تعامل الدولة العثمانية في عهد السلطان عبد الحميد الثاني مع الشعوب الخاضعة لها على اختلاف أديانها ومذاهبها (4)

آرا سركيس آشجيان

لقد كانت سياسة الدولة العثمانية موجهة ضد الأرمن بالذات، ولم يكن هنالك صراع بين الأرمن والمسلمين، أو بين المسيحيين والمسلمين، هذا مع تردي وضع جميع الشعوب الخاضعة للحكم العثماني، مسيحية أكانت أم مسلمة.

وأود الإشارة هنا إلى أن الأتراك مع شعوب أخرى كانوا في ذلك الوقت يسمون بـ (المسلمين). وكانت كلمة (تركي) (قبل بروز الحركة القومية الطورانية) تطلق على فلاحي الأناضول، وهي دلالة على التحقير. ولم يعترف القانون العثماني بمفاهيم مثل القومية أو المواطنة. وهكذا، كان المسلم من أية خلفية قومية يتمتع بالحقوق والامتيازات ذاتها[1].

وقال الشاعر العراقي الكبير جميل صدقي الزهاوي في هجومه على السلطان عبد الحميد وفساد حكمه:

وما هي إلا دولة مستبـدة         تسوس بما يقضي هواها وتعمـل

فيا ملكاً في ظلمه ظلَّ مسرفاً         فلا الأمنُ موفورُ ولا هو يعدلُ[2]

واستخدم السلطان عبد الحميد الدين الإسلامي الحنيف وسيلة سياسية لإدامة إمبراطورية قديمة ومتفسخة. وكانت أشنع جرائمه الفردية، إعدامه سراً وزيره احمد مدحت باشا عام 1883، واغتياله عام 1897 بالسم حكيم الشرق المصلح الإسلامي الكبير جمال الدين الأفغاني، الذي أبقاه في عاصمته القسطنطينية مدة خمس سنوات تحت الرقابة خشية من آرائه ونفوذه، ثم فضّل في نهاية الأمر التخلص منه، واغتياله قبله بالسم أيضاً المطران الأرمني خورين ناربي عام 1892. والمطران خورين هو عضو الوفد الأرمني لمؤتمر برلين الذي عقد في عام 1878.

على أن المذابح التي اقترفها ضد الأرمن، كانت أفظع جرائمه العامة وأسودها في تلطيخه بالعار، حتى أنه جعلها جزءاً مألوفاً ومعروفاً من السياسة الداخلية للدولة العثمانية، إذ درج عليها من بعده خلفاؤه من عصابة الأتراك الفتيان وجمعية الاتحاد والترقي[3].

وقال الدكتور طاهر خلف البكاء[4] ما نصه: “لم تكن المسالة الأرمنية في الدولة العثمانية تحمل طابعاً دينياً، ذلك لأن هذه الدولة انتهجت سياسة الاضطهاد ذاتها مع الأقوام الأخرى الخاضعة لحكمها في أرمينيا والعراق والبلقان وغيرها من المناطق، ويتبرأ الدين الإسلامي من أعمال هذه الدولة، مثلما تتبرأ الديانة المسيحية من الحروب الصليبية”[5] (راجع أيضاً الحاشية في الصفحة 16 حول الخط الذي اتبعته الحكومة العثمانية مع أئمة المساجد المسلمين).

*قسم من ورقة عمل قدمها الباحث آرا سركيس آشجيان بعنوان “أحوال الأرمن في أرمينيا الغربية في القرن التاسع عشر وأبعاد سياسة الإبادة للدولة العثمانية إزاءهم حتى عام  1923″في المؤتمر الدولي الخاص بالإبادة الجماعية الأرمنية تحت شعار “الإعتراف بالإبادة الجماعية الأرمنية خطوة نحو السلام العالمي” الذي عقد في 23 أيار، 2015 في بغداد.

خاص لملحق أزتاك العربي للشؤون الأرمنية

[1]Islam in the Ottoman Empire, From Wikipedia, the free encyclopedia,

http://en.wikipedia.org/wiki/Islam_in_the_Ottoman_Empire

[2] المصادر العربية حول جريمة إبادة الأرمن، المصدر السابق، ص 33.

[3] مقتبس من: سمير عربش، المصدر السابق، ص ص 123-124. كذلك: آرا سركيس آشجيان، الدولة العثمانية (الإسلامية) ومحافلها الماسونية والإبادة الأرمنية

https://aztagarabic.com/archives/4720

[4] انتخب بعد احتلال العراق في 9 نيسان-أبريل 2003 رئيساً للجامعة المستنصرية في بغداد، وعُيّن في ما بعد وزيراً للتعليم العالي والبحث العلمي في الحكومة العراقية الانتقالية.

[5] مقتبس من: آرا آشجيان، “الدولة العثمانية والمشكلة الأرمنية من 1894-1916″، مجلة (لراكاغ)، مطرانية الأرمن الأرثوذكس، هيئة محبي الكنيسة، العدد 10، شباط-فبراير 2003، ص 2.

Share This