أحوال الأرمن في أرمينيا الغربية بعد مؤتمر برلين … (2)

 

آرا سركيس آشجيان

على إثر معاهدة برلين، أخذ السلطان عبد الحميد الثاني ينظر إلى أرمينيا الغربية والأرمن كبلغاريا ثانية ينبغي إزالتهم من الوجود[1]، وبدلاً من أن يطبق الإصلاحات الموعودة برهن عن وحشية زائدة[2]. وكان عدم تطبيق السلطان عبد الحميد لهذه الإصلاحات ناجم عن طبيعته الاستبدادية من جهة، ولإيقانه من عدم تضامن الدول الأوروبية ضده في القضية الأرمنية، وعدم جديتها في التدخل بشأنها[3].

ونزح فريق من الألبان إلى الأناضول في أثناء وأعقاب الحرب الروسية العثمانية من 1877-1878، وكانوا لا يقلون في ضراوتهم عن الأكراد والشركس، فتعرضت القرى الأرمنية لأعمال العنف من جانب هؤلاء المشاغبين، إذ كانوا يهاجمون بيوت الفلاحين الأرمن وينهبون متاعهم ومحاصيلهم، ويعتدون عليهم إذا قاوموهم معتمدين على بعد الولايات الأرمنية عن القسطنطينية (اسطنبول) وصعوبة المواصلات معها، في حين كانت السلطات العثمانية المحلية في أرمينيا أحياناً، والحكومة المركزية في اسطنبول حيناً، تغمض أعينها عن هذه الاعتداءات المنكرة اعتقاداً منها أن هذا السلوك الإرهابي من جانب الأكراد والشركس والألبان سيؤدي إلى استمرار خضوع الأرمن للحكم العثماني[4]. كما تم إبدال الموظفين المحليين الأرمن بالأتراك، واعتقل وقُتل عدد كبير من رجال الفكر والقادة الأرمن، ودُمرت مئات القرى الأرمنية، حسب ما أُورد في الكتاب الأزرق البريطاني عام 1880، وأُجبر سكان عدد كبير من النواحي (لاسيما في ولايتي أرضروم وطرابزون) على تغيير عقيدتهم الدينية، إلى جانب حدوث المجاعات التي حصدت الأرواح لعشرات الألوف من الضحايا عام 1880. وتصاحب كل ذلك مع الحياة اليومية للأرمن من تعرضهم للخوف الدائم، والمظالم اللامحدودة، وانتهاك الحرمات[5].

وقد جاء في كتاب القنصل البريطاني في ارضروم ايوارست (Ewarst) الى الكونت كرينوين (Grenwin)، كما جاء في الكتاب الأزرق البريطاني، ما يأتي:

“إن عدم عصيان الأرمن وقيامهم كفرد واحد في الولايات الشرقية، وإن عدم احتجاجهم على فداحة الضرائب المفروضة عليهم إنما سببه صبرهم وخوفهم وعدم الاتفاق بين طبقاتهم”[6].

وإزاء هذا الوضع، بذل رؤساء الأرمن كل جهودهم لإقناع الحكومة العثمانية بإجراء الإصلاحات، ولكن مساعيهم باءت بالخيبة ولم تجدِ محاولاتهم شيئاً. وفي عام 1879، راجع الباب العالي وفد مختلط من المجلس الروحاني والمجلس الجسماني، وقدم تقريراً مفصلاً بالوقائع المفجعة التي جرت في الولايات الأرمنية، ولكن الصدر الأعظم استقبلهم ببرود وقال لهم: “لا نجد مجالاً للاشتغال في الولايات الآسيوية”. وعندما تلقى البطريرك ماتيوس ازميرليان هذا الجواب السلبي، وهو رئيس المجلس العمومي الأرمني، أنشأ رثاءً للمادة الحادية والستين من معاهدة برلين. أما استيفان بابازيان، وهو من أبرز الشخصيات القومية الأرمنية آنذاك، فقد صرخ من فوق منبر الخطابة قائلاً:

