية خاصة، على الرغم من تغلغل النسطورية في بلاد فارس. وذلك لأنها استأثرت بالنصيب الأوفى من عناية مار شمعون الأرشمي، ومن نضاله المرير في نصرة الدين المسيحي، منذ العقد الأخير من القرن الخامس وحتى العام 523 – 524م، كما كتب في رسالته الاولى الى “شهداء نجران”.
وبموت النعمان، تولى الملك الشاعر الشهير عمرو بن كلثوم (554 – 569م) وكان مسيحياً، وأنشأت أمه هند الغسانية، زوجة المنذر الميت، ديراً في الحيرة. ويبدو انه بعد موت عمرو، رجع خليفته المنذر بن المنذر الى الوثنية.
وثمة روايات متضاربة حول تنصر ملوك الحيرة، فالطبري يروي أن “امرأ القيس بن عمرو ابن عدي (288 – 328م) أول من تنصر من ملوك الحيرة، ويذكر ابن خلدون أن النعمان ابن شقيقة (النعمان الاعور 403 – 431م) هو أول من تنصر. ولا يتسع المقام هنا للحديث عن دور الحيرة في نهضة الشعر والأدب والخطابة والعلم. في تاريخ العراق والعرب قبل ظهور الاسلام، ودور المسيحيين في تلك النهضة.

ظهور الاسلام
وبعد ظهور الاسلام نحو سنة 600 للميلاد وسيادته على الجزيرة العربية وبلاد الرافدين وبلاد الشام. ترك الاسلام لديانات أهل الكتاب، وخصوصاً المسيحيين حرية البقاء على دينهم وممارسة شعائرهم الدينية، كما كانت لهم مناظرات ومباهلات دينية مع الرسول محمد وأهل بيته. وبعد الفتح الاسلامي للعراق، تضاءلت اعداد المسيحيين على مدى قرون عدة لاسباب، منها اعتناق الكثيرين الاسلام. وأقدم كنيسة في العراق موجودة آثارها في محافظة كربلاء، قرب بلدة عين تمر، وهي تعتبر من أقدم الكنائس في العالم.
كما أسهم المسيحيون العرب،وخصوصاً في العراق، في النهضة في تاريخ الخلافة الاسلامية، ولا سيما في عهدي الامويين والعباسيين. فعندما بنيت بغداد، وانتقلت اليها الحكومة العباسية، شجعت السلطات حركة التأليف والترجمة، فبدأ العلماء والاطباء والمثقفون السريان المسيحيون يتوافدون الى بغداد للاسهام في هذه الحركة العلمية التي بدأت تزدهر في عهد هارون الرشيد، حينما اقيمت اكاديمية بيت الحكمة في عام 800 تقريباً. وبرز عدد من العلماء والاطباء والفقهاء السريان، الذين كانوا من اصول آرامية وعربية وكلدية وآشورية، فأسهموا منذ نهاية القرن السابع وحتى القرن العاشر في الحركة العلمية والحضارية العربية. وقد احصى ابن النديم عدد المساهمين في حركة الترجمة العربية، فظهر ان معظم هؤلاء كانوا من الصفوة المتعلّمة من السريان، ومعهم عدد من اهل حرّان ذوي الاصول البابلية – الكلدية الذين يطلق عليهم (الصابئة).
وعلى الرغم من طابع المد والجزر في العلاقات الاسلامية – المسيحية وفق الحكومات والحكام، الا ان التعايش الاسلامي – المسيحي استمر في العراق وصولاً الى الحقبة العثمانية التي لقي بعض المسيحيين وكثير من المسلمين، خصوصاً العرب منهم، ظلماً كبيراً خلالها. وعاش المسيحيون العراقيون مع اخوتهم المسلمين خلال فترة الحكم العثماني (1534 – 1918م)، وتحملوا صعوبات هذا العهد وشقائه من ظلم وفساد سياسيين، فضلاً عن عراقيل اجتماعية واقتصادية، الامر الذي ابقاهم بعيدين عن ميادين الفكر والنهضة، وذلك بسبب النظرة الشوفينية التركية. فكان العراقيون جميعاً مضطهدين، ينتشر بينهم الجهل والفقر والمرضى. ورغم ذلك، فإن بعض المسيحيين استطاعوا ان يبرزوا على الساحة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، فأسهموا في حركة اليقظة والنهضة العربيتين مع اخوانهم المسلمين.

