الرئيس الروحي لطائفة الأرمن الكاثوليك في مصر وأفريقيا المطران كريكور أوغسطينوس كوسا أسقف الإسكندرية للأرمن الكاثوليك في حوار للدبلوماسي اليوم.. “ثقافة التركي هي القتل وتدمير البلاد والأخلاق”

كريكور
أسابيع قليلة تفصلنا عن الذكرى السنوية لتوقيع اتفاقية الإبادة الجماعية فى التاسع من ديسمبر المقبل و هو اليوم الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة دوليا لإحياء ذكرى وتكريم ضحايا جريمة الإبادة الجماعية في جميع أنحاء العالم، ورفع الوعي بالاتفاقية ودورها في حماية السكان من الإبادة الجماعية في المستقبل.

والأرمن احد الشعوب التى تعرضت لجريمة الابادة لكنها ناضلت من اجل الحفاظ على هويتهم وثقافتهم ولذلك كان للمجلة هذا الحوار مع المطران كريكور أوغسطينوس كوسا اسقف الاسكندرية للأرمن الكاثوليك والزعيم الروحى للطائفة فى مصر.

بداية نريد ان نعرف الكثير عن طبيعة المهام والدور الذى تقوم به كزعيم روحى للطائفة و صاحب حركة النهضة بالكنيسة فى مصر ؟

أنا رئيس الطائفة الروحي لمصر والسودان وسائر بلدان افريقيا ودائما أحرص أن أكون فى كل المجالات الروحية والثقافية التى نعيشها فى هذه البلاد الا ان تواجدى الأكبر هو فى مصر ..

ما تاريخ هجرة الارمن الى مصر وما هو عددهم الحالى ؟

العدد الحالي هو 12 الف و الأرمن جاءوا الى مصر وعاشوا فيها منذ القرن الثامن وزاد عددهم فى القرن 12 ثم القرن 16 وأيضا فى القرن 20 بعد المذابح منذ عام 1915 والى 1917 حيث أعلن الأزهر الشريف وصرح باستقبال الأرمن وحتى سعد زغلول نفسه طالب وأعطى أماكن لاستقبال الأمهات و الأرامل و الأيتام وقال للشعب المصرى : لننقذ أخواننا الارمن من الإبادة على يد الاتراك العثمانين وحتى ملك السعودية حينذاك فى عام 1915 طالب البلاد العربية ان تساعد الارمن وقال : اننا أخوة فى الانسانية .

ولماذا يقل عدد الأرمن فى مصر الان ؟

لظروف منها الهجرة بسبب التأميم والأزمات الاقتصادية وأيضا نتيجة الحروب التى وقعت بين البلاد العربية واسرائيل خلال 67و73وايضا فى عام 1980 كما تركوها بعد التأميم ومنهم من عاد مرة اخرى لانها بلاده وموطنه ونحن دائماً نقول أن الانسان منا لديه رئتين الاولى هى أرمينيا بلدنا الأصيل المغتصب والذى حصل مؤخراً على إستقلاله أما الرئة الثانية هى البلد الذى نعيش فيها سواء كانت مصر او سوريا او لبنان او العراق أو الأراضى المقدسة أو اوربا وامريكا أو استراليا ، فنحن بهاتين الرئيتين الأرمنية والمصرية نستنشق هوائنا ونتابع حياتنا ونترك بصمات وكما تعلمين فالارمن اليوم لهم تاريخ طويل فى أرض مصر وله جذور لا يمكن ان نقتلعه او ان ننساه أو نغض النظر عنه أو لا نعطى أهمية للأرمن ، فنحن فى مصر لنا بصمات منذ عهد محمد على قبل مائة عام أو أكثر فى وحتى اليوم .

وماذا عن العام الذى حكم فيه الأخوان مصر ، الم تفكروا فى الهجرة ؟

لم يفكر الأرمن ابداً فى الهجرة بل كان لدينا ايمان وأمل بانه بعد الليل ستشرق شمس جديدة و حتى اليوم لم يفكر احد بالهجرة بل على العكس هناك أسر أرمينية بالغرب تريد ان تأتى لمصر .

