كلمة د. آرشاك بولاديان سفير جمهورية أرمينيا في سوريا في حفل الاستقبال بمناسبة الذكرى الـ24 لاستقلال جمهورية أرمينيا

11231748_1187519557941354_7978049571232554226_n

ينشر موقع أزتاك العربي للشؤون الأرمنية نص الكلمة التي ألقاها د. آرشاك بولاديان سفير جمهورية أرمينيا لدى الجمهورية العربية السورية في حفل الاستقبال الذي أقيم في 4 تشرين الأول بدمشق بمناسبة الذكرى الـ24 لاستقلال جمهورية أرمينيا.

“يسعدني أن أرحب بكم وأتوجه إليكم بالتحية معبراً عن شكري وامتناني وتمنياتي الصادقة لكم لحضوركم هذا الاحتفال بمناسبة مرور 24 عام على استقلال جمهورية أرمينيا.

نتيجة الاستفتاء العام في 21 أيلول سنة 1991 في أرمينيا قال الشعب الأرمني بأغلبيته »نعم« للاستقلال. كان هذا خياره الوحيد، لأنه وعلى مر العصور، أمتلك مقومات الشعب المستقل، كصاحب الحق في السيادة على أراضيه التاريخية. بإعلان الاستقلال في 21 أيلول عام 1991 حققت أرمينيا قراراً تاريخياً جاء استجابة لإرادة شعبها مؤكدة قدرة أبنائها على صنع القرارات وشق طريق المستقبل بنظرة واعدة وواثقة، انطلاقاً من تمسكها بالقيم الإنسانية ومما تملكه من رصيد حضاري وقدرة بشرية وفكرية وثقافية، وأصبحت جمهورية ارمينيا عضواً كامل الحقوق في منظمة الأمم المتحدة والمحافل الدولية الأخرى.

إن الاستقلال شكل انعطافاً عظيماً في حياة أرمينيا التي عاشت تحولات تاريخية جديدة في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأهم مسألة كانت أمام البلاد بعد الاستقلال هي إنجاز التحولات النشطة والفعالة لبناء آلية نظام السوق الحرة ومؤسسات إدارة البلاد. فانهيار النظام الشيوعي في عام 1991 وضع أرمينيا أيضاً في موقف صعب مرتبط بضرورة تشكيل كل رموز الدولة المستقلة من السلطة إلى الجيش والاقتصاد الحر إضافة إلى صعوبات المنطقة والتحديات الكثيرة التي كانت تواجهها، فكان لا بد لأرمينيا من ايجاد موقع لنفسها إقليمياً ودولياً وتحديد توجهاتها في السياسة الخارجية والظروف الجديدة.

وبالرغم من الصعوبات الجسيمة على طريق الاستقلال والحصار من قبل الجارة تركيا والنزاع مع أذربيجان بشأن اقليم ناغورني كاراباغ، طرأت وترسخت في أرمينيا خلال السنوات الماضية تطورات ايجابية وتغيرات جذرية في الحياة الاجتماعية والاقتصادية وإنشاء المؤسسات الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان وحرية الرأي والوجدان والتعبير، التي دعمتها في ذلك سياستها الخارجية التي تسير على مبادئ حسن الجوار وأهداف ميثاق هيئة الأمم المتحدة.

وتجسيداً لهذه المواقف قامت جمهورية أرمينيا خلال السنوات الماضية على إعادة صياغة علاقاتها مع دول وشعوب العالم على أساس الاحترام المتبادل والمنافع المشتركة . وهنا أريد أن أشير خاصة إلى وجود الأرضية الرحبة التي قامت عليها العلاقات التاريخية التقليدية والودية بين أرمينيا وسورية. وانطلاقاً من هذه المواقف ورغبةً في تطوير وتوطيد الروابط التاريخية التقليدية بين شعبينا الصديقين عاشت في السنوات الماضية العلاقات الأرمنية-السورية تطورات ملحوظة في شتى المجالات السياسية والتجارية والعلمية والتعليمية والثقافية وغيرها، وتعززت إثر الزيارات الرسمية المتبادلة والرفيعة المستوى بين البلدين. ويمكننا القول بكل ثقة وافتخار أن التعاون الثنائي والعلاقات التاريخية الحميمة بين بلدينا الصديقين بلغت ذروة تطورها خاصة بعد زيارة فخامة الرئيس الدكتور/ بشار الأسد إلى أرمينيا في عام 2009 وزيارة فخامة الرئيس سيرج سركيسيان إلى سورية في عام 2010. ودفعت نوعية جديدة للعلاقات الثنائية بين أرمينيا وسورية زيارة فخامة الدكتور محمد جهاد اللحام – رئيس مجلس الشعب في الجمهورية العربية السورية بدعوة رسمية من فخامة / سيرج سركيسيان – رئيس جمهورية أرمينيا في شهر نيسان 2015 للمشاركة في فعاليات إحياء الذكرى المئوية للإبادة الأرمنية في الامبراطورية العثمانية، وتلت زيارة فخامته زيارة معالي إدوارد نالبانديان – وزير خارجية جمهورية أرمينيا إلى دمشق في أواخر أيار 2015 ، وجرت خلال الزيارة لقاءات مع القيادة السورية السياسية وناقش الجانبان عدة قضايا ذو الاهتمام المشترك تخص التعاون الثنائي وخاصة الوضع الإقليمي الحالي والأزمة السورية.

