يريفان… جولة في أرمينيا – تاريخ وثقافة –

երևան

كانت أرمينيا في العهد السوفياتي منقسمة إلى أكثر من 30 منطقة أو محافظة. و بعد الاستقلال جرى تقسيم إداري جديد في البلاد ضم 11 محافظة أو مقاطعة مستقلة مع العاصمة يريفان. جميع المحافظات تابعة لحكومة أرمينيا و تدير شؤونها وزارة الإدارة المحلية في البلاد.

تعالوا لنقوم بجولة في عاصمة أرمينيا ومحافظاتها ولنتعرف على ثقافة وحضارة هذا البلد العريق.

يريفان

يريفان عاصمة أرمينيا وأكبر مدنها، عدد سكانها زهاء مليون نسمة. تقع على ارتفاع ألف متر فوق سطح البحر، سماؤها في معظم أيام السنة زرقاء صافية وأشعة الشمس متوفرة. تستقطب المدينة الأنظار بجمال وسحر الطبيعة الخلابة والجبال العالية التي تحيط بالمدينة من الشمال والشرق وبالغابات والبساتين الخضراء. كما ويسيطر على الطرف الجنوبي للمدينة مشهد جبل آرارت الرائع المهيب بقمته الشامخة المكسوة بالثلج طوال فصول السنة.

ويريفان الحديثة مدينة عصرية بروائعها المعمارية الجميلة التي تشكل تمازجاً غنياً متجانساً من تقاليد الفن المعماري الأرمني الكلاسيكي والعصري. وهي تتطور وفق مخطط عام وضع أساسه المهندس المعماري البارز الأكاديمي الكسندر تامانيان في عام 1924 وشوارع العاصمة فسيحة متوازية غرست على جوانبها الأشجار. ويريفان الحالية تعتبر مركز صناعي وعلمي وثقافي كبير في أرمينيا. وهي ليست قلب أرمينيا النابض وحسب، بل ودماغها المفكر، إذ تتركز فيها غالبية مؤسسات الأبحاث العلمية والمعاهد العليا والمسارح والمتاحف وغيرها.

في عام 782 قبل الميلاد اكتشف الملك أرغيشتي الأورارتي موقع إيربوني، المركز العسكري و الحكومي لمنطقة أورارتو، في موقع يريفان في أيامنا هذه على تلة أرين-بيرت.

عثر بجانب أرين-بيرت كتابات مسمارية كتبت عليها “بقوة الإله خالدي. أنا، أرغيتشي ابن مينوا، بنيت هذه القلعة وسميتها إيربوني لأزدهار بلاد بيانيا و تهولاً للبلاد المعادية” .

لعبت إيربوني-يريفان دوراً ذو شأن في التجارة والسياسة والحياة الاجتماعية في أرمينيا. وكانت واحدة من أهم المراكز التجارية بموقع على مقاطعة الطرق لعدة قوافل تجارية. و تسبب الغزاة بأضرار جثيمة للمدينة و أعاق ترويج الأزدهار.

ذكرت يريفان لأول مرة كعاصمة لدولة أورارتو على يد بعض المؤرخين في القرن الرابع عشرعندما تحولت إلى المقر الرئاسي الثاني .

بين القرنين الثالث عشر و الخامس عشر ميلادي عانت يريفان وبشدة من غزو العثمانيين والفرس بعد انضمام أرمينيا الشرقية إلى روسيا القيصرية في 1828، حيث أصبحت يريفان مركز ولاية يريفان. واستمرت المدينة بالنمو، وبنهاية القرن كانت تشغل مساحة 102 كم مربع بتعداد 30000 نسمة. يشكل التصميم تشعباً دائرياً، يبرز معظمه الصورة المحلية، حيث أنه من السهل جداً للأجانب أن يجدوا طريقهم في المدينة. تقع يريفان في الشمال الغربي لوادي أرارات، محاطة بالجبال من أطرافها الثلاثة، الناحية الجنوبية فقط تسمح لنهر أراكس بالانحدار الحر. تظهر يريفان مع طبيعتها الوعرة فرقا بالتضاريس بـ 400 م من أعلى نقطة إلى أخفض نقطة في المقاطعة. تنقسم المدينة إلى قسمين عبر نهر هرازدان الذي يتدفق عبر وادي ضيق خلاب. الجو في يريفان جاف وأوروبي تماماً.

اليوم، يريفان مدينة جميلة وكبيرة، وتعظيماً لتاريخ يريفان القديم، يجب على الزوار أن يبدأوا بالتجوال من المرتفع حيث أعاد المهندسون المعماريون تشييد ما دمر من قلعة إيريبوني. كانت القلعة محاطة بجدران عملاقة ذات صفوف ثلاثة. تتركز قطعة من حجر البازلت عالياً على الجدار وعلى يسار المدخل وتحمل كتابة مسمارية أرغيشتية، كما قيل، معلنة عن تأسيس إيربوني.

القلعة لها عارضتان باطنيتان منظومتان في وسط قاعات كبيرة. بجانب القلعة، هناك مبنى هام آخر هو معبد خالدي. علماً أن أرضية المعبد مصنوع من قطع خشبية رقيقة تشبه الباركيه.