“يصرحون، ثم يؤكدون أن الباب العالي لا يجد مجالاً للاشتغال بالولايات الأرمنية لانصرافهم بكليتهم إلى القضايا البلقانية ! لأن في البلقان شعباً متمرداً مسلحاً يقوم بوجه السلطان عبد الحميد. أما الشعب الأرمني، فشعب وديع مطيع أعزل، ولذلك فهم يسومونه الخسف والعذاب ويسلطون عليه القبائل الوحشية الساكنة في جانبه، فتنهبه وتمتهنه وتقتل أبناءه من دون عقاب أو حساب، وتغض الحكومة الطرف عن هذا الانتهاك. ولما كانت هذه الحكومة تعجز عن تأمين سلامة الأرمن، فلتعطهم السلاح ليدافعوا به عن أنفسهم بأنفسهم.. لقد عصى البلقان وخرج شعبه على السلطان، فتمكن أهله من نيل الحرية. أما الشعب الأرمني، فإنه يطلب رحمة الحكومة.. والحكومة تأبى أن ترحمه.. أين العدل، أين المساواة ؟”[7].

وكان الملحقون العسكريون الانكليز يبعثون من قنصلياتهم في تركيا بتقارير مفصلة عن نظام الحكم المرهق الذي فرضه الأتراك على الأرمن، بيد أن مصير كل تلك التقارير كان سلة المهملات[8]. وفي 12 حزيران-يونيو 1879، كتب السفير البريطاني في اسطنبول لايارد إلى الوزير سولسبري قائلاً:

“إذا لم يتصرف الباب العالي بحذر ويعمل ببعد نظر وحكمة، فستبرز في آسيا القضية الأرمنية، مثلما برزت في أوروبا القضية البلغارية التي كانت السبب في الحرب الأخيرة”[9].

وفي 11 حزيران-يونيو 1880، وجهت ست دول أوروبية كبرى مذكرة إلى وزير الخارجية العثماني كانت تختتم بهذه الفقرة:

“..إنه لمن واجبنا أن نسترعي انتباهكم للمسؤولية الخطيرة التي يتحملها الباب العالي بتأخيره تنفيذ تلك المتطلبات (يقصد بها متطلبات المادة الحادية والستين من معاهدة برلين، آ.س.آ)، والتي تعتبرها دولنا ضرورية، سواء للإمبراطورية العثمانية، أو لكل المصالح الأوروبية”[10].

وتشير هذه الفقرة المأخوذة من (الكتاب الأزرق) إلى أن الدول الأوروبية كانت تعمل بكل الوسائل لتجنب ظهور أية حركة أرمنية، معتبرة أنها تهدد بتحولها إلى قضية بلغارية أخرى، مما سينتج عنها ظهور وساطات لصالح الأرمن كانت من الممكن أن تؤدي إلى نشوب الحرب. ويبدو أن الرغبة في عدم بروز مثل تلك المخاطر كانت السبب في دعم الدول الأوروبية للدولة العثمانية خلال ثمانينيات القرن التاسع عشر من أجل إدخال القضية الأرمنية في طي النسيان[11].

ويوماً بعد آخر، ازدادت أوضاع الأرمن في الدولة العثمانية سوءاً. فقد صدر في 30 آب-أغسطس 1880 أمر الباب العالي بمنع استخدام تسمية (أرمينيا) في الكتابات الرسمية والخرائط الجغرافية[12]. وفي 7 آذار-مارس 1881، كتب القنصل الروسي في أرضروم عن حظر وضع صور المجاهد القديس فارتان ماميكونيان[13]، ومنع الاجتماعات العامة بالقوة، فضلاً عن ممارسات أخرى انتهجتها الحكومة العثمانية ضد الأرمن. وفي عام 1879، منع تقديم العروض المسرحية الأرمنية في اسطنبول، ووضعت رقابة مشددة على الصحف والمطبوعات الأرمنية، وبدأت حملة لتشديد المضايقات ضد المدارس الأرمنية. كما صودرت وأُحرقت جميع الكتب التي ورد فيها اسم (أرمينيا)، وتم تغيير المناهج المدرسية من قبل قضاة الأقضية والنواحي، ومنع والي مدينة وان في أبريل-نيسان 1881 إلقاء المحاضرات في المدارس الأرمنية[14].

