كلمة رئيس طائفة الأرمن الأرثوذكس في العراق، في المؤتمر الدولي الخاص بالإبادة الأرمنية في بغداد تحت شعار “الإعتراف بالإبادة الجماعية الأرمنية خطوة نحو السلام العالمي”

كلمة الإفتتاح لنيافة المطران د. آﭭﺎك آسادوريان، رئيس طائفة الأرمن الأرثوذكس في العراق، في المؤتمر الدولي الخاص بالإبادة الجماعية الأرمنية تحت شعار “الإعتراف بالإبادة الجماعية الأرمنية خطوة نحو السلام العالمي” الذي عقد في 23 أيار، 2015 في فندق المنصور- بغداد.

                                                                   

“أصحاب الغبطة والسيادة الجزيلي الإحترام،

رؤساء الطوائف المسيحية في العراق،

معالي ممثلي رئاسات الدولة العراقية،

ونواب البرلمان العراقي المحترمين،

صباح الخير وســـلامٌ عَليكُـــم وتحية عراقية خالصة،

قال السيد المسيح له المجد في الإنجيل المقدس:- ”لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ولكن النفس لا يقدرون ان يقتلوها“ (متى 10:28).

في هذه الحكمة الإلهية عاش المسيحيون حياتهم الجماعية منذ الفي سنة ولغاية يومنا هذا، وبهذا المفهوم الرباني عاش الأرمن حياتهم في وطنهم التي تعرض لغزو الأتراك. نعم، تمكن هؤلاء البرابرة من غزوا أرمينيا الغربية واستباحوا الجسد والعرض حين تم قتل مليون ونصف المليون من الأرمن خلال السنوات 1915-1923 ولكن لم ولن يتمكنوا من قتل النفس الأرمنية الخلاقة والمؤمنة والمفعمة بالمحبة وبالعمل الدؤوب لتحقيق السلام أينما عاشوا بين بني البشر وخاصة في ربوع البلاد العربية التي فتحت قلوبها لنا.

إن المكونَ الأرمنيَ مكونٌ عراقيٌ أصيلٌ يعودُ تأَريخهُ في العراق إلى الحقبةِ البابليةِ وجذورهُ ضاربةٌ في أرضِ عراقُنا الحبيب، كما إن للأرمنِ دورٌ مشهودٌ في إغناءِ الحضارةِ والثقافةِ والاقتصادِ في العراق.

السيداتُ والسادةُ الكِرام، نَجتَمِعُ اليومَ لإحياءِ الذكرى المئوية للإبادةِ الجماعية التي حصلت للأرمن ولعدد من الطوائف المسيحية على يد الأتراك خلال الحرب العالمية الأولى، مع تأكيدنا بأن أعمال الإبادة إمتدت من سنة 1890 إلى 1923، أي تحت الأنظمة التركية المتعاقبة ونعني بذلك حكومات السلطان العثماني عبد الحميد الثاني والإتحاد والترقي (تركيا الفتاة) وجمهورية تركيا بعد الحرب العالمية الأولى بقيادة مصطفى كمال آتاتورك.

إن مصطلح الإبادة الجماعية الGenocide قَد أوجِدَ لِيَصِفَ مَصيرَ الأرمَنِ على يدِ الأتراكِ لذلك لايُمكِنُ قبولَ المُصطَلَحِ مِن دونِ استخدامهِ لتوصيفِ مصير الأرمن. نحن هنا اليوم لنتذكر ونناقش ما حصل لأجدادنا قبل قرن من الزمن علمياً وأكاديمياً ولنؤكد بأنها أول إبادة جماعية عرقية في القرن العشرين ونطالب بالإعتراف بها من قبل الجميع وعلى كل المستويات.

انه لِمن المستحيل ان يُباد شعب وان تقوم الانسانية بمحاولة جعل الموضوع طي النسيان دون اي ندم وتحت مسميات المصالحة والسلام اذ ان هذا يتناقض مع كل الادبيات التي تنص على انه من دون اعتراف وندم حقيقيين لايمكن لنا بناء مستقبل يعمه السلام والامن والعدل.

ناسف اننا نرى اليوم بدلاً من بوادرِ الندمِ واضافةً الى التبريراتِ والحُجَجِ التي سادت منذُ حكمِ السلطانِ عبدُ الحميدِ الثاني، نرى مبرراتً جديدةً لإنكارِ الإبادةِ وحث العالم على عدمِ الإعترافِ بِها ومِنها بأن الإعترافَ بالإبادةِ يَمنعُ المصالحة مع الارمن، إن الاعترافَ لا يُعَزِزُ فُرَصَ تَحقيقِ السلامِ بَينَ البلدينِ والشعبينِ أي الأرمن والأتراك، ومِنها بأنَها مسألةٌ مِنَ الماضي فلِهذا يَجِبُ على السياسيينَ ان لا يَتَدَخَلوا ويَجِبَ ان يُتْرَكَ الموضوع للمؤرِخينَ.

إن الاعتراف بجرائم الإبادة احد اهم مقومات الردع امام تكرارها ولذلك فإننا ندعو السلطات التركية والعالم الى الاعترافِ بالإبادةِ رسمياً ونؤكِدُ بأن التذرعَ بالمصالحةِ والسلامِ لمنع الاعترافِ بالابادةِ هما نقيضين وذرٍ للرماد في العيون.

