نوبار الأرمني: عاشق مصر

نوبار باشا (1825- 99) شخصية ذات أهمية كبيرة فى تاريخ مصر الحديث. جاء إلى مصر سنة 1842، أى كان عمره 17 سنة. ورغم جنسيته الأرمنية، فإنه عندما عاشر شعبنا المصري، وتعرّف على ثقافتنا القومية ، إذا به يُـحاول دائمًا العمل على كل ما هو فى صالح مصر، وفى نهاية مشوار حياته يكون (دون أدنى مُبالغة) مصريًا أكثر من بعض المصريين، خاصة الذين دافعوا عن (الخلافة العثمانية) في زمنه، أو الذين دافعوا عن (العروبة) بعد كارثة يوليو1952.

   عندما كان نوبار صغيرًا قال له خاله (سوف تلتحق بقلم المُـترجمين، ولكن عليكَ أنْ تــُـتقن اللغة التركية) كان خاله يُـدرك أنّ تعليم اللغة التركية مهم بسبب سيطرة الخلافة العثمانية على معظم دول البلقان وآسيا الصغرى، ومن بين تلك الدول دولة أرمينيا. وبالفعل تعلــّم نوبار اللغة التركية وأجادها مثل أى إنسان تركي، كما أنه أجاد اللغات الفرنسية والإنجليزية واليونانية الحديثة،  وفشل فى تعلم اللغة العربية، وكان يُـفضــّـل التحدث بلغة شعبنا المصري، التي أخذت وصفــًا غير علمي لدى المُـتعلمين المصريين عندما أطلقوا عليها (عامية اللغة العربية) وذكر من أرّخوا لحياته أنه كان يُجيد الحديث والكتابة بإحدى عشرة لغة، ومولع بالقراءة وخاصة كتب التاريخ(نوبار في مصر- تأليف نبيل زكي-كتاب اليوم- عام 91، وهيئة قصور الثقافة- عام 2006- ص15).

 وصلتْ شهرة نوبار ودقته فd العمل الإدارى فd مصر لدرجة أنّ بعض القادة السياسيين في الغرب فكــّروا فى الاستعانة به ليكون أميرًا لإمارة مستقلة في أوروبا أو في أرمينيا (موطنه الأصلي) ورغم ذلك فضــّـل البقاء فى مصر.وكتب في مذكراته (مصر مثل عظمة كبيرة ثمينة يرغب فيها كلبان (فرنسا وإنجلترا) وبينما هما يتشاجران ويتوجـّس كل منهما من الآخر، يتسرّب سرب من النمل (اليونانيون واليهود الشرقيون) ويصل إلى العظمة وينهشها ويسمن منها). وكان يرى أنّ مصر تـُعاني من ثلاث مشكلات: الجباية ( 300 ألف جنيه استرلينى تدفعها مصر سنويًا للسلطان التركي/ العثماني) التى أخذت اسم (الجزية) وفرضتها تركيا على مصر، الامتيازات الأجنبية ومنظومة السخرة التى هى امتداد لعصور الخلافة الإسلامية. ويعتبره كثيرون أنه (أول رجل دولة مصري تحدث (في القرن19) عن مبادىء الإنسانية والعدل الاجتماعي.

   تزوّج نوبار وعمره 24 سنة فتاة أرمنية تتحدث مثله عدة لغات، ووقفتْ بجانبه تـُسانده فى كل المحن والدسائس التي كانتْ تـُحاك ضده خاصة من العثمانيينأو من الإنجليز والفرنسيين.