ومنذ أوائل عام 1883، ونتيجة للتعقيدات الدولية وتشابك مصالح الدول العظمى، والأسباب التي ذكرتها آنفاً، وفي مقدمتها عدم الرغبة في خلق بلغاريا جديدة، توقف التدخل الدولي في القضية الأرمنية، بل أن مستشار ألمانيا بسمارك نصح السلطان عبد الحميد الثاني في خريف هذا العام بعدم الإسراع في تنفيذ الإصلاحات الأرمنية “حرصاً على هيبته”. وفي العام الذي تلاه، أطلق الصدر الأعظم كوتشوك سعيد باشا عبارته “إن أنجع وسيلة لإنهاء القضية الأرمنية هي القضاء على الشعب الأرمني”[15]. كما روى صديق السلطان عبد الحميد المستشرق الهنغاري اليهودي المعروف أرمينيوس فامبري إنه (أي السلطان) اعتمد ما أشار به عليه مشيرا السوء المعروفان عزت العابد باشا والشيخ أبو الهدى الصيادي إن التخلص من (المشكلة الأرمنية) أو (الحل النهائي) لها إنما يكون بالتخلص من الأرمن أنفسهم والقضاء عليهم[16].

وهكذا انفرد السلطان عبد الحميد الثاني بالقضية الأرمنية وتفرغ لها، فأخذ يحرٍّض الأكراد على زيادة اعتداءاتهم على الشعب الأرمني في الولايات الأرمنية (أرمينيا الغربية)، بل ويحضر لهم المذابح الممائلة لتلك التي حصلت في إقليم زيتون الجبلي عام 1862[17].

وقد شنت السلطات في عهد السلطان حملة معادية للأرمن بأشكال شتى (تحريرية أو شفوية عن طريق الخطب). وكانت هذه السلطات تقوم بإثارة الرعاع من الناس مشيرة إلى بعض الأثرياء من الأرمن بالقول: إن الأرمن أثرياء والأتراك فقراء ومُستًغًلون من قبل الأرمن، لذا ينبغي إزالة الأرمن والاستحواذ على ثرواتهم !! كما كان يتم الاستيلاء على ممتلكات الأرمن بتوجيه شتى التهم الباطلة لهم أو عن طريق سلبها من قبل قطاع الطرق الأتراك والأكراد، فضلاً عن إبعاد الأرمن عن الميادين الاقتصادية عنوة. وكانوا يلجأون إلى شتم الأرمن علانية وجرح مشاعرهم الدينية والقومية. وكان الوضع أكثر صعوبة في الأقضية والنواحي في أرمينيا الغربية، والتي كانت تعبث بها قوة فرسان الحميدية التي شكلها السلطان عام 1891[18].

كما تابع السلطان عبد الحميد الثاني برنامج توطين القبائل الكردية في أرمينيا، إذ أخذ على عاتقه مهمة تعديل التركيب السكاني تعديلاً جذرياً في ولايات فان وبتليس وأرضروم، حيث كان السكان الأرمن يشكلون أكثرية مطلقة، بهدف إبطال مفعول كل تدخل لاحق في مصلحة أرمينيا[19]. وجرى توطين مئات الألوف من الشركس والأتراك واللاز والأكراد في أرمينيا وآسيا الصغرى[20]، وكان لا بد أن يرافق ذلك عمليات النهب والعنف والاستملاك بالقوة[21].

وازدادت أوضاع الأرمن سوءاً، عندما قامت الحكومة العثمانية بتزويد الأكراد بالسلاح وتجنيدهم في وحدات غير نظامية، وألفت منهم طوابير الخيالة المعروفة بـ (فرسان الحميدية) أو (حميدية آلايلري) نسبة إلى السلطان عبد الحميد الثاني. وقد أشاع هؤلاء الفرسان الرعب في طول البلاد وعرضها طيلة سنوات، حتى بات الوضع بالنسبة للأرمن لا يطاق، إذ لم يكونوا ملزمين بإيواء القبائل الرحل والفرق الحميدية في الشتاء وحسب، بل كان عليهم أيضاً أن يؤدوا لزعماء الأكراد ضرائب باهظة وخيالية، إلى جانب الضرائب الحكومية المرهقة[22].