نستنكر البعد الديني الذي دأبت السلطات التركية ان تضيفَه عند تبريرها الجريمة امام المسلمين لكي تستجدي العطفَ والمؤازرةَِ، ونعلم بان هنالك بين اتباعِ كل دينٍ ومذهبٍ ومعتقدٍ (دون استثناء) فئة ضالة تقترف باسم المعتقد جرائم ونؤكد باننا نعلم ايضا بان الدين والمذهب لايمكن ان يكونوا ملامين بل يلام من اقترف الجريمة باسم المعتقد تارةً لاقترافهِ افضعَ الجرائم وتارةً لمحاولتهِ تشويه صورة المعتقدِ الذي يدّعي الانتماء اليه، ولذلك ندعو اخوانَنا المسلمين على اختلاف مذاهبهم وتوجهاتهم ان يدْعوا الى الإعتراف بالإبادة كواجب إسلامي لان هذا يرد كيد هؤلاء ويبين ان هذا الادّعاء هو تجني وإن هؤلاء المدّعين لا يمثّلون إلا انفسِهم، وبهذا نحقق هدفا عظيما وساميا.

الحضور الأكارم، إن العراق دولة انظمت الى اتفاقية منع جريمة الابادة ولكنه عانى الأمرّين من جرّاء هذه الجرائم، وقد زادت معاناته عندما وقف العالم متفرجا على ابناء هذا البلد وعلى مكوناته وهم يُذبَحون ويُهجَرون بذريعة المصالح وبمبررات شتى ولذلك ندعو الحكومة والبرلمان بان يقفوا وقفة حق في الاعتراف بالابادة وذلك لان الاعتراف بهذه الجرائم احد اهم مقومات الردع امام تكرارها، وهذه حقيقة مثبّته لا تقبل الشك، فالاعتراف يساهمُ في تسليطِ الضوءِ على هذهِ الجرائمَ ومحاسبةِ مُرتَكبيها بما يَجعَلهُم عبرةً للاخرين. هنا اود ان اؤكد أيضاً بانه من غير المقبولِ ابداً السكوتُ على هذهِ الجريمةِ والتذرّعَ بان الدولة التي تعتبر نفسها طوعاً وريثةَ الدولةِ المسؤولةِ عن المجازِر (واقصد تركيا) بانها دولة جارة ولنا معها مصالح، فالسكوت يرقى الى المشاركةِ في هذه الجرائم، لذا فعلينا ان نعترف بهذه الجرائم لحماية مستقبلِنا ومستقبلِ اولادِنا من تكرارِ مثلِ هذه الفضاعاتِ وهنا تكمن مصلحتُنا الحقيقية: أنه من باب المصلحة بالاضافة الى كونها مسألة مبدئية ان نحث حكومتنا وبرلماننا على الإعترافِ بالابادةِ الارمنيةِ في ذكراها المئوية هذه السنة.

نشدد على إن موضوع الاعتراف بالإبادة الجماعية والتي تعتبر كبرى كبائر الجرائم الدولية يكتسب ضرورة اضافية اليوم نظرا للعاصفة الهوجاء التي تضرب المنطقة والعالم من قتل وتدمير وتهجير وبابشع الطرق والتي ماهي إلا امتداد للعقليةِ والاساليبِ والنَهجِ الذي أتُبِعَ خلال ابادة الارمن فرغم اختلاف المسميات فان من يقوم بهذه الاعمال الوحشية اليوم هو امتداد لِمن قام بالتفكيرِ والتخطيطِ والتنفيذِ للأبادةِ الجماعيةِ الأرمنيةِ من قبل، والهدف أيضاً واحد وواضح وهو، بحسب أعتقاد المجرم، التخلص من العرق والمذهب والمعتقد غير المرغوب به وبذلك تكون الضحية هي نفسها ألا وهي الأنسانية والمحبة والألفة والتعايش المشترك ونبذ العنف.

أيها الاخوة الكرام … نحنُ أرمن الإبادة والتهجير وصلنا الى العراق جياعاً وحفاةً فاستقبلتمونا وتقاسمتم كَسْرة الخبزِ والارضِ معنا، ولرد جزء من هذا الجميل عمِلنا بكدٍ واخلاص وساهمنا في تطور بلدنا العراق. كثيرة هي الاسماء الارمنية التي برعت في كافة المجالات الاقتصادية والزراعية والطبية والهندسية والفنية والرياضية والتصوير وغيرها، ونحن فخورون اليوم لكوننا شعب قام من بين الأموات وساهم وحتى بالدم مع إخوته العراقيين بجميع مكوناته في بناءِ وخدمةِ هذا الوطن العزيز والدفاع عنه.

ختاماً، نشكر كل العراقيين على توفير وطن لنا بعد ان فقدنا وطننا ونشكر الدول الإسلامية والعربية التي فتحت ابوابها امام المنكوبين الناجين ووفروا لهم الموطن والامان والعيش الكريم، فشتان ما بين مَن سلب اوطانّنا مِن بين ايدينا واغتصب اراضينا وقتلنا وهجّرنا وسلب ممتلكاتنا واغتصب نسائنا واذاقنا مُر العذاب، وما بين مَن تقاسم وطنِهِ ولقمة عيشهِ وقوتِهِ معنا.

أيها الحضور الكرام، إسمحوا لي ان أحيّي إنسانيتكم وأشكركم لمشاركتكم في هذا المؤتمر”.

 

خاص لملحق أزتاك العربي للشؤون الأرمنية

Share This