صفحات من كتاب “تاريخ حلب” للأسقف أردافازت سورميان، مطران الأرمن الأسبق في حلب، (1925ـ1940) (1)

ينفرد “ملحق أزتاك العربي للشؤون الأرمنية” بنشر صفحات كتاب “تاريخ حلب” للأسقف أردافازت سورميان، مطران الأرمن الأسبق في حلب، (1925ـ1940)، وقد ترجمه عن الأرمنية الدكتور ألكسندر كشيشيان. وسنورد تباعاً أقسام الكتاب:

القسم الأول- ويشمل: حلب أو بيريا في الكتب المقدسة والقرآن الكريمـ تسمية المدينة ـ موقع المدينة ـ التشكل الجغرافي والجيولوجي ـ نهر المدينة والبحيرات القريبة ـ المناخ.

حلب أو بيريا في الكتب المقدسة والقرآن الكريم

“بيريا السورية” أو المعروفة باسم حلب هي المدينة التاريخية القديمة جداً فقد ذكرت في الأصل اليوناني من كتاب المكّابيين الثاني (13-4) ولم يأت ذكرها في النسخة المترجمة إلى اللغة الأرمنية الكلاسيكية القديمة Krapar أو يشار إلى اسمها بشكل مباشر في ال Vulgata. . .

ذُكر في النص بأنه عندما مشى أنطيوخوس الخامس Eupator أو بالأحرى عندما سار وصيه لوسياس بجيوشه على يهوذا المكّابي في عام 163ق. م. اختلط الزنديق المنافق Menelas بصفوف الجيش المهاجم للاستيلاء على السلطة الكهنوتية بمساعدة مريديه. ولوسياس الذي كان على يقين بأن هذا الشخص الطموح والمؤذي كان أحد الأسباب الرئيسية للعصيان الكبير الذي انفجر في بلاد يهوذا فقد أمر الملك بسوقه إلى بيريا. وتغض ال Vulgata النظر عن ذكر اسم المدينة وتكتفي بالقول “inoedemloco” أي في المكان ذاته دون ذكر اسم أي موقع. ويمكن شرح هذه الحادثة بوجود فجوة في الأصل اللاتيني للنص. وهناك في بيريا,حيث كانت القلعة الحالية مبنية على ارتفاع 50 ذراعاً=حوالي 26 متراً,برج مملوء بالرماد فقد ألقى ميلياس بنفسه داخله انطلاقاً من تقاليد البلاد ومات مختنقاً.

في القرآن الكريم تلميح حول حلب. وللمدينة شهرة كبيرة جداً في التاريخ وذلك لسببين رئيسيين:سبب عام وآخر خاص. أما السبب العام فإنه متصل بأحاديث الرسول محمد وذلك لوجود قناعة راسخة لدى المسلمين بأن البلاد المقدسة المذكورة ما هي سوى سوريا التي تضم مدينة حلب بمناطقها المجاورة. والرواية الأكثر توثيقاً ورسوخاً هي لابن الشداد الذي بعد حديثه عن سوريا في كتاب له حول حلب يقول: (الأحاديث النبوية الشريفة العديدة تشهد بأفضلية سوريا على جميع البلدان. لذلك إنْ أخذنا حلب بعين الاعتبار فإننا نجد بأن مكانتها بالنسبة لسوريا هي كحجر المفتاح في القوس والقلب للصدر والبؤبؤ للعين)). ومن الأدلة الرئيسية الأخرى لدى المؤرخ على سبيل المثال تلك الحقيقة بأن حلب هي إحدى مناطق إبراهيم الخليل السكنية حيث بقي مدة طويلة من الزمن بعد نزوحه من موطن ولادته في حرّان ثم من القدس. وقد سميت المدينة حلب لأن إبراهيم كان يحلب عنزاته فيها. ويستطرد ابن الشداد قائلاً بأنه عندما دخل إبراهيم إلى حلب لم تكن المدينة قد شيدت بعد فضرب خيامه على التل أو البرج الذي تحول لاحقاً إلى حصن. ويقال أنه كان كثير السفر بين القدس وحلب والدليل على ذلك وجود مقامه على نقطة عالية من قلعة حلب الذي حُوِّل الآن إلى جامع ويؤمه زوار عديدون من جميع الملل. وقد أقيم مقام آخر لذكرى إبراهيم الخليل فوق المقام الأول باسمه أيضاً. وهذا المقام مكان مقدس و”غني ببركات الأب إبراهيم” وهو من المواقع التي تزار كثيراً. وفي المقام جرن حجري مجلي يشبه الدلو ويقال أن إبراهيم كان يطلب من رجاله ملأه بلبن خرافه العديدة. ويذكر الهروي ذلك أيضاً في كتابه “كتاب الزيارات”.