وبذلك، اتخذ السلطان عبد الحميد الثاني من فرسان الحميدية أداة لتنفيذ سياسته الإجرامية، فيما كان يلجأ إلى بث النقمة لدى الأكراد على الأرمن بإشاعته أن الأرمن كانوا يريدون إنشاء دولة مستقلة لهم، وذلك بتحويل منطقة كردستان، وأن يصبحوا هم سادة البلاد والأكراد من رعاياها. وقد أدى ذلك، فضلاً عن تشكيل الفرق الحميدية، والامتيازات التي منحتها الدولة العثمانية إلى بعض العشائر الكردية، واختلاف الدين إلى خلق صراع بين الأرمن والأكراد استغله السلطان عبد الحميد الثاني لضرب الأرمن[23]. وفي هذا الصدد، كتب القنصل البريطاني في أرضروم تشارلس هامبسن إلى حكومته في شتاء 1891، قائلاً: “إن الأكراد أنفسهم يعلنون أن تنظيماً عسكرياً يشكل منهم من أجل قمع الأرمن بشكل خاص”[24]، و”أنهم تلقوا الضمانات بأنهم سوف لا يتم استدعاؤهم للمحاكم للاستفسار عن أعمال القمع المرتكبة بحق المسيحيين (ويقصد بهم الأرمن، آ.س.آ.)”[25]. وقد ذكر السفير الفرنسي في اسطنبول بول كامبون أن فرسان الحميدية ما هي إلا هيئة حكومية شكلت لسلب الأرمن. وذكر الشيء ذاته الصحفي الفرنسي كوندانسون الذي شدد على أن فرسان الحميدية لم تتشكل لاعتبارات حربية (كالدفاع عن الحدود)، وإنما للضغط على الأرمن[26]. وفي نهاية عام 1892، أبلغ ملحق عسكري بريطاني عن تشكيل 33 فوجاً حميدياً، يضم كل منها 500 رجل، وأن أخرى تتشكل تحت إمرة قائد جديد هو زكي باشا، والذي كان سيلعب دوراً مهماً في ما بعد في المجازر الأرمنية على امتداد الإمبراطورية[27]. وبذلك كان تشكيل فرق الحميدية يهدف في الواقع إلى مواجهة الأنشطة الثورية الأرمنية، وتجنب أي تضامن بين الأكراد والأرمن من شأنه “أن يجعل الدفاع عن الأناضول الشرقية أمراً بالغ الصعوبة”[28] !

وانضم إلى الأكراد الشركس والتركمان والأتراك العثمانيون والألبان. وكان الألبان قد هاجروا، وكما ذكرنا آنفاً، إلى الأناضول في أعقاب الحرب الروسية العثمانية، وتكاتفوا جميعاً لإيذاء الأرمن وقطع الطرق والتعرض لهم، ونزع أغطية رؤوسهم، وخطف نسائهم وبناتهم، والهجوم على منازلهم، ونهب سجاجيدها ومحتوياتها الثمينة، وما إلى ذلك من صور الإيذاء والتنكيل. وتغاضى السلطان عبد الحميد عن هذه التصرفات، إن لم يكن هو الذي يفتعلها، مما أثار السخط الشديد لدى الأرمن، وترك الباب العالي أيضاً الموظفين العثمانيين يبتزون الأموال من الأرمن وينزلون بهم شتى المغارم[29].

وأشار الكاتب (مولتكي) في مؤلفه (مجموعة رسائل تركية) إلى الملاحقات الظالمة التي كان الأرمن يتعرضون لها من قبل الحكومة العثمانية. وبشكل عام، لم يعرف الأرمن في ظل الحكم العثماني الأمن على حياتهم وأعراضهم وممتلكاتهم[30].

وعبّر الصحفي البريطاني السير أدوين پيرس، الذي أقام في القسطنطينية (اسطنبول) لفترة طويلة، عن مطالب الأرمن بالقول: “إن كل ما رغبوا (الأرمن، آ.س.آ.) فيه هو الأمن للحياة والعرض والممتلكات”[31].

وهناك شهادات موثوقة أخرى كثيرة جداً تصور الوضع المأساوي للأرمن في أرمينيا الغربية، وكان لا بد لشعب يعيش في ظل هذه الظروف وتحت النير العثماني البغيض أن يناضل ويثور للحفاظ على حياته وعرضه ووجوده وكرامته[32].

وبرغم هذه الحقائق، نرى إن عدداً من “المؤرخين” الأتراك يدعي إن الأرمن في الإمبراطورية العثمانية كانوا يعيشون حياة سعيدة ومرفهة، ولم يتعرضوا قط للضغوط أو الاضطهاد. وكان جمال باشا الملقب بـ(السفاح)، وهو أحد المنظمين الرئيسيين لمجازر الإبادة الأرمنية عام 1915، قد ادعى الشيء ذاته[33] في مذكراته.

