موجة الدعاية الكاذبة تضرب الإعلام اللبناني

انجرّ بعض ممثلي وسائل الإعلام اللبنانية ليقعوا في فخ الدعاية الكاذبة التي أطلقتها أذربيجان وتركيا. وهذا ليس بغريب، فعندما تفتح وسائل الإعلام التي وصلت الى العالمية المجال للافتراءات الأذرية شاءت أم أبت، فإن المعلومات الكاذبة تصل عبر أثير الشبكة الى كافة أنواع وسائل الإعلام أينما كانت.

جاء أول خبر كاذب مروّع بخصوص انسحاب القوات الأرمنية من المناطق المحررة. وأكد الخبر الذي بثته تركيا وأذربيجان أن الجانب الأرمني قد وافق على طلب انسحاب القوات الأرمنية من المناطق السبع المحررة. ولم نصادف خبراً ينفي الخبر الكاذب أو يؤكد العكس. ومنذ اللحظة الأولى كان واضحاً أن الخبر باطل. ورغم ذلك فإن تأخر الرد المضاد ساعد على نشر الخبر. خاصة وأن الخبر جاء مباشرة بعد إعلان بروتوكولات تطبيع العلاقات الأرمنية-التركية في 31 آب.

أما الخبر الكاذب الثاني، فكان له نفس الوقع وقد أمن انتشاراً مماثلاً وجاء ليحتل مكانه في وسائل الإعلام اللبنانية. فقد أرفقت الأجهزة المعنية في أذربيجان صور خمسة جثث لجنود جيورجيين راحوا ضحية إطلاق نار داخلي على الحدود الأرمنية – الجيورجية بخبر مفاده أن القوات الأرمنية شنت هجوماً باتجاه منطقة “أغدام” نحو الأراضي الأذرية وتم صدّها، وقد أسفر هذا الهجوم الأرمني عن مقتل خمسة جنود.

لم تبق وسيلة إعلام دولية أو إقليمية أو محلية (لبنانية) إلا وتناقلت الخبر. لم يكن بيان وزارة الدفاع في ناغورني كاراباخ الصادر بعد يوم واحد كافياً لنفي عملية الدعاية الكاذبة.

ففي الحالة الأولى، تم التمويه لخدعة على أن هناك تحركاً قبل التوقيع على مذكرات التفاهم بين أرمينيا وتركيا، مع الإشارة في نفس الوقت الى انهزام الجانب الأرمني. إلا أنه في الحالة الثانية تمت محاولة عرض الجاهزية القتالية العالية للجيش الأذري والنوايا الهجومية للجانب الأرمني.

وفي الحالتين فإن المنطق في اختيار توقيت الأخبار الكاذبة وتتابعها أمر مثير. وهكذا، يشار الى البروتوكولات المزمع توقيعها بين أرمينيا وتركيا، حيث يفترض أن مسألة كاراباخ غائبة من بنودها، على أنه لا يوجد أي استثناء مماثل في السياسات التركية والأذرية. فكاراباخ مرتبطة بتلك المسارات ولا يمكن أن يظهر أي تطور في العلاقات الأرمنية-التركية دون اتخاذ خطوة جادة باتجاه تسوية مسألة كاراباخ.

الأتراك، ينشرون خبراً وكأن القوات الأرمنية ستنسحب من الأراضي المحررة. ومن جهة أخرى، يحاول الأذريون إثبات الجاهزية العسكرية العالية عبر الحجج والدعاية الكاذبة. بينما لم يقم الجانب الأرمني بأي هجمة تتصدى لهجمات تلك الدعاية الكاذبة.

فالقوات الأرمنية تهاجم افتراضياً، وتنسحب من الأراضي المحررة افتراضياً. ولكن ينبغي أن يعلن، ولو افتراضياً، أن تركيا وأذربيجان تنشران أخباراً لا تطابق الحقيقة بأدنى اسلوب. ولكن هذا ليس كل شيء. فقد أتحفتنا جريدة “النهار” اللبنانية في عددها الصادر يوم الأحد بمقالة في غاية الكمال تلمع على الصفحة الأولى بقلم مروان اسكندر. فقد كان الكاتب يتحدث عن كل شيء، ولطخ الأبيض حين كتب بالأسود أن الأرمن ارتكبوا في عام 1992 في ناغورني كاراباخ مجازر حقيقية في حق الشعب الأذري المسلم.

قبل أن نشك جدياً بمستوى اسكندر مروان في الدراسات القوقازية يجب أن نفكر كيف تسمح جريدة أغر مثل جريدة “النهار” بأن تنشر موقفاً مماثلاً على صفحتها الأولى. هذه ليست فقط قضية مروان اسكندر. بل إن إعطاء الطابع الديني لمشكلة كاراباخ ومحاولة تأجيج الخلافات بين الأرمن والإسلام وتوصيف الأرمن في كاراباخ كمرتكبي مجازر هي قضية “النهار” أكثر من كونها قضية مروان. أما استمرار الصمت الذي يلف الجانب الأرمني على مستوى الدولة والمجتمع ككل فهي قضيتنا قبل كل شيء.

Share This