بقعة سوداء في تاريخ العراق المعاصر إذا استمروا على تهجير المسيحيين القسري

طاهر عيسى طه


اليوم .. وبعد اكثر من مئة سنة .. لازال الاتراك يخفون وجوههم خجلا من مجازر اقترفوها بحق الأرمن المسيحيين .. في حينها لم يخجلو من هذه المجازر بل تبجحوا بها .. يوم اجبروا مليونا من الأرمن على الفرار من ارض اجدادهم .. نتهت حياة مئات الالاف منهم .. وفي بعض الاحيان لم يجدو المضطهدين قبرا يضم رفاتهم .. الشعب التركي اليوم .. يحاول ان يخف يديه الملطختين بدماء الأرمن .. الشعب الذي تتردد شعوب اوروبا من قبوله كشعب متحضر يحق له بالانتماء للاتحاد الاوروبي .. التي مافتأت تركيا الزحف لها منذ اعلان المؤسس اتاتورك الدولة التركية الحديثة .. عندما رفس بقدميه الشريعة الاسلامية والجبة الدينية والعمامة الحنفية .. وأصدر قانونا تحديثيا يجبر الاتراك على لبس الزي الاوروبي .. كان هذا قبل مائة سنة وظل حلم الانتماء الى اوروبا قائما الى هذا اليوم .. رغم ان المجتمع المسيحي الاوروبي المتمثل في الاتحاد الاوروبي .. لايستطيع ان يمحو من ذاكرته مجزرة الأرمن التاريخية .
ان الاتراك نادمين ويستمر ندمهم ويستمر عار الجريمة يلاحقهم الى يوم الدين اليوم .. وفي عراقنا العزيز .. يحاول بعض من لامذهب لهم ولا دين .
ان يقسر المسيحيين العراقيين من شتى المناحل .. سريان وآثوريين وأرمن وكلدانيين .. على الرحيل الاضطراري .. وهي جريمة برأيي انا .. لاتقل عن جريمة الاتراك تجاه الأرمن .. بل تزيد عنها . ان اهداف المتعصبين الارهابيين .. جعلت الكنائس المسيحية في بغداد والموصل اهدافا لهم .. وقد هزت مشاعري الهجوم على كنيسة السريان في الموصل .. فقد قصفت بمدافع الهاون في وضح النهار .. بعد ان اخرجو القساوسة من الكنيسة بالقوة وألاكراه .. وجعلوا الكنيسة حطاما تتساوى مع الارض .. اليس هذا العمل وصمة عار في تاريخ العراق المعاصر .. حتى وان كانو مرتكبي هذه الجريمة هم مرتزقة مدفوعي الثمن لمثل هذه الجرائم .
اليس من العار .. ان لايقف المسلمين .. ليدافعوا بصدورهم العارية عن فئة من الشعب سكنت العراق قبلهم وأقامت حضارات وأمبراطوريات .. وشرعت لوائح قانونية هي الاولى في التاريخ .. كما كان الحال مع الكلدانيين وألبابليين وألاشوريين وألاراميين .. وما اعظم ماكان من حضارة يوم اصدر الملك حمورابي لائحته القانونية لتي ضمنت حقوق الفرد وانصفت المرأة وجاء بها كل المباديء التقدمية .
لاعذر لاحد ولا شفاعة لاي عراقي مهما كانت الظروف في امتناعه عن الدفاع عن الكنائس وأهل الكنائس وألمصلين فيها .. حتى اضطروا الى الهجرة خارج العراق مضيفين بهذه الهجرة رقما جديدا على عدد اهل الشتات وألتغرب .
ايستطيع احد ان يدلني عن ماهية حكمة اضطهاد المسيحيين .. الفئة المخلصة للعراق وزينة فئاتهم المثقفة .. هم فئة مسالمة منتجة لصالح العراق فكريا .. صناعيا وأجتماعيا .. هم الفئة التي تؤمن بالسلم وألسلام .. والتعايش مع المسلمين وتحت ظل نظامهم دون تذمر وعلى مد عقود .. هم فئة عمرها ماحملت جرثومة شهوة الحكم وألتسلط وألمعاداة للسلطة الحاكمة وما كان منها من طالب ان يكون وزيرا او رئيسا للوزراء او رئيسا للجمهورية .. وهم لايقلون اهمية وتأثيرا عن الغير الذي نلاحظه الان يطالب بمراكز سيادية … ! هم فئة حارب ابناءهم مع الجيش العراقي .. وكان المسيحي يحمل السلاح وحاله حال اي مواطن آخر .. نثر دمه وروت تربة الوطن من دماء شهداءه .. هم هؤلاء المخلصين الوطنيين الذين ابوا الا ان يشاركوا في معارك العراق الرئيسية .. وخاصة حرب ايران.. علما ان المسيحيين كانو احسن من هيأ من وسائل التعليم وفتح اكثر المدارس نظافة في السمعة وعلوا في الثقافة ومصدرا للآشعاع الفكري .. ومنها مدارس الدومينيكان في الموصل والجزويت في بغداد .. المدرسة التي تلقيت نور علمها خمسة سنوات دراسية في القسم الداخلي .. وهي السنين التي اصلبت عودي ووسعت افق فكري لتجعلني اتقبل التعايش الديمقراطي السلمي رافضا كل عنف ضد اي فئة خاصة وضد الذين نالوا من حبي وأعجابي .. الكثير