مر على رسامتك للخدمة بمصر اكثر من 10 سنوات مرت مصر خلالها بمتغيرات كثيرة سياسية واجتماعية كيف تقيمون ما يحدث الان ؟

مصر لها مستقبل ظاهر و تقدم ملحوظ ونحن كبشر يتوجب علينا الا نيأس او نتشاءم او نخاف وكلمة المسيح لا تخافوا، فهناك من يكتب ضد مصر لأنه يغار و يحسد مصر على كل ما تقوم به حاليا وخلال سنة بايادى مصرية انجزت قناة السويس ثم حقل الغاز الذى تم إكتشافه لكن للأسف هناك من يحاول نشر المعلومات الخاطئة وهذا ضعفنا البشرى حتى أن بعض البلدان الاسلامية لم تساعد بعضهم بل عن طريق الفتاوى التى لا يقبلها الله ولا توجد فى القرأن ترسل الشباب الى الجحيم.

هذا العام كانت المئوية الاولى للمذابح التي تعرض لها الأرمن، وشهدت اهتماما اعلامياً وسياسياً إستثنائياً فهل كان لذلك مردود يصب فى صالح قضيتكم ؟

فى الحقيقة كان هناك تأثير في المجتمع المصري وفى المجتمع العالمي الدولي لان الاغلبية نسوا من هم الأرمن فى مصر بعدما هاجر الأرمن من مصر حيث كانت المرة الأولى فى عامى 1959 – 1960 ثم فى عام1967 ثم فى عام 1973و 1980 فى احداث الحروب.

وكيف استطعتم ان تنصهروا فى الامم الاخرى و تؤثروا فيها ؟

الأغلبية فى مصر من شخصيات سياسية وأدبية وثقافية ومن كافة الشعب يدركون حقيقة ان الارمن مخلصون فنحن عندما جئنا الى البلاد العربية و منها ذهبنا الى أمريكا وكندا قبل مائة عام بسبب المجازر و المذابح التى تعرضنا لها كان شعارنا ان ندخل هذه البلدان ونحن مشردين و نحن مذبوحين ولكن أن نبقى مخلصين نتقاسم العيش والعمل مع أصحاب الارض وأيضا ان نكون لهم مخلصين وانا دائما أقول وبكل افتخار للمصريين ” فتحتم قلوبكم لنا واستقبلتمونا قبل أن تفتحوا باب الدار ، وباب قلوبكم الى اليوم مفتوح لنا يحب و يتحاور و يتعاطف و يسأل عن الأحوال وهذا الذى نجعلنا ان نكون مخلصين الى الاوطان التى أستقبلتنا من تركيا أرمينيا الصغرى وأرمينيا الكبرى عندما أخذونا الى صحراء دير الزور السورية بعد ابادة مليون ونص ارمينى وذبحهم والقائهم فى النهر او صلبهم ومرورا من اراضى دير الزور الى حلب استقر الارمن هناك ثم بدأت الهجرة بعد ذلك الى لبنان و مصر والارن وفلسطين ثم بدأت تتفتح الافاق امامنا ذهبنا الى اوربا ومنها الى الامريكتين ثم استراليا ومن ثم تشتتنا وانتشرنا فى كل العالم لكن بقينا نحمل رسالتنا الثقافية والروحية فى كل مكان نذهب اليه نعطى الاولوية لبناء المدرسة لاننا كشعب نؤمن بالعلم ونحبه ولا نريد ان نكون منغقلين على ذاتنا اردنا الانفتاح على العالم ونستفيد من ثقافته ونؤثر فيه بثقافتنا ولذلك ستجدين كثير من الكتب باللغة الارمينية ترجمت الى العربية والفرنسية والانجليزية والايطالية و العكس .

كما ان هذا العام تميز بنتاج كثير من الكتاب و الادباء العرب باللغة العربية و البعض كتب باللغات الاجنبية وقمنا نحن بترجمتها الى الارمينية و لغات البلاد الذى نعيش فيه فنحن فى مصر ترجمنا الى العربية حتى يعرف اخونا المصرى الذى استقبلنا من نحن .