وصلتنا رواية ثانية من عبد الله بن عمر تقول: (إن أصلح الناس بين الصالحين على وجه البسيطة هم الذين يقطنون ضمن حدود إبراهيم. ويستنتج من ذلك أنه لا يزال المنتخبون من الناس في العالم يعيشون في حلب. ومن هذا المنطلق أرجحية حلب مقارنة بغيرها من المدن)).

هناك دليل بارز آخر أيضاً وهو أفضلية قنسرين التي تقع في وسط مقاطعة حلب وهي من المدن التي اختارها الرسول محمد r للاغتراب فيها. فيُذكر أحد الصحابة حديث النبي التالي له: (قيل لي بأن المدن الثلاث التي ستذهب إليها هي تلك التي ستعيش فيها كلاجئ وتحديداً المدينة المنورة والبحرين وقنسرين)). وقد استشهد الطبري بهذه الأقوال بدوره.

في كتاب ابن الشداد حول تاريخ حلب نجد معلومات تؤكد على أن قنسرين كانت تمتد على مساحة واسعة وتضم مدينة حلب بالذات. ويقدم أبو هريرة رواية نجد فيها ((تفضيل الرسول محمد r مدينة حلب على غيرها مؤكداً بأن الوقت سيأتي عندما سينزل البيزنطيون إلى منطقة العمق ويستوطنون فيها ولكنهم سيخرجون من المدينة عندما يقوم جيش مؤلف من أحسن رجال الدنيا بمهاجمتهم)). وهذه المدينة التي سيخرجون منها هي حلب لأنها تقع في هذه المنطقة المذكورة. ودون أدنى ريب تنتمي مدينة حلب حسب قول الرسول إلى البلاد المقدسة التي هي الأفضل بين جميع البلدان لأن معاد بن جبالا ترك رواية يؤكد فيها بأن البلاد المقدسة هي تلك التي تقع بين العريش والفرات. . . .

يتحدث ابن الخطيب في هذه المناسبة حول قناة ونهر حلب. لقد فضّل أمويون عديدون مقاطعة حلب للعيش في ربوعها على الرغم من طيب الحياة في دمشق وسحرها. ومن المعلوم أيضاً بأن الإنسان يهجر موطنه عندما يجد مدينة أجمل. ومثالنا على ذلك أن هشام بن عبد الملك انتقل إلى الرصافة للاستيطان فيها بسبب مناخها الصحي مقارنة بالمقاطعات الأخرى وبذلك فضّلها هشام على دمشق. وبالمنطق ذاته جاء عمر بن عبد العزيز للسكن في خناصر وسكن مسلمة بن عبد الملك أيضاً في الناعورة حيث شيد قصراً بحجر البازلت وقطن فيه ولده من بعده. واختار حاكم سوريا العام صالح بن علي بن عبد الله بن العباس حلب موقعاً لسكنه و شيد خارج المدينة وعلى الجهة الشرقية منها في بتياس قصراً حيث ولد أطفاله. ومن أسباب اختيار جميع هؤلاء مدينة حلب مناخها الصحي والمعتدل وأسوارها المحصنة جيداً لذلك قام جميع هؤلاء ببناء قصورهم المشهورة في المدينة.

