لماذا يرفض أردوغان الاعتراف بمذابح الأرمن؟

رفعت السيد 

د. رفعت السعيد*

كلما كتبت عن قضية الأرمن والمذابح العثمانية ضد جموع الأرمن تلقيت أسئلة عدة وإجابات أكثر حول السؤال لماذا يرفض أردوغان الاعتراف بمذابح الأرمن؟ السؤال قديم فالجرائم العثمانية متراكمة وموثقة وكانت محلاً لمناقشات واتفاقيات دولية. وقد تحددت أول الأمر في المادة 61 من معاهدة برلين عام 1878 والتي نصت “يتعهد الباب العالي وبدون أي تأخير بإدخال التحسينات والإصلاحات التي تستلزمها المتطلبات المحلية في الولايات التي يقطنها الأرمن” لكن هذا الاتفاق ما لبث أن تحول إلى خنجر تم ذبح الأرمن به. فالعثمانيون استخدموه ليصعّدوا من تحريضهم على الأرمن معلنين أن الغرب “النصراني” يدافع عن جواسيسه في قلب دولة الخلافة العثمانية.  فتصاعدت حدة المذابح ليصل عدد الضحايا إلى مائة ألف في عام 1896، كما تم تهجير آلاف أخرى إلى بلدان أخرى لخلخلة التركيب السكاني في منطقة شرق الأناضول.

وكانت جرائم الخلافة العثمانية مسار جدال تاريخي طويل وخاصة بعد المذابح التي نظمها وأدارها بنفسه طلعت باشا. ويروي السفير الأمريكي لدى الباب العالي (1913-1916) هنري مورغنتاو في مذكراته أنه خلال مباحثاته مع طلعت باشا بشأن الأرمن كان “طلعت باشا يزهو بأنهم تخلصوا تقريباً من معظم الأرمن فلم يبق أحد منهم على قيد الحياة في تبليس وفان وأرضروم، وأن الحقد السائد ضدهم كان بالغ الحدة بحيث توجب القضاء عليهم نهائياً، ويقول السفير “وقد كررت عليه أنهم قد ارتكبوا بذلك خطأ فادحاً سوف يندمون عليه، فأجاب نعلم أننا ارتكبنا أخطاء لكننا لن نشعر بالندم أبداً وثمة وثيقة مخيفة تضم معلومات مهمة عن عمليات ترحيل الأرمن في الفترة 1915-1917 وعنوانها “الكتاب الأسود لطلعت باشا” وهي عبارة عن 77 صفحة كتبها محمد باشا وزير الداخلية آنذاك بناء على طلب طلعت باشا. وظلت هذه الوثيقة غير معلومة لأحد حتى سلمتها زوجة طلعت باشا للمؤرخ التركي مراد بردكتشي في عام 1982 ونشر بردكتشي بعضاً منها في 2005 في جريدة “حرييت” التركية ثم نشر النص الكامل في كتاب في 2008. وقد كتب محمد باشا مزهواً ومستثيراً لرضاء رئيسه طلعت باشا قائلا “أن معظم الأرمن المقيمين خارج القسطنطينية (حيث يوجد السفراء والإعلاميون الأجانب) قد جرى تهجيرهم وأن أغلبهم قد اختفى من الوجود ويمكن القول أن 90 % منهم قد تم تهجيرهم وأن 90 % من المهجرين قد قتلوا”. ومع ذلك فإن طلعت باشا ممثل الخلافة العثمانية أكد أنه لن يشعر بالندم”.

والآن هل نستطيع أن نجد الإجابة الصحيحة على السؤال لماذا يرفض أردوغان الاعتراف بمذابح الأرمن؟ قال البعض لأنه يخشى من مطالبة الأرمن بتعويضات مالية. وقال آخرون لأنها العنجهية العثمانية. لكن الحقيقة في اعتقادي أن أردوغان العثماني الذي أعلن صراحة طموحه “لإقامة خلافة عثمانية حديثة” ومهّد لذلك بمطالبه الأتراك بتعلم اللغة العثمانية القديمة وببناء قصر هائل يليق بخليفة المسلمين في العالم، وبتجاهله الضغوط الأوروبية والتهديد بعدم قبوله عضواً في الاتحاد الأوروبي فلا يريد.. لأنه لا يجوز لخليفة المسلمين أن يكون عضواً في اتحاد دولي للنصارى.

باختصار هو يرفض الاعتذار لأنه “الخليفة العثماني”  القادم وأي اعتذار يعني الاعتراف بوحشية الخلافة العثمانية ورجالها.

*كاتب مصري، رئيس حزب التجمع السابق.

(مقالة صدرت في العدد الخاص الذي أصدره ملحق أزتاك العربي للشؤون الأرمنية في 24 نيسان 2015 بمناسبة الذكرى المئوية للابادة الأرمنية)

Share This