الكاثوليكوس آرام الأول يؤكد في مؤتمر “إبادة السريان” أنه ينبغي توصيف ماحدث عام 1915 للأرمن والأقليات المسيحية على يد الحكومة العثمانية بالإبادة

أفادت صفحة بطريركية أنطاكية للسريان الكاثوليك والسريان الأرثوذكس، أنه في الجلسة الختامية لمؤتمر “إبادة السريان: شهادة وإيمان”، الذي نظّمته بطريركية أنطاكية للسريان الكاثوليك والسريان الأرثوذكس، وعُقد في جامعة الروح القدس ـ الكسليك ـ لبنان، أيام 2 و3 و4 تمّوز 2015، ألقى الأب حبيب مراد، أمين سرّ بطريركية السريان الكاثوليك، والأب جوزف بالي، السكرتير البطريركي ومدير دائرة الإعلام في بطريركية السريان الأرثوذكس، وهما من اللجنة التنظيمية للمؤتمر، تقريراً يختصر أعمال المؤتمر، ويتضمّن أهم النقاط التي وردت في حفل افتتاحه وفي الجلسات والمحاضرات التي تضمّنته.

أدناه تجدون نص التقرير مع الخلاصات والتوصيات:

إنها فرحة كبيرة أن تلتقي الكنيستان السريانيتان الكاثوليكية والأرثوذكسية معاً وتعقدان مؤتمراً واحداً تحييان فيه ذكرى اليوبيل المئوي لمجازر الإبادة الجماعية السريانية “سيفو ـالسوقيات”، التي حصلت في ظلّ الحكم العثماني. وهذا المؤتمر هو علامة حسّية وتجسيد لما دأب صاحبا القداسة والغبطة رئيسا الكنيستين على تأكيده، بأنّنا كنيسة واحدة بأصول واحدة وجذور واحدة وتراث واحد ولغة واحدة هي اللغة السريانية لغة ربنا يسوع المسيح، ومن أبرز ما يوحّدنا وحدة الشهادة والدم.

عنوان المؤتمر “إبادة السريان: شهادة وإيمان”، وقد جمع في حفله الإفتتاحي أصحاب القداسة والغبطة الآباء بطاركة الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية في هذا الشرق، الذين عبّروا بحضورهم الشخصي عن اعتراف كنائسهم بأنّ تلك المجازر هي بحق إبادة طالت الشعب السرياني في تلك الحقبة.

فمع أبوينا البطريركين الجليلين، حضر حفل الإفتتاح، مساء يوم الخميس 2 تمّوز، أصحاب الغبطة البطاركة: الكردينال مار بشارة بطرس الراعي، ويوحنا العاشر اليازجي، والكاثوليكوس آرام الأوّل كيشيشيان، وابراهيم اسحق، والسفير البابوي في لبنان المطران كبريالي كاتشا، والمطرنان كيرلس بسترس ممثّلاً البطريرك غريغوريوس الثالث لحّام، وميشال قصارجي ممثّلاً البطريرك مار لويس روفائيل الأوّل ساكو، ولفيف من الأساقفة والرؤساء العامين والرئيسات العامات والكهنة والإكليريكيين والراهبات، وفعاليات رسمية وسياسية واجتماعية وثقافية.

وأكّد البطاركة في كلماتهم على ضرورة الإعتراف بالإبادة في العالم كلّه شرقاً وغرباً، مشيرين إلى أنّ هذه المجازر وبالرغم من فظاعتها، هي شهادة ناصعة على التمسّك بالإيمان المسيحي والشهادة له بالكلمة والحياة حتى بذل الدم. وحثّوا المسيحيين في الشرق على التجذّر في أرض الآباء والأجداد وعدم الانجرار وراء دعوات واهية برّاقة بهجرة تقتلع من الجذور.