يقول ابن الشحنة أن حلب تنتمي إلى الإقليم الرابع وهو الأكثر اعتدالاً بين الأقاليم السبعة من حيث نظافة الجو والمياه الفاخرة وتربتها الخصبة ومعروف عن سكانها بأنهم الأكثر تأقلماً للظروف الحياتية.

يمكننا الحديث الآن حول المؤسس الأول للمدينة. يقول ابن الشداد: (روى لي بهاء الدين محمد الحسن بن الخشاب الحلبي التالي: (وجدت المعلومة التالية في عام 1020-1021 في كتابة يونانية منقوشة على قوس قرب باب أنطاكية فاستفسرت عنها فقال لي الحسين بن إبراهيم الحسيني الحرّاني بأن والده ذهب إلى مكان الكتابة برفقة أبي صدر الكسيبي وقام أحد الأشخاص الذي يعرف قراءة اليونانية بنسخ الكتابة حيث جاء النص التالي:”أُسست هذه المدينة عندما كان العقرب في قمة صعوده وعطارد قريب ليتبارك اسم الرب. بنى أمير الموصل هذه المدينة”. ثم استطرد قائلاً: (أرسل لي محمد الكتاب الذي استخلص منه بعض المعلومات ووجدت بأن الأدلة صادقة تماماً أنا ابن الشحنة المؤرخ قلت:وإن كنت غير مخطئ فإن أمير الموصل هو سلوقوس الذي ينعته اليونانيون Sardanabagh وقد قرأت الكتاب لمؤلفه الطبيب المسيحي أبي نصر يحيى بن جرير التكريتي الذي يتكلم حول تأسيس الممالك المتعاقبة المختلفة وولادة النبوءات وتاريخ تأسيس المدن وجميع الأحداث المتعاقبة من آدم حتى الخلافة الأموية)). . . .

     يمكن نقل أحد هذه الأحداث الرئيسية هنا بعد ترجمته حرفياً: (حكم سلوقوس الموصْلي مملكة الموصل مدة 45 عاماً ويصادف تاريخ صعوده على العرش بسنة 3989 لآدم وهو الذي شيد مدينة حلب بعد وفاة الاسكندر الكبير بإثنتي عشرة سنة. وبناء على شهادة أخرى في السنة الأولى لتولي الإسكندر الحكم أُعلن عن سلوقوس الملقب بالنيكاتور ملكاً على سوريا وبابل وهو الذي بنى تباعاً مدينة سلوقية وأفامية والرها وحلب واللاذقية. ويروي مصدر معاصر أن سلوقوس نيكاتور,الذي كان يحكم سوريا وبابل ومناطقهما المرتفعة, كان سورياً. وبعد وفاة الإسكندر أُعلن عن ابن لاكوس ملكاً في السنة 13 لبطليميوس وفي هذه السنة أيضاً شيد سلوقوس مدينة اللاذقية وسلوقية وأفامية وحلب أو بيريا والرها وأنهى في الوقت ذاته بناء أنطاكية التي كان قد شيدها أنطيوخوس بعد وفاة الاسكندر بست سنوات)).

     يستطرد المؤرخ ابن الشحنة قائلاً: (وجدت في أحد الكتب أن مجموع السنوات بين خلق آدم وعهد الإسكندر الكبير هو 5221 سنة حسب التقويم اليوناني مما يدل على أن باني حلب لم يكن سلوقوس بل قام بإعادة بنائها فقط لأنها كانت في حالة خراب. . . ويقول هذا المؤرخ في مكان آخر: (تتطابق تسمية سوريا الحالية مع سوريا القديمة التي كانت تتألف من مدينة حلب ومناطقها في الحص. ونجد الآن في منطقة حلب مدينة في حالة خراب تدعى سوريا “أسرية أو سيريان القديمة”التي أُخذت منها اللغة السريانية وأبجديتها. وسنتكلم حول ذلك في فصل آخر)).