   وكتب نوبار فى مذكراته أنّ محمد علي هو صاحب الفضل في انتقال مصر من حال إلى حال أفضل وقال (إنّ كل ما يتعلق بمصر الحديثة يجب أنْ يُنسب إلى محمد علي، إنه الرجل الذى قام بهذا التحول فى مصر. لقد فتح أبوابها أمام التقدم المادي في أوروبا. وحكى عن زيارة للريف الفرنسيومعه إبراهيم ابن محمد علي، وأنّ إبراهيم بكى عندما شاهد جمال الريف ونظافة مبانيه والإهتمام بالزراعة.  وتمنى أنْ يكون الريف المصري مثل الريف الفرنسي، خاصة أنّ التربة في مصر أكثر خصوبة من تربة الأراضي الفرنسية. كما تمنى لو أنّ التعليم المصري يكون مثل التعليم في المدارس الفرنسية. ونقل نوبار فى مذكراته قول إبراهيم باشا(إنّ الله خلقنى من أجل خير مصر، لكي أجعلها غنية ومُرفـّهة. ولن يكون من العدل أنْ يدعوني الموت قبل أنْ أتمكــّن من إسعادها)،وكان يرى أنّ الدولة المُـحترمة هي دولة القانون. وعندما تأكــّـد أنّ القانون البريطاني يحترم حقوق الإنسان الإنجليزى قال (إنّ احترام القانون يُـشكــّـل مضمون العظمة الحقيققة لإنجلترا).

   أما والده (محمد علي) فكان يرى أنّ إنجلترا تسعى وتشتهى امتلاك مصر.وهو ما عبّر عنه المستشرق والمؤرخ (بوركهارت) الذd كتب (كان محمد علي مُـهتمًا اهتمامًا كبيرًا بالأحداث التى تجري فى أوروبا. وكان يعتقد أنّ إنجلترا سوف تسعى بعد سقوط نابليون إلى تدعيم سيطرتها على البحر الأبيض المتوسط بالإستيلاء على مصر).  وأنّ محمد علي قال لهذا المؤرخ (أنا أعرف أنّ إنجلترا تطمع فى مصر. إننى صديق الإنجليز. ولكن الحقيقة أنّ من بين كبار الدول من يعطيك من طرف اللسان حلاوة ، ولا يُضمر لك فى نفسه الإخلاص).

 وكتب نوبار فى مذكراته (فى الوقت الذى كان فيه إبراهيم باشا يضرب الجيش التركي في قونيه ويقترب من الأستانة ليصبح على مسيرة بضعة أيام منها، كان يتردد أنّ محمد علي يريد الاستحواذ على الامبراطورية وإعلان سقوط السلطان العثماني وتنصيب نفسه سلطانـًا بدلا منه). وعن المقابلة التى تمّتبين ستراتفورد كينج (المسؤول البريطاني والحاكم الفعلي للامبراطورية العثمانية) والذي كان وزراء السلطان العثماني يرتعدون أمامه، ولكنه عندما قال لإبراهيم باشا أنّ الجيش المصري لا يجب أنْ يتجاوز عدده الرقم المُـقررفي الفرمان العثماني، قال له إبراهيم (عندي ستون ألف رجل تحت السلاح، وسوف أحتفظ بهم، وإذا وجدتُ أنّ هذا العدد لا يكفي لحماية مصر فإنني سأزيده)، ولذلك كان الجميع فى الأستانة يعتبرونه خائنـًا للامبراطورية. وعندما شعر أنّ حياته مُـهدّدة من العثمانيين، واقترح البعض عليه ترك مصر، قال)سوف أرابط فى مصر). وانتصر إبراهيم بسبب شجاعته وإصراره على مبادئه، عندما صدر فرمان 1841 بتنصيبه واليًا على مصر. وكانت آخر كلماته لكبار الوزراء العثمانيين وهو يُغادر الأستانة (هل ترون هذه التلال والروابي عندكم. إنها جرداء. أما والدي وأنا فقد زرعنا عشرة ملايين شجرة في مصر، وأنتم تفعلون العكس، إذْ تـُدمّرون ما أعطاكم الله).