وفي الجلسة الأولى صباح يوم الجمعة 3 تمّوز، تناول المحاضرون الوضع العام في منطقة شرقي المتوسّط خلال المئة عام التي مضت، مشدّدين على الأثر السلبي لمجازر الإبادة مع التداعيات التي انعكست على وضع المسيحيين والسريان بشكل خاص. كما عالجوا موضوع العنف الذي يظهر في الإبادات، على غرار الحروب والتعديات. فكان تحديدٌ أفضل لماهيّة الإبادة التي تعرّض لها السريان وأسبابها وعناصرها التي تميّزها عن سائر المجازر، ألا وهي أنّ السريان لم يكونوا مذنبين، بل كانوا ضحية الكره البحت والحسد والتعصّب العرقي والإتني والديني المتطرّف.

وفي الجلسة الثانية التي خُصِّصت لتاريخ السريان في المنطقة، أشار المحاضرون إلى دور الكنيسة السريانية منذ نشأتها في تهذيب الحضارة في المنطقة ـ لا سيّما في الرها ـ ونقل العلوم والثقافة للشعوب في المنطقة والجوار، بل حتّى خلق الجوّ المناسب في الإدارات العامة والدواوين لنموّ البلاد وتطوّرها. وقد كانت للمسيحيين امتيازاتٌ في عهد السلاطين العرب وغيرهم الذين حكموا البلاد. كما سلّطوا الضوء على أحداث سويرك المشؤومة في عام 1895 في نهاية القرن التاسع عشر، والتي هي مجازر نعرف الآن أنّها كانت تشير إلى ما سيحدث في عام 1915 من مجازر إبادة.

وفي الجلسة الثالثة، تابع المحاضرون الحديث عن تاريخ المذابح والإبادة خلال الحرب العالمية الأولى. فعالجوا أسباب الإعتداءات على القرى السريانية في طور عبدين، مستعينين بالمصادر السريانية والعربية وغيرها التي تذكر وتوثّق هذه المجازر. وتناولوا امتداد هذه المجازر لتطال السريان والآشوريين والكلدان في “حقّاري” وفي أذربيجان، للتأكيد أنّ السريان كانوا مستهدَفين في السلطنة العثمانية كما في مناطق مجاورة، وذلك لتمسّكهم بدينهم المسيحي.

أمّا يوم السبت 4 تمّوز، وهو اليوم الثالث والأخير للمؤتمر، وقبل البدء بالمحاضرات، صلَّينا معاً تشمشت (أي خدمة) الشهداء، وذلك لراحة نفوس الشهداء، ورفعنا الصلاة على نيّة إعلان تطويب المطران الشهيد مار فلابيانوس ميخائيل ملكي. وفي الجلسة الرابعة، عرض المحاضرون أهمّ مراحل حياته ومسيرته الدينية، لا سيّما أنّه أبى أن يترك قطيع المسيح وسيق للموت، فقبل بشجاعةٍ الإستشهاد متمسّكاً بإيمانه، ومعزّياً المؤمنين الذين كانوا يلاقون المصير عينه.

كما تناولوا أسماء مضيئةً من شهداء الإبادة السريانية، من أساقفة وكهنة وعلمانيين، لا سيّما المطرانين الشهيدين مار أثناسيوس دنحو، ومار أنتيموس يعقوب.

وفي الجلسة الخامسة، عُرضت شهادات حيّة عن المجازر السريانية، والمُلفت أنّ من بينها شهاداتٍ أرمنيةً، وهذا ما ندر. وتناول المحاضرون بإسهابٍ مجزرة كاتدرائية سيّدة النجاة في بغداد عام 2010، والتي أعطت للكنيسة شهداء جدداً من كهنة وعلمانيين. وكذلك بلدة صدد وما حصل فيها من مآسٍ أدّت إلى استشهاد نخبةٍ من خيرة أبنائها.

