مسلمون أرمن مشهورون (3) بقلم د. الكسندر كيشيشيان

زمان

 

طلائع بن رزيك

لم يمضِ على قتل أمير الجيوش أحمد الأفضل سوى 19 سنة عندما وصلت البلاد والسلطة إلى حافة الهاوية بسبب الصراعات على السلطة داخل البلاط واغتيال أمراء وضباط قادة وشخصيات سياسية كبيرة عديدة أو سجنهم أو نفيهم. ابتسم القدر لمصر ثانية عندما ظهر الأمير طلائع بن رزيك الذي كان حاكم مصر العليا وأسوان في هذا الوقت يتصف ببسالته وعدله الكبيرين. بعث إليه قاضي مدينة القاهرة أبو المعالي عبد العزيز بن الحباب رسالة على شكل قصيدة مشيراً إلى أوضاع الخلافة المتردية المصيرية واغتيال الخليفة. فأسرع طلائع بن رزيك على رأس قواته الرافعة الرايات السوداء وعلّق شَعر النساء المرسل من العاصمة على رؤوس الحراب الطويلة كإشارة لتلبية طلب نساء البلاط ومساعدتهن وقتل المجرمين. وبعد وصوله إلى القاهرة، دفع رزيك فدية كبيرة لصليبيي سوريا لتسليم الناصر قاتل الخليفة الظافر فقام هؤلاء بوضعه في قفص من حديد وإرساله إلى رازيك الذي سلمه إلى نساء البلاط اللواتي قمن بقتله بعد تعذيبه بقسوة ثم قاموا بدق المسامير في جثته وتعليقه على بوابة زويلة حول سور مدينة القاهرة القديمة. ركّز طلائع بن رزيك بعدئذ كامل السلطة بين يديه بعد تبوئه لمنصبي رئيس الوزراء والقائد العام لجيوش الخلافة الفاطمية لأن الخليفة كان لا يزال طفلاً. مُنح أمير الجيوش لقب “الملك الصالح أبو الغارات طلائع بن رزيك”. يؤكد المؤرخون العرب عن أصله الأرمني وأنه ولد في أرمينيا التاريخية في عام 495 هـ ومنذ صغره درس العلوم والفنون واعتنق الإسلام. وبعد عودته إلى القاهرة من أسوان فرض الأمن والاستقرار في البلاد وأخضع المؤامرات بيد من حديد فمُنح لقب “السيد الأجل الملك الصالح ناصر الأمة كاشف الغمة أمير الجيوش سيف الإسلام غياث الأنام وهادي دعاة المؤمنين أبو الغارات طلائع بن رزيك الفائزي كافل القضاة”. حكم طلائع الدولة الفاطمية كأي ملك مطلق الصلاحية وترك رعاية الخليفة القاصر لعمته وكان يمضي أمسياته مع العشرات من رجال العلم والأدباء وكان بدوره يقرض الشعر ويلقي قصائده على مسمع هؤلاء وكانت موضوعاتها تدور عن الحب والشعور الإنساني السامي بشكل عام.
رشت عمة الخليفة بعض العسكريين والسياسيين بـ 50,000 ديناراً ذهبياً وحاولت قتل طلائع بن رزيك إلا أنها فشلت فقام باعتقالها مع المتآمرين وأعدمهم جميعاً. وبعد وفاة الخليفة في عام 555 هـ=1160م، رفع طلائع بن رزيك محمد بن يوسف بن الخليفة الحافظ بالله على العرش ومنحه لقب “العاضد لدين الله”. ثم تقرّب طلائع من العاضد، الذي كان في الحادية عشرة من عمره، وزوّجه من ابنته مما سبّب سخطاً كبيراً لعائلة الخلفاء وأشراف البلاط وكانت العاقبة التآمر عليه من قبل الموالين لعمة الخليفة الصغيرة وقتله بالسيوف والخناجر غدراً وجرح ابنه رزيك. لم يتوفَّ طلائع مباشرة، لذلك، طلب من الخليفة الطفل تسليم عمته له وأمر بقتلها وقبل وفاته طلب من الخليفة تعيين ابنه رزيك في منصب رئيس الوزراء ومنحه لقب “مجد الإسلام الملك العادل” وبعد بضع ساعات لفظ طلائع أنفاسه الأخيرة.
خصص المؤرخون العرب صفحات رائعة عن الملك الصالح أبو الغارات طلائع بن رزيك لأنه كان قد أعلن “الجهاد المقدس” ضد الصليبيين واستولى على أسطولهم الحربي في عام 550 هـ. حكم طلائع بن رزيك مدة 7 سنوات في الأعوام 549-556 هـ.

رزيك بن طلائع

بعد التئام جراحه، اتجه رزيك بن طلائع إلى بلاط الخليفة العاضد لدين الله الذي أجلسه على كرسي رئاسة الوزراء ثم قام بقتل جميع مَن اشترك في مؤامرة اغتيال والده بناء على معلومات الخليفة وعمه سيف الدين حسين بن الملك الصالح طلائع. يشهد المؤرخ تغري بردي أن رزيك بن طلائع حكم البلاد مدة 1,5 سنة فقط بكل حزم وحصل على محبة الشعب المصري واحترامه لأنه كان قد باشر في تخفيف همومه المادية والحياتية. وكانت مواقع رزيك بن طلائع راسخة لأن معظم أفراد قواته كانوا من الضباط والجنود الأرمن الأشداء تحت إمرة قائد عربي. مع ذلك، لم يستمر هدوء الأحوال السياسية طويلاً فدب الخلاف بينه وبين الأمير شاوور بن مجير السعدي الذي كان أحد الحكام المعينين من قبل الخليفة في إحدى مقاطعات البلاد بدون استشارة أمير الجيوش فكانت العاقبة، إزاحته عن منصبه من قبل رزيك بن طلائع. إلا أن الأمير شاوور قام بتجهيز جيش كبير وبعد دحر جيش رزيك قام بأسره مع شقيقه جلال الإسلام وأمر بسجنهما. حاول رزيك الفرار من معتقله فقام شاوور بقتله للحيلولة دون ظهور عواقب مستقبلية وأبقى على حياة شقيقه. حكم رزيك بن طلائع مدة سنة واحدة وأربعة أشهر بين 556-558 هـ.

Share This