النساطرة واليعاقبة..
استمرت كنيسة العراق بين نساطرة ويعاقبة (ارثوذكس) حتى القرن الخامس عشر، حين انضم ثلاثة من مطارنة النساطرة الى الكنيسة الكاثوليكية، واختير “سولاقا” ليصبح بطريركاً للكلدان. من هنا، تأسست الطائفة الكلدانية الكاثوليكية التي تمثل حالياً غالبية المسيحيين في العراق، وهي لا تزال تحافظ على لغتها السريانية بلهجتها (السورث)، ومعها تراث مستمر من اخبار الكنيسة المشرقية في العراق، وكثير من المخطوطات الدينية، وكتب التاريخ القديمة المحفوظة في الاديرة التي لم تصل اليها التعديات المختلفة خلال القرون الماضية. اما دخول الكثلكة الى صفوف الكنيسة السريانية، فتم في القرن الثامن عشر، على يد الآباء الدومينيكان، الذين قدموا الى الموصل عام 1749. ولدخول الكثلكة الى الموصل والعراق عامة عاملان:
العامل الثقافي: كانت جهود الآباء الدومينيكان كبيرة في حقل الثقافة السريانية؛ فقد انشأوا اول مطبعة في الموصل وربما في العراق، وطبعوا الانجيل باللغتين العربية والسريانية. وهاتان الطبعتان كانتا وحيدتين في تاريخ العراق حتى مطلع القرن العشرين. كما ترجموا كتباً دينية وقصصاً عن الفرنسية، وألفوا كتباً مدرسية باللغتين العربية والفرنسية لتعليم الفرنسية لغة ثانية، كما أقاموا معهداً في عام 1875 باسم معهد يوحنا الحبيب. وصار على الكاهن منذ ذلك الحين ان يتعلم الديانة واللاهوت وتاريخ الكنيسة واللغات الاجنبية، فضلاً عن اللغتين العربية والسريانية. وظل ذلك النهج قائماً في ظل الكنيسة الكلدانية حتى تأسيس “كلية بابل للاهوت” في بداية التسعينيات من القرن الماضي. وصار على الكاهن ان يحصل على ثقافة بمستوى البكالوريوس على الاقل.
العامل السياسي – الاجتماعي: ساعد تأثير فرنسا الديبلوماسي في العهد العثماني مهمة الآباء الدومينيكان – من دون شك – في تطوير الثقافة المسيحية في الموصل، حيث انشأوا مدرسة ابتدائية، ومن ثم مدرسة ثانوية استمرت حتى بداية استقلال العراق عام 1920، عندما اقيمت مدارس حكومية في كل انحاء العراق. وكانت الدولة العراقية الفتية في عهد الملك فيصل الاول دولة متنوّرة، اقرّت الحرية للرسالات السموية، ومنها المسيحية، فتعددت مدارسها وكنائسها، وتعززت اديرتها، فتخلص المسيحيون، للمرة الاولى منذ قرون، من اثقال الجزية ونظام الضرائب والاتاوة العثماني التي كانت تفرض عليهم.

عهد الاستقلال..
في عهد الاستقلال، اقرّت الحكومة العراقية للمسيحيين حق انتخاب خمسة نواب من بين مئة نائب لمجلس النواب الجديد. كما استوزر عدد منهم منذ الحكومة النقيبية الاولى عام 1920 وعهد لبعضهم بوظائف مهمة. وكانوا صفوة من المتعلمين والمثقفين الذين تخرّج معظمهم في المدرسة الثانوية للآباء الدومينيكان في الموصل، وبعضهم تخرج في كليات تركية واوروبية، وكذلك في مدرسة الحقوق العراقية التي تأسست عام 1908. فقد كانت من اوائل كليات الحقوق في الوطن العربي، وتخرّج منها عدد من المثقفين والشخصيات العراقية. بينهم من المسيحيين المحامي انطوان شماس، وجورج جورجي، والاديب والصحافي روفائيل بطي، وهذا الاخير كان اول وزير للاعلام في العراق في حكومة فاضل الجمالي عام 1956، وهو صاحب جريدة “البلاد” الذائعة الصيت.