وفي الجلسة السادسة، انطلق المحاضرون من ما تحتويه الكتابات السريانية المخطوطة عن الشعب السرياني والتي تشهد لعراقة حضارته وعظمة تاريخه، للتأكيد أنّ الشهادة هي من ضمن حياة الكنيسة السريانية، بل هي البذرة التي تغذّي الإيمان. وبما أنّ إحدى نتائج الإبادة هي هجرة ما تبقّى من المسيحيين إلى الخارج ولا سيّما إلى أوروبا، عرض المحاضرون لما يمكن أن يكون تأثيرها على الإيمان في أوروبا، علّها تكون إرساليةً مشرقيةً للغرب، تحمل نور المسيحية للتبشير بها من جديد في العالم.

وخلصوا إلى أنّ المسيحيين المهجَّرين اليوم هم جزءٌ لا يتجزّأ من مكوّنات هذا الشرق، ساهموا في نهضة حضارته ونشرها تحت كلّ سماء.

وبعد هذا العرض الموجز لأبرز محطّات وتفاصيل جلسات المؤتمر، نرفع باسم اللجنة المنظّمة توصياتٍ نضعها أمانةً بين يدَي صاحبي القداسة والغبطة، ونوجّهها إلى كلّ المعنيين:

أوّلاً:عدم الإكتفاء كسريان بإحياء الذكرى المئوية لمجازر الإبادة، بل حمل القضية والسعي الدؤوب للمجاهرة بها حفاظاً على الهوية السريانية.

ثانياً:أخذ العبرة من استشهاد من سبقونا في مجازر الإبادة السريانية “سيفو”، والتشفّع بهم والإقتداء بسيرتهم، للتمسّك بالأرض والجذور واللغة السريانية وتلقينها ونشرها في كلّ أصقاع الأرض، أمانةً ووديعةً ثمينةً للأجيال القادمة.

ثالثاً:رغم أننا شعبٌ من دون أرض، إنّما علينا عدم الإستسلام لهذا الواقع. نحن شعبٌ ذو تاريخٍ مجيدٍ، شعبٌ ترجم الحضارة ونقلها، وهو يفاخر بدينه وانتمائه.

رابعاً:إصدار أعمال هذا المؤتمر وكلّ ما تضمّنه من كلمات ومداخلات ومحاضرات في كتاب يصدر باسم البطريركيتين السريانيتين.

خامساً:إقامة أبحاث ومؤتمرات تخدم تاريخنا المغيَّب والمهمَل لحقباتٍ عدّة، معتمدين على التاريخ أساساً لصناعة المستقبل، إذ لا يمكن القبول باستمرار الإبادة أو الإستسلام للسيف المسلَّط فوق رؤوسنا.

سادساً:التاكيد على أنّ قضيتنا هي عينها قضية الأرمن والآشوريين والكلدان وسواهم، وأنّ قوّتنا تكمن في اتّحادنا. نحن جزءٌ من كلّ، كلّنا واحد، في وجه الإرهاب والتطرّف وعدم قبول الآخر.

سابعاً: جعل جلجلة الإبادة طريقاً ودرباً للقيامة، عبر فهم المذابح كقرابين حبٍّ تُقدَّم للعزّة الإلهية، من خلالها يتعزّز رجاؤنا فوق كلّ رجاء ببريق أملٍ نحو مستقبلٍ مشرقٍ، فلا بدّ من أن تعقب النفقَ المظلمَ طريقٌ معبَّدةٌ بالورود والرياحين.

في نهاية مؤتمرنا هذا، لا يسعنا إلا أن نقدّم الشكر لله الذي جمعنا سويةً ووحّد جهودنا لنقيم هذا المؤتمر، نحن أبناء الكنيسة السريانية الواحدة الشاهدة لإيمانها المسيحي والشهيدة حبّاً بفاديها ومخلّصها.

