لمحة مختصرة عن أرمينيا

12036402_1177852548908055_7030697200471861867_n

تقع جمهورية أرمينيا في القسم الجنوبي من سلسلة جبال القفقاس وتحدها من الشمال والشرق جمهوريتا جيورجيا وأذربيجان، ومن الغرب والجنوب الشرقي تركيا وإيران. ويوجد معظم أراضى أرمينيا تقريبا على ارتفاع يزيد عن ألف متر فوق سطح البحر. وأعلى نقطة فيها هي قمة جبل “أراكاتز” (4095 م) واخفض مناطقها في أقصى الشمال لا ينقص عن 390 متراً.

تقع أرمينيا على نفس خط العرض مع اليونان وإيطاليا وإسبانيا ولكن مناخها قارس جاف وذلك لبعدها عن البحار وارتفاعها الكبير. فهي لا تشبه هذه البلدان إلا بوفرة الأشعة الشمسية. وصيف البلاد شديد الحرارة إذ ينمو فيه بوفرة العنب وأنواع الفواكه والمحاصيل الزراعية، أما شتاؤها فقارس البرد.

والعالم النباتي في أرمينيا يتميز بالتنوع الشديد، فتجد النباتات الخضراء منتشرة في شتى مناطق سهل أرارات. وتحتل الغابات عشر مساحة أراضيها وهي تقل في الجنوب وتكثر في الشمال.

وتنتمي أراضي أرمينيا إلى حوض بحر قزوين، وتتجمع معظم المياه في نهر أراكس الفاصل بين حدود أرمينيا وتركيا وإيران، وكذلك في نهر كور. وتستخدم مياه الأنهار على نطاق واسع لتوليد الكهرباء وري الحقول والسهول.

وباطن أراضي أرمينيا غني بالمعادن المستخرجة المفيدة حيث يتوفر النحاس والموليبدين والألومنيوم والرصاص والزنك والزئبق والذهب والفضة والحديد والكروم وغيرها من المعادن. أضف إلى ذلك الخامات اللافلزية كالصوان والمواد البركانية. تشتهر أرمينيا بمواد البناء الطبيعية ذات الخواص المدهشة، كحجر الطوف على اختلاف ألوانه والبازلت والغرانيت والخفان والرخام والملح الصخري والبرليت والخ. والرخام الأرمني مشهور بجمال ألوانه وعروقه ويستخدم بكثرة لخواصه الزخرفية العالمية.

في أرمينيا أكثر من ألف ينبوع للمياه المعدنية التي تختلف من حيث التركيب الكيميائي ودرجة الحرارة والخواص العلاجية. وشيدت على أساسها عدة مراكز علاجية في مختلف أنحاء أرمينيا. وتعبأ هذه المياه بكميات ضخمة في زجاجات وتصدر إلى بلدان عديدة.

استوطن قدامى الأرمن منذ غابر الأزمنة في المناطق الجبلية المرتفعة لهضبة أرمينيا الواقعة بين هضاب آسيا الصغرى وإيران. وكانت أول دولة أرمنية قد نشأت على أراضى دولة أورارتو في القرن السابع قبل الميلاد. وخلال القرنين الثاني والأول ق. م. كانت أرمينيا في عداد كبريات دول العالم. وفي القرن الأول ق. م. كانت عاصمتا أرمينيا أرتاشاد وتيغراناكيرت من أكبر مراكز الثقافة الأرمنية – الهيلينية، حيث قدمت على مسارحها روايات اسكيلس وسوفوكليس واوربيدس وغيرهم. وكان الملك أرتافازد الثاني (56-34 ق.م.) نجل الملك ديكران العظيم يؤلف بنفسه المسرحيات والأشعار والروايات التاريخية.