ويزعم مزورو التاريخ هؤلاء إنه، وعلى الرغم من (الوضع المُرفًّه للأرمن)، كانت تحدث أحياناً (نشاطات مناهضة للسلطان تفتقد إلى الأسس والمبررات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية)، إذ أنها كانت تثار نتيجة لـ (دسائس) الدول الأجنبية ونشاطات (اللجان) الأرمنية التي كانت تضم الرجال (المغامرين). ويقصد هنا بالدول الأجنبية، بشكل أساس، روسيا. أما (اللجان) التي تضم (المغامرين)، فهي التنظيمات والمجموعات الوطنية الأرمنية التي كانت تناضل من أجل التخلص من النير العثماني[34].

وكرر هذه الادعاءات عدد من “المؤرخين” الغربيين الذين كانوا، وعلى ما يبدو، لا يعيرون أهمية للموضوعية العلمية في كتاباتهم، بل فقط للاعتبارات السياسية وغيرها. ففي عامي 1976 و 1977، صدر عن جامعة كمبردج مؤلفان ضخمان في موضوع تاريخ تركيا من تأليف ستانفورد شو (يهودي الأصل ويحمل الجنسية الأميركية) وزوجته تركية الأصل كورال شو، واللذين سعيا، وخلافاً للأدلة والوقائع التاريخية، إلى الثناء على النظم السائدة في الإمبراطورية العثمانية، والإيهام بأن السلاطين العثمانيين انتهجوا سياسة لينة ومتسامحة !! إزاء الشعوب الخاضعة لهم. وعند حديثهما عن وضع الشعب الأرمني في أرمينيا الغربية، كررا الادعاء بأن الأرمن لم يكونوا مستاءين من وضعهم، وإن سبب تردي الأوضاع بعد سبعينيات القرن التاسع عشر كان، حسب زعمهما، نشاط (اللجان) الأرمنية الذي ألحق ضرراً بالغاً بالأتراك. أما المؤلف الأميركي التركي الأصل كاربات، فهو يشاطر الزوجين شو رأيهما، ويحاول في الوقت ذاته أن (يبين) أن عدد الأرمن في أرمينيا الغربية خلال القرن التاسع عشر كان صغيراً جداً ! !. ويقوم كاربات بتزييف الأدلة والوقائع التاريخية، مستنداً فقط إلى المصادر التركية التي ثبت افتقادها إلى الموضوعية في طروحاتها حسب منهج علم التاريخ ![35].

وبشكل عام، لم تبلغ الدولة العثمانية في عهد سلطان من السلاطين ما بلغته في عهد سلطانها عبد الحميد الثاني من التأخر والانحطاط والضعف، والشقاء، والفقر، والتعاسة، فقد عمت المظالم أنحاء الدولة العثمانية، وبلغت درجة من الشدة عز بعضها إلى صبر الأهالي واحتمالهم، ولولا اختلاف المصالح الدولية في المسألة الشرقية لما بقي للدولة العثمانية إلى ذلك الحين أثر في الوجود[36].

 

*قسم من ورقة عمل قدمهاالباحثآرا سركيس آشجيانبعنوان “أحوال الأرمن في أرمينيا الغربية في القرن التاسع عشر وأبعاد سياسة الإبادة للدولة العثمانية إزاءهم حتى عام 1923″في المؤتمر الدولي الخاص بالإبادة الجماعية الأرمنية تحت شعار “الإعتراف بالإبادة الجماعية الأرمنية خطوة نحو السلام العالمي” الذي عقد في 23 أيار، 2015في بغداد.

خاص لملحق أزتاك العربي للشؤون الأرمنية

[1] راجع: بول أميل (بروفسور)، تاريخ أرمينيا- عرض مبسط لتاريخ الشعوب الأرمنية منذ فجر التاريخ حتى اليوم-، ترجمة شكري علاوي، منشورات دار (مكتبة الحياة)، بيروت، د.ت، ص 44. كذلك: مروان المدور، الأرمن عبر التاريخ، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1982، ص 397.

