أحوال الأرمن في أرمينيا الغربية في القرن التاسع عشرللباحثآرا سركيس آشجيان (1)

أحوال الأرمن في أرمينيا الغربية قبل مؤتمر برلين عام 1878

ملخص البحث:

يصف البحث أحوال الأرمن المأساوية في أرمينيا الغربية (العثمانية) في القرن التاسع عشر وأبعاد سياسة الاضطهاد والإبادة التي انتهجتها الدولة العثمانية إزاء الأرمن، والتي تبلورت بشكل واضح بعد انعقاد مؤتمر برلين في عام 1878، وحتى عام 1923، عندما تأسست الجمهورية التركية الحديثة.

فقد رغب السلطان عبد الحميد الثاني (1876-1909) في تقليص عدد الأرمن في أرمينيا الغربية للتخلص من القضية الأرمنية لكي لا تتكرر تجربة بلغاريا التي منحت الحكم الذاتي في مؤتمر برلين. وقام السلطان بتشكيل الفرق الحميدية وتحريض الأكراد على الأرمن لتنفيذ هذه السياسة، فضلاً عن رفضه لتطبيق الإصلاحات التي وقع عليها مع الدول العظمى في مؤتمر برلين.

وصبر الأرمن طويلاً لنيل حقوقهم ورفع الظلم عنهم وتطبيق الإصلاحات، لكن بلا جدوى، فلجأوا إلى الثورة للدفاع عن وجودهم وكرامتهم وتطبيق الإصلاحات. فلقد بلغ السكين العظم ولم يعد في قوس الصبر منزع، وكان لا بد من التحرك لمحاربة الظلم والفساد، بعد أن نالت الكثير من الشعوب الأوروبية الخاضعة للحكم العثماني على حقوقها من قبل بواسطة الثورة. بيد أن السلطان عبد الحميد الثاني زاد من اضطهاده للأرمن، وشكل (الفرق الحميدية) وارتكب المذابح واسعة النطاق التي راح ضحيتها 300 ألف أرمني، وأطلق الأوروبيون على السلطان من جرائها لقب (السلطان الأحمر) و (السفاك الكبير).

وقد اتبعت جمعية (الاتحاد والترقي) نهج السلطان عبد الحميد الثاني في إبادة الأرمن، ولكنهم تفوقوا عليه في القسوة والوحشية والتنظيم وسعة النطاق عندما خططوا لمجازر الإبادة الأرمنية ونفذوها في العام 1915، والتي استمرت حتى تأسيس تركيا الحديثة في عام 1923.

 

أحوال الأرمن في أرمينيا الغربية قبل مؤتمر برلين[1] عام 1878:

تتوفر معلومات وثائقية وافية عن الحالة المأساوية لأرمن أرمينيا الغربية وردت في المجلد الذي نشرته البطريركية الأرمنية في اسطنبول في عام 1876، والذي أعدته اللجنة الخاصة التابعة للمجلس الوطني الأرمني. وقدم هذا المجلد إلى الحكومة العثمانية بغية تحسين وضع الأرمن، ولكن لم يطرأ أي تغيير في وضعهم. كما اعد اغانيانتس في مدينة تفليس[2] في عام 1915، مجلداً بعنوان (المظالم في أرمينيا التركية. مجموعة وثائق من 1801-1888)، جاء في مقدمتها:

“تقترف بحق الأرمن في تركيا أعمال القتل والسلب المنظمة، وتغيير العقيدة القسري بشكل جماعي، فضلاً عن اغتصاب الحقوق، والانتهاكات، والاختطاف، والاغتصاب بمديات شيطانية، إلى جانب استحصال الضرائب الباهظة بشكل غير عادل، وتدنيس المقدسات بأقبح الوسائل، وارتكاب المظالم والأعمال الوحشية والبربرية، وهي أعمال لا تمثل ظواهر شاذة وفردية، وإنما ترتكب على نطاق واسع يومياً. ولا يقوم بهذه الأعمال التي استمرت على مدى قرون لصوص طارئون، بل هي ترتكب بعلم الحكومة، ومن قبل عملائها. ولم يسمع الكون بهذه العذابات التي وصلت بوحشيتها إلى مديات يصعب تصديقها، ولا يستطيع القلم تدوينها أو الأذن سماعها. فاقرأوا، إذا كان في مقدوركم قراءة هذا الكتاب”[3].