 ولماذا لم يتفاعل المصريين مع قضية الارمن و التعاطف مع مطالبهم الا مؤخرا فقط ، رغم انصهار الارمن فى المجتمع المصرى منذ سنوات طويلة ؟

المصريين عرفوا من هم الأتراك وعرفوا اعمالهم وانكشف الوجه الاخر لهم ليس الوجه الذى يبنى الاقتصاد و يقيم العلاقات والثقافات ، فالثقافة هى مد الجذور لكن الوجه الاخر لهم هو القتل و التدمير و زرع الارهاب وهذا أنكشف للعالم كله .وفي المقابل فان أرض مصر هى أرض السلام و محبة للسلام وهى أول من أستقبل السيد المسيح الذى أراد ان يقتله هيردوس فقد التجأ اليها وبقى فيها حتى قال له الملاك الى القديس يوسف أرجع إلى أرضك لأن هيردوس الذى أراد أن يقتل الطفل يسوع قد مات ، واذا نظرتى ستجدين ان أول من بدأ بحماية الشعوب الضعيفة والمشردة التى تتعرض للإبادة والمجازر هى مصر ولذلك حمت السيد المسيح وتحمى ليس المسيح او المسيحين فقط بل كل إنسان يأتى اليها .

كيف تنظر للاوضاع التى يعايشها اللاجئين السوريين وبما تذكرك هذه الاوضاع ؟

تذكرنى بالمائة عام ، مائة عام مرت والابادة مستمرة ، مائة عام مرت ومازالت الانسانية تتعذب ، مائة عام مرت والإنسان يهان ولذلك اتساءل أين الرأى العام العالمى من كل ما يحدث و الامم المتحدة والدول الكبرى التى تنادى بالديموقراطية والحرية و حقوق الانسان فهم يبدو متفرجين لكنهم ليسوا متفرجين لأنهم من يحرك تلك الاحداث بصورة خفية ويتلاعبون بالشعوب كالعرائس يريدون تشريد هذه الشعوب ويأخذوننا لبلادهم فهناك يعمل الأنسان فى بلادهم بأقل الأثمان بينما هم يستفيدون ويقوى بنا إقتصادهم لكنى أقول لك ان هناك كثيرين من ابناء راعيتى وكنيستى فى حلب لم يتركوا حلب حتى الأن فأنا أفضل أن أموت فى بلدى شهيداً ولا أموت فى الغربة وأنا مداس الكرامة لان كرامتى فوق كل شئ وحريتى هى فى بلدى فلقد ولدت فى حلب و جذورى فى أرمينيا ووصل أجدادى الى حلب فى عام 1640 ونحن لذلك نريد أن بقى فى المدينة التى أحتضنتنا ومنها انتشارنا الى العالم وحملنا كما قلت لك أخلاقنا وادابنا وثقافتنا وحياتنا الروحية .

بما انك ولدت فى سوريا ، كيف تقيم العلاقات بين البلدين ؟

مصر وسوريا دائما فى كل الظروف يد واحدة و فكر واحد ، اذا سقطت واحدة منهم سقطت الاخرى فنحن شعب واحد وتاريخ واحد ولا احد يستطيع ان يفرق بين البلدين أو يقتل محبة الشعبين و تفكيرهما للمستقبل ولبناء أجيال واعية مثقفة محبة للوطن وللانسانية على ضوء محبتهم لله تعالى وفقا تعاليم الانجيل و القران .

وبم تصف ممارسات داعش فى سوريا ؟

ممارسات داعش أثرت فى نفوس الناس كثيراً لأنهم يدخلون الى البلاد بأسم الله لكنهم لا يعرفون شيئاً عن الله تعالى أبداً ، فهم يدخلون بالآيات القرأنية الكريمة ولكن من يقول أنا أعبد الله تعالى يجب عليه أن يعرف وصايا الله والله يقول صراحة : لا تقتل .