 وذكر نوبار أنه بينما كان إبراهيم باشا فى حالة الاحتضار قال (اللهم لا تنتزع روحى قبل أنْ أكمل عمل أبي.. واجعل مصر سعيدة وأمتها غنية). وبعد وفاته كتب عنه نوبار أنه (أكتسح بلاد الموره وانتقل منها إلى المناطق اليونانية الشمالية. وهذا القائد العسكرى الفذ كان يريد دخول مقر السلطنة لولا اعتراض والده. ولكنه ترك ذكريات لا تـُمحى فى عكا وحلب وطرابلس ودمشق وصيدا والجزيرة العربية والخليج والبحر الأحمر. إنه الرجل الذى لم يحرق الزرع ولم يذبح المغلوبين (إشارة إلى ما فعله العرب والمسلمون الأتراك) بطل معركة مسولونجي ومعركة نفارين ومعركة الدرعة وحمص وقونيه وبطل حرب المورة وكريت(.

خاض نوبار عدة معارك مع السلطنة العثمانية وفرنسا بسبب مشروع خط السكة الحديد (الإسكندرية- السويس) وكان محمد علي قد طرد كل العمال الإنجليز الذين كانوا يعملون فيسكة الحديد وكانت (مصلحة إنجليزية بحتة) وأحلّ محلهم عمالا مصريين.

 وفي عام 1845 أصبحتْ مصلحة مصرية، وفى عام 1858تمّ إنشاء خط حديد مصر تحت إشراف نوبار باشا، وهو ثاني خط سكة حديد فى العالم، بعد الخط الحديدي بين لندن وليفربول.وكتب نوبار فى مذكراته (إنني أعتبر أنّ إقامة خط السكة الحديد (وكنتُ صاحب الفكرة) ومتابعة تنفيذها من جانب عباس، كان بمثابة مبدأ أو عقيدة بالنسبة لي. وهو المرحلة الثانية للتحول فى مصر. وزاد هذا المشروع من أهمية مصر كمركز تجاري.وكان التحول الأول هو إقرار المساواة بين المسيحيين والمسلمين وتوفير الفرص للجميع وحماية ممتلكاتهم وأشخاصهم.وكان هذا التحول الأول من إنجازات الباشا الكبير محمد على) ثم معركة ضد تركيا بسبب إصرارها على إخضاع مصر لتنظيمات جديدة بإعتبار أنّ مصر جزء من الامبراطورية العثمانية ، وكانت تلك التنظيمات تعنى ربط مصر بالأستانة من الناحيتيْن الإدارية والقانونية ، وهو ما رفضه عباس الأول بمساندة وتشجيع من نوبار.وقد اقترح وزير المالية على عباس فرض ضرائب جديدة فسأله عباس: هل ميزانيتنا متوازنة؟ فقال الوزير: الميزانية متوازنة وهناك فائض فى الايراد. فقال عباس: إذن فى هذه الحالة ما ضرورة فرض عبء جديد ؟ إنها جريمة وخطيئة. حذاري من الآن لا تطرح أمامي مثل هذه الاقتراحات.

 وعندما حدث خلاف بين نوبار والوالي سعيد الذى قرّر التخلص من نوبار، حدث شىء مهم يدل على اعتزاز المصريين بنوبار الذي كتب: (احتشد جميع الموظفين في محطة الإسكندرية وكذلك إداريون من المصريين والأوروبيين لوداعي. واتخذ الحشد شكل مظاهرة وهذا جديد في مصر، وعن علاقته المُـتوترة مع الخديوي إسماعيل، فإنّ نوبار قال له (كان والدك العظيم إبراهيمباشا يقول لي ويُكرّر القول فى مرات عدة أنّ محمد على أخطأ عندما أهدر جهوده وأموال مصر فى سوريا بينما لديه السودان، فالتطور الحقيقى لمصر يجد مجاله في السودان).

