حوار مجلة “بزنسجورنال” مع نائب حاكم مصرف لبنان السابق الأستاذ مكرديج بولدكيان

س: هل يمكن توصيف بدايات حضورالأرمن في الاقتصاد اللبناني، متى وكيف تطور هذا الحضور؟

ج: تسببت سياسة الإبادة الجسدية الجماعية للشعب الأرمني من قبل السلطنة العثمانية في هجرة واسعة لهذا الشعب الى مختلف بقاع العالم ومنه لبنان .البداية كانت مع وصول 50 ألف مهاجر أرمني الى الأراضي اللبنانية في العام 1921، ليصل عددهم اليوم الى أكثر من ربع مليون مواطن .عشرات السنوات من الجهود والنضال جعلت من الأرمن احدى طوائف لبنان الأكثر نشاطا تساهم بشكل متميز في الإنطلاقة الصناعية والاقتصادية والثقافية في وطنها الجديد.

حمل المهاجرون الأرمن الى لبنان ثقافتهم وتراثهم وخبراتهم ومهاراتهم الصناعية والحرفية، واندمجوا سريعا في المجتمع اللبناني. وبداية حضور الأرمن في الاقتصاد اللبناني كانت سريعة وذات مردود ايجابي على الاقتصاد اللبناني. السوق اللبناني كان بحاجة ماسة بعدالحرب العالمية الأولى الى يد عاملة فنية ماهرة، وبحاجة الى كوادر صناعية ومصرفية، كل هذه الاحتياجات وفرها الشعب الأرمني، الذي ساهم وبشهادة الكثيرين في الانطلاقة الاقتصادية والثقافية في وطنه الجديد.

إن حرفي العشرينات من ابناء الطائفة الأرمنية أصبح ابنه الان مهندساً ومتعدد الحرف، أصبح ابنه تاجراً ،طبيباً، مهندساً، فناناً ورجل أعمال. زهاء مئة من اصحاب الملايين في عالم الصناعة والتجارة، نواب في المجلس النيابي، وزراء ،رجال أكليروس ذو قيمة، مؤسسات اجتماعية، صحف، نواد، كنائس ومدارس.

إن الحضور الأرمني في الاقتصاد اللبناني تطور بشكل سريع من خدمات حرفية بسيطة الى اعمال كبيرة في التجارة والصناعة والمال والمصارف والتعليم والخدمات والجيش اللبناني الباسل.

إن الشعب الأرمني اللبناني أرسى حضوره المتميز والمؤثر في الاقتصاد اللبناني، وهو يطمح الى تحقيق المزيد من خلال مثابرته وعزمه على ايفاء هذ االوطن حقه.

س: هل كانت البيئة مهيأة لاستقبال الطموح الاقتصادي للشعب الأرمني؟

ج: حيثما حل الأرمن بعد الهجرة الكبيرة في العام 1915،كان هدفهم الرئيسي إقامة حياة جديدة، بالوسائل الوحيدة المتوفرة لهم، أي شجاعتهم وطاقتهم الكبيرة على العمل، وعنادهم في اتخاذ قراراتهم وروح التضحية لديهم. هذا كان رأسمالهم الوحيد.

كان الجيل الأول من الناجين الأرمن الذين اقاموا في لبنان مؤلفاً من الحرفيين وصغار التجار. وفي ظل الإمبراطورية العثمانية نشأ في لبنان مجتمع مؤلف من التجار في الساحل والمزارعين في البقاع والجبل .هؤلاء الأرمن وفور وصولهم الى البلاد اندمجوا في هذا المجتمع بحيث انهم أكملوا وأغنوا الاعمال الحرفية المحلية.

هذا الجيل الأول النشيط الذي ساهم في التنمية الاقتصادية في آسيا الصغرى وفي الإمبراطورية العثمانية قبل سقوطها، وجد بيئة مواتية للمساهمة في تنمية لبنان الكبير، فبفضل حبه للعمل واحساسه بالمبادرة الفردية وروحه الخلاقة هو الذي وضع هدفاً له تحسين مستوى حياته، وقد استطاع هذا الشعب خلال عشرات السنوات ان يحظى بالتقدير وان يعترف به في النظام الاقتصادي اللبناني.

س: هل ركز الأرمن على اعمال محددة ليكون لهم أثرهم في الدورة الاقتصادية اللبنانية؟

ج: من الصعب ان نحدد بشكل مطلق ودقيق الاعمال والانشطة التي مارسها الأرمن اللبنانيون، والتي كان لها أثرها المباشر في دعم دورة الاقتصاد.