ومن المسيحيين الذين درسوا في اوروبا، او درسوا في كليات او جامعات اميركية في الشرق الاوسط، امثال الدكتور حنا خياط اول وزير للصحة في العراق في الحكومة النقيبية الثانية. وكان في الوزارة الاولى وزيراً بلا وزيرة، وذلك في عام 1920. والاب انستاس ماري كرملي، احد علماء اللغة العربية، وصاحب اول مجلة ادبية راقية في العراق “لغة العرب”. اما الدكتور متى عقراوي فقد اصبح اول رئيس لجامعة بغداد عام 1959. والمطران اغناطيوس افرام برصوم، مؤلف كتاب “اللؤلؤ المنثور في الآداب السريانية” عام 1946. واعتمد قسم آخر من النخبة على الثقافة الاميركية. ومن ابرز الذين تخرجوا في جامعات اميركية من المسيحيين عبد المسيح وزير، الذي تخرج في الجامعة الاميركية في تركيا، وعين مترجما في وزارة الدفاع العراقية، ويعود اليه الفضل في ترجمة الرتب العسكرية الى العربية للمرة الاولى في الوطن العربي، وترجمة الصنوف والاسلحة التي كانت مسمياتها تركية. وبرز في ستينيات القرن الماضي عدد من الادباء والعلماء والمفكرين المسيحيين، نذكر منهم كوركيس عواد الذي ألّف 51 كتاباً في التاريخ والبلدانيات والبيبلوغرافيا والمراجع والمكتبات؛ وبشير فرنسيس الذي ترجم بالاشتراك مع طه باقر ملحمة جلجامش كاملة وبدقة للمرة الاولى في اللغة العربية في عامي 1949 – 1950، ونشرت في مجلة “سومر”؛ اما فؤاد سفر فقد اشتهر كتابه عن مملكة حطرا او الحضر التي نقّب في آثارها، ودرس وترجم نحو 300 من الكتابات المنقوشة باللغة الآرامية – الحطرية في آثارها. وغيرهم.
ونصّ الدستور العراقي الجديد الذي اقر في عام 2005 على ضمان كل الحقوق الدينية لجميع الافراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية، كالمسيحيين واليزيديين والصابئة. كما نص على ان العراق بلد متعدد القومية والدين والمذهب. كذلك ضمن الدستور تمثيل الاقليات في الحكومة والبرلمان بما يتناسب وحجمها.

الواقع الديموغرافي لمسيحيي العراق..
المسيحية هي ثاني رسالة سموية في العراق من حيث عدد الاتباع بعد الاسلام، وهي رسالة معترف بها وفق الدستور العراقي، الذي يقر بأربع عشرة طائفة مسيحية في العراق مسموح التعبد بها. ويتحدث غالبية اتباع الطوائف المسيحية اللغة العربية كلغة ام، في حين ان نسبة منهم تتحدث باللغة السريانية، بلهجاتها العديدة، وباللغة الارمنية.
وقُدّر عدد المسيحيين في عهد الاستقلال عام 1920 بـ5 في المئة من عدد سكان العراق الذين كانوا يبلغون خمسة ملايين نسمة، بعد ان كان المسيحيون في القرن السابع للميلاد نحو نصف سكان العراق. وشكّلت نسبة المسيحيين، بحسب احصاء عام 1947، 3,1 في المئة اي نحو 149 الف نسمة من اصل الاربعة ملايين ونصف مليون عراقي. وقدر عددهم في الثمانينات من القرن الماضي بين المليون والمليوني نسمة من مجموع السكان. وانخفضت هذه النسبة بسبب الهجرة خلال فترة تسعينيات القرن الماضي، وما اعقب حرب الخليج الثانية من اوضاع اقتصادية وسياسية متردية.