اعترفت معاهدة برلين رسمياً بالاستقلال لإمارات رومانيا وصربيا والجبل الأسود التي كانت تتمتع بالسيادة بحكم الأمر الواقع، إلى جانب منح الحكم الذاتي لبلغاريا، على الرغم من أن الأخيرة تصرفت بشكل مستقل في إدارة شؤونها وقسمت إلى ثلاثة أجزاء.

[2] راجع: بول أميل، المصدر السابق، ص 44؛ هراج داسنابيديان، القضية الأرمنية، عرض تاريخي مقتضب للقضية الأرمنية في إطارها السياسي والاجتماعي، 1984 (محاضرة ألقيت في صالة كلية الآداب العليا الفرنسية في بيروت بتاريخ 18 أيار-مايس 1975، ترجمها الى اللغة العربية جوزف كالوستيان)، ص 12.

[3] راجع: سمير عربش، أرمينية أرض وشعب، مؤسسة دار الريحاني للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، 1991، ص 125.

[4] راجع: عبد العزيز محمد الشناوي، الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها، الجزء الثالث، القاهرة، 1983، ص ص 1547-1548، ص ص 1547-1548.

[5] راجع: كريستابور ميكائيليان (أفكاره الثورية)، المصدر السابق، ص43.

[6] مقتبس من: ك. استارجيان (دكتور)، تاريخ الأمة الأرمنية. وقائع من الشرقين الأدنى والأوسط في أدوار الإمبراطوريات الرومانية والبيزنطية والفارسية والعربية والعثمانية والروسية، مطبعة الاتحاد الجديدة، الموصل، 1951، ص 280.

[7] مقتبس من: المصدر السابق، ص ص 281-282.

[8] عثمان الترك، صفحات من تاريخ الأمة الأرمنية –الأرمن في ماضيهم وحاضرهم منذ أقدم عصور التاريخ حتى منتصف القرن العشرين-، الطبعة الأولى، حلب، سوريا، 1960.، ص 197.

[9] مقتبس من: كريستابور ميكائيليان (أفكاره الثورية)، المصدر السابق، ص 66

[10]مقتبس من: المصدر السابق، ص ص 66-67.

ويقول المؤرخ البريطاني أرنولد ج. توينبي في كتابه “معاملة الأرمن في الإمبراطورية العثمانية من 1915-1916” إن الحكومة العثمانية لم ترد على هذه المذكرة الجماعية، وبعد أن استمرت المساعي الدبلوماسية مدة سنتين، أُهملت المسألة استجابة لاقتراح بسمارك، لأن أية دولة لم تشأ أن تمارس ضغطاً على الدولة العثمانية، باستثناء بريطانيا العظمى. راجع:

مجموعة مؤلفين، مختارات من بعض الكتابات التاريخية حول مجازر الأرمن عام 1915، سلسلة دراسات ووثائق المجازر الأرمنية-1، ترجمة خالد الجبيلي، الناشر: دار الحوار للنشر والتوزيع، اللاذقية، ونادي الشبيبة السورية-اللجنة الثقافية، حلب، سوريا، الطبعة الأولى، 1995، ص 27.

[11] كريستابور ميكائيليان (أفكاره الثورية)، المصدر السابق، ص 67.

[12] أراد السلطان عبد الحميد الثاني مسح تسمية أرمينيا من الذاكرة الجمعية للشعوب العثمانية، حتى أنه طالب بأن تغير ولاية ماساشوستس الأميركية اسم الكلية التبشيرية في خربوط المسماة (كلية أرمينيا Armenia College). وتغير اسمها إلى (كلية الفرات Euphrates College). راجع:

Peter Balakian, The Burning Tigris. The Armenian Genocide and America’s Response (New York Time’s Bestseller), HarperCollins Publishers Inc., NY, USA, 2003, p. 36.

[13] قاتل فارتان ماميكونيان الفرس في القرن الخامس الميلادي في معركة (آفاراير) واستشهد فيها، دفاعاً عن الوطن والعقيدة الدينية، وما تزال الكنيسة الأرمنية تحتفل بذكرى هذه المعركة بشكل مهيب كل عام.

[14] راجع: تاريخ الشعب الأرمني، مسؤولا التحرير: دز.ب. آغايان و آ.ك. هوفهانيسيان، المجلد السادس، أرمينيا خلال الفترة من 1870-1917، منشورات أكاديمية علوم أرمينيا السوفييتية، يريفان، 1981 (باللغة الأرمنية)، ص 137.

