“الإبادة الأرمنية عام 1915..التاريخ وقضايا معاصرة” .. د. آشود ملكونيان

في القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين، وقعت أرمينيا الغربية التي تشكل الجزء الأكبر من مساحة أرمينيا التاريخية البالغة 400 ألف كيلومتر مربع، وقعت تحت السيطرة البغيضة للإمبراطورية العثمانية.

وفي أعقاب الحرب الروسية-التركية من 1877-1878، عندما تمت إعادة الجزء الأكبر من المقاطعات في أرمينيا الغربية المحتلة من قبل الروس إلى تركيا، أدخلت مادة خاصة، أولاً بطلب من روسيا في معاهدة (سان ستيفانو)، ثم تحت ضغط الدول الأوروبية الكبرى في معاهدة برلين عام 1878. وبموجب هذه المادة، كان يتوجب على الحكومة التركية تنفيذ الإصلاحات بالنسبة للأرمن المتواجدين تحت النير العثماني. وقد دخلت تلك الإصلاحات في الدبلوماسية الدولية تحت مسمى (القضية الأرمنية).

بيد أن المادة 61 من معاهدة برلين سرعان ما تم نسيانها ليس من قبل السلطان العثماني عبد الحميد الثاني فحسب، بل أيضا أقترح مسار خاص لوضع هذه المادة موضع التطبيق، وهو حل القضية الأرمنية عن طريق ابادة الارمن.

ونظمت المذابح الحماعية بحق الارمن على امتداد مساحة الامبراطورية، والتي ادت الى ذبح (300) الف أرمني.

وفي تموز – يوليو 1908، نظم حزب تركيا الفتاة مع قوى سياسية معينة من الشعوب الخاضعة للحكم التركي انقلابا واستولوا على السلطة، واضبح نظام الحكم ملكيا دستوريا. واعطيت الوعود بالمساواة بين الشعوب واطلاق الحريات الشخصية، ولكن سرعان ما اظهرت حكومة (تركيا الفتاة) وجهها القومي المتطرف (الشوفيني)، الذي كان في الواقع امتدادا للسياسة الحميدية المبنية على قمع الشعوب. وفي نيسان – ابريل 1909، نظمت المذابح بحق الارمن في (أضنة) ومناطق اخرى في اقليم (كيليكيا) اسفرت عن قتل (30) الف شخص.

وفي الاجتماع الذي عقد في عام 1911 في مدينة سالونيك اليونانية، اتخذ حزب (تركيا الفتاة) قرارا كان ينص على التطلع الى تحويل تركيا الى دولة تركية نقية، وضرورة الازالة للاقليات القومية. واتخذ القرار بزعامة طلعت، وانور، وجمال بالاستفادة من اي ظرف مناسب قادم في ظل ظروف الحرب لحل القضية الارمنية عن طريق الافناء الكلي للارمن، وتحويل المخطط القومي التركي بخلق بلاد (طوران الكبرى) الى حقيقة واقعة.

وخلال الحرب العالمية الاولى (1914-1918)، قتل الملايين من البشر من القوميات المختلفة. ولكن من ناحية النسبة العددية، لم يتحمل اي شعب آخر الخسائر البشرية الهائلة تلك التي تحملها الشعب الارمني الذي تعرض لاول ابادة مع سبق الاصرار في العالم.

وخلال الاجتماع الذي عقدته لجنة الاتراك الفتيان في 15 نيسان 1915، اتخذ قرار ينص على الاتي:

-التجريد من السلاح للجنود الارمن الذين يخدمون في الجيش العثماني واتهامهم بالخيانة.

-اعتقال وتهجير المفكرين والمثقفين الارمن في جميع المناطق الارمنية للامبراطورية.

-تهجير السكان الارمن الى الصحارى السورية تحت ذريعة ضمان الامن للاشخاص والممتلكات.

تم ارسال نسخ من هذا القرار الى جميع الولاة. ومن لا ينفذه ، كان يتعرض للمسائلة ، بغض النظر عن قوميته.

وفي ليل 24 نيسان – ابريل في القسطنطينية  والمدن التي يقطن فيها الارمن في الامبراطورية، تم اعتقال المفكرين والمثقفين الارمن (2345 شخص بحسب المعطيات الرسمية التركية)، وهم شخصيات حزبية وقومية وروحية، ومعلمين، واطباء، واناس من اختصاصات اخرى.

قد تشكلت لجنة حاصة للتهجير سميت (تشكيلات مخصوصية). وشكلت افواج خاصة غير نظامية مؤلفة من المجرمين برئاسة عضو اللجنة لحزب الاتراك الفتيان الذين تم اطلاق سراجهم من السجون، والتي استخدمت لتهجير السكان الارمن. وقد بدأت عمليات التهجير الجماعي في ايار- مايس 1915، وحتى تشرين الاول – اكتوبر خلت من الأرمن ولايات ارضروم، طرابزون، وان، بتليس، دياربكر، سيباستيا، اضنة، حلب وولايات اخرى.

وفي بدايات عام 1916، كان قد بقي على قيد الحياة في دير الزور 10-20 الف ارمني فقط من مجموع 500 الف ارمني تم تجميعهم فيها.  وترك مئات الالوف من الناس وطنهم ليستقروا في اصقاع العالم المختلفة.