صناعات وحرف وتجارة: ليس من الممكن ان نحدد قطاعا ًبقطاع المساهمة الارمنية في الدخل القومي اللبناني، الا ان الأرمن يتميزون بصفة خاصة في الصناعات الحرفية والمهن الحرة والخدمات والتجارة، ويمكن تلمس وجودهم بشكل خاص في صناعة المعادن والسباكة والصناعة.

فيما يتعلق بالمهن الحرة إن الاحصاءات بين بوضوح حجم المساهمة الأرمنية في هذا القطاع (أطباء، مهندسون، ورجال قانون وأساتذة تعليم جامعي….(. وفي قطاع التجارة ثمة تجار جملة ومستوردون وممثلون لشركات دولية وتجار مفرق ووسطاء .على صعيد العمالة يستوعب القطاع الخاص الأرمن، خصوصا في شركات الطيران والمصارف وشركات التأمين والتعليم والشركات التجارية. ويبرع الأرمن في فن التصوير الفوتوغرافي وفي كل الصناعة البارافوتوغرافية في الشرق الأوسط.

25% من تجارة الذهب: منذالعام1950 ، ازداد اتجاه الأرمن نحو الاعمال العقارية والبناء. اما الطائفة الأرمنية في عنجر ) البقاع (فهي تهتم بشكل خاص بالزراعة وتتميز بتعاونياتيها الاثنتين. جذبت النشاطات المصرفية الخاصة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية الأرمن، بصورة خاصة وهكذا تخصصوا في عمليات الصرف ومؤسسات الحسم وتجارة الذهب والرهونات العقارية. وتقول أحد الصحف العالمية ان 25 في المئة من تجارة الذهب في لبنان يجري التفاوض في شأنها رجال الصيرفة لبنانيون أرمنيو الأصل، الذين عملوا في بورصة بيروت من عام 1299 م وما زالوا حتى اليوم .

كان التشريعات في سوريا ولبنان، لا سيما فيما يخص الصيارفة تسهل العمل لكل من اختار مهنة الصيرفة .في ذلك الوقت، كان الصيارفة المحليون الذين يزاولون المهنة في لبنان.

نخبة الصيارفة الأرمن في لبنان منذ عام 1922م حتى اليوم :

هاكوب سيفيريان: كان من أوائل الصيارفة في بيروت، حيث أتى فترة التهجير القسري من قيصاريا واستقر في بيروت عام 1922 م.

أنترانيك أتايان: أصله من “سيس”، استقر في زحلة بلبنان بعد التهجير من”سيس”، وأسس في البداية شركة تجارية باسم أنترانيك أتايان.

مكرديج كابراش: صاحب شركة صيرفة معروفة في ساحة البرج، ابنه هاكوب هو أول صيرفي يتعامل مع مصارف سويسرية.

كاسبار ميناك : استقر في بيروت بعد التهجير من الاسكندرونة عام1939 ، أسس شركة الصيرفة في ساحة البرج.

الأخوة كوروغليان : في سوق سرسق عمل فاهرام وصوغ ومونو هاروتيون وهاكوب (أبو سركيس(.

هاكوب أزاديان : في سوق سرسق.

شركة بوغوص : استقر صاحبها في لبنان بعد التهجير من ماردين ودير الزور في منتصف القرن الماضي.

هايك  أرام كالينجيان وأولاده : كارووفاتشي.

سيلفا Exchange : في الحمرا، أسس الشركة يبريم كوستانيان كصيرفي، وكان يعمل في تجارة الذهب )سبائك gold bars ومفرق(.

ديكران هوفانيسيان : في شارع فوش، من عام 1299 م حتى عام 1290 م.

شركة داوود يانبيليريان : هاكوب بيليريان وأولاده يرفانت وكريكور، في البداية كانوا في طرابلس ثم في سوق سرسق.

وأذكر من كتابي الصيرفة الارمنية من إسطنبول إلى الشرق الاوسط صفحة من جريدة L’ORIENT LE JOUR عن وجود الصيارفة الارمنية في لبنان.

س : هل بنى الشعب الأرمني شراكة اقتصادية مع اللبنانيين؟

ج: نجح الأرمن اللبنانيون في بناء علاقات شراكة اقتصادية متميز ومع نظرائهم اللبنانيين من خلال إطلاق وتأسيس مشاريع مشتركة في أكثر من قطاع اقتصادي اساسي . هنا كعشرات المؤسسات الصناعية والتجارية والمالية تجمع بينها شراكة لبنانية ارمنية . كما شكلت اليد العاملة الأرمنية، المهنية والحرفية بوابة عبور للأرمن الى غالبية المؤسسات الاقتصادية، والى بيوت اللبنانيين.

