أرمينيا تحتفل بمرور ‏500‏ عام على طباعة أول كتاب بالأرمينية

عيد المترجمين في أرمينيا

رسالة أرمينيا ـ ميرفت فهد

في السبت الثاني من أكتوبر كل عام يقام احتفال لا يوجد مثله في أي مكان في العالم سوي في أرمينيا‏.‏ إنه عيد المترجمين الذي يتم الاحتفال به منذ القرن الخامس الميلادي وحتي الآن‏.‏ كما كانت أرمينيا تعتبر المترجمين في مصاف القديسين وتطلق أسماءهم علي الكنائس‏.‏ ومع مرور الوقت أصبح هذا الاحتفال علمانيا‏.‏

ومما لاشك فيه أن الترجمة وحركة التعرف علي الثقافات الأخري تشكل تطورا كبيرا في الحياة الأدبية لأية أمة‏.‏ بل قد تعتبر جسرا للتواصل عبر الثقافات المختلفة‏.‏ ويبدو أن أرمينيا اكتشفت هذا السر مبكرا واهتمت بعملية الترجمة‏.‏

وقد سهل هذه العملية اختراع الأبجدية الأرمينية في عام‏405، ومنذ ذلك الوقت حدثت انطلاقة في الحياة الأدبية الأرمينية‏.‏ ذلك لأن الأبجدية الأرمينية والتي تتكون من‏36‏ حرفا تتميز بأنها يمكن التعبير من خلالها عن كل مظاهر اللغة الأرمينية التي صمدت عبر القرون ويتم استخدامها اليوم في الأرمينية الحديثة دون أي تعديل فيها‏.‏ ويعود الفضل في ذلك إلي مخترعها ميسروب ماشتوتس ‏(361‏ ـ‏440)‏ الذي استطاع بمعاونة تلاميذه ومساعديه في تأسيس الأدب في اللغة الأرمينية‏.‏

وفي لقاء الوفد الصحفي المصري في أرمينيا‏، أكدت وزيرة الثقافة الأرمينية السيدة هاسميك بوغوصيان‏,‏ أن ترجمة الأدب مهمة لأرمينيا للتكامل مع مجتمع الأدب العالمي‏.‏ وأن الأبجدية الأرمينية فريدة من نوعها ولا توجد مثيلاتها في الأبجديات الأخري‏.‏ وهي نقطة انطلاق الأدب الأرمني حيث تمت ترجمة مؤلفات أخري إلي اللغة الأرمينية في المجالات الدينية والتاريخية والروحية والثقافية وتكونت ثروة أدبية منذ القرون الوسطي‏.‏

كما أكدت أنهم لم يواجهوا يوما أية صعوبات في عملية الترجمة‏.‏ وفي الوقت الحالي‏,‏ يتم تقييم الترجمات وتطويرها‏.‏ وهناك مشروع مستقبلي للترجمة من الأرمينية إلي العربية برعاية اتحاد الكتاب الأرمن‏.‏ وأنه في عام‏2012،‏ ستحتفل أرمينيا بمرور‏500‏ عام علي صدور أول كتاب يطبع باللغة الأرمينية مشيرة إلي أن طباعته كانت بمدينة البندقية بإيطاليا‏.‏ كما ستشارك أرمينيا للمرة الأولي في العام نفسه في المعرض الدولي للكتاب في القاهرة في الوقت الذي أعلنت فيه اليونسكو عام‏2012،‏ يريفان العاصمة الأرمينية عاصمة للكتاب الدولي‏.‏ وهم يطلقون علي هذه المناسبة ‏’‏سفينة الأدب‏’‏ نسبة إلي سفينة نوح التي رست بعد الطوفان علي جبل أرارات الذي يقع علي حدود أرمينيا مع تركيا حيث سيكون ملتقي للعديد من الأدباء من مختلف أنحاء العالم‏.‏

ومن ناحية أخري،‏ أشارت بوغوصيان إلي العلاقات الثقافية بين مصر وأرمينيا‏.‏ وأن الأساس في ذلك هو الأسس الحضارية لدي الشعبين والصلات الاجتماعية لسنوات طويلة وكذلك الاتصالات بين الشعوب التي تساعد علي تطوير العلاقات الثقافية وتدعيمها‏،‏ علاوة علي الصلات الإنسانية التي تساعد علي تدعيم العلاقات الثقافية بين البلدين‏.‏ وأنه في عام‏1997، تم توقيع وثيقة بين وزارتي الثقافة المصرية والأرمينية للتعاون بين البلدين‏.‏ كما نجح البرنامج الذي كان مدته‏3‏ سنوات وتم توقيعه عام‏2005,‏ لينتهي في‏2008،‏ ويتم تنفيذه بالكامل‏.‏ وهناك برنامج جديد سيدخل حيز التنفيذ خلال ‏2011‏-2012‏.

وفي إطار المحافظة علي الإرث الثقافي والقيم الثقافية‏، كشفت بوغوصيان أن أبرز أولويات التعاون بين البلدين هو تبادل البعثات في مجال الحفاظ علي الآثار والمخطوطات باعتبار أن مصر لها خبرة كبيرة ورائدة في هذا النشاط‏.‏ وأنه تم أخيرا التوقيع علي اتفاقية تعاون بين مكتبة الإسكندرية والمكتبة الوطنية في أرمينيا، فضلا عن قيام مصر بتدريب‏11‏ من الباحثين الأرمن في مجال المكتبات والمخطوطات‏.‏

