مئوية انتصار أرمن جبل موسى (1915-2015)

(الأيام الأربعون لجبل موسى)

بقلم الدكتور نوراير مانجيان

   كانت القرى الأرمنية السبع قرى جبل موسى المليئة بالحياة تابعة إدارياً لحلب، ودينياً للكنيسة الأرمنية الأرثوذكسية في اللاذقية. وحسب إحصاء الأشمندريت موسيس وسكريجيان عام 1911 بلغ عدد سكان قرى جبل موسى 1338 عائلة 6283 شخصاً.

صدر أمر تهجير أرمن جبل موسى من قبل الدولة التركية العثمانية بتاريخ 30 حزيران 1915، وكانت المهلة أسبوع. نفذ قسم من الأرمن الأوامر، وهجروا ولم يسلم أحد منهم، قتل كلهم في طريق التهجير والبعض منهم رمياً بالرصاص في ثكنة أنطاكية.

وبتاريخ 1 آب 1915 عقد اجتماع برئاسة رجال الدين والمدنيين، وقرروا جميعاً اللجوء إلى الجبل والدفاع عن أنفسهم. وفي 7 آب 1915 هاجم الجيش التركي بالمدفعية، ولكن لاقوا دفاعاً شرساً من قبل الأهالي، وامتدت العمليات العسكرية حتى 5 أيلول 1915.

جاءت بارجة فرنسية بقيادة الأدميرال دارتنج دي فورتي وبعد مدة أتت خمس سفن عسكرية فرنسية، ونقلت أهالي جبل موسى وعددهم 4080 شخص.

في 11 أيلول 1915 تم نقل كل أهالي جبل موسى إلى سواحل ميناء بور سعيد، وتم تنصيب الخيم على رمال شاطئ بورسعيد حيث أقاموا أربع سنوات.

وبين شهري تموز ولغاية تشرين ثاني 1919 نقل أهالي قرى جبل موسى بالسفن من بورسعيد إلى بيروت وإسكندرون ثم إلى ساحل جبل موسى.

لقد كتب فرانز ويرفل رواية ( الأيام الأربعون لجبل موسى) عن هذه المقاومة البطولية، وصدرت الرواية باللغة الألمانية للمرة الأولى سنة 1932.

وتكررت طباعة هذه الرواية بالألمانية، وتمت ترجمتها إلى عشرات اللغات منها الإنكليزية والفرنسية والإيطالية والروسية والأرمينية وأخيرا التركية. وترجم هذه الرواية إلى العربية من النسخة الإنكليزية الأستاذ خالد الجبيلي.

وعمد الموسيقار التشيكي جوزيف مادية إلى تحويل مضمون الرواية إلى أوبرا غنائية، وذلك في عام 1957. كما تم تحويل هذه الرواية إلى فيلم سينمائي في عام 1982. كما تحولت إلى سيناريو وعرضت على المسرح.

صدرت هذه الرواية ضمن سلسلة المليون كتاب العالمية، وطبع منها مليون نسخة.

وفي مقدمة الكتاب كتب الدكتور عمر الدقاق ما يلي: “لقد راودت المؤلف ويرفل النمسوي-الألماني فكرة كتابة هذه الرواية في ربيع 1929 حين كان مقيما في دمشق، حيث أتيح له أن يرى جانبا من مأساة اللاجئين الأرمن الذين استطاعوا أن ينجوا بأنفسهم وأطفالهم من جحيم الموت وهول المذابح”. (الصفحة 7).

ويختم الدكتور عمر الدقاق مقدمته في الرواية قائلاً: “إن محنة جبل موسى ليست مجرد فصل من مأساة شعب أرمني قدر لها أن تحدث في زمن محدود ومكان معلوم. وهي ليست أيضا قصة الحزن والجوع, والصبر والرعب، والتهجير والعذاب، ولكنها فوق ذلك, وفي عالم تحكمه شريعة الغاب, شعلة وهاجة لكل المستضعفين في الأرض، إنها ملحمة الكفاح المرير والمقاومة العنيد ة, لكل شعب ينشد الكرامة، ويتوق إلى الحرية”.

ويقول كاتب الرواية فرانز ويرفل بلسان بطل الرواية كابرييل “كان من الممكن تسمية القرى السبع حسب المهن اليدوية التي كانت تتميز بها كل واحدة منها بدلاً من الأسماء التركية” … فهنا على طول الشاطئ السوري, وإلى مسافة أبعد قليلا في بلاد الأنهار الأربعة, كان خبراء جغرافيا الانجيل يغرمون بتحديد مكان جنة عدن”.