  وحدث خلاف بين عباس ونوبار حول مسألة التمثيل الدبلوماسي، وفقــًا للفرمانات العثمانية، فقدّم نوبار استقالته (وكانت سابقة جديدة فى نظام الحكم فى مصر) ولكن انتهى الخلاف بأنْ قال عباس ((إننى يا نوبار لا أستغني عن خدماتك).

وفي نهاية عام 1867 كان نوبار في باريس، فتلقى برقية من الخديوي إسماعيل يستدعيه إلى القاهرة. وعندما وصل قال له إسماعيل أنه تقدم ببعض الطلبات للسلطان العثماني :1- إلغاء تحديد عدد قوات الجيش 2- حق مصر في أنْ يكون لها أسطول حربي 3- حق مصر فى وضع التشريعلت الخاصة بها 4- الحق فى إيفاد وزراء مصريين لدى الدول الأجنبية 4- عقد معاهدات تجارية وإدارة كاملة لمصر.

 وافق نوبار على هذه الطلبات ولكنه قال لإسماعيل (إنّ ما تـُريده لا يصلح لأنْ يكون موضع طلب بل إنّ مثل هذه المطالب إنما تـُنتزع بالسيف. إنه الاستقلال. ما تطلبه هو الاستقلال فإذا أردتَ أنْ تكون مًستقلا حقــًا فإنّ عليك أنْ تكون سيد نفسك. إنّ حكومتك عبارة عن 17 قنصلا.فهناك 17 قنصلية تتمتــّع كل واحدة منها بسلطة تـُضاهي سلطة حاكم مصر.إنّ ما يلزمنا هو أنْ نخرج من الوضع الذى نوجد فيه الآن.وأنْ نكون أسياد البلاد. وإذا حققنا ذلك نـُصبح مُستقلين حقــًا . إنّ ما يُـضايقنا هم القناصل الذين يشاركونك السلطة. ثم هذه المُستعمرات الأوروبية داخل مصر.هل تريد أنْ تـُحرر نفسك؟ تستطيع ذلك يا سيدي. إن المائة وخمسين ألف أوروبي الموجودين في مصر، يمثلون الثلاثمائة مليون أوروبي. والأوروبيون أشبه بالمماليك وعليك أنْ تفعل بهم ما لم يستطع جدك أنْ يفعله معهم. لقد أرغم جدك المماليك على الانصياع للنظام والخضوع له. وهذا النظام هو القانون. ومن أجل إخضاع هؤلاء للقانون يجب أولا أنْ تخضع أنتَ نفسك للقانون).

   وهكذا كان نوبار باشا شـُـجاعًا فى مواجهة الخديوي إسماعيل. وفي رسالة منه إلى السيدة زوجته كتب (إنني أحب مصر. ولا أنتِ ولا أنا نستطيع العيش في مكان آخر. ومع ذلك فما دام الأوروبيون يعيشون بلا قيد يكبح جماحهم وبلا قوانين في مصر، وليس لدينا محاكم، فسيكون من المستحيل بالنسبة لى أنْ أعيش هنا. إننى أعاني والظلم يُسبّب لي الضيق.  يجب أنْ نـُنشىء محاكم تحمينا من الأوروبيين ومن الوالي، حتى نستطيع أنْ نحيا في أمان وكرامة. نحن في حاجة إلى محاكم حتى تكون مصر هي مصر، ولكي أكون وزيرًا حقيقيًا وليس مجرد حاجب في محكمة).

انفجر السلطان التركى غضبًا بمطالب إسماعيل وتأييد نوبار. وفي الزيارة التي قام بها نوبار إلى الأستانة وجد كبار الدول العثمانية يتهمون روسيا بأنها وراء مطالب إسماعيل.