       يقول ابن العديم في كتابه “بغية الطلب في تاريخ حلب”: (هذا ما كتبه الإدريسي مستخلصاً من كتاب “تاريخ أنطاكية”. ومؤلف هذا الكتاب المسيحي الذي كتب باللغة السريانية يقول:حكم بطليميوس الحكيم حلب بعد الإسكندر وهو الذي شيد سلوقية وأفامية والرها واللاذقية وبيريا وهذه الأخيرة هي حلب ذاتها. وبطليميوس هذا هو سلوقوس الحكيم لأن اليونانيين كانوا يسمون جميع ملوكهم في تلك الحقبة “بطليميوس” والفرس “خسريوس” والبيزنطيين لقب “قيصر”)).

     يُعتقد أيضاً بأن اسم مدينة حلب جاء من اسم شخص يدعى حلب بن المهري بن حمص بن المكنّف بن جنان. ويقال أيضاً بأن المدينة كانت معروفة لدى السبئيين ب “مدينة الأطباء”. و بعد أن يقص الحراني في الرواية الرابعة حول اجتياح الحبشيين والفوضى التي سادت بعدها يقول: (تقدموا حتى نهر الفرات عندما كانت مدينة الأطباء مابوك أي حلب في أحوال أمن مطلق)). ونجد هنا تشويشاً بين الاسم والمكان لأننا نعلم أن Mabok هو الشكل الأرامي لاسم Bambis (Herapolis) مدينة منبج الحالية. والمؤلف ذاته يقول في قصته السادسة: (وأنتِ يا Mabok(أي حلب) يا مدينة الأطباء سيأتي ملك ليقطن في ربوعك ويرفع أسوارك ويساعد على ازدهار أسواقك ويفجّر ينابيعك. . )). وعندما شرع يوسف الثاني بتشييد أسوار المدينة وأبراجها أقام سوقين واسعتين شرقي الجامع الكبير وخصص إحداهما لتجار الحرير والسوق الأخرى للنحاسين. ويقول بهاء الدين أبي محمد الحسن بن إبراهيم بن سعيد بن الخشّاب الذي كان حلبياً ومن أعيانها: (أخاف من الملك الذي سيستوطن في هذا المكان ويطور الأسواق أن يغتصب المدينة منّا وكما كان متنبأاً جرى ما كان منتظراً وذلك في عام 1260 للمخلّص)).

