في شهر كانون الثاني ذكرى عمليات القتل الجماعية ضد الأرمن في باكو

ذكرى أخرى لمأساة متكررة عاشها الشعب الأرمني في نهاية القرن العشرين. إنها إحدى الصفحات التي تم تضليلها في النزاع الأذري-الأرمني. وهذه المرة في باكو، عاصمة أذربيجان عام 1990، حيث تم 1015bakuتنفيذ عمليات قتل جماعية بحق المدنيين الأرمن القاطنين في أذربيجان. وكل هذا رداً على نضال الأرمن الشرعي الذي بدأ عام 1988 والموجه ضد سياسة السلطات الأذرية في اضطهاد الأرمن. لم يتأخر رد سلطات أذربيجان، ففي شباط 1988 بدأت حملة التطهير العرقي ضد الأرمن من خلال عمليات المجازر المنظمة من قبل الدولة. وثم بدأت المجازر الجماعية وعمليات تهجير قسرية بشكل متزامن في كافة المناطق التي يسكنها الأرمن.

وفي الاسبوع الثاني من شهر كانون الثاني عام 1990 وصلت موجة الفظائع الى العاصمة باكو. وراح ضحية المجازر وعمليات القهر التي دامت أسبوعاً واحداً فقط أعداداً كبيرة من الأرمن، وقد اضطر أكثر من 200 ألف أرمني كانوا يسكنون في المدينة أن يتركوا بيوتهم وممتلكاتهم، وقد وجدوا خلاصهم الى حد ما في أرمينيا وروسيا. وحسب الاحصاءات، فإنه تم إجلاء أكثر من 400 ألف أرمني من أذربيجان بين الأعوام 1988-1990.

وللوقوف على هذا الموضوع من الناحية الإعلامية، نلقي نظرة على جانب من أصداء تلك الأحداث في الصحافة العالمية أثناء العمليات. حيث كتبت “الأسوشييتد برس” حينها تحت عنوان “السوفييت تستدعي الاحتياط لنزع فتيل الاضطرابات” ما يلي: “استدعت وزارة الدفاع أمس قوات الاحتياط لمساعدة 29 ألف جندي في إخماد العنف العرقي في منطقة القوقاز، والتي أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 66 شخصاً وإصابة أكثر من 220.  وقال وزير الدفاع ديمتري يازوف إن القوات الإضافية كانت ضرورية للحفاظ على النظام وفرض حظر تجول ممكن، وهو إجراء رفضته السلطات في جمهورية أذربيجان على الرغم من التقارير عن هجمات شرسة من قبل المتطرفين الأذربيجانيين ضد السكان الأرمن. فقد تم إجلاء ما لا يقل عن 10500 أرمني من العاصمة الأذربيجانية باكو، حيث بدأت الحشود الأذربيجانية بأعمال العنف يوم السبت. وحصل المتطرفون على الأسلحة الثقيلة، بما في ذلك طائرات مروحية ودبابات وصواريخ أرض/أرض، في الـ “الحرب الأهلية”، كما سماها وزير الداخلية فاديم باكاتين أمس. وفي اول تصريحات علنية له منذ أعمال الشغب في باكو، دافع الرئيس ميخائيل غورباتشوف عن قرار الكرملين يوم الاثنين لإعلان حالة الطوارئ، ولكنه قال إن المشاكل العرقية تعود الى قرون مضت. وقال في اجتماع في موسكو: “لقد تفجرت المشاكل التي تراكمت لعشرات، بل، مئات السنين، واكتسبت الطابع الذي نواجهه الآن مع دول البلطيق، ومولدافيا، والآن على هذا الشكل، تجري الفتنة العرقية الجارية في القوقاز، في أذربيجان وأرمينيا”.

وأضافت المقالة ما قاله غورباتشوف في تصريحات له بثتها الإذاعة الرسمية: “نحن مشغولون الآن في محاولة لوقف هذه العملية، لمنعها من أن تصبح أعمق وتزداد خطورة”. وأضاف: “لقد لجأنا الى استخدام القوة ضد المجرمين، ضد هذا التخريب”. وفي النهاية تشير المقالة الى أنه وفي يوم الأربعاء، سمح للقوات البالغ عددها الـ29 ألف الموجودين بالفعل في أذربيجان وجمهورية أرمينيا إطلاق النار إذا لزم الأمر لوقف القتال على التلال المحيطة بالمنطقة المتنازع عليها في ناغورني كاراباخ.