انطلاقاً من تعزيز التعاون بين البلدين الصديقين زار دمشق في أوائل شهر حزيران 2015 وفد جمعية الصداقة الأرمنية – السورية البرلمانية، حيث تم خلال الزيارة عدة لقاءات مع القيادة السورية السياسية، التي توّجت بإعادة تأكيد أواصر الأخوة والقواسم المشتركة بين البلدين والشعبين الشقيقين. ولتعزيز العلاقات الثقافية بين أرمينيا وسورية زار في شهر تموز 2015 معالي/ عصام خليل – وزير الثقافة في الجمهورية العربية السورية أرمينيا وتم خلال الزيارة مناقشات مثمرة للتعاون في شتى المجالات الثقافية. كل هذا يدل على رغبة القيادتين السياسيتين في البلدين توطيد وتعميق العلاقات الثنائية بين جمهورية أرمينيا والجمهورية العربية السورية.

سيداتي وسادتي،

تابعت أرمينيا التطورات الدامية في سورية منذ بدايتها وأعربت عن قلقها الشديد إزاء الوضع الكارثي في سورية جراء العنف والعمليات الإرهابية والدمار والخراب الشامل. وبهذا الصدد أعربت أرمينيا مراراً وتكراراً في المحافل الدولية عن مواقفها الثابتة والداعمة لأية مبادرة سياسية تؤدي إلى إعادة الأمن والاستقرار بأقصى سرعة في سورية، علماً بأنه ليس بديلاً للحوار والتسوية السياسية للأزمة السورية. لذا نناشد جميع الأطراف والفرقاء إلى الحوار الشامل والمصالحة الوطنية. ومن هذا المنظور نتطلع بكل تفاؤل، خاصة بعد دخول الأزمة السورية في الآونة الأخيرة مرحلة جديدة من تاريخها نتيجة الحراك الدولي المكثف، إلى صمود وحكمة الشعب السوري ونأمل بأن إدراكه المصلحة الوطنية سيؤدي إلى تكاثف جهود جميع أطيافه من أجل بناء مستقبل واعد وشامل بالانجازات، ونأمل بأن الحياة ستعود إلى طبيعتها وتقوم سورية بدورها المحوري اقليمياً ودولياً من خلال حربها ضد الارهاب وبناء مجتمع مدني جديد يحتضن كل فئات وشرائح شعبها.

سيداتي وسادتي،

يتزامن عام 2015 مع ذكرى المئوية للإبادة الأرمنية في كنف الإمبراطورية العثمانية. إن الشعب السوري الذي يشعر مرارة العنف والارهاب الشنيع ويتعرض له يومياً، يقدر تماماً آلام ومآساة شعب تعرض لإبادة عظمى من قبل العثمانيين بشرياً وحضارياً وثقافياً، حيث ذهب ضحية هذه الجريمة العنصرية الطورانية النكراء أكثر من مليون ونصف مليون أرمني وتم تهجير وترحيل الباقون على قيد الحياة إلى بلاد الشام. آنذاك سورية أصبحت الملاذ والمأوى للمهجرين الأرمن الذين وجدوا على هذه الأراضي المباركة موطناً لهم، واستقبلتهم برحابة صدر وفتحت لهم البيوت وقدمت لهم المسكن والقوت والحضن الدافئ ليندمج المهجّرون الأرمن من وطنهم أرمينيا مع مرور السنين ليشكلوا جزءاً لا يتجزأ من الفسيفساء السوري. شعبنا الشكور قدّر ويقدر عالياً تلك المعاملة الإنسانية من قبل أخيه العربي السوري أيام محنته.

وفي الختام اسمحوا لي أن أعبر مرة أخرى عن جزيل شكري وتقديري لحضوركم هذا الاحتفال بمناسبة ذكرى الرابع والعشرون لاستقلال جمهورية أرمينيا، متمنياً لكم السعادة والتوفيق، ولسورية الأمن والسلام والاستقرار”.

Share This