  1. Sauvaget (“Les Perles Choisies”d’Ibn ach-Chihna) I, Beyrouth-1933, p. 7-18

“الدر المنتخب في تاريخ مملكة حلب” لابن الشحنة

     يكتب شيفالييه دارفيو Chevalier D’Arvieux القنصل الفرنسي في حلب أن المدينة في قديم الزمان كانت تدعى بيريا والسوريون لا يزالون يذكرونها بهذا الاسم في كتاباتهم الكنسية. ويشير سترابون بأن سلوقوس نيكاتور هو بانيها ويؤكد زونوراس بأن حلب طوَّقت من قبل الروماني أركيروبولوس. ونجد في مستندات الإجتماعات الكنسية Counciles أول رسالة سينودية خاصة بسوريا قام بالتوقيع عليها ثيوسيسدوس أسقف مدينة بيريا جارة أنطاكية. ويخلط Marius Niger المدينة بأنطاكية بينما يضعها الجغرافي بطليميوس في موقع أكثر دقة أي بين أنطاكية وهيرابوليس وتبعد الواحدة عن الأخرى مسافة يوم واحد. ويعتقد بعضهم أن هليوبوليس كانت موجودة وأن المدينة أصبحت مقدسة بسبب سكن إبراهيم الخليل فيها لذلك سميت ب”المدينة المقدسة”. ويروي Ortelius في كتابه المعنون “كنز الجغرافيا” بأن المدينة كانت تسمى”خاليبين” أيضاً وتقع في ذلك القسم من سوريا الذي يسميه بطليميوس ب “خاليبيت” الغنية بمناجم الحديد والنحاس. وهذه المناجم هي التي تؤمن احتياجات المنطقة إلى جانب دمشق. ويتسائل شيفالييه دارفيو في كتابه قائلاً: (لا أعلم من أين وجد غليوم ده تير بأن المدينة كانت تسمى Nerea عدا إحدى خرائط بطليميوس الذي حدد المدينة في مكانها الحالي. وكانت بيريا إحدى أسقفيات سوريا السبع لأن بيريا التي جاء ذكرها في الفصل 17 من أعمال الرسل,حيث بشّر التلميذ بطرس بالمسيحية لعدد كبير من الناس,ليست مدينة حلب التي نعرفها دون شك بل هناك مدينة بيريا أخرى قرب ثيسالونيكا حيث ظل التلميذ فترة طويلة يبشر بين اليهود. وقد جاء ذكر بيريا في تاريخ الصليبيين وكان للمدينة في ذلك القرن أمير قوي ومن المستغرب أن الصليبيين الذين قطعوا مسافات كبيرة ووصلوا حتى الرها وما بين النهرين لم يتمكنوا من احتلال بيريا. ومع ذلك نجد بعض الميداليات الرومانية القديمة تؤكد على مرور الرومانيين من هناك لمحاربة البارثيين أو الفرس)).

Chevalier D’Arvieux (Mémoires) IV,Paris-1734,p. 432

تسمية المدينة

       يضيف ابن الخطيب في القسم الأول من تاريخه المخصص لأسماء مدينة حلب المختلفة ومؤسسها وألقابه بأن اسم مدينة حلب باللغة اليونانية هو Barua أو Bayru ويسميها الصابئة Maboug والعرب حلب. وهناك خلاف حول أصل التسمية الأخيرة للمدينة. ويقال بأن المدينة سُميت باسم مؤسسها المدعو حلب بن المهري بن المكنَّف بن الجان. ويقدم ابن الخطيب رواية شعبية أخرى حول تأسيس المدينة قائلاً: (يُروى بأن حلب وحمص وهما ولدا مهري بن حمص بن جاني بن مكنَّف شيدا مدينتي حلب وحمص فسميتا باسميهما كما رأينا سابقاً)). وبعد ذكر التفاصيل الخاصة بأمير الموصل التي تعود إلى ابن الشداد يستطرد ابن الخطيب قائلاً: (يقول آخرون حول تأسيس مدينة حلب بأنه عندما تمت السيطرة على بلادهم قُسمت على الشكل التالي:اختار ملوكهم عمان وجرش كموطن سكن لهم في منطقة الغور. وكانت قنسرين في تلك الحقبة مدينة مزدهرة جداً لكنها كانت تدعى سوريّا لا قنسرين. وأنا,يقول ابن الشداد,كنت قد ذكرت قبل الآن أن اسم سوريّا يُفهم منه كامل مساحة سوريا أي حلب ومناطقها. ويظهر من ذلك أن اسم قنسرين كان يستخدم في معظم الأحيان بمعنى حلب. والجبل الذي يحمل الآن اسم سيوان كان يسمى جبل نبو والقرية الحالية كفر نبو على اسم الإله المعبود في المنطقة. وإن الصروح التي نراها حتى يومنا هذا في الجبل هي من عمل هؤلاء الذين كانوا يسكنون حول ذلك التمثال. وجاء ذكرها أيضاً في كتب اليهود فأمر الخالق أحد الرسل بتدمير الصنم)). ويستطرد ابن الشداد في هذه المناسبة قائلاً بأن القبة الكبيرة الموجودة في الموقع ليست سوى قبة المعبد الوثني ولم يأت ذكرها في كثير من الكتب. وعدا هذه الشهادة يضيف المؤرخ أيضاً بأنه عندما أضحى سلوقس الأشوري ملك الموصل,وكانت نينوى مدينتها الرئيسية في تلك الفترة الزمنية,كان حلب بن مهري بن مكنف بن جاني صاحب بلاد قنسرين وهو الذي وضع مخطط حلب فدُعيت باسمه وجرى ذلك في عام 3962 من خلق آدم. وقد حكم سلوقوس مدة 30 عاماً وأقام المدينة الحالية بعد 549 سنة من هذا التاريخ عندما سار إبراهيم الخليل نحو سوريا بسبب الاضطهادات التي تعرض لها من قبل Ramis ملك آشور الرابع. وقد حكم راميس مدة 39 سنة في المدة التي تفصله عن آدم أي في عام 3423. وقد تعرض إبراهيم لمضايقات رهيبة فأُكره على الهرب مع أتباعه نحو حران. وبعد خروج موسى من مصر وأسر الشعب اليهودي في سيناء من قبل الفرعون وفيضان البحر الأحمر ب 110 سنوات كانت مدينة حلب مدينة عامرة. ومن الأسباب الرئيسية لازدهار المدينة المعاملة الحسنة التي وجدها الحكام الجدد في سوريا من قبل خلفاء موسى. ويشوع Hesu بن نون الذي عُينه موسى خليفة له هاجم Yerikov (مدينة جرش-المترجم) في الغور وقام باحتلالها وأسر وقتل العديدين من سكانها وأمر بحرقها ثم هيمن على بلاد عَمان فاضطر حكامها على النزوح عن تلك البلاد واتجهوا شمالاً إلى سوريا أو صوبا التي هي قنسرين. وقد أقام هؤلاء في حلب وشيدوا فيها قلعة لسكناهم. وقد استمر هؤلاء بالتمركز في مدن هذه البلاد حتى أرسل الله داووداً فأخرجهم من هناك)).