نشكر صاحبي القداسة والغبطة مار اغناطيوس أفرام الثاني ومار اغناطيوس يوسف الثالث يونان اللذين باركا جهودنا وشجّعانا بمبادرتهما الأخوية لإقامة هذا المؤتمر كعلامة شركة ووحدة، أدامهما الله، فهما يجسّدان الراعي الصالح الواحد للكنيسة الواحدة.وباسمهما نشكر أصحاب القداسة والغبطة الآباء البطاركة وممثّليهم الذين باركونا بحضورهم وكلماتهم في افتتاح المؤتمر. ونشكر أيضاً جميع الرسميين والأمنيين والذين حضروا المؤتمر بافتتاحه وجلساته.

نشكر جامعة الروح القدس ـ الكسليك، هذا الصرح العلمي الحضاري الذي استضافنا، ونشكر جميع الذين تعاونوا معنا من أجل إنجاح المؤتمر.نخص بالذكر جميع رؤساء الجلسات والمحاضرين من أساقفةٍ وكهنةٍ وعلمانيين متبحّرين ومتخصّصين، صبغوا مؤتمرنا بالصبغة الأكاديمية العلمية المتجرّدة، ملقين الضوء على تلك المجازر التي شكّلت وصمة عارٍ كبرى على جبين الإنسانية بأسرها.

نشكر الإعلامية كلود أبو ناضر هندي وفريق عملها، وبخاصةٍ الإعلامي روي أبو زيد الذي أعدّ الفيلم الوثائقي، وجميع وسائل الإعلام اللبنانية والسريانية المرئية والمسموعة والمكتوبة التي غطّت المؤتمر، وبخاصة تلفزيون Télé Lumière – Noursat. ونشكر أعضاء جوق أبرشية زحلة والبقاع للسريان الأرثوذكس، الذين رنّموا بالسريانية متغنّين بشهدائنا الأبرار.

ويطيب لنا أن نتوجّه بكلمات شكرٍ من القلب للذين تعبوا في الإعداد والتنظيم والإدارة، نشكر نيافة المطران مار ديونيسيوس جان قواق المعاون البطريركي للسريان الأرثوذكس، الذي اضطرّ للغياب عنّا لارتباطه بمهمّة كنسية في الولايات المتّحدة، وسيادة المطران مار أفرام يوسف عبّا رئيس أساقفة بغداد للسريان الكاثوليك. نشكر اللجنتين البطريركيتين اللتين شكّلتهما الكنيستان لإعداد احتفالات ذكرى مئوية الإبادة. ونشكر خاصةً الدكتورة جويل الترك والشمّاس يوسف درغام والشمامسة الإكليريكيين من الكنيستين، وجميعهم ساندونا، نحن الأب حبيب مراد أمين سرّ بطريركية السريان الكاثوليك والأب جوزف بالي السكرتير البطريركي للسريان الأرثوذكس، في الإعداد لهذا المؤتمر.

أهّلَنا الله أن نكون شهوداً حقيقيين لإيماننا المسيحي هنا في أرض الآباء والأجداد حيث أوجدنا الله، ونؤكّد أنّ من يؤمن بالرب يسوع لن يذوق الموت أبداً، وهو إن مات، فإنه ينتقل إلى حياةٍ أبديةٍ مع الفادي الحبيب يسوع، له المجد في وحدة أبيه وروحه القدوس إلى الأبد.

يذكر أن العديد من البطاركة شاركوا بدعوة من البطريركية السريانية الإنطاكية الأورثوذكسية والكاثوليكية في الحفل الإفتتاحي لمؤتمر إبادة السريان «شهادة وايمان»، ومنهم البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعيوبطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر يازجي، بطريرك الكنيسة السريانية الكاثوليكية اغناطيوس يوسف الثالث يونان، بطريرك الكنيسة السريانية الأورثوذكسية اغناطيوس افرام الثاني، بطريرك الأقباط الكاثوليك إبراهيم اسحق، وبحضور كاثوليكوس الأرمن الأرثوذكس لبيت كيليكيا آرام الأول كيشيشيان، السفير البابوي غابرييلي كاتشا، المطارنة كيرلس بسترس ممثلاً بطريرك انطاكيا وسائر المشرق للروم الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام والمطران ميشال قصارجي ممثلاً بطريرك بابل للكلدان لويس روفائيل الأول ساكو، الوزير نبيل دو فريج ممثلاً رئيسي مجلس النواب ومجلس الوزراء، إضافة إلى لفيف من الأساقفة والرؤساء العامين والرئيسات العامات والكهنة والإكليريكيين والراهبات وفعاليات سياسية واجتماعية وثقافية، في قاعة البابا القديس يوحنا بولس الثاني في جامعة الروح القدس الكسليك.