نعم يوجد اليوم شراكة حقيقية اقتصادية، اجتماعية وثقافية ووطنية تجمع بين الشعبين الأرمني واللبناني، شراكة جذورها عميقة، وامتداداتها لا تقف عند حدود.

س : ما هو الجديد الاقتصادي المالي الذي اتى به الشعب الأرمني مع نزوحه الى لبنان؟

ج: إن أفضل ما أتى به الشعب الأرمني الى لبنان على الصعيد الاقتصادي هو الرغبة الصادقة في العمل والمساهمة في دعم الاقتصاد اللبناني، ذلك من خلال المهارات الفنية والمهنية التي اكتسبها الأرمن طوال سنوات عديدة، ووضعوها في خدمة وطنهم لبنان والى المهارات الفنية والمهنية وضع الأرمن في خدمة الاقتصاد اللبناني تجربتهم الناجحة في القطاع المالي والصناعي ما ساهم في ازدهار سوق الصرافة وانشاء المؤسسات الصناعية الكبرى.

س : هل نجح الأرمن بالاندماج في الاقتصاد اللبناني؟

ج : نعم لقد اندمج الأرمن بسرعة في الاقتصاد اللبناني، وانهم عرفوا كيف يحافظون على مصالحهم الشخصية وعلى مصالح لبنان في آن واحد .اليوم الأرمن مقبولون في جميع البلاد العربية، وقد أصبحوا شرقيين من دون ان يفقدوا هويتهم الأرمنية . وذلك بفعل روح التعاون مع اشقائهم العرب.

س : ما هو الوضع الديمغرافي لأرمن لبنان، وما هو وضعهم الاجتماعي؟

ج : يتوزع الأرمن على عدة مناطق لبنانية، أكبر تجمع سكاني للأرمن يقع في برج حمود، وبعد تدمير الوسط التجاري في بيروت اصبحت واجهات المحلات الحديثة في هذه المنطقة تضاهي واجهات المحلات التي دمرت .وقبل الحرب فإن الإرمن الذين كانوا يقطنون في شقق مستأجرة والذين حسنوا وضعهم بدأوا يبتعدون من هذاالحي ليشتروا منازلهم الخاصة في النقاش وانطلياس وضبيه والرابية الخ ….ولا حاجة للتذكير انه في برج حمود ولد، في العام 1950، أول مشروع للمساكن الشعبية، وقد نفذ المشروع الأب بول عريس، وهو مكن من تجميع الأرمن الذين كانوا يسكنون في مناطق غير صحية .وبالفعل، فقد كانت البدايات صعبة في العاصمة. فقد اسكن المهجرون في منطقة مستنقعات شمال وشرقي بيروت وسط ظروف معيشية صعبة ومعقدة.

اليوم تغير المشهد الديمغرافي والاجتماعي لأرمن لبنان بشكل جذري وايجابي، الأرمن اليوم مواطنون لبنانيون بصورة كاملة، فاعلون في المجتمع، منتجو وطنيون مع طموح غير محدود .ولا بد هنا من الاشارة الى الدور البارز الذي تقوم به منظمات المساعدة الأرمنية اوالمتعاطفة مع الأرمن، فهذا الدور ساهم في رفع مستوى حياة الشعب الارمني عن طريق بناء مستوصفات وخلافه.

الى ذلك يمكن ان نلاحظ لدى الأرمن المنتشرين في العالم واهبين عديدين صغارا وكبارا معروفين او غير معروفين يقومون بتمويل انشاء المدارس الخاصة والكنائس والمسارح ونوادي الشبيبة في لبنان.

واخيرا تلعب كاثوليكوسية الأرمن لبيت كيليكيا في انطلياس التي تأسست سنة 1930 بعدما هجرت قسراً من مركزها التاريخي في مدينة “سيس” في الإمبراطورية العثمانية منذ 600سنة، بإشراف الكاثوليكوس ارام الأول دوراً كبيراً في حياة الطائفة الأرمنية ورعاياها في لبنان والمهجر وهي تشرف حالياً على 14 مطرانيات حول العالم. كما تلعب الأحزاب الأرمنية دوراً أساسياً في الحياة السياسية في لبنان.

مجلة بزنس جورنال

Share This