     يقول بن الخطيب: (كانت حلب مزدانة بالأشجار العديدة المختلفة كما جاء لدى بن ملّة وكانت بنقوسة تحيطها الغابات. ولكن عندما وصل الإخشيد إلى حلب أمر بقطع أشجارها وطوّق المدينة ثم قام باحتلالها وقفل راجعاً إلى مصر. ثم جاء بعده سيف الدولة الذي استمر في قطع الأشجار إلى درجة لم تبق شجرة واحدة غير مقطوعة. ويقول ابن الخطيب:أن هاجي يارود الذي كان رجلاً مسناً في ذلك الوقت أشار إلى قاعة تقع في دار أهله مغطاة بسقف خشبي. وكان والده قد قال له: يارود هل ترى هذا السقف؟ إنه كان مغطىً بخشب بنقوسة)).

     يذكر المؤرخ العربي المرموق ابن الشداد بأنه قرأ رواية شعبية تشير إلى أن تسمية حمص وحلب وبردعة جاءت من بني مهر وهم من أبناء حمص.

     ذكر ابن الحقي في كتابه “مختصر البلدان” بأن حلب وحمص وبردعة كانوا ثلاثة أشقاء فقد شيد كل منهم مدينة باسمه. وعدا هذه الرواية هناك رواية أخرى تقول بأن إبراهيم الخليل كان يحلب خرافه حول تلك التلة التي تقوم عليها القلعة الحالية في وقت معين من اليوم والأشخاص الذين يقتربون منه كانوا يقولون “حلب إبراهيم” فأخذت المدينة تسميتها من هنا.