وتحت عنوان “الحشود الأذرية تهاجم الأرمن”، كتب بيل كيلر في “نيويورك تايمز – خدمة الأخبار” من موسكو، أن التقارير الرسمية وعدد من السكان الذين تم الاتصال بهم هاتفياً، أفادوا عن اندلاع العنف المدني في جمهورية أذربيجان السوفياتية، والذي أسفر عن ما لا يقل عن قتل 26 شخصاً في العاصمة باكو وعدة بلدات. حيث يضيف “ما قاله شهود عيان أن الحشود الأذرية هاجت في شوارع باكو ليلة السبت، باستخدام قوائم لعناوين مستنسخة، للعثور على منازل الأرمن وإخراجهم منها. استمرت العصابات في التجوال في الحي الأرمني يوم الأحد، وارتكبوا، حسب ما وصفته وكالة الأنباء “تاس”، الفظائع والمذابح، على الرغم من وجود فصيلة من قوات وزارة الداخلية منتشرة للسيطرة على العنف. وفي منطقة واحدة في المناطق الريفية، تم احتجاز قيادة الحزب الشيوعي بشكل كامل، لمدة خمسة أيام. وفي مجال آخر، هاجم حراس مدججين بالسلاح دورية عسكرية وسرقوا سياراتها المدرعة. وورد أن إثنين من المدن الواقعة على بحر قزوين أصبحت تحت سيطرة الوطنيين بعد أن أخليت من المسؤولين والشرطة”. وأشار الكاتب الى أن الرئيس ميخائيل غورباتشوف، الذي عاد لتوه الى موسكو قادماً من ليتوانيا، حيث حاول دون جدوى ظاهري تجنب حملة انفصال سلمية، قام بإرسال الوفود من كبار المسؤولين في الحكومة والحزب الشيوعي الى أذربيجان وأرمينيا المجاورة. وأضاف أنه “يوم السبت في تجمع حاشد في باكو، قدر بـ 130 ألف حسب وكالة “تاس”، رفعت الأصوات لدعم المطالبة بإجراء استفتاء على انسحاب أذربيجان من الاتحاد السوفياتي. إن الاضطرابات في الجنوب هي الأسوأ في إطار الخصومة القديمة منذ قرون بين الأذريين المسلمين والمسيحيين الارمن في الدرجة الأولى، منذ أعمال الشغب المناهضة للأرمن قبل عامين في المدينة الصناعية على بحر قزوين، سومغايت. القضية المركزية هي وضع ناغورني كاراباخ، وهي منطقة جبلية في غرب أذربيجان حيث يطالب الغالبية الأرمنية بضمها إلى أرمينيا”.

وبعد سبع سنوات، تم تناول الأحداث التي جرت في باكو، في تقرير لجنة “القضاء على التمييز ضد المرأة” الذي تم تقديمه في الدورة 17 للأمم المتحدة، في 17-25 تموز 1997، حيث جاء فيه: “على مدى خمسة أيام في شهر كانون الثاني 1990، تعرضت الطائفة الأرمنية في باكو، عاصمة أذربيجان، للقتل والتعذيب والسرقة والإهانة. وتم التحرش بالنساء الحوامل والأطفال، واغتصاب الفتيات الصغيرات أمام أعين الأهل، وأحرقت الصلبان على ظهورهم، وتعرضوا للانتهاكات لإيمانهم المسيحي”.

وفي 19 كانون الثاني 1990، نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” مقالاً جاء فيه: “أذربيجان ليست ليتوانيا. والقوميون في أذربيجان يتحدثون أيضاً في الاستقلال، ولكن احتجاجهم تشمل مذابح دموية ضد جيرانهم الأرمن”.

وفي 27 تموز 1990، قدمت افتتاحية صحيفة “نيويورك تايمز” رسالة مفتوحة إلى المجتمع الدولي، موقعة من قبل ما يقارب الـ 150 عالماً وباحثاً أجنبياً معروفاً، ومدافعاً عن حقوق الإنسان، الذين وصفوا مذابح الأرمن في باكو بالـ”العنصرية” التي تهدد مستقبل البشرية”.

وفي 29 كانون الثاني 1990، وبتوقيع من جون كوهان وليزا بيير من موسكو، نقرأ مقالة في “التايم” بعنوان “قصص دموية من باكو”، عن عائلة أرمنية بسيطة تعيش في باكو، “كانت على قائمة البلطجية والغوغائيين الأذريين المسلحين، وتعرض أفرادها للاضطهاد والهجوم في منزلهم حيث غادروه قسراً دون عودة”. ويصف بأنها فصل واحد من قصص وقائع مروعة حدثت في باكو، على أيدي مثيري الشغب الأذريين.

وحتى لاعب الشطرنج العالمي، الأرمني الأصل، كاري كاسباروف لم يسلم من تلك الأحداث. فقد كتبت يومها صحيفة “إل بايي” الاسبانية تحت عنوان “هروب كاسباروف الدراماتيكي” أن كساباروف وصل الى موسكو من باكو هارباً، وقال بأنه حاول إنقاذ حياة العشرات من أهله وأقربائه بإعجوبة وعاد معهم على طائرة أجرة. وأضاف أنه عاش مغامرة طويلة عندما كان يحاول التوجه الى المطار والأذريين يقطعون عليه الطريق. وأنه يتأسف لأنه ما زال يرى عذاب الأطفال في باكو.

إن أية قراءة نزيهة لتاريخ تلك الفترة، ستكشف أن القارئ أمام كم هائل من التضليل الإعلامي والتاريخي. لأن ما تفعله أذربيجان اليوم ما هو إلا عملية تجميل لصورتها أمام العالم الغربي والعربي والإسلامي. فهل تفريغ المدن وجرائم القتل الجماعية قبل 21 عاماً مضت سيبرئها أمام المجتمع الدولي؟.

14 كانون الثاني 2

Share This