ووفقاً للاحصاء الذي اجري في العام 1977، فإن 2,14 في المئة من سكان العراق هم مسيحيون، وان نسبة النمو في صفوفهم تراجعت من 3 في المئة في 1957 الى 0,73 في المئة عام 1977. وكان عدد المسيحيين في العراق نحو مليون و684 الف نسمة عام 1977، تدنى في آخر احصاء عام 1987 الى مليون وربع المليون نسمة، بنسبة 5 في المئة من الشعب العراقي. وعشية الاحتلال الاميركي عام 2003 بلغ عدد المسيحيين العراقيين نحو 700 الف شخص، اي نحو 3 في المئة من اجمالي عدد السكان البالغ نحو 25 مليون نسمة. اما اليوم فمن الصعوبة تحديد عدد المسيحيين في العراق، وان كان البعض يقدّر عددهم بما بين 530 الفاً و650 الف نسمة، ويقدّر عدد الذين غادروا البلاد بنحو 350 الف نسمة. فقد تسارعت وتيرة هجرة المسيحيين بعد احتلال العراق عام 2003 واعمال العنف الطائفي والعمليات الارهابية التي عصفت به، وادت الى تهجير عدد كبير من مسيحيي بغداد – خصوصاً ضاحية الدورة – اضافة الى مسيحيي المدن الاخرى، الى خارج العراق، او الى منطقة اقليم كردستان الآمنة نسبياً. وغني عن القول ان هذه الاعمال الارهابية استهدفت المسلمين كما المسيحيين، وادت الى تهجير العراقيين من جميع طوائفهم.
التوزّع الجغرافي والطائفي..
ينتشر المسيحيون في العراق في كل المحافظات تقريباً، لكن وجودهم يتركز في العاصمة بغداد، حيث يوجد اكبر تجمع سكاني لهم، وفي المدن الكبرى: الموصل، وكركوك، والسليمانية، والبصرة، واربيل، والعمارة، والحلة، وبعقوبة، والحبانية؛ وفي الشمال، في منطقة كردستان حيث يعيشون في نحو 120 قرية؛ وفي منطقة سهل نينوى قرب الموصل، وفي مناطق تل كيف، وقراقوش، وشيخان التي تضم كنائس.
ويتوزع هؤلاء على كنائس تنتمي الى طوائف عدة تتبع طقوساً مختلفة. علماً ان معظمهم من اتباع الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية، فيما يتوزع الآخرون على الطوائف الآتية: السريانية الارثوذكسية، السريانية الكاثوليكية، الكنيسة الارمنية الكاثوليكية، الكنيسة الارمنية الارثوذكسية (وهم غالبية ارمن العراق)، كنيسة المشرق القديمة، كنيسة المشرق الآشورية او الكنيسة الآثورية، الروم الكاثوليك، الروم الارثوذكس، الطائفة البروتستانتية الانجيلية الوطنية، الطائفة الانجيلية البروتستانتية الآشورية، طائفة الادفنتست السبتيين، طائفة اللاتين الكاثوليك وطائفة الاقباط الارثوذكس (وهم من الجالية المصرية في العراق). ويتوزع هؤلاء حالياً بحسب النسب المئوية كالآتي: 65 في المئة كلدان (كاثوليك)، و14 في المئة سريان (كاثوليك وارثوذكس)، و16 في المئة اشوريون (من طوائف ثلاثة)، و4 في المئة ارمن (من طوائف عدة)، و1 في المئة من طوائف بروتستانتية.

الطوائف المسيحية..
في ما يلي نبذة عن ابرز الطوائف المسيحية في العراق:
الكلدان: من اتباع الكنيسة الكاثوليكية التي تأسست بهذا الاسم عام 1445، حينما تحوّل الكثير من المسيحيين الذين كانوا يسمون بالنساطرة الى الكاثوليكية. ويُرجع الكلدان اصولهم الى البابليين – الكلديين الذين ينتمون الى احدى القبائل الآرامية، التي توطنت في منطقة الاهوار في جنوب بلاد الرافدين في القرن العاشر قبل الميلاد. ويشكّل هؤلاء معظم المسيحيين في العراق، وهم يتحدثون اللغة السريانية الشرقية منذ القرن الثاني الميلادي وحتى يومنا هذا. ينتشر الكلدان في مدينة بغداد خصوصاً وفي تل كيف، وبطنايا، وبارطلا والقوش في الموصل، وعينكاوة في اربيل وبعض البلدات في دهوك، تضم الطائفة أحزابا تألفت حديثا هي: حزب الاتحاد الديموقراطي الكلداني ويترأسه عبد الاحد افرام ساوا. تأسس عام 2000 ويصدر جريدة شهرية باسم “فجر الكلدان”. والمجلس القومي الكلداني الذي يترأسه فؤاد رحيم بوداغ، واتحاد بيت نهرين الوطني ويترأسه كوركيس خوشابا.
