مشروع الإصلاحات الأرمنية عشية الحرب العالمية الأولى (12)

آرا سركيس آشجيان

أثناء انعقاد مؤتمر لندن لحل المسألة البلقانية، توسط زعماء الدول العظمى لدى الباب العالي، استجابة للمطالب الأرمنية، مطالبين بتطبيق الفقرة 61 من معاهدة برلين لعام 1878. وتم تكليف السفراء في القسطنطينية (اسطنبول) بإعداد مسودة المشروع للإصلاحات الأرمنية. وقد أعد مشروع روسي-ألماني مشترك مؤلف من ست نقاط، يتضمن تعيين مفتشين عامين في الأناضول الشرقية من فبل الدول العظمى وبطلب من الباب العالي[1]. وكانت مهمة المفتشين هو الإشراف على تطبيق الإصلاحات.

وفي 8 شباط-فبراير 1914، جرى التوقيع على اتفاقية الإصلاحات الأرمنية التي قسمت الأناضول الشرقية إلى منطقتين إداريتين يشرف عليهما مفتشان أجنبيان يسيطران على أمور الإدارة والعدالة والجندرمة فيها، ويتمتعان بحق تعيين الموظفين من المرتبة الأدنى. وكان بإمكان الحكومة ترشيح الأسماء للأشخاص لشغل المناصب رفيعة المستوى. وكان بدخل في صلاحية المفتشين إعفاء جميع الموظفين، ما عدا الولاة، من وظائفهم. أما في ما يخص الولاة، فكان بالإمكان رفع ما يتعلق بهم إلى وزارة الداخلية العثمانية، وغن طريق مجلس الوزراء كان يمكن التوصل إلى حل مناسب خلال أربعة أيام.

وبحسب (اندريه ماندلشتام)، فإن الشيء المهم في هذه الاتفاقية أنها “وضعت الإدارة التركية لأرمينيا تحت الإشراف الدولي، مما يعني حصول الأرمن على ضمانات للعيش اللائق ببني البشر، وإن وضع الاتفاقية موضع التنفيذ كان سيعني وضع النهاية للمذابح الفردية والجماعية، وأعمال السلب، واختطاف النساء، والاستيلاء على الأراضي، ومعناه أيضاً تلاشي أحداث أخرى مشابهة كان الحكم التركي يتصف بها، الأمر الذي كان سيؤدي إلى تثبيت نظام للحكم أكثر تحضراً. ولكن/ للأسف، كان للقدر تدبير آخر، فقد أنهت ظروف الحرب الكبرى (الأولى) جميع الخطط الخاصة بالإصلاحات في أرمينيا التركية”[2].

 

معارك وان البطولية في عام 1915:

في شباط-فبراير 1915، أعلن والي وان جودت باشا “لقد سوّينا الحساب مع الأرمن والآشوريين في أذربيجان (يقصد الإيرانية، آ.س.آ.)، وبجب التعامل مع أرمن وان بالطريقة ذاتها”، وقد جاءته إمدادات عسكرية من أرضروم لهذا الغرض. وبدأت قوات الجيش والشرطة التركية في منتصف نيسان-أبريل بتنظيم المذابح في المناطق الأرمنية في ولاية وان ، وتم ذبح 24 ألف أرمني في الناحية الشمالية لبحيرة وان في غضون ثلاثة أيام فقط. وبدأ المئات من القرويين الأرمن بخوض معارك ضارية ضد القوات المهاجمة وانسحبوا نحو مدينة وان لينظموا مع سكانها المعارك الدفاعية، وبدأ التصدي لهجوم القوات النظامية والذي بدأ في العشرين من نيسان-أبريل 1915، معتمدين أمام العدو المتفوق في الرجال والسلاح على إمكانياتهم الذاتية فقط. وقد أطلقت القوات الحكومية على المدينة نحو 16 ألف قذيفة مدفع من دون أن تمس عزيمة وصلابة المدافعين عنها. وقد استمرت المعارك الدفاعية الضارية في وان 27 يوماً. وبعد أن سمع الأتراك بقرب قدوم الجيش الروسي إلى المدينة أطلقوا قذائفهم الأخيرة على المدينة وانسحبوا منها، ودخل الجيش الروسي المدينة في 19 أيار-مايس[3].

لقد كانت مذبحة وان مريعة، تلك التي ارتكبها الأتراك عام 1915 ضد المدينة التي رفعت السلاح بعد أن حاصرتها القوات الحكومية بقصد تهجير سكانها وإبادتهم. فقد تحدث أحد الصحفيين في أوائل أيلول-سبتمبر من العام 1915 عنها، وكيف أن القطع العسكرية الروسية التي جاءت لاحتلال المدينة لم تستطع دخولها بسبب من الرائحة العفنة التي كانت تفوح من جثث القتلى. كما نشر هذا الصحفي نص البرقية التي بعث بها قائد تلك القطع حيث كتب فيها يقول: “لقد دمرت مدينة وان بأكملها. أحرقت مبانيها الجيدة، أما منازلها المبنية من الطين فقد هدمت. الشوارع وأفنية المنازل مليئة بجثث الأرمن والمواشي، والأمتعة نهبت وأخذت[4]“.

وفي مواجهة حملة الإبادة، خاض الأرمن أيضاً المعارك الدفاعية في عام 1915 في زيتون، وساسون، وجبل موسى، وأورفا، وشابين كاراهيسار قبل نيسان-أبريل 1915 وبعدها.

*قسم من ورقة عمل قدمها الباحث آرا سركيس آشجيان بعنوان “أحوال الأرمن في أرمينيا الغربية في القرن التاسع عشر وأبعاد سياسة الإبادة للدولة العثمانية إزاءهم حتى عام 1923″في المؤتمر الدولي الخاص بالإبادة الجماعية الأرمنية تحت شعار “الإعتراف بالإبادة الجماعية الأرمنية خطوة نحو السلام العالمي” الذي عقد في 23 أيار، 2015 في بغداد.

خاص لملحق أزتاك العربي للشؤون الأرمنية

[1]كان المقصود من هذا التنازل (من قبل الحكومة العثمانية) وضع حد للمطالب الروسية. انظر: دعد بو ملهب عطا لله (دكتور)، المصدر السابق، ص 26.

[2] كيراكوسيان جون، الأتراك الفتيان أمام قضاء التاريخ (منذ تسعينيات القرن التاسع عشر وحتى عام 1914)، الجزء الأول، دار نشر هاياستان، يريفان، 1982، ص ص 292-296 (باللغة الأرمنية).

[3] تاريخ الشعب الأرمني، المصدر السابق، ص ص 565-567).

[4] د. كمال مظهر أحمد، المصدر السابق، ص ص 254-255.

Share This