الغاية تبرر الوسيلة … ولكن

بقلم كارو قيومجيان

” الغاية تبرر الوسيلة ”  نظرية سياسية وإجتماعية نشرها مؤلف كتاب “الامير ” نيقولا ميكيافيللي الإيطالي وقدمها كهدية لأميرمن أسرة مديتشي في فلورنسا –  ايطاليا  وذلك للتقرب منه وكسب وده لأسباب شخصية .

“الغاية تبرر الوسيلة ” هذه النظرية الميكيافيللية المثيرة للجدل منذ خمسة قرون قد انتشرت فيما بعد مثل إنتشارالنار في الهشيم ، وتبناها الكثيرمن القادة والسياسيين كأسلوب لنظام حكمهم ، كما أنها في الوقت نفسه أصبحت مدرسة سياسية لها من المعارضين أكثر مما لها من مؤيدين.

مضمون النظرية لايحتاج إلى تفسير وشرح فهي واضحة وشاملة وصريحة فيما ترمي إليه ،إذ إنها تبرر أفعال الحكام أو القادة أو الافراد وتسوغ لهم تبني أوإتباع  أي وسيلة يرونها مناسبة ، أخلاقية كانت أو غير ذلك – للوصول إلى الغاية التي ينشدونها .

ولامانع لدى متبعي  النظرية أن يستخدموا وسائل الحيلة والخديعة  و الجرائم… الخ عندما تتطلب  الحاجة . كما ان لامانع  لبعض أتباع هذه النظرية من خوض الحروب مادامت في النهاية ستوصلهم الى النتيجة المبتغاة .

يبرر ميكيافيللي منطق النظرية بأنه لايمكن توافق البشر والشعوب في أغلب الاحيان على مصالح مشتركة ، إذ من المستحيل شيوع التفاهم الودي بينهم  واستمراره ، وذلك لتعارض المكاسب والخسائر لكل الأطراف المتصارعة على البقاء  . فالقوي يرى بسبب قوته أنه الأجدر للحكم من الضعيف ، والغني يرى بسبب ثروته أنه الأجدر بالتمتع بمباهج الحياة والاستحواذ على ما تطاله يداه من أملاك حتى لو تضررمن ذلك غيره  ، وكل صاحب عقيدة يرغب في نشرعقيدته إلى ماهنالك من أفعال وأفكار ميكيافيلليه مازال الكثير من الناس يستخدمونها كأسلوب حياة وتعامل بوسائل ظاهرة أو مستترة وذلك على رغم أن معايير الدولة المدنية ابتداء من القرن العشرين ،اعتبرت هذه النظرية بوجه عام غير مقبولة لأنها غير أخلاقية.

هذه مقدمة لمقالتي  لمن لم يقرأ كتاب ” الأمير ” أما سبب كتابتي هذة المقالة بشكل مبسط ومن منظور مختلف ، لا لشئ إلا لإنها قناعتي أيضاً .  إن مبدأ الغاية تبرر الوسيلة لم يسد في الماضي فحسب بل هو يمارس الآن ولن يغيب مستقبلاً .فهو ليس مبدأ في حياة الانسان فقط عبر الزمن بل منطق سائد لدى المخلوقات منذ وجودها على ظهر البسيطة  وذلك على مستويات متفاوتة من الشدة أو اللين . ففي عالم الحيوان يستعمر القوي الضعيف ليعيش ، وفي البحر ينهش الكبير الصغير أو يبتلعه ليعيش، وفق مبدأ شبيه بـ ” الغاية تبرر الوسيلة ” ولكنها سلوك غريزي غير متمدن،

أما الأنسان فقصته مع تبرير وسيلته لأجل غايته تبدأ من قصة ابينا آدم مع أمنا حواء في الفردوس على رغم التحذيرات. ولأن غاية الناس على مر الازمان  حفظ الروح الى الأبد ، فقد  بنوا الأهرامات والقصور الملكية الضخمة واخترعوا المومياء كوسيلة للخلود ، كما تشكلت شعوب جديدةعلى الخريطة بغية الاستقلال من الحكام .. لغاية تنفيذ رغبة قائد جديد في أرض جديدة . إنها غزوات وحروب حصلت و مؤامرات حبكت وتم إختراع البارود وغيره … كل ذلك  لأجل غايات ومصالح .

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف تتحقق الغاية (من المفترض أن تكون نبيلة ) وما هي الوسيلة ( الشدة أو اللين) ومن الذي يستطيع قياس نبل الغاية مع محصلة الوسيلة ، أي ضبط النسبة والتناسب . فأبسط مثال على ذلك هي الأم :  فإن صفعت  ولدها لخطأ ما اقترفه هل تكون غايتها  تربية  إبنها كي لايكررالخطأ ( وهذا شيء نبيل دون شك ) وهل يتساوى تصرف هكذا مع الألم الجسدي والنفسي اللذين سيعانيهما الطفل ! الأم ترى بأن تربية الطفل هي الغاية والصفعة هي الوسيلة المبررة.

أنني أؤيد  نظرية ميكيافيللي القائلة بأن الغاية تبرر الوسيلة ، ولكن لدي مقاييس شديدة  بخصوص تشخيص أحقية وماهية الغاية نفسها فهل هي مبررة في تلك الظروف أصلاً وهل تم تقييمها بحجمها الصحيح أم تم تضخيمها أم تحجيمها وتبريرها بنظر الساعي فقط . كذلك عند اختيار الوسيلة : هل هي متناسبة من حيث حجمها أوأسلوبها أوشدتها مع الغاية المنشودة ؟

وهناك الكثير من الأمثلة الاعتيادية التي تؤكد بأننا  كلنا نمارس أسلوب الغاية تبررالوسيلة يومياً ، فأنت مهما كنت رجلاً صادقاً في معاملاتك اليومية ، قد تلجأ إلى صوغ  كلامك وتصرفاتك بشكل منسق بحيث يسهل قبولك من الطرف الآخر ، وهذا يعتبر إتباع وسيلة للوصول إلى غاية. فأنت باقتنائك سيارة فارهة ودفعك لذلك المبلغ الضخم ليس إلا وسيلة لبلوغ غاية كسب الوجاهة والمقام بين المحيطين بك . وإنني مقتنع بأن أهم وأرفع وأقدس وسيلة يستخدمها البشر في حياتهم اليومية وبشكلها الإيجابي ماهي إلا الأعمال الصالحة ، فهي الوسيلة للوصول إلى المواطنة الصالحة وإلى  رضا ربهم ومن ثم  فهي إذاً  الغاية والهدف . وهكذا وبشكل مختصر أردت أن أذكر القارئ بأننا وفي كل مناسبة نمارس تلك النظرية بشكل أو بآخر.  ولكن الأحرى بنا بأن نكون دقيقين ومنصفين بأتباع الوسيلة المقبولة التي ستبررمسعانا للوصول إلى الغاية ، وهنا بالذات تكمن العبرة.

الكويت

Share This