الآشوريون: يتبع معظمهم كنيسة العراق القديمة (النسطورية)، إلا أنهم ينقسمون الى ثلاثة مذاهب مسيحية. ويعود أصلهم الى الاقوام الآشورية، وقد جابهوا اضطهادات عدة، عثمانية ومحلية خلال القرون الماضية، مما جعلهم يهاجرون الى مناطق حكاري وبحيرة. وقد عادوا بعد عام 1915 بعدما اضطهد الارمن في تركيا العثمانية. وفي فترة الثلاثينات من القرن العشرين، عند اكتمال استقلال دولة العراق بدخولها الى المنظمات الدولية، طالب الآشوريون باحترام حقوقهم في مدنهم وبلداتهم في اربيل ودهوك، إلا أن الحكومة اعتبرت ذلك تمردا.
ويذكر الباحث رشيد الخيون، أن الآشوريين لم يذكرهم الدليل العراقي عام 1936 بسبب القتال الذي دار بينهم وبين الحكومة عام 1933، ويشير الى أنهم تعرضوا للقتل في مذبحة سميل بسبب مطالبتهم بحقوقهم القومية.
وأقدم حزب الحركة الديموقراطية الآشورية، الذي تأسس عام 1979 ويترأسه حاليا يونادم كنا، ويصدر حاليا جريدة أسبوعية بعنوان (بهرا) اي الضياء. كما تأسس حزب آشوري آخر عام 2003 باسم الحزب الوطني الآشوري الذي يترأسه نمرود بيتر حنا، الذي يشغل وزارة الصناعة في حكومة اقليم كردستان.
•السريان: ينقسمون الى طائفتين: الكاثوليك، والارثوذكس. وهم من أتباع الكنيسة الغربية في سوريا التي سميت خطأ باليعقوبية، وكانت أبرز أبرشياتها في العراق، ومراكزها في تكريت وعانا ودير مار متى في الموصل. ويرجع السريان أصولهم الى الاقوام الآرامية والعربية. وقد أهمل معظمهم لغته التي كانت سائدة على الارجح حتى القرن السابع عشر وخصوصا في منطقة جبال لبنان.
لكن اللغة السريانية لا تزال تدرس في معاهد رجال الدين في العراق وسوريا ولبنان، بينما اضمحلت في فلسطين ومصر اللتين فضل مسيحيوها اللغة القبطية، وهي مزيج من اللهجة المصرية الفرعونية واللغة اليونانية التي سادت في مصر إبان السيطرة اليونانية والرومانية. ويتركز السريان في مدينة بغداد، وبلدات بخديدا (قره قوش)، وبعشيقا، وبحزاني وغيرها. عام 2005 قامت مجموعة منهم بتأسيس حزب باسم (حركة تجمع السريان) في مدينة بخديدا، وقد تولى رئاستها يشوع مجيد هدايا الذي اغتيل في بداية عام 2007.
الأرمن: معظمهم من المهجرين وضحايا الاضطهاد العثماني في تركيا، حيث كانوا يسكنون منذ مئات الاعوام. هربوا بعد “مذبحة الارمن” عام 1915 الى الدول المجاورة، ومنها العراق وسوريا ولبنان، وعاشوا فيها منذ ذلك الحين. ينقسمون الى طوائف فيما معظمهم من الارثوذكس والكاثوليك بنسبة أقل وغير ذلك. لهم نشاطهم وثقافتهم الارمنية الخاصة، ومن أشهر الشخصيات الارمنية في العراق “كولبنكيان” الذي حصل من الباب العالي على موافقة على التنقيب عن النفط، وتنازل عن هذه الاجازة الى شركة النفط البريطانية التي سميت “شركة نفط العراق” فمنحته نسبة 5 في المئة من أرباحها، حتى تأميم النفط العراقي عام 1973. وقدم مساعدات كثيرة لدعم المؤسسات الثقافية في العراق. واشتهرت سارة خاتون في العهد العثماني الاخير بمساعدتها للأرمن، وكانت أملاكها تضم منطقة كمب سارة قرب بغداد الجديدة. ومن الارمن العراقيين المتميزين عازفة البيانو العالمية بياتريس اوهانيسيان، والاديب يعقوب سركيس وغيرهما.
البروتستانت والطوائف الغربية الاخرى: لا تتعدى نسبتهم 1 في المئة من عدد المسيحيين في العراق وقد تفرعوا من المذاهب والطوائف الاصلية في العراق.

صحيفة النهار اللبنانية

Share This