وبعد إنشاد جوقة أبرشية زحلة والبقاع الصلاة الربانية باللغة السريانية، وقف الحضور دقيقة صمت لراحة نفوس الشهداء.

ثم كان عرض لوثائقي ألقى الضوء على مجزرة سيفو التي ذهب ضحيتها نحو 500 ألف سرياني وكلداني وآشوري في العام 1915 قتلوا ونكّل بهم وهجّروا من أرضهم على يد السلطات العثمانية.

وتخللت الوثائقي مداخلات للبطريرك يونان والبطريرك افرام الثاني أكدا خلالها وجوب الاعتراف بهذه الإبادة، لافتين إلى «أن هذه المئوية ستكون انطلاقة جديدة لمراجعة التاريخ من دون أن يكون هناك مكان للفشل لأن وجهة المسيحي هي السماء وليس المدن القائمة على الأرض».

واستذكر الحضور المثلث الرحمة الراحل البطريرك نرسيس بدروس ملتمسين من الله ان ينعم عليه بالرحمة الإلهية.
وكانت كلمة افرام الثاني الذي أكد فيها أن «ما حدث في العام 1915 لم يكن مجرد اضطهاد بل هو إبادة جماعية بكل ما للكلمة من معنى.وأضاف: «نحن نؤمن أن المسامحة هي طريقنا إلى السلام، نغفر ولكن هذا لا يعني أن ننسى. ومن هنا نحن ندعو اخوتنا في تركيا إلى الاعتراف بهذه الجريمة النكراء لكي نقيم معهم علاقات محبة ومودة. ونطالب الدول التي نعيش فيها من لبنان إلى سورية والعراق بالإعتراف بهذه الإبادة لأنه لو تنبه العالم لما كان يحدث من مجازر في بلادنا لما كنا نسمع اليوم بإبادات جديدة”.

وألقى السفير كاتشا بدوره، كلمة لفت فيها إلى أن “الإضطهادات الوحشية واللاإنسانية وغير المبرّرة لا تزال مستمرة في أكثر من مكان في العالم، وغالباً ما تتم وسط سكوت تام وعلى مرأى من الجميع”.

وقال البطريرك يازجي في كلمته «إن أبخس الأثمان في لعبة الأمم هي الدماء البريئة وحقوق الإنسان»، موضحاً «نحن هنا لنقول للدنيا إن المسيحيين معجونون بتراب هذا المشرق»، وقال: «الأقمار الاصطناعية بإمكانها سبر أعماق المريخ ولكنها تطبق بأصريها عندما يتعلق الأمر بمطراني حلب». مؤكداً «أن حماية المسيحيين تكون بإحلال السلام في ربوعهم وليس بإرسال الأسلحة او الطائرات. حماية الشرق وناسه تكون بإسكات نار الحروب وليس بإرسال بوارج للسفر أو القتال».

وألقى المطران بسترس كلمة البطريرك لحام، فأشار إلى «أن سياسة الإقصاء والإستبعاد هجرت المسيحيين اليوم من أرضهم في العراق وسورية فطردوا من هذه الأرض التي عاشوا عليها منذ 2000 سنة». وأضاف: «اللقاء اليوم هو للتنديد بما جرى في الماضي وما يجري اليوم. قيل أن ما يجري اليوم هو صراع الحضارات ولكننا نقول إنه صراع بين الحضارة والبرابرة. الله لا يمكن ان يكون إله الحرب والقتل وانما هو جوهر السلام، ومن يعيرون أنفسهم بالمؤمنين هم مشركون يستغلون الدين للسيطرة على الناس وهم كفار لا علاقة لهم لا بالدين ولا بالإيمان”.

