الآثار التاريخية والصروح المعمارية في أرمينيا

զվարդնոց

يحتل الفن المعماري الأرمني مكانة مرموقة في تاريخ فن العمارة العالمي. فكل شئ هنا رائع الصنعة ينم عن حس مرهف وذوق رفيع. وبإمكان الزائر أن يشاهد في شينكافيت، قرب العاصمة – يريفان، أطلالاً كانت مأهولة منذ العصر الحجري القديم. وفي قرية اوشاكان توجد بيوت محفورة تحت الأرض ومسقوفة بالحجر. وعلى مشارف جبل أراكاتز لا تزال باقية حتى الآن أنقاض قلعة جبارة تحيط بقمم التلال المرتفعة. وقد وصلتنا من تلك الأزمنة نقوش تنانين محفورة على الأحجار بشكل أسماك وثعابين ملتوية على نفسها.

وفي أراضي أرمينيا آثار رائعة من عهد مملكة اورارتو (القرون 9 – 6 ق.م.) من بينها أنقاض مدن ارغيشتيخينيلي وايريبوني (الإسم القديم لمدينة يريفان) وتايشيباني (التل الأحمر)، وتوجد هاتان الأخيرتان ضمن حدود مدينة يريفان. وقد أدت الحفريات في هذه المكامن إلى اكتشاف آثار معمارية ضخمة. فتايشيباني مثلا كانت قلعة جبارة ذات مستودعات عديدة وكانت الهدايا تتدفق إليها من مختلف أنحاء البلاد. أما ايريبوني فكانت مركزاً إدارياً عسكرياً بمعابد وقصور عديدة تغطي النقوش والزخارف جدرانها واعمدتها.

والعهد التالي الذي وصلنا منه عدد غير كبير من الآثار المدهشة هو عهد الحضارة الهيلينية وأروع هذه الآثار قلعة كارني ( القرن 3 – 2 ق.م.) . وفي مجموعة كارني الأثرية معبد وثنى قديم شيد في عام 66م، وهناك، في مرتفع عال من الجبال، يوجد المقر الصيفي لملوك الأرمن. ومعبد كارني هو أشهر الصروح في أراضي أرمينيا من العهد اليوناني القديم.

في عام 301م. اعتنق الأرمن المسيحية فشرعوا يدمرون المعابد الوثنية وأخذوا يبنون بدلاً منها الكنائس، واضعين بذلك أسس الحضارة المسيحية. وبذا كانت أرمينيا أول دولة في العالم اعتنقت الديانة المسيحية رسمياً. وفي عام 2001 احتفل العالم مرور 1700 سنة على هذا الحدث التاريخي.

ومن أهم آثار الهندسة المعمارية في العهد المسيحي الأول الكنائس والقصور في دفين (دبيل) وكاساخ واشتاراك ويغفارت ويريروك وغيرها. وتحتل بينها كاتدرائية اتشميادزين مكاناً مرموقاً، تصور أعمال البناء بوضوح مراحل تطور الفن المعماري الأرمني الكلاسيكي منذ بداية العصر المسيحي حتى القرن الثامن عشر.

ومن القرن السادس حتى أواخر القرن السابع سارت أعمال بناء الكنائس والأديرة والمنشاءات الإقطاعية والدينية الكبيرة على قدم وساق. ومن أبرز الآثار المعمارية لتلك الأزمنة الكنائس في مسطرة وآفان وبطغنى، وكنيستا غايانيه وهريبسيميه في اتشميادزين وغيرهما.

أما معبد زفارتنوتس الرائع (641 – 661م.) فيشكل ذروة الفن المعماري الأرمني الكلاسيكي لذلك العهد. لم تدم حياة هذا المعبد طويلا، فقد إنهار في أواخر القرن العاشر نتيجة لزلزال عنيف، إلا أن أنقاضه تشهد على ضخامة هذا المبنى، وجميع النقوش المحفورة في كتل الأحجار الضخمة تبدو وكأنها معرض جميل لفن النحت. وقد ترك أسلوب زفارتنوتس المعماري تأثيراً قوياً على الفن الأرمني في القرون اللاحقة.

بدأت المرحلة التالية لتطور الهندسة المعمارية الأرمنية في القرن العاشر إذ كان الشعب مضطراً لخوض غمار النضال ضد الغزاة الأجانب خلال القرنين السابقين. وكانت مدينة آني عاصمة أرمينيا السابقة نموذجاً رائعاً للفن الأرمني لبناء المدن عصرئذ، ومن أهم المراكز التجارية والثقافية في آسيا الأمامية خلال القرنين العاشر والحادي عشر. وفي تلك الأعوام بالذات شيدت نصب معمارية رائعة في طاتيف وهامبيرت وغيرها من الأماكن التي تشهد بوضوح على مهارة المعماريين الأرمن في تلك الأزمنة. وعلى أثر تطور صلات أرمينيا التجارية الدولية ابتداء من القرن الثاني عشر حتى الرابع عشر نال انتشار واسعاً بناء محطات القوافل والفنادق والطرق والجسور والبيوت المزخرفة بأساليب جميلة وغيرها. ونال بناء المنشاءات الدينية تطوراً جديداً ومنها مثلاً كنائس هاغارتسين وكيغارت وهاغبات وساناهين وديرغوش وغيرها.

أدت الغزوات الجديدة لقبائل الرحل خلال القرنين 14 – 15 إلى تدمير الاقتصاد في أرمينيا فتوقفت كلياً أعمال بناء الصروح الكبيرة. وفي القرن 17 توفرت بعض الظروف لانعاش أعمال البناء في المناطق الشرقية من أرمينيا، فشيدت مجموعة أديرة في موغنى وشاتين وخور فيراب وغيرها. وشيدت قبة جديدة في كاتدرائية اتشميادزين وجرى ترميم سقوف معبدي هريبسيميه وغايانيه وغيرهما.

من كتاب “جمهوريـة أرمينيـا (دليل ثقافي – سياحي)” ، إعداد وإشراف: الدكتور أرشاك بولاديان، البروفيسور في العلوم التاريخية، وسفير جمهورية أرمينيا لدى الجمهورية العربية السورية. صدر الكتاب عن وزارة الثقافة – دمشق، 2010.

Share This