إلى جانب تسمية (أرمينيا)، منع استخدام كلمات مثل (الشعب الأرمني)، و(التاريخ الأرمني)، و(المناطق الأرمنية)، و(النصب التاريخية الأرمنية)، فضلاً عن منع استخدام أسماء الولايات الأرمنية (كارين)، و(باغيش)، و(ديكراناكيرت)، وكلمات ومصطلحات أرمنية أخرى، وتم تقليص عدد المدارس ومؤسسات التعليم الأرمنية. راجع: م. ف. ارزومانيان، المصدر السابق، ص 197. وتحت تهديد الموت، منع السلطان وصول الصحف الأرمنية إلى المدن والمناطق الأرمنية، وكان تدريس مادتي التاريخ والجغرافية الأرمنية محظوراً في كل أنحاء الدولة العثمانية، والكتب الخاصة بهاتين المادتين كانت تصادر وتحرق. أما المدرسون والمؤلفون، فكانوا يتعرضون إلى أقصى العقوبات ويعاملون كمجرمين. راجع: ج. كيراكوسيان، الأتراك الفتيان أمام قضاء التاريخ (منذ تسعينيات القرن التاسع عشر وحتى عام 1914)، الجزء الأول، دار نشر هاياستان، يريفان، 1982، (باللغة الأرمنية)، ص ص 23-24.

[15] مقتبس من: سمير عربش، المصدر السابق، ص 125.

وقد ذكرنا آنفاً إن الوزير كامل باشا كان قد أطلق بعد مؤتمر برلين تصريحاً يدعو فيه إلى “ضمان مستقبل الإمبراطورية العثمانية عن طريق محو الشعب الأرمني”.

[16] راجع: سمير عربش، المصدر السابق، ص 126.

[17] المصدر السابق، ص 125.

[18] راجع: م. ف. ارزومانيان، المصدر السابق، ص 197.

[19] راجع: هراج داسنابيديان، المصدر السابق، ص 12.

[20] راجع: كريستابور ميكائيليان (أفكاره الثورية)، المصدر السابق، ص43.

[21] راجع: بول أميل، المصدر السابق، ص 45.

[22] راجع: بول أميل، المصدر السابق، ص 45.

[23] راجع: نجلاء عدنان حسين العكيلي، الدولة العثمانية والمشكلة الأرمنية 1894-1916، رسالة ماجستير في التاريخ الحديث مقدمة إلى مجلس كلية التربية في الجامعة المستنصرية بإشراف الأستاذ الدكتور لطفي جعفر فرج، بغداد، 2003، ص 35.

[24] مقتبس من: م. سيروبيان، نضالنا في سبيل تحرر الأرمن. تحليلات حول القضية الأرمنية، القاهرة، 1948، (باللغة الأرمنية)، ص 190. كذلك:

Peter Balakian, Op. Cit., p. 50.

[25]Ibid, p. 50.

[26] راجع: م. ف. ارزومانيان، المصدر السابق، ص 197.

[27] Peter Balakian, Op. Cit., p. 51.

[28] مقتبس من: تاريخ الدولة العثمانية، الجزء الثاني، إشراف روبير مانتران، ترجمة بشير السباعي، الطبعة الأولى، دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع، القاهرة، 1993، ص 219.

[29] راجع: عبد العزيز محمد الشناوي، المصدر السابق، ص 1558.

[30] راجع: ج. كيراكوسيان، المصدر السابق، ص ص 21-22 عن: مجلة (آناهيت)، باريس، العدد 3، 1900، ص 89.

[31] Sir Edwin Pears, Life of Abdul Hamid, Henry Holt & Co., NY, 1917, p. 226;Peter Balakian, Op. Cit., p. 5.

[32] راجع: م.ك. نرسيسيان، مزورو التاريخ، المصدر السابق، ص 133.

[33] المصدر السابق، ص 73.

[34] المصدر السابق، ص 73.

[35]راجع: م.ك. نرسيسيان، مزورو التاريخ.، ص ص 73-74.

[36] راجع: نجلاء عدنان حسين العكيلي، المصدر السابق، ص 63 (حاشية) عن: أسرار يلدز أو العقد الثمين في تاريخ أربعة سلاطين، تأليف إدارة جريدة الأيام، مطبعة الأيام، نيويورك، 1900، ص ص 263-264.

Share This