ولخص الكاثوليكوس آرام الأول حديثه في عدة نقاط:

أ)-ماحدث عام 1915 للأرمن والأقليات المسيحيةمثل اليونان والسريان في الامبراطورية العثمانية كانت إبادة بمفهومها القانوني، رغم عدم توفر ذلك المصطلح في قاموس القانون الدولي في حينه. والتاريخ يبرهن على أنها كانت إبادة منظمة ومخططة من قبل الحكومة العثمانية.

ب)- وفق القانون الدولي، مهما تتالت الحكومات فإنها تعتبر الحكومة ذاتها. وبذلك تعتبر جمهورية تركيا هي من تلت الإمبراطورية العثمانية، وهي التي ورثت مسؤوليات وحقوق الحكومة في عام 1915. وهذا يعني أن تركيا تحمل مسؤولية ما حيال الإبادة التي نفذت عام 1915.

ج)- الإبادة هي جريمة ضد الإنسانية وفق القانون الدولي، والمبيد يبنغي مقاضاته، والابادة ينبغي إدانتها والاعتراف بها، ما يقتضي التعويض ايضاً.

د)- الأرمن والسريان يحيون الذكرى المئوية للابادة. يجب ألا ننسى أننا نطالب. وألا ننسى أنه يوجد في تركيا آلاف الكنائس الأرمنية والسريانية واليونيانة، إضافة الى الممتلكات الكنسية، بعضها مهدم، وبعضها الآخر مسلوب من قبل الدولة. ونحن نطالب بإعادتها الى أصحابها.

هـ)-مطالبنا هي قانونية سياسية وليست دينية. عاش المسيحيون والمسلمون بسلام وتعايش عبر القرون في الشرق الأوسط. ونحن مستمرون في هذا التعايش. وما يحصل اليوم في العراق وسوريا ضد الأقليات المسيحية هي إبادة. ينبغي إدانة الإبادة من قبل كل الديانات والشعوب لكي لا تتكرر.

