كلمة وزير الثقافة العراقي في المؤتمر الدولي للسياسة الثقافية في أرمينيا

ألقى وزير الثقافة العراقي فرياد رواندزي كلمة في المؤتمر الدولي الذي أقيم في أرمينيا بعنوان “السياسة الثقافية: السياسة من أجل الثقافة، ودور الثقافة في تطور ما بعد أجندة عام 2015” بمناسبة مرور (70) عاماً على تأسيس منظمة اليونسكو، استقبلت

وفيما يلي نص كلمة وزير الثقافة فرياد رواندزي:

سيداتي وسادتي: أود أن أتقدم بالشكر الجزيل إلى وزارة الثقافة الأرمينيةاليوم أحاول أن أجلب انتباهكم من خلا كلمتي إلى موضوع ساخن لم يعر العالم الاهتمام به كثيراً .

هذا الموضوع خلف ورائه تأثيراً كبيراً على الثقافةوالأرث الثقافي والتراحم الثقافي والتطور المستدام في العراق
رغم كلّ المصاعب والأزمات التي يواجهها العراقيون منذ عقود إلا إنهم لم يتوقفوا عن الفخر ببلادهم بسبب التراث الثقافي العظيم لهذه البلاد، وكثيراً ما يجد العراقيون في هذا التراث العزاء الأمثل عما يواجهونه بل إنهم يعتمدون على هذا التراث باعتباره مقياساً لقدرة العراقي على الصمود في وجه المشاكل وهذا التراث هو أحد أهم عوامل تماسك المكونات العراقية والحفاظ على وحدة المجتمع.

العراق بلد غني بكثير من الثروات إلا ان تاريخه الحضاري وما تركه من آثار عظيمة وجميلة هو أهم هذه الثروات، أرض العراق تعاقبت عليها حضارات رائعة منحت الإنسانية نماذج استثنائية من الإبداع الفني والأدبي والعلمي والعمراني والقانوني وفي شتى مناحي الحياة الأخرى، لقد ترك لنا السومريون والأكاديون والأشوريون والبابليون تراثاً ما زال يثير إعجاب العالم وفي أزمنة لاحقة تحولت مدن كثيرة في العراق إلى عواصم للحضارة الإسلامية ومنحت الكثير من الشعوب قيمها الأخلاقية والفكرية وأنتجت تراثاً انتقل إلى العالم أجمع.
الحضارات العراقية تركت بصماتها في مختلف مناحي الحياة الإنسانية كما أنها تركت آثاراً رائعة لا تخلو منها مدينة عراقية ولا حتى قرية وفي قلب الصحراء سنجد أيضاً أبنية وقصوراً ومدناً كاملة تشهد على عطاء الإنسان في هذه الأرض، والى جوار الأبنية واللقى الأثرية والأعمال الفنية تراكم التنوع الثقافي أيضاً الذي يمثّل نتاجاً آخر لتعاقب الحضارات العظيمة، ففي العراق تتجاوز أعراق وقوميات وثقافات واديان، كانت في معظم الأزمنة تعيش في حالة من الانسجام واحترام الخصوصيات.

المؤلم اليوم إن هذا التراث الإنساني صار في مقدمة ضحايا الإرهاب، إذ تعمل الجماعات الإرهابية وبالأخص تنظيم داعش الإجرامي على تخريب الآثار العراقية العظيمة وتحطيم المتاحف وتهريب القطع الأثرية والمتاجرة فيها كما إن هذا التنظيم عمل بقسوة على تخريب التنوع الثقافي في العراق والإساءة إلى جميع مكونات البلاد المتعايشة، الإرهابيون ينفذون مجزرة بشعة بحق الحضارة الإنسانية في العراق ويحرمون الأجيال القادمة من الإطلاع على تراث خلاق لطالما دفع الإنسانية إلى المزيد من التفكير والابتكار وحقق أهدافاً راقية أسهمت في دفع الإنسانية إلى مزيد من التقدم.

التراث الثقافي لا يمنحنا فقط الفخر والمتعة بل يساعدنا في حياتنا المعاصرة أيضاً سواء في توحيد العراقيين أو في ترسيخ قيم التعايش السلمي الذي يمثل الأساس لكلّ عملية تنمية وفي التنمية المستدامة أيضاً، إذ سيبقى هذا التراث بعد استنفاد الثروات المعدنية، وستكون المناطق الأثرية أساساً للتنمية كما إن أساليب العيش التي اعتمدها العراقيون القدامى والتي تحترم الطبيعة وتحرص على ثرواتها تمثل مصدراً ملهماً للتنمية المستدامة، وقد اعتمد العراقيون فعلاً على هذه الأساليب في مواجهة الأزمات الاقتصادية وفي إشاعة الأمل والصبر وتقنين الاستهلاك وفي التعاون بين أفراد المجتمع والحفاظ على الطبيعة.

التراث الثقافي العراقي بحاجة إلى الحماية من الإرهاب، وهذا لن يتحقق إلا بتعاون دولي واسع، كما إن هذا التراث يستحق العناية والتعريف به لاستلهام قيمه الإنسانية وأيضاً للانتفاع منه في تحسين معيشة الناس مع الحفاظ على الموارد الطبيعية وهو الهدف الأول للتنمية المستدامة.

جئتكم من العراق أحمل في جعبتي هموماً إنسانية تمتد بداياتها إلى الثقافة والتراث والحضارة في بلاد الرافدين، أن همّ المجتمع العراقي، كما هم أفراده ينحصر الآن في التفكير الجديّ بالطريقة التي تمكننا من حماية الإرث الحضاري للعراقيين، ليس فقط إرث الماضي، وإنما ثقافة التعايش التي باتت في خطر جدي بسبب ثقافة العنف والقتل والتشريد والتهديم التي تنتجها داعش (ISIS).

إن هذا الخطر ليس عراقياً، وقد قلنا هذا في بداية ظهور داعش، إلا إن ردود الأفعال لم تكن قوية، والآن ما عاد هذا الخطر منحصراً ولو بدرجات متفاوتة، لكن يبقى الخطر كامناً وقابلاً للانفجار وتخريب كلّ ما هو موجود من الحضارة المنتجة من الإنسان منذ ظهوره ولحد الآن.

في ظل هذا الخطر من الصعوبة التكهن بمصير التلاحم والتلاقح الثقافي، ما لم تتضافر الجهود.. كلّ الجهود للقضاء بشكل نهائي على هذه الآفة وإلا لن يبقى معنى للثقافة والتنوع الثقافي، وتبقى التنمية المستدامة حديث المجالس والندوات، لا أدوات وأساليب وطرق التنفيذ. طموحنا في إن نحوّل التلاحم الثقافي إلى أحد عوامل التنمية المستدامة.
إنها فرصة ثمينة ونحن مجتمعون هنا في هذه المدينة العريقة (يريفان)، وفي هذا البلد الرائع (أرمينيا)، وفي ظلال تاريخ شعب عانى الأمرين، أن نستنبط المواعظ والعبر من التاريخ وأن نعمل معاً من أجل خلق حشد ثقافي ودرع حضاري لإيقاف داعش (ISIS) وإلحاق الهزيمة به، وإلا فانه سيلحق الهزيمة بنا، رغم ما لدى المجتمع البشري من إمكانيات هائلة إلا أنّ هذه الإمكانيات ما لم تستعمل وتوجه بطريقة صحيحة فانه من الصعب أن نرى شمس الإنسانية وثقافتها تشع بعد احتباسها بغيوم داعش (ISIS).

أشكركم على حسن الاستماع والى التكاتف.

وزارة الثقافة

13/7/2015

Share This