وكانت روسيا فى ذلك الوقت وراء ثورة كريت المناهضة للسيطرة العثمانية. وقال علي باشا (رئيس الوزراء العثماني) لنوبار (مصر بلد مقهور بالسيف. أنتم تـُريدون الاستقلال عن الإمبراطورية.كيف يتجاسر إسماعيل ويطلب هذه المطالب؟ واعترف نوبار في مذكراته أنه تعرّض لاهانات شديدة في الأستانة. واشتدّ غضب الوزير التركي فقال: أنتم تـُريدون زيادة عدد قوات الجيش وأسطول حربي، أليس هذا هو الاستقلال؟ ثم ذكــّره بفرمان عام1848 والتهديد بأنه إذا عاد الوالي إسماعيل وكرّر هذه المطالب فإنّالأستانة ستنظر فى ضرورة اتخاذ إجراءات بشأنه.

 ولكن نوبار لم يُرهبه هذا التهديد فقال (مطلبنا الآن الحصول من الباب العالي على وسيلة للدفاع عن خمسة ملايين مسلم ضد تعديات وانتهاكات الأجانب في مصر. وضد الاستغلال الذى يُمارسه مائة ألف أجنبي ضد سكان مصر. وكل المصريين يساندون الوالي في هذه المطالب)، وقال فؤاد باشا التركي لنوبار (مصر شجرة مزروعة في أرض تنتمى للامبراطورية. ولذلك فإنّ الشجرة تنتمي إليها) فكان رد نوبار(ولكن هذا الحق – حق الانتفاع –يُصبح سرابًا إذا لم تكن لدينا سلطة تشذيب الشجرة كما ينبغي. وتقليب الأرض حول جذورها لإشباعها بالهواء. وتخليصها من الأعشاب الطفيلية والحشرات. أي السماح لمصر بأنْ تصنع تطورها بنفسها بحرية. فهي لا تطلب أكثر من ذلك:الفصل التام بين إدارتنا وإدارة الإمبراطورية. فالهدف هو الحفاظ على الشجرة وصيانتها لكم ولنا).

وأخيرًا وافقتْ الأستانة على منح مصر حق إدارة شئونها ورفضتْ حق مصر في وضع ترتيبات جمركية مع الدول الأخرى. فقال نوبار لفؤاد باشا التركي (كيف إدارة بدون جمارك؟ ما الإدارة إنْ لم تكن مجموع المصالح المادية والمالية والأدبية لبلد ما؟ إنكَ تعطينى بيد ما تأخذه باليد الأخرى). وبعد جدال طويل وافقتْ الأستانة على منح مصر حق وضع ترتيبات وعقد اتفاقيات جمركية بشرط أنْ تخضع هذه الترتيبات لموافقة الباب العالي، ولكن نوبار أصرّ على إلغاء هذا الشرط ، وبعد جدال جديد وافقتْ الأستانة على مطلب نوبار بشرط ألا يكون لهذه الاتفاقيات الجمركية طابع سياسي. وكان من بين إنجازات نوبار فصل القضاء عن الإدارة.

وعندما طلب إسماعيل إلغاء إحدى الصحف الفرنسية التي تـُطبع فى مصر، وتطعن في الحكومة المصرية، حدثتْ أزمة بين مصر وفرنسا التي شنــّـتْ الهجوم على مصر، فقام نوبار بدعوة كل القناصل الأجانب إلى اجتماع وطلب منهم أنْ يحكموا فيما إذا كانت قنصلية فرنسا مصيبة أم مخطئة؟ وفي نفس الوقت هدّد نوبار بالقبض على كل فرنسي يحمل سلاحًا. وبعد المناقشة اتفق القناصل على أنّ قنصل فرنسا مُخطىء فى تصرفاته.وتدخــّـلتْ الحكومة الفرنسية لتهديد مصر بمخاطبة الأستانة. ثم طلبتْ تعيين ثلاثة من قناصل الدول الكبرى للتحكيم في الخلاف وهم قناصل بريطانيا وإيطاليا وألمانيا.