واعتبر المطران قصارجي الكلمة التي ألقاها باسم البطريرك ساكو أن «قافلة الذين يبذلون دماءهم في سبيل إيمانهم طويلة ومستمرة»، مشيراً الى ان «الكنيسة الكلدانية قدمت 160 ألف شهيد على مذبح الصليبيين من رجال دين وعلمانيين”.وطالب «المجتمع الدولي واصحاب النفوذ السياسي والإجتماعي الإعتراف بهذه الإبادة»، مشيداً بالموقف الذي أطلقه البابا فرنسيس والذي وصف فيه المجازر التي ارتكبت بحق الأرمن والكلدان والآشوريين والسريان بالإبادة.
وقال البطريرك الراعي بدوره، «إن إبادة السريان حقيقة تاريخية موثَّقة في كتب ومخطوطات وتقارير بالعربية والسريانية وبلغات أجنبية. نحيي ذكراها لا من أجل الحقد والثأر اللَّذين ينافيان تعليم الإنجيل والكنيسة، ولا من أجل المطالبة بتعويض مالي، فالذين استشهدوا لا يثمنون بمال. لكننا نحيي ذكراهم وفاء لهم، لأنهم رووا بدمائهم كنائسنا، فعلى رغم الإبادة تقوّى المسيحيون وتنشّطت الكنائس. ألم يكن يردد آباء الكنيسة: «دم الشهداء بذار المسيحيين؟، وأيضاً دعوة للأسرة الدولية للاعتراف الرسمي بالإبادة، لكي لا تسمح بعد اليوم بارتكاب مثيلات لها، وتحفيزاً لنا وتشجيعا للمثابرة على الشهادة والإيمان في بلدان هذا المشرق، من أجل كل شعوبها، فحاجتهم الكبرى اليوم هي إلى إنجيل المسيح، إنجيل المحبة والعدالة والسلام، إنجيل قدسية الحياة وكرامة الشخص البشري، إنجيل الحقيقة والحرية والأخوة”.وتابع: «طالما لم يتم الإقرار الرسمي بالإبادة التي شملت الأرمن والسريان والآشوريين والكلدان واليونانيين في عام 1915، يضاف اليها الذين استشهدوا في لبنان في المجاعة الكبرى والذين علقوا على المشانق والذين قتلوا بحد السيف والخنجر، أو بالجوع وهم مشردون في الأودية والجبال من دون طعام وماء، طالما لم يتوافر الإقرار الرسمي بالإبادة يبقى الباب مشرّعاً أمام المجازر والإبادات المماثلة، كما نشهد اليوم في بلدان الشَّرق الأوسط، حيث التنظيمات الأصولية الإرهابية تقتل وتهدم وتهجّر، وكأنها وسيلة في يد الدول الكبرى، مدعومة منها بالمال والسلاح، من أجل مآرب سياسية واقتصادية واستراتيجية”. وأضاف: «كل هذه المجازر وهذه الإبادة هي جريمة ضد الإنسانية، ووصمة عار في تاريخها، وعلى جبين القرن الحادي والعشرين”. ورأى أنه «ينبغي على الكنيسة، برعاتها وأبنائها وبناتها ومؤسساتها أن تواصل هذه الشهادة بشجاعة من أجل حياة العالم بعامة، وبلدان الشرق الأوسط بخاصة، التي ننتمي إليها». وقال: «لا يمكن أن نضحي بالألفي سنة من حياة المسيحية في هذا المشرق، وانطلاقتها منه إلى العالم كله. ولا يمكننا التخلي عن رسالتنا مع مواطنينا المسلمين التي تتواصل منذ ألف وأربعمئة عام، وقد تخللتها سلبيات وإيجابيات، أيام فرح وأيام حزن. ولكننا خلقنا معاً، عبر اختبارات هذه السنوات، ثقافة الاعتدال والانفتاح والتنوع والعيش معاً، وبنينا تاريخاً وحضارة”.

واختتم: «ينبغي أن نعمل، بيد واحدة وقلب واحد، على شد أواصر الوحدة والتضامن بين كنائسنا، وبين المسيحيين، من أجل خدمة أوطاننا وتقدمها وازدهارها، بحكم المواطنة الأصلية والأصيلة. إن أول اهتماماتنا ينصب على مساعدة شعبنا على البقاء في أرضهم، والمحافظة عليها. فالأنظمة تتغير، والدول تتبدل، لكن الأرض تبقى، والملكية تنادي صاحبها. والأمل كبير في أن نواصل الرسالة المسيحية على هذه الارض المشرقية، ونبني عليها سلام المسيح الذي يشمل جميع الناس والشعوب. كل هذا الالتزام تدعونا إليه دماء شهدائنا الذين نحيي ذكراهم اليوم، وأولئك الذين تبعوهم على طريق «الشهادة والإيمان» حتى يومنا”.

واعتبر البطريرك يونان بدوره، أنه «لو كانت لدينا الشجاعة والرؤية للمستقبل لأن نطالب بنظام إذا لم يكن فيديرالي أقله لا مركزي في لبنان»، ودعا «إخوتنا الذين هجروا من ارضهم في العراق وسورية وأتوا إلى لبنان أن يبقوا في هذه الأرض المشرقية وأن لا يهاجروا عبر البحار”.

وفي الختام، قدمت الدروع التذكارية إلى البطاركة بعد عرض وثائقي عن تهجير المسيحيين من أرض الموصل وسهل نينوى في العراق.

Share This