مسلمون أرمن مشهورون(الأفضل سيف الإسلام.. أحمد بن الأفضل.. السعيد أبو الفتح يانس الأرمني) بقلم د. الكسندر كيشيشيان (2)

الأفضل سيف الإسلام

بعد وفاة بدر الجمالي، عين الخليفة المستنصر الأفضل أبا القاسم بن بدر الجمالي حاكماً للبلاد وقائداً لجيوشها مانحاً إياه لقب “الأفضل سيف الإسلام” وبعد بضعة أشهر توفي الخليفة. ورغم أحقية ابن الخليفة في الصعود على العرش، إلا أن الأفضل، وبسبب قوة مواقعه العسكرية والسياسية، رفع ابن شقيقته الفتي على عرش الخلافة الفاطمية باسم “المستعلي بالله” لتعزيز هيمنته على جميع مفاصل الحكم وسلمه في الوقت ذاته ولي العهد الثائر فقام الخليفة الشاب بقتله. إلا أن المستعلي لم يعش طويلاً وتوفي في عام 495 هـ= 1100م فعيّن الأفضل سيف الإسلام ابن الخليفة المتوفي صاحب الخمس سنوات من العمر خليفةً على العرش الفاطمي مانحاً إياه لقب “الآمر بأحكام الله” وطلب من الشعب التصديق على هذا الاختيار. ومنذ هذه البرهة تحيّن الأفضل سيف الإسلام الفرصة المناسبة كي يحكم البلاد فعلياً بعد تسليم الخليفة-الطفل إلى رعاية نساء  البلاط. وعندما شبّ الخليفة الآمر بأحكام الله، حاول قتل الأفضل سيف الإسلام بسبب دسائس بعض أشراف القصر إلا أن ابن عمه تصدى له مؤكداً على أن الأفضل ووالده كانا من أخلص العاملين وأصدقهم وناضلا من أجل أمن البلاد وتطورها فترة 50 سنة متواصلة. وعدا ذلك، فإنهما يحظيان على حب جميع أطياف طبقات الشعب المصري البسيطة واحترامها لذلك، فإن اغتياله يمكن أن يحرض على اضطرابات داخلية عظيمة. ورغم كون الأفضل سيف الإسلام شخصاً يقظاً جداً وصاحب شخصية قوية ويلجأ إلى الجيش وأسلحته الحديثة، إلا أنه مع ذلك اغتيل غدراً من قبل أبي عبد الله محمد البطائحي والموالين له في اليوم الأخير من شهر رمضان سنة 515 هـ أثناء مروره من على جسر بعد ضربه بالسيوف والخناجر” بناء على تأكيد ابن القلانسي. لنذكر أيضاً، أن الأفضل سيف الإسلام كان إنساناً خيّراً ومحسناً يوزع شخصياً مساعدات شتى على الفقراء والجنود. جرت مراسيم دفن رسمية كبيرة له في صباح اليوم التالي بعد غسل جثته وتكفينه. توفي الأفضل في سن الـ 57 حسب المؤرخ ابن الأثير.

كان الأفضل سيف الإسلام محباً للعلم والفنون وكانت مكتبته تحوي نصف مليون مجلداً وكان يساعد الشعراء والكتاب والعلماء الذين كرّسوا له قصائد مدح عديدة. وللشاعر العربي ابن الخضر العسقلاني قصيدة طويلة في مدحه.
كتب المؤرخ العربي ابن الميسّر بدوره حول الأفضل سيف الإسلام الكلمات التالية: “كان الأفضل سيف الإسلام يضاهي أسلافَه بعدله وسيرته الحسنة. وكان الحاكم الأول الذي منع جباية الضريبة على إرث المتوفين أو الاستيلاء على قسم منه. لقد ازدهرت الحياة الزراعية في عهده إلى درجة لم يبق شير واحد من الأرض لزراعته. لذلك، يمكن اعتبار سنوات حكمه من سنوات مصر السعيدة”. حكم الأفضل سيف الإسلام 28,5 سنة بين 487-515 هـ.

أحمد بن الأفضل

كان الموالون للأفضل سيف الإسلام يعلمون جيداً أن الخليفة الآمر بأحكام الله هو رأس المؤامرة ومدبرِها الرئيسي فقاموا بطعنه مرات عديدة بالخناجر والسيوف وقتله أثناء عبوره لأحد جسور نهر النيل في القاهرة وتوفي إثرها عام 524 هـ=1129م وهو لم يتجاوز عامه الـ 34. ولم ينسَ هؤلاء اغتيال قاتل الأفضل سيف الإسلام أبي عبد الله محمد البطائحي أيضاً.

وللخروج من هذه الحال المتوترة، اتفق أشراف الخلافة الفاطمية تسليم العرش إلى أبي المأمون عبد المجيد بن محمد بن المستنصر ومنحوه لقب “الحافظ لدين الله” وإسناد رئاسة الوزارة وقيادة الجيوش إلى أحمد بن الأفضل فمنحه الخليفة لقب “الأكمل أمير الجيوش”. وبما أن الخليفة كان يافعاً، حدّ الأكمل أمير الجيوش من حركته وصادر ثروات قصر الخليفة تعويضاً على سرقة ثروة جده ووالده وفرض ذكر اسمه في جميع مساجد مصر عوضاً عن الخليفة وخاصة وقت صلاة الجمعة بالكلمات التالية: “ناصر، إمام الحق وهادي القضاة إلى الشرع وشرع الحق واعتماده ومولى النعم ورافع الجور عن الأمم ومالك فضيلتي السيف والقلم”. قُتل أحمد بن الأفضل بالسيف بمؤامرة الخليفة الحافظ لدين الله أثناء اللعب بالكرة وجيء برأسه المنفصل عن جسده إلى القاهرة برهاناً ثم وضع الخليفة يده على ثروته. حكم أحمد بن الأفضل سنة واحدة وشهران فقط بين عامي 524-526 هـ.

 

السعيد أبو الفتح يانس الأرمني

كتب المؤرخ العربي الدكتور محمد حمدي المناوي عنه في مؤلفه ما يلي: “كان يانس أسير باديس الأرمني جد الوزير عباس الذي أهداه للأفضل قائد الجيوش. وبفضل ذكائه الخارق وبسالته الكبيرة، ترقى إلى أعلى درجات السلطة كرئيس وزراء وقائد الجيوش الفاطمية ومُنح لقب “أبو الفتوح ناصر الجيوش وسيف الإسلام”. كان السعيد أبو الفتح نشيطاً فوق التصور وقوياً ومخيفاً وبعيدَ الأفق وعميقَ الفكر فهدأت أحوال البلاد المضطربة في عهده وتعززت مواقع الخليفة الفاطمي الحافظ لدين الله. إلا أن تلك الأيام السعيدة لم تستمر بينهما فقام الخليفة بقتله بدس السم في طعامه. لم يستمر حكم السعيد أبو الفتح يانس سوى سنة واحدة تقريباً وتوفي في عام 525 هـ.

Share This