 وكان السؤال المطروح: هل من حق البوليس المصري أنْيستولي على جريدة ممنوعة وتـُباع في الشوارع؟ وكان الحكم بالاجماع مؤيدًا لرأى نوبار ضد القنصل الفرنسي. وكتب مسيو دي فوجيه (وهو من مشاهير كتاب فرنسا) (لقد اكتشفَ نوبار وسيلة المراقبة الوحيدة الفعالة لوضع حد لاستبداد الحكومة في الشرق. وستبقى ذكراه ملازمة لفكر قوي عظيم.أبرزه إلى حيز الفعل. وهو إنهاض الشرق من خلال عدالة تحمي الذين أرهقهم الظلم.لقد شيّـد المصريون القدماء الأهرام.. والآن يُـشيّـد نوبار في مصر أثرًا باقيًا).

وفي مارس 1878 تقرّر تشكيل لجنة للتحقيق فى أحوال مصر المالية فطلب إسماعيل من نوبار مواجهة تلك الأزمة. فقال له نوبار (يجب على سموكم التنازل عن كل ممتلكاتكم، وإنْ لم تفعل ذلك ستفقد مصر. رفض الخديو طلب نوبار.ولكنه بعد فترة وافق على التنازل عن كل أراضيه للدولة،على أنْ تـُخصص الحكومة له ولأسرته مبلغـًا سنويًا قدره نصف مليون جنيه.

وبعد أنْ تواطأ توفيق مع الإنجليز، وتمّ خلع إسماعيل سافر نوبار إلى باريس فسأله الصحفيون: ماذا حدث فقال (إنّ ما يشغلنى الآن شىء آخر. هو أننى أتمنى العودة إلى مصر. لأننى أتلهف على رؤية القاهرة وأتطلع إلى مآذنها وأضوائها التى تنعكس على جبل المقطم فتتحول إلى ومضات خافتة وردية.وأرى الأهرمات والنيل وأهل مصر الذين أحبوني وأطلقوا عليّ اسم (أبو الفلاح). وكتب في مذكراته (كانت مصر تبدو أمامي عظيمة. تستحق أنْ تكون مُرفهة مستقلة. تـُقرّر مصيرها بنفسها. وشعبها المُـتعطش للعدالة. ومن أجل تحقيق هدف العدالة كنتُ مستعدًا للتضحية بكل شىء.. ثروتى وحياتى نفسها).

في عام 1903 أقيم تمثال من البرونز في جنينة عامة بالإسكندرية لنوبار. ظلّ التمثال في مكانة إلى أنْ حطــّتْ على مصر سحابة يوليو1952 السوداء، حيث تمّ رفع التمثال ودفنه في متحف غير مشهور.

ونشرتْ صحيفة الجمهورية (صحيفة الضباط) الخبر يوم 29 نوفمبر1966 وقال مُحرّر الخبر (وهكذا أسدل الستار على مؤسس المحاكم المختلطة في مصر). فهل كان هذا الصحفي يشيد بالمحاكم المختلطة التي أوجبتْ محاكمة الأوروبيين على أي جرائم يرتكبونها ضد أى مصري، أم يسخر منها (ومن نوبار الذى أنشأها (كما تعلــّم (هذا الصحفي) فى مدارس الناصرية الدرس الأول: أنّ كل ما سبق يوليو52 يجب مُـهاجمته لأنه من (العهد البائد) فى تقليد فج لما أطلقه محمد على الفترة السابقة على دعوته للإسلام وأطلق عليها (العصر الجاهلي)وبينما الإسلام أخذ الكثير من هذا (العصر الجاهلي) فإنّ ضباط يوليو رفضوا أخذ أهم منجزات الفترة السابقة على عهدهم الأسود، رفضوا الليبرالية الفكرية التى ساهم فيها جيل عظيم من المصريين، ورفضوا الاعتراف بفضل الأجانب الذين كانوا (مصريين) أكثر من (مصريين بالاسم فقط) وكان نوبار باشا أحد هؤلاء المصريين (بحق وحقيق) رغم أصوله الأرمنية.

طلعت رضوان

وطني نت

Share This