أما الدكتور جوهانس لبسيوس، القس الألماني يلتقي في أسطنبول مع أنور باشا وللمرة الثالثة، ويقول: “إذاً تعترفون بصراحة عن نواياكم في استخدام الحرب لإبادة الملة الأرمنية”.

كاتب الرواية وبلسان القس آرام يعبر عن موقف أرمن جبل موسى للدفاع عن وجودهم: “إني أعرف جيدا الطريقة التي سأموت فيها. وبالتأكيد لن أموت ميتة نعجة مسلوبة الإرادة … لا فأنا أرغب في أن أموت على عتبة داري وبيدي بندقية …”.

وصف المعركة: “وفجأة وفي الساعة الواحدة صباحا شاهدوا الشمس تسطع من وراء الداملاجيك. وانتشر خلفه وميض وردي اللون وعندما أخذت السنة النار تمتد فوق سفح الجبل لم يكن ثمة وقت لتفسير هذه الظاهرة. فقد أضاء عيسى المسيح شمسه وراء الجبل. أما جنود الأتراك الذين بقوا على سفح الجبل فقد انتابهم الذعر عندما رأوا هذه الأنوار المتوهجة وأدخل هذا المشهد في روعهم وجود أعداد ضخمة تفوقهم كثيرا تخرج من كل مكان. كما لو كان الشعب الأرمني كله وجميع القوافل المنتشرة على الطرق في أنحاء تركيا قد هبت هبة رجل واحد للانتقام بمشاعل وكرات نارية من حفنة من الغاشمين ومن الأعمال الوحشية التي تعرضوا لها. وبدأ هؤلاء الجنود يتراكضون إلى أسفل السفح ولم يتمكن أي ضابط من ايقافهم”. واستمرت المقاومة 40 يوماً، وقدم الأرمن 18 شهيداً.

انتصار أرمن جبل موسى: “كان الطراد الكبير (كيشين) يجثم على مسافة نصف ميل عن الشاطئ كما رأى ضباط كيشين مشهداً فظيعاً. مئات من الأيدي الهزيلة العارية تمتد نحوهم بتوسل. وقد بدت هذه الكائنات من خلال المنظار وكأنه أشباح.

أطلقت السفن الخمس صافرتها…كانت كيشين قد أخذت مسارها وراحت تخلف وراءها خطا عميقا من الزبد في البحر وكانت السفن الأربع الأخرى قد سبقتها ..”. (ص333).

أرمن جبل موسى وبعد العودة من بورسعيد زرعوا أشجار الأجاص والتفاح والليمون والبرتقال. وفي عام 1939 الحكومة الفرنسية وبتآمر مع الحكومة التركية سلمت سنجق الإسكندرون إلى تركيا، وبين 19-22 تموز 1939 هاجر 15 ألف أرمني من قراهم و135 ألف من العرب. وأفرغت قرى جبل موسى من أهلها وبقيت قرية واحدة (الوقف) فيها عدة عائلات أرمنية.

أهالي جبل موسى يعيشون الآن في لبنان – قرية عنجر(حوش موسى)- وفي أرمينيا قرية (جبل موسى). كما يعيش أبناء أهالي جبل موسى في سوريا والولايات المتحدة الأميركية وأستراليا وكندا وألمانيا، وفي كل أنحاء المعمورة..

أرمن جبل موسى ومعهم كل أبناء الشعب الأرمني حيثما وجدوا يحتفلون بيوم النصر، نصر أهالي أرمن جبل موسى، من الإبادة الحتمية يوم 15 أيلول من كل عام.

الروائي الأميركي الأرمني وليم سارويان يقول عن رواية “الأيام الأربعون لجبل موسى” بأنها “رواية معاصرة تروي محنة جميع الذين عاشوا وما زالوا يعيشون على سطح الأرض”.

وفي الرواية أغنية أرمنية شعبية بعنوان “أيام المحنة تأتي وتذهب” (ص 113) (تساخورت أورير غوكان وغيرتان)، وهي عصرية الى يومنا هذا. وأهديها للشعب السوري وأردد:

“لقد ولت أيام النكبات

كأيام الشتاء تأتي وتذهب

إن أحزان الرجال لا تدوم طويلا

مثل المشترين –يأتون ويذهبون

لا يفخر القوي ولا تدع الضعيف يشحب

لأن الحياة ستبدل مواقعها

الشمس تشع نورها دون خوف

بينما الغيوم من المحراب تأتي وتذهب

إن الحياة خان على الطريق .. آه يا مغني

والناس ضيوفها يأتون ويذهبون

والأرض تضم إليها طفلها المتعلم جيدا

بينما الشعوب الجاهلة يمكن أن تهلك وتذهب”.


Share This