“مليون ونصف مليون زهرة” للشاعر بديع صقور … قصيدة مهداة للذكرى المئوية للإبادة الأرمنية

إلى مئة عام مضرجة بالدم والأنين..

إلى مليون ونصف مليون أرمني،

طاردتهم مناجل الحقد العثماني..

قطفت زهور أرواحهم.. فقط..

لأنهم كانوا يحلمون

بوطن، وشمس، ورغيف..

ثمة مليون ونصف مليون زهرة

تتفتح كلَّ صباح

كلَّ صباح تنبثق كشعاع

وكلَّ مساء تتلألأ كالنجوم..

شعراء، وفلاحون، وبسطاء

مغنون ورعاة

قُطفتْ زهرات أعناقهم كعناقيد

تتدلى من دالية السماء..

الرصاص، والسواطير، والفؤوس

طالتْ كلَّ شيء

الوجوه.. العيون..

الأيدي والقلوب.

تلك التي لم يكن لها من ذنب

سوى أنها، كانت تسعى كالنحل

في براري الله..

تطير كالفراشات

بين الحقول

كالعصافير على التلال

كأغاني الربيع

وكالرعاة فوق الهضاب..

ينفخون بشباباتهم ألحاناً عذبة

لقطعان الماعز الجميل

للريح صديقة الجبال والشجر

مليون ونصف مليون زهرة لا ذنب لها

سوى أنها كانت تشبه بياض الثلج،

وهمس الأغاني

سوى أنها، كانت تحبُّ الشمس والصباح..

والمطر والربيع..

ومطر الحكايات

عن الذين قضوا غيلة

خلف النجود والكثبان

بين الرمال الحارقة

على الدروب قضوا،

وفوق هضاب الصقيع

مليون ونصف مليون زهرة

لم يكن لها من ذنب، سوى أنها

كانت تحلم بوطن…

وبيت، ورغيف وأغنية،

مليون ونصف مليون زهرة

رشقوها بالرصاص

لاحقوها بالسواطير والخناجر والفؤوس

على حدود الصحارى

فوق ضفاف الأنهار

في الوهاد العميقة

على التلال وبين الغابات

ذبحتْ بدم بارد.

مليون ونصف مليون زهرة

لم يكن لها من ذنب، سوى أنها كانت

تُحيكُ من خيوط الشمس قبعاتٍ للصغار

والعجائز، والطيور..

تغفو على ساعد الندى العالق بثوب المطر

تحلم بلمِّ شمل الغائبين

خلف المنافي والحدود

وبسنةٍ وافرةٍ من القمح والنبيذ.

مليون ونصف مليون زهرة

طالت أعناقها مخالب الذئاب

وأنياب الضباع..

ولم يكن بحوزتها سوى العطر والأغاني

وسوى سؤال يتيم على شفاه الصغار اليتامى:

متى يعود أهلنـُا الغائبون

متى؟!

متى؟!

ويموت السؤال.. يموت الضمير..!!

مليون ونصف مليون زهرة

حملوها لذلك النصب التذكاري

جاؤوا ليوقظوا تلك الأرواح الغافية

تحت مدارج الريح

كي تحكي لهم، ما فعله البرابرة المتوحشون..

مليون ونصف مليون زهرة

كانت تنساب دموعها كينبوع رقراق

تجري لتسقي بقية أزهار البنفسج

التي لم تطلْ أعناقها المناجل.

مليون ونصف مليون زهرة

كانت منذ مئة عام

تحلق كاللقالق..

وتطير مع الغيوم المحمّلة بالبشائر

تغني مع البلابل

للسحب الغافية على تلال الشفق

ترتـّل مع شاعر أرمينيا العظيم “واهان تكيان”:

“صلاة أمام عتبة الغد”

يطيرون في الزرقة

يدورون في سماء الله

باحثين عن منازل صغيرة

لأرواح أطفالهم الناجين من المجزرة.

مليون ونصف مليون زهرة

تفتش عن أطفال رموهم

من أعالي المنحدرات

ومن فوق شرفات المنازل

إلى أعماق المغاور والكهوف.

مليون ونصف مليون زهرة

تموج في صحارى التيه

تحت لهيب الشمس الحارقة

يطاردها العطش والجوع

وسكاكين القتلة الحاقدين…

آه! يا لتلك الحامل التي بُقر بطنها!.

يا لتلك الصبيّةِ كيف اقتحموا جسدها الطاهر!

يا لأولئك الصغار المنتفخة أجسادهم الغضة كالقِرب!

ويا للأمهات اللواتي قضين كمداً

على فقدان أكبادهن!

آه! يا لذاك العجوز الذي تاه في الرمال!

ويالتلك المرأة المرمية عارية على ضفة ساقية!

كيف سملوا عيني تلك الطفلة، عندما ابتسمت لهم؟!

وكيف قطَّعوا ذراع ذلك الفلاح، عندما رفع يده محيياً؟!

كيف رموا تلك الصبية من علو شاهق

بعد أن بتروا يديها وأذنيها وثدييها؟!

وكيف ذبحوا ذلك الفتى فوق صخرة

إلى جوار بيته

وتركوه وحيداً يتخبط بدمه؟!!

كيف؟ كيف؟!

كيف قتلوا جميعاً بلا ذنب؟!

كيف غدوا جميعاً بلا قبور؟!

مليون ونصف مليون زهرة

ذات انتظار

ستنبثق كالينابيع..

ذات وعدٍ

ستطلع كالفينيق من تحت الرماد

مرددة:

لن نموت…

لن نموت..

هذا الركام من الأحقاد لن يخيفنا..

هذه الأكوام من السيوف، والسواطير، والخناجر..

لن تـَهزمنـَا

هذا الرصاص لن يجبرنا على الاستسلام

مليون ونصف مليون زهرة

تصيح بصوت واحد..

السلام لبني البشر الطيبين

“السجن الكبير سيغدو رماداً”

“البسمة ستتطاير بدل البكاء”

مليون ونصف مليون زهرة

من أعماق مئة عام أمدُّ يدي

لأصافحهم زهرة.. زهرة

ومن هبّة حنين، أقول لهم:

سلام لكم…

لكم السلام…

وعليكم السلام.

24/4/2015

Share This