كلمة وزير الثقافة اللبناني في حفل افتتاح متحف “آرام بيزيكيان” لأيتام الإبادة الأرمنية

كلمة وزير الثقافة اللبناني روني عريجي في حفل افتتاح متحف “آرام بيزيكيان” لأيتام الإبادة الأرمنية، وهو دار للأيتام تابع لكاثوليكوسية بيت كيليكيا في مدينة جبيل، “عش العصافير والذي جرى في إطار فعاليات الذكرى المئوية للإبادة الأرمنية، وبرعاية الكاثوليكوس آرام الأول كيشيشيان للأرمن الأرثوذكس في 18 تموز الجاري.

“أصحاب الغبطة البطاركة الأجلاء،

حضرة ممثل رئيس جمهورية أرمينيا،

أصحاب المعالي والسعادة والسيادة،

السيدات السادة،

ممثلاً دولة رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري ودولة رئيس مجلس الوزراء الأستاذ تمام سلام، يشرفني أن نتحلق احتفالاً بافتتاح متحف (ARAM BEZIKIAN) آرام بزكيان لأيتام الإبادة الأرمنية…متحف الذاكرة على وقوع واحدة من أبشع جرائم العصر الماضي، الباقية جمرة في الوجدان الإنساني، نحتفل هذه السنة بذكرى مرور مئة عام على ارتكابها…

هذا المتحف الذي، يُفتتح اليوم بهمة صاحب الغبطة آرام الأول، كاثوليكوس الأرمن الأرثوذكس لبيت كيليكيا، هو شاهد آخر على محاولة اغتيال أمة وتشريد شعبها ومحاولة محو حضارة وطمس تاريخ.

إنها لحظة مؤثرة برمزيتها والدلالات، اذ نسترجع أوجاع ودمعة الأطفال هؤلاء بين ضحية ويتم… وأتوقف عند انسانية السيدة ماريا جاكوبسون في حماية الطفولة تلك وتضحياتها قبل حوال قرن…

وتعود بنا الذاكرة -على ما ترويه المدونات- الى معاناة أيتام أوتهم هذه الحنايا – هنا – قيل: بلغو الأربعة آلاف طفل فروا من الجحيم والوحشية الى لبنان، ووجدوا في ميتم جبيل لحظة هناءة وخلاص وأملا جديداً بالحياة.

هذا المتحف، ذاكرة الزمن الصعب لشعب أرمينيا، بما يحتوي من وثائق وصور وما يمثل من رمزية تبقى في الذاكرة.

ذكرى الإبادة العرقية التي ارتكبها العهد الحميدي العثماني واستكملها ضباط الاتحاد والترقي، بحق الشعب الأرمني الأعزل والتي قضت على حوالي مليون ضحية رجالاً، نساء، أطفالاً وعجائز ماتوا قتلاً وجوعاً ومرضاً وتشرداً في الصحارى، هرباً إلى الدول المجاورة طلباً للأمان و منها لبنان.

الكلام على الإبادة كجريمة لم تقتصرعلى القتل الجسدي بل تعدته إلى تدمير البيوت والمعابد والمعالم الحضارية، ما يؤكد نية سحق شعب بكل مقوماته التاريخية والدينية والاجتماعية والثقافية.

إبقاء ذكرى الإبادة حية في الضمائرالأرمنية، شكل عبر التاريخ لحمة وعنصر تضامن للشعب الأرمني وعصباً لقضية محورية في نضاله تهدف إلى الاعتراف بالحقيقة التاريخية.

الحضور الكريم،

ذاكرة الأمس، وواقع حال اليوم، إبادات وجرائم وتدمير حضارات تتكرر من أرمينيا الماضي إلى سوريا وعراق اليوم…وعين قابين لا تنام!

إن الجريمة طبع عند البشر وجرائم التاريخ الكثيرة صناعة الطغاة في الأرض، وإن القانون والمحاكم الدولية والرأي العام العالمي، جميعها تظل عاجزة عن وقف الجريمة وردع المجرمين بحق الأفراد والشعوب، وتظل المساءلة المطلوبة، في كثير من الأحيان، قضية أخلاقية وموقفاً مبدئياً يذكر نظرياً – للأسف – بشرعة حقوق الإنسان…

تفادياً لتكرار المآسي ومصالحة الإنسان مع الإنسان ومع الضمير ومع الشرع، بعض المسؤولين الرؤيويين كانت لديهم شجاعة الاعتراف بالخطأ والاعتذار من الشعوب ومن التاريخ والأمثلة كثيرة. أوليس اعتذار الفاتيكان عن أخطاء الكنيسة عبر التاريخ مثالا يحتذى؟

دول كثيرة اعترفت بالإبادة الجماعية، إضافة إلى تعابير الإدانة التي أطلقها مؤخراً البابا فرنسيس…

أما لبنان وبموقف تاريخي لمجلس النواب سنة 2000 أدان بشكل صريح الإبادة الجماعية للشعب الأرمني متضامناً مع مطالبه المحقة.

مؤسف ومستنكر أن تحاول تركيا التملص من الاعتراف بهذه الجريمة لاعتبارات عدة لا تستقيم ولا تجد تبريراً لها لا في القانون ولا في الإنسانية.

إذ نتذكر اليوم هذه الجريمة الكبرى، لا يغيب عن بالنا ما عاناه لبنان في تلك الفترة العصيبة على يد السلطات العثمانية من ظلم ومآس: من مجاعة مفتعلة أدت بحياة الألاف من اللبنانيين – توفيق يوسف عواد

يصف المشهد جيدا في رواية “الرغيف”- إلى تعليق المشائق لإسكات أصوات الأحرار اللبنانيين وإرسال الشبان لأعمال السخرة في المنافي البعيدة … هل نسينا “سفر برلك” ؟؟

ماّس مشتركة للشعبين اللبناني والأرمني! وهنا لابد لي في هذه المناسبة الأليمة، من التنويه بهذا الاندماج الرائع الذي حصل في لبنان بين الشعبين.

فقد استقر الأرمن في لبنان، وانخرطوا تماما في مفاصل الحياة اللبنانية، ما ولد تناغماً خلاقاً مع النسيج الوطني الاجتماعي- والاقتصادي- والثقافي والسياسي الذي أثمر تبادعاً مفيداً، وشكل علامة إباء عند شعب أرمني رفض الاستسلام للقهر، وأبى أن يكون عالة على الشعوب التي حل بينها وشعب لبناني عاشق دائم للحرية على أرض كانت أبدا ملجأ للمضطهدين.

في الختام، أحيي جهود الكاثوليكوسية في إقامة هذا المتحف والقيمين عليه وبادرة السيد اّرام بزكيان.

تحية لجبيل حاضنة الحرف والذاكرة والتاريخ وطموحات المستقبل…

حين يوجع طفل، تذبل بنفسجة وتنطفئ شعاعة على شال نجمة.

عاشت الصداقة اللبنانية –الأرمنية.

عاش لبنان”.

Share This