لقد عايش الشعب الأرمني نعم الرقي والازدهار والانتصار وتذوق مرارة الانحطاط والهزائم، وشاهدت البلاد قيام وانهيار إمبراطوريات عظمى. وبوجودها على ملتقى الطرق بين الشرق والغرب لعبت أرمينيا في جميع العصور دوراً هاماً في التبادل الدولي. ولكنها كانت في الوقت ذاته تفاحة النزاع بين دول الشرق والغرب، حتى أن الشعب الأرمني كان يجد نفسه مرغماً دائماً على خوض النضال المرير من أجل الدفاع عن كيانه واستقلاله وثقافته العرقية. وتعرضت الدولة الأرمنية مراراً وتكراراً لضربات الغزاة ولجور المستبدين والطغاة، فما تكاد المراكز الحضارية والعمرانية تخبو وتنهار حتى تنهض ثانية من بين الأنقاض وكأنها مارد جبار. وفي أوائل القرن الخامس الميلادي خيم على الشعب الأرمني خطر الإبادة والزوال واحتدت الغزوات من الشرق والغرب. إلا أن الشعب الأرمني صمد للمحن في هذه المرة أيضا واستعاد حيويته من جديد.

توجد على أراضي أرمينيا اليوم أنقاض الكثير من المدن والقلاع والقصور الرائعة والمعابد والكنائس والجسور القديمة وقنوات الري وأماكن صهر المعادن. تلك الآثار هي الدليل الساطع على أن جذور الثقافة الأرمنية تمتد إلى أعماق القرون. في أواخر القرن الرابع عشر سقطت آخر مملكة أرمنية في كيليكيا على ساحل البحر الأبيض المتوسط وفقد الشعب الأرمني دولته واستقلاله. وللخلاص من البطش والظلم والاضطهاد أخذ الأرمن يهاجرون بالآلاف إلى روسيا وأوكرانيا وبولندا وفيما بعد إلى فرنسا وبلدان أخرى في أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط، حيث استمر تطور الثقافة الأرمينية بعد انقطاعه في الوطن. وفي عام 1513 نشر في البندقية بإيطاليا أول كتاب أرمني مطبوع.

في منتصف القرن السادس عشر، وبعد حروب طاحنة، تقاسمت دولتان إقطاعيتان، تركيا العثمانية وإيران الشاهانشاهية، أراضي أرمينيا فيما بينهما. فاستولت إيران على المناطق الشرقية، وتركيا على المناطق الغربية منها، فناضل الشعب الأرمني ببسالة من أجل تحرير أرض الوطن من نير المحتلين الأجانب.

في عام 1828 وفق معاهدة (تركمانتشاي) بنتيجة الحرب بين روسيا وإيران، ضمت أرمينيا الشرقية إلى القيصرية الروسية. أما الأوضاع في شطر أرمينيا الغربية الذي بقى تحت حكم تركيا العثمانية فقد ازدادت سوءا على سوء، وتعرض شعبها للمجزرة واضطر قسماً منه إلى مهاجرة أرض الآباء والأجداد، بحثا عن ملجأ في الخارج للنجاة من الظلم وخلاصاً من خطر الإبادة.

في 28 أيار/مايو 1918 أعلنت أرمينيا الشرقية دولة مستقلة وما لبثت أن انضمت إلى الاتحاد السوفياتي فأصبحت في عام 1920 تعرف بجمهورية أرمينيا الاشتراكية السوفياتية. وفي عام 1991 في 21 سبتمبر مع انهيار النظام السوفياتي حصلت أرمينيا على استقلالها التام وسيادتها الكاملة وأصبحت عضوا في هيئة الأمم المتحدة.

من كتاب “جمهوريـة أرمينيـا (دليل ثقافي – سياحي)” ، إعداد وإشراف: الدكتور أرشاك بولاديان، البروفيسور في العلوم التاريخية، وسفير جمهورية أرمينيا لدى الجمهورية العربية السورية. صدر الكتاب عن وزارة الثقافة – دمشق، 2010.

Share This