     في رواية أخرى مكتوبة لابن العديم جاء: (من المؤكد بأن حلب اسم علم عربي سميت به تلة القلعة أولاً قبل ظهور المدينة حولها. وعندما كان إبراهيم الخليل يأتي إلى البلاد المقدسة سوريا كان يأوي قطعان ماشيته ويحتفظ بمتاعه في التلة قبل ذهابه إلى منطقة الفرات والجبل الأسود وكان على سفحها بعض الرعاة مع خرافهم وماعزهم وجوامسهم التي اصطحبوها معهم. وعندما علم فقراء البلاد بوصول إبراهيم جاؤوا إليه من جميع مناطق سوريا الشمالية للاستفادة من كرمه الشهم لذلك كان إبراهيم الطيب يأمر الرعاة بحلب الحيوانات ليل-نهار ويوعز إلى أولاده وأسراه بتحضير الطعام. وعندما يكون الطعام جاهزاً كان إبراهيم يقسّمه ويرسله إلى الطرق القريبة من التل لتقديمها صدقة للفقراء والمحتاجين. وعند وصول الطعام كان هؤلاء يصرخون:حلب إبراهيم خرافه ثم يتراكضون نحو الطعام. وقد بقيت هذه التسمية للقلعة فترة طويلة وكانت في وقت من الأوقات تلة بسيطة.

     يقول المؤرخ ياقوت: (يجب التأكيد بأن إبراهيم والسوريين في تلك الأيام لم يكونوا عرباً بل تعرّب أحفاده من ابنه إسماعيل وأبناء قحطان فقط. ولإبراهيم الخليل مقامان محترمان جداً ويحج إليهما الزوار حتى يومنا هذا)).

     بسبب لون تربة وأحجار حلب سميت القلعة والمدينة ب”الشهباء”ومعظم أبنية حلب مشيدة بالحجر الأبيض. ويقول المؤرخ اليعقوبي بأن((مدارس وتحصينات ومعظم أبنية حلب الحالية مبنية بالحجر الأبيض ويميل لون التربة إلى الأبيض واللون الأبيض يلفت النظر عندما يرى المرء المدينة من نقطة عالية)).

     بناء على بلينوس وسترابون وثيودورا تقع بيريا السورية في منتصف الطريق تقريباً الممتدة بين مدينتي أنطاكية وهيرابوليس. وبناء على الجغرافي بطليموس تقع بيريا السورية على مسافة يومين عن كل منهما. ويذكر يوليوس وبروكوديس المدينة باسم خاليبون. ويذكرها أيضاً نيكيبوروس كاليستيس.

     بدّل سلوقوس نيكاتور اسم المدينة السامي القديم ومنحها تسمية بيريا المقدونية التي تم الاحتفاظ بها حتى الفتح العربي. وقد أعاد العرب التسمية القديمة حلب أو حلبون في عام 638 م في عهد أبي عبيدة. وكان يسكن في هذه المدينة مسيحيون ينتمون إلى طائفة الناصريين (من مدينة الناصرة الفلسطينية-المترجم) الذين كانوا يقرأون إنجيل متى باللغة الآرامية.

     يكتب السفير الفرنسي في حلب دارفيو في عام 1683 قائلاً: (إن الناحية الاستثنائية التي تميز الحلبيين بشكل مشرّف عن جميع السكان المسلمين في الامبراطورية العثمانية هو أنهم الأكثر رقة في أخلاقهم والأقل خبثاً والأكثر وداعة على مساحة هذه الامبراطورية الواسعة. ومن المحتمل أن اسم المدينة استخلص من طبائعهم الطيبة لأن كلمة حلب تعني حليب في اللغة العربية. وأميل شخصياً إلى هذا الرأي عوضاً عن الاعتقاد السائد في البلاد بشكل عام بأن الاسم جاء من الرواية الشعبية التي استناداً إليها عاش إبراهيم الخليل في زمن ما هنا يرعى قطعانه التي لا تحصى في المنطقة وكان يملك بقرة ذات جمال استثنائي تدر حليباً بكميات كبيرة جداً وتسمى الشهباء. وكان إبراهيم يأمر بحلبها يومياً قبل الغروب بساعتين أو ثلاثة ويشير إلى فقراء القرى المحيطة بالحضور للحصول على حصتهم من الحليب. ولتأكيد رأيهم يقول السكان المحليون بأن المدينة سُميت على اسم هذه البقرة وحليبها. حقيقةً لا زال تعبير “حلب الشهباء” في اللغة العربية يعني حليب بقرة الشهباء)).

Share This