تشتهر القلعة بدورها وساحاتها الواسعة والخزانات المحفورة عميقاً في باطن الأرض ذات سعة 600 لتر. مجموعة من القدور، الأختام الأورارتية، التماثيل البرونزية، المجوهرات، النقود وغيرها وجدت وحفظت في دور متاحف إيربوني. كشفت الحفريات في هضبة أرين-بيرت عن نشأة يريفان العاصمة التي اكتشفت قبل ما يقارب 3 آلاف عام. هذه السنة تحتفل يريفان بعيدها الـ 2790. يتضمن مركز المدينة ثلاث ساحات رئيسية: ساحة الجمهورية، ساحة شاهوميان والساحة المسرحية. الساحة الجمهورية هي مركز المدينة. أحيطت الساحة بالأبنية الحكومية، بعض الوزارات وفندق أرمينيا. قام بتصميمها تامانيان وهي صرح جميل وإبداع بأرقى حلة للفن المعماري الأرمني . كما يقع متحف التاريخ و معرض الفنون على ساحة الجمهورية.

استاد نهر هرازدان وجسر النصر مع معامل النبيذ والكونياك تعطي تركيبة أخرى لحقيقة تلائم وادي نهر هرازدان الجميل. شارع ماشدوتس إحدى الشرايين في المدينة تبدأ هنا. بالتوجه إلى الشمال تحط الخطى عند متحف المخطوطات-الماديناتاران، معهد فريد للبحوث و متحف المخطوطات القديمة تعود للفترة ما بعد ميسروب ماشدوتس. يقف التمثال الخالد “أرمينيا الأم” تتأمل المدينة كاملة عالياً فوق التلة خلف المتحف.

سوف يأخذكم شارع باغراميان نحو الشمال لتصل إلى مباني أكاديمية العلوم والقصر الجمهوري والمجلس الوطني و بعض السفارات. على هضبة دزيزيرناكابيرت ومع الإطلالة العامة للعاصمة يوجد الصرح التذكاري لشهداء الإبادة الأرمنية في 1915. الملاعب ومراكز الحفلات الموسيقية تقع هنا ايضاً. هناك شلالات صغيرة ونوافير وسلالم تربط المركز بجسر كييفيان ويحقق التواصل.

مجمع الحفلات والرياضة هو صرح متعدد الوظائف. له قاعتان ذات 5000 و 1300 مقعد مع منصة متحركة تدور بينهما. أرضية الميدان في القاعات الرياضية يمكن أن تتحول إلى ميدان للتزلج على الجليد.

يمكن لزوار العاصمة الأرمنية التمتع بالتنزه في شوارع المدينة ورؤية العديد من الجوانب التاريخية و الثقافية. ويوجد في المتنزهات المريحة والحدائق العامة حجر من الطوف يبرز ألواناً وظلال متنوعة، إنها المادة البنائية الأساسية التي تستعمل في يريفان وفي جميع المباني السكنية في البلاد. يتسنى لزوار العاصمة أخذ وقتهم في المقاهي و المطاعم الصغيرة والتمتع بالمطبخ الأرمني الغني، النبيذ الجيد و الكونياك الأرمني المشهور.

لقد تم الحفاظ على التاريخ والثقافة الأرمنية بدقة في عدة متاحف، معظمهم في يريفان: متحف التاريخ ويمتلك المجموعة الأغنى للمراجع التاريخية. أما متحف المخطوطات فهو مخزن الثقافة الأرمنية في القرون الوسطى. و يحوي على مجموعة تفوق الـ 1600 مخطوطة.

معرض الفن الوطني يحوي ثلاثة معارض رئيسية للفنون الأرمنية والروسية و الأوربية. من جملة 000 20 مفردة يعرض على الدوام 000 3.

يرحب بزوار العاصمة في متحف إيريبوني- متحف الفن الهواة، متحف النقوش الخشبية ومتحف الشخصيات الثقافية البارزة – تشارينتس، تامانيان، ساريان، باراجانوف، إشخانيان، خاتشادوريان وغيرهم.

متحف الفنون للأطفال يضم مجموعة صور منفردة من 130 دولة. متحف الفنون الحديثة يعرض أعمالاً لفنانين معاصرين الذين غالباً ما يمزجون التقاليد الأرمنية مع الأوربية و الأمريكية بمستوى عالمي.

هناك 16 كنيسة في يريفان بينهم كنيسة القديس سركيس )القرن التاسع عشر(، القديس هوفهانيس (القرن الثامن عشر)، مريم العذراء ( القرن الثامن عشر)، زورافور (القرن الثامن عشر)، القديس كيفورك (القرن الرابع)، القديس غريغوري (كريكور) المنور (القرن التاسع عشر)، القيامة (القرن الثامن عشر). بعض الكنائس و المزارات الصغيرة المهدمة يتم ترميمها أو تجديدها. كذلك هناك الكنيسة الأرثوذكسية الروسية في يريفان، و المسجد الشيعي الأزرق في مركز المدينة. تشتهر يريفان باستقبالها لعدة أحداث عالمية مثل الندوات والمؤتمرات والمهرجانات والمباريات الرياضية. يتسنى للزوار شراء أنواع عديدة من التذكارات من المخازن و أسواق الفن. في عطل نهاية الأسبوع تمتلئ معارض الفن باللوحات والبضائع المصنوعة من حجر الاوبسيديان والفضة والذهب والخشب و غيرها.

مطار زفارتنوتس الدولي هو المدخل الرئيسي ليريفان والبلد. له طابع مؤثر جداً بتصميمه الدائري وبنائه البهي. زيارة يريفان ستترك لديك انطباعاً لا ينسى عن مدينة قديمة وحضارية في الوقت نفسه.

من كتاب “جمهوريـة أرمينيـا (دليل ثقافي – سياحي)” ، إعداد وإشراف: الدكتور أرشاك بولاديان، البروفيسور في العلوم التاريخية، وسفير جمهورية أرمينيا لدى الجمهورية العربية السورية. صدر الكتاب عن وزارة الثقافة – دمشق، 2010.

Share This