وبحسب الاحصاءات التي اجراها الدكتور يوهان ليبسوس (الانساني الالماني الشهير)، فقد تم  قتل مليون ونصف المليون ارمني في الامبراطورية العثمانية خلال عامي 1915 و 1916. وما عدا الخسائر البشرية ، تحمل الارمن خسائر مادية هائلة بلغت (15-20) مليار فرنك، وتم تدمير (66) مدينة، و (2500) قرية، و (2350) كنيسة، و(1500) مدرسة.

وبذلك تم (حل) القضية الارمنية عن طريق الابادة. ولم يتحمل الشعب الارمني الخسائر البشرية والمادية فحسب، بل فقد وطنه التاريخي ايضا….ولاحقا اصبحت تطلق تسمية (القضية الارمنية) على الاعتراف الدولي بالابادة الارمنية، والتعويض عنها من قبل الاتراك.

وفي ظل غياب الاستقلال لارمينيا خلال الاعوام من 1921-1991، اصبح الدفاع عن القضية الارمنية في المحافل الدولية، بوجه خاص، (حكرا) على الأرمن في المهجر.

وبعد احياء الذكرى السنوية الخمسون للابادة الأرمنية بشكل رسمي في ارمينيا في عام 1965، اصبحت أرمينيا، وبشكل غير مباشر، مساهمة في الدفاع عن القضية الارمنية.

وفي ظل الظروف لتصعد النضال القومي الشامل الذي بدأ في المهجر والوطن في عام 1965، كانت اورغواي البعيدة جغرافيا هي الدولة الاولى التي اعترفت بالابادة الارمنية وادانتها بشكل رسمي.

وفي 18 حزيران – يونيو 1987، وفي سبيل غلق الطريق امام تركيا لدخول المجلس الاوربي، تذكر البرلمان الاوربي (فجأة) القضية الارمنية المنسية مطالبا السلطات التركية، من بين قضايا اخرى، بالاعتراف بالابادة الارمنية وادانتها في سبيل الدخول الى تلك المؤسسة الدولية المرموقة.

وخلال الاعوام من 1998-2000 دانت الابادة الامنية بلجيكا، فرنسا، السويد، لبنان، وايطاليا، فضلا عن بلديتي نيويورك وروما  وقداسة البابا يوحنا بولس الثاني. ونذكر انه منذ عام 1965 وحتى ذلك الحين، كانت قد اعترفت بالابادة الارمنية خمس دول فقط، هي الارغواي 1965، قبرص 1982، الارجنتين 1985، روسيا واليونان 1996.

في عام 2001، وبرعاية وزارة الخارجية الاميركية، بدأت (لجنة المصالحة الارمنية-التركية) (TARC ( اعمالها. ومن الجدير بالاهتمام، انه طيلة فترة نشاط هذه اللجنة وبشكم متوازي، لوحظ توجه لجر الجانب الارمني الى الجدال حول موضوع الابادةمن قبل التنظيمات ومراكز الابحاث والمؤسسات التربوية التركية والاوربية والاميركية المتعددة، وكان يبدو جليا انه محاولة جر الأرمن الى الجدال العلمي، والاكثر من ذلك (التصالح) معهم (اية مصالحة بين الضحية والجلاد؟)، فإن الدبلوماسية التركية كانت تحل مشكلة ان العلماء الارمن ، وبالاخص المؤرخون، بدخولهم في جدال علمي مع الاتراك حول مسألة الابادة، فانهم سيظهرون رغما عنهم في وضع الصفر، وكذلك في وضع مساو لاولئك الذين يضعون حقيقة الابادة في موضع الشك. (8)

وقامت برلمانات سويسرا (في كانون الاول – ديسمبر 2003)، وكندا في بداية عام 2004) وسلوفاكيا (في 30 تشرين الثاني – نوفمبر ) وهولندا في نهاية 2004 بتناول قضية الابادة الارمنية وادانتها. وفي السنوات الأخيرة اعترفت بالابادة الأرمنية عدد من الدول في أميركا اللاتينية، والنمسا ودول أخرى.

وبذلك، ينبغي وجود مقاربة للدولة والتنازل عن الحوار العلمي الارمني – التركي غير المثمر. وليس مصادفة انه حتى اليوم، عندما تحولت القضية من الساحة العلمية الى الساحة السياسية، فان السلطات التركية تهدف الى تركها لنقاشات المؤرخين، محاولة ادخال القضية طي النسيان.

ان الاعتراف بالابادة الأرمنية والتعويض عنها من قبل تركيا، هي في الحقيقة ضمان لمنظومة الامن القومي لجمهورية أرمينيا ذات المساحة الصغيرة. في الوقت الحاضر فان تركيا لا تكتفي بعدم الاعتراف بالابادة الأرمنية وانما تحاول اقناع العالم بان الأرمن هم اللذين ابادوا الاتراك سنة 1915. بيد ان يحدونا الامل في قيام دول جديدة في السنوات المقبلة بالاعتراف بالابادة الأرمنية وادانتها على مستوى البرلمانات لهذه الدول، كما فعلت ذلك (25) دولة في العالم. وتفتح هذه الخطوة الطريق نحو العدالة وانتصار الديمقراطية، وتوفر ضمانات قوية للامن لجمهورية أرمينيا الواقعة في منطقة جيوسياسية خطيرة.

 

*ورقة العمل التي قدمها د. أشود ملكونيان في المؤتمر الدولي الخاص بالإبادة الجماعية الأرمنية تحت شعار “الإعتراف بالإبادة الجماعية الأرمنية خطوة نحو السلام العالمي” الذي عقد في 23 أيار، 2015 في فندق المنصور- بغداد.

خاص لملحق أزتاك العربي للشؤون الأرمنية

Share This