ومن الجدير بالذكر أن عدد المخطوطات الأرمينية علي مستوي العالم يبلغ حوالي ‏30‏ ألف مخطوطة موجودة في مكتبات ومتاحف القدس وفينسيا وفيينا وأصفهان‏،‏ وبيروت وموسكو وباريس ولندن وسانت بطرسبرج وتبليسي،‏ وأماكن أخري كثيرة‏.‏ إلا أن متحف ماشتوتس ماتناداران في العاصمة الأرمينية يريفان له نصيب الأسد حيث يحتوي وحده علي‏14‏ ألف مخطوطة أرمنية‏.‏

ووجهت وزيرة الثقافة الأرمينية من خلال الوفد المصري تحية تقدير بالسيدة سوزان مبارك‏،‏ التي تهتم كثيرا برعاية أنشطة الثقافة الأرمينية في مصر‏،‏ الأمر الذي تحرص معه أرمينيا علي المشاركة في الأنشطة الثقافية المصرية‏.‏

والواقع‏،‏ يمكن أن نلمس الدور الثقافي المصري بالأكثر في قسم اللغة العربية بجامعة يريفان‏.‏ فقد لفت انتباه الوفد المصري عند دخول القسم وجود قاعة باسم السيدة سوزان مبارك‏، وذلك في إطار الدور الذي يلعبه الصندوق المصري للتعاون الفني مع دول الكومنولث‏.‏ حيث يلعب الصندوق دورا مهما في تدعيم العلاقات الثنائية بين البلدين سواء علي المستوي الرسمي أم الشعبي من خلال جهود السفيرة سمية سعد‏،‏ أمين عام الصندوق‏.‏ كما تشعر أرمينيا بالامتنان والتقدير لما يقدمه الصندوق من مساعدات سواء في شكل دورات تدريبية أو في شكل مساعدات مالية أو عينية‏.‏ وربما يزيد من شعور التقدير أن هذه المساعدات تأتي من دول نامية مما يمنحها معني أعمق‏.‏

وتعتبر أرمينيا ثاني أكبر الدول التي استفادت من الدورات التي ينظمها الصندوق منذ إنشائه وحتي نهاية عام ‏2008،‏ حيث قام الصندوق بتدريب‏1669‏ من الكوادر الأرمينية في عدة تخصصات‏.‏

ويذكر أن مصر تقدم‏7‏ منح دراسية سنوية للطلاب الأرمن في مجال دراسة اللغة العربية‏،‏ لمدة عام بالقاهرة‏.‏ حيث قال د‏.‏ خيري حامد بسيوني‏،‏ خبير اللغة العربية بالصندوق‏,‏ إن هناك بالفعل طلبة أرمن استفادوا من هذه المنح ودرسوا بجامعة القاهرة‏.‏ وقد أوضح أن قسم اللغة العربية أنشئ بجامعة يريفان منذ عام‏1940،‏ وذلك بسبب العلاقات الطيبة التي تربط بين الأرمن والعرب‏.‏ وقد كان يقتصر دخوله علي الصفوة فقط لأنهم كانوا يلتحقون فيما بعد بالسلك الدبلوماسي‏.‏ ولكن هناك الآن إقبالا عليه من العديد من الطلبة لاهتمامهم بدراسة اللغة العربية الثرية والتعرف علي الثقافات العربية الأخري من خلالها‏.‏
وقد أكدت هذا المعني د‏.‏سونا تونيكيان رئيس قسم الدراسات العربية بالجامعة وأن هناك خطة مستقبلية لتطوير القسم لزيادة إقبال الطلبة عليه‏.‏ وقد ذكرت أن من أشهر خريجي القسم السيد إدوارد نابلديان‏,‏ وزير الخارجية الأرمني‏،‏ والذي عمل كأول سفير لأرمينيا في مصر عند افتتاح السفارة بها عام‏ 1991.

وقد استعرض الطلبة مهاراتهم اللغوية أمام الوفد المصري‏.‏ حيث ألقت بعض الطالبات كلمات ترحيب وبعض أبيات من الشعر كان أبرزها وأجملها علي سمع الحاضرين قصيدة ‏’‏لست أدري‏’‏ للشاعر ‏’‏إيليا أبي ماضي‏’.‏

إن أرمينيا من الدول التي تعتز بالثقافة كثيرا ويمكن البرهنة علي ذلك من خلال ميادينها التي لا يخلو واحد منها من تمثال لشخصية أثرت الحياة الثقافية والفنية الأرمينية‏.‏ كما أن هناك اهتماما واضحا بالكنائس القديمة ولا سيما كاتدرائية إتشميادزين‏,‏ وهي أقدم الكنائس المسيحية في أرمينيا‏.‏ وتعد المركز التاريخي للكنيسة الرسولية الأرمينية‏.‏ وتقع علي بعد‏20‏ كم من العاصمة يريفان‏.‏ وقد بناها جريجور لوسافوريتش ـ مؤسس الكنيسة الجريجورية الأرمينية عام‏301‏ ـ‏303‏م ـ بجوار قصر الملك وهي مقر إقامة الكاثوليكوس وهو رأس الكنيسة الأرمينية‏.‏

من الجدير بالذكر أن أرمينيا انضمت إلي اليونسكو في يونيو‏1992، وتعني المشاريع المشتركة بين اليونسكو وأرمينيا بشكل أساسي بتعزيز تراث البلاد الثقافي الوطني والإقليمي‏.‏ وقد أدرجت كنائس إتشميادزين والمنطقة الأثرية في زفارتنوتز التي تشكل رمزاً للهندسة الدينية الأرمينية علي قائمة التراث العالمي عام‏2000،‏ بعد حملة تجديد دولية بادرت المنظمة إلي إطلاقها‏.‏ وتشارك أرمينيا أيضاً في تطوير الحوار بين الثقافات في منطقة القوقاز‏.‏

كانون الثاني 2011

http://arabi.ahram.org.eg/Index.asp?CurFN=cult1.htm&DID=10551

Share This