كما تمت مصادرة أراضي مئات القرى والأديار، حسب تقارير البطريركية الأرمنية في اسطنبول في عامي 1872 و 1876[4]، وحرق ممتلكات الأرمن وسلب دكاكينهم وارتكاب أعمال القتل واعتقال الأرمن في وان (فان) قي كانون الأول-ديسمبر 1876[5]. وكان الطغاة العثمانيين لا يتحملون سماع أي شيء عن أرمينيا والأرمن، لذا لجأوا إلى تغيير أسماء المدن والمناطق الأرمنية إلى أسماء تركية، فضلاً عن تدمير النصب التاريخية الأرمنية. وقد ابلغ السفير الروسي في اسطنبول اغناتيف حكومته إن الحكومة العثمانية أوعزت إلى السلطات المحلية سرا بتدمير أي نصب تاريخي ارمني، وكل ما من شأنه أن يثير الشعور القومي لدى الأرمن. وبذلك، تم تدمير النصب التاريخية والمعمارية الأرمنية التي شيدها الشعب الأرمني على أرضه عبر آلاف السنين[6].

أما الخطيب والمستشرق الايرلندي اميل ديلون الذي تجول في أرمينيا الغربية، فتوصل إلى الاستنتاج بأنه “تم تثبيت نظام حكومي متوحش في النواحي الأرمنية، بحيث لا تعني شيئاً بالمقارنة معها المظالم والانتهاكات التي ارتكبت في نطاق نظام الرق في الولايات الجنوبية للولايات المتحدة الأميركية”[7].

*قسم من ورقة عمل قدمهاالباحثآرا سركيس آشجيانبعنوان “أحوال الأرمن في أرمينيا الغربية في القرن التاسع عشر وأبعاد سياسة الإبادة للدولة العثمانية إزاءهم حتى عام 1923″في المؤتمر الدولي الخاص بالإبادة الجماعية الأرمنية تحت شعار “الإعتراف بالإبادة الجماعية الأرمنية خطوة نحو السلام العالمي” الذي عقد في 23 أيار، 2015في بغداد.

خاص لملحق أزتاك العربي للشؤون الأرمنية

 

[1] راجع في الملحق تفاصيل عن هذه المعاهدة.

[2]أو تبيليسي عاصمة جمهورية جورجيا إحدى جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق.

[3] مقتبس من: م. ف. آرزومانيان، صراع الوجود عبر القرون ، دار نشر (هاياستان)، يريفان، 1989 (باللغة الأرمنية)، ص ص 139-140.

[4] راجع: كريستابور ميكائيليان (أفكاره الثورية) ، جامعة يريفان الرسمية، يريفان، 1990 (باللغة الأرمنية )، ص 43.

[5] راجع: م.ك. نرسيسيان، مزورو التاريخ (مقالات ورسائل معلومات)، دار نشر (كيتوتيون) التابعة لمجمع أكاديمية علوم أرمينيا، يريفان، 1998، (باللغة الأرمنية)، ص 72.

[6] راجع: م. ف. آرزومانيان، المصدر السابق، ص 145.

[7] مقتبس من: “إبادة الأرمن في الإمبراطورية العثمانية”. مجموعة وثائق ومواد جمعت تحت إشراف البروفيسور م.ك. نرسيسيان، دار نشر (هاياستان)، يريفان، 1991، (باللغة الأرمنية)، ص V ؛ م.ك. نرسيسيان، مزورو التاريخ، المصدر السابق، ص ص 38، 132-133 عن:

  1. J. Dillon, The Condition of Armenia, The Contemporary Review, N.Y.-London, August 1895.

 

Share This