الكثير . هذا الالم .. يخرج الحليم عن طوره .. ويخرج الصبور عن صبره .. عندما يرى الكنائس تهدم بيد الارهابيين المتسللين الناوين على اشعال حرب اهلية .. وبألتالي يفقد العراق احسن فئة من الناس المسالمين المطيعين .. ليكونوا مهاجرين جدد تاركين البلد ( اصل الوجود العراقي ) على الخارطة .
لماذا هذا الجنون الفوضوي ..؟
لماذا هذه الحملة ضد المسيحيين …؟
لماذا نضطهد هذه الفئة التي احبت العيش معنا .. وبجوارنا .. وخلال مفردات حياتنا وهي التي تملك جذورا تاريخية في العراق اعمق من غيرها وبألتاكيد اعمق من المجرمين الذين يريدون اضطهاد وتهجير هذه الفئة .
اذن لماذا …؟
باعتقادي .. ليس هذه الاضطهاد عفوي او نتيجة تعصب او حقدا مذهبيا او دينيا .. بل قناعتي تقودني بأن هناك اياد غريبة دولية وبأشراف جهات معينةلاتريد الخير للعراق وشعب العراق .. ومن ضمنهم اخلص الفئات المسيحية .. وتريد افراغ العراق من هذه الفئة المنتجة المثقفة .. حتى يتسنى لهم العبث الاجرامي بمقدرات العراق شعبا وأرضا وتاريخا .. كما حصل في بيت لحم .. مهد المسيح .. يوم عملت الحكومة الاسرائيلية على تشجيع المسيحيين ودفعهم الى الهجرة .. تاركين البيت العتيق وبيت لحم .. مهد المسيحية .. يشكو قلة المسيحيين هناك .. ويفقده روعة يوم الحج في ايام عيد الميلاد والكرسميس .
هذا مايريده الكارهون للعراق .. بعد افراغه من المسيحيين .. ومع ان البعض يقول ان شعب العراق بجميع فئاته مغلوب على امره .. وقد شلت يداه وقمعت ارادته بوجود الاحتلال من جهة ز. وزاد هذه القمع والشلل .. نتيجة اعمال الارهابيين المتواصلة للاانسانية من قبل الذين يتبرقعون في نقاب المقاومة الوطنية وشعار طرد الاحتلال .. وهم برايي .. هم سبب الاحتلال وسبب وجوده .. ليرحاوا عن العراق .. فللعراق رجال وطنيون يؤمنون بألمقاومة الغير مسلحة ضد الجيوش المتحالفة المتواجدة على ارضه ..
لهذا كله .. ومع هذا جميعه .. فاني احمٌل حكومة علاوي والمسؤولين من اركان نظامه .. وقوى الامن وألحرس الوطني المسؤولين مسؤولية منفردة كاملة عن الامن .. لافقط للفئة المسيحية بل عن كل العراقيين .. يمنة ويسرة .. شمالا وجنوبا ووسط .. وذلك التزاما من المحتل وألحكومة التي عينها المحتل بأتفاقية جنيف الرابعة سنة 1949 وتعديلها الصادر في سنة 1977 .. هذه المسؤولية القانونية لايستطيع احد ان يرميها بهذه السهولة وأليسر على الارض .. فألتاريخ لايرحم .. وألشعب لايغفر .. وألمسيحيين لهم رب غاضب (المسيح ) قد يخرج عن مبادئه التسامحية .. مبدأ الخد الايسر وألخد الايمن ..!
اخيرا .. اقول بحكم نشأتي في اوسع حلقة من فئة المسيحيين .. وعن طريقهم اسمع قصصا مرعبة .. ترجع بذاكرتي الى فترات الظلم والظلام وألقسوة وألمجازر التي مرت في مراحل عمري . اسمع ان سيدة مسيحية عمرها اكثر من سبعين سنة ومن عائلة ثرية معروفة تضع اثاثها وروحها وحريتها بيد مهربين لينقلوها الى عمان خلاصا من تهديد الموت المستمر .. وأسمع ان عائلة بكاملها اختفت من دارها وأحتل البعض هذا الدار وغير معروف مصيرهم واين ذهبوا .. ؟ وأسمع ايضا بأن الخاطفين خطفوا طبيبا مسيحيا من عائلة كبيرة معروفة .. بدأوا معه في الابتزاز بثلاثة ملايين دولار وأنتهوا بثلاثين الف دولار فقط .. ولم تنته قصص الارهاب هذه ضد المسيحيين ولا تنته .. ولسوف تستمر اذا لم يتكاثف الشعب بكل فئاته وأطيافه ليقفوا موقف رجل واحد ويقولون للارهابيين الدخلاء .. لكل رقصة نهاية .. وعليهم ان ينهو رقصة الارهاب وينهو تهديد المسيحيين .. لنرجع الى مجتمعنا الامن نتعايش فيه كأخوة وأشقاء .
هذه العواطف تبادلتها مع راعي الكنيسة الكاثوليكية ( القلب المقدس الاب ميشيل في ومبلدن .. وقد اقترح ان القي محاضرة في جمع كبير من مسيحيي الغربة في احد قاعات الكنيسة خلال شهر آذار القادم وأعتبر هذا تشريفا وتكليفا .. لا لاني فقط على ود مع المسيحيين .. بل لان الواجب الوطني يحتم علي شرح كوامن الخطر الذي يهدد العراق وجودا .

رعا الله العراق .. وطيب اقامة المسيحيين فيه .. ولكل غد لناظره قريب .

الحوار المتمدن 4/1/2011

Share This