وهل فكر داعش موجود فى ثقافتنا العربية ؟

أقول لك أننا لم نكن نعرف شيئاً عن كل ما تمارسه داعش الأن ، حتى أننا لم نكن نعرف من هو المسلم ومن هو المسيحى فى بلادنا حتى لم نكن نعرف المسجد لمن و الكنيسة لمن ، فأنا كنت أدخل شخصياً وأحضر جنازات اخواتنا المسلمين وأحضر العزاء بعد الوفاة والأربعين وكنا نحضر الندوات الثقافية والروحية للمسلمين بل ونشارك فيها سوياً

قلت أن الشرق الأوسط بدون الثقافة المسيحية ليس له معنى ؟

البلاد العربية هى بلاد مسيحية واللغة السريانية هى لغة البلاد فى سوريا و لبنان وحتى فى السعودية واليمن ، لقد أنفتحنا على بعضنا وجاءت الرسالات السماوية ومنا من أسلم الى الله بالإنجيل واخر بالقرأن ولكن الطريق واحد هو عبادة الله تعالى فالثقافة العربية والأدب العربى فى العصر الجاهلى ما قبل الإسلام و ما بعد الاسلام كان كل الكتاب و الشعراء والادباء من المسيحين.

اليوم ننفتح عل بعضنا و نتبادل ثقافتنا وافكارنا لكى نعيش بالمحبة والالفة من خلال الحوار لنزرع السلام لا الكراهية فمن يعيش مع الاخر يتحاور معه ويبني معه البلد الذى يعيش فيه ولذلك أقول بعد كل تلك السنوات ونحن نعيش سوياً بقلب واحد وروح واحدة و إيمان واحد ونرى فى هذه الأيام كل هذا القتل و التدمير ليس فقط للمسيحين ولكن للمسلمين فكم من المساجد التى تفجرت وكم من القبور التى تهدمت وتناثرت عظام الاولياء و القديسين يمينا ويسارا لكننا نحب السلام ووصية السيد المسيح كما يقول لنا أحبوا بعضكم بعضاً ، فاذا خلى الشرق من المسيحين فانا اقول لك سلاما على هذا الشرق لان البقية الباقية سوف تتقاتل .

وما هى السيناريو التى ستفضى اليه الامور برايك ؟

لا نريد لأخواتنا القتال ولا أن يتم تهجيرهم من الشرق الذى لولاه ما أنتقلت ثقافتنا وديانتنا لهذا الغرب الذى تربينا وعشنا فيه وما يحدث منذ 4 سنوات سوف يزول لأن المحبة أقوى أما الحرب فسوف تزول لأنها كراهية و بغض ودوافعها الحقيقية الغيرة من الآخر .

فى رأيك ما هى الدوافع الحقيقية وراء ابادة العثمانيين للأرمن ؟

الدوافع الحقيقية كانت لاستلام الارمن أكبر وأعلى المناصب فى الدولة العثمانية وعندما رأى الاتراك ذلك دخل فى قلوبهم البغض والغيرة وبدأوا يخططون لإبادة الارمن لدرجة أن أحد الأتراك قال : سنبيد الأرمن لكنى أريد أن أخد أرمينياً واحداً لأضعه فى المتحف وأقول يوماً ما كان فى قديم الزمان شعباً يسمى أرمن .
والأن ما يحدث هو تكرار لما حدث فى الماضى كانوا ضد الأرمن واليوم هم ضد جيرانهم العرب لان ثقافة التركي هى القتل و تدمير البلاد والاخلاق .

اصوات تركية عاقلة تتعاطف مع قضيتكم ؟

بالفعل بدأ هناك من يشعر فى الداخل التركى و بالفعل فى العام الماضى ذهبت الى تركيا والتقيت بالارمن هناك وسمعت منهم ان هناك اتراك يقولون لهم بأنهم يخجلون مما فعله اجدادهم بهم فكل القصور والمبانى والمدارس التركية من تخطيط وبناء الارمن وحتى هناك كتابات عليها توثق ذلك ولهذا السبب صدر قرار منذ عدة سنوات بإزالة تلك الكتابات ، لطمس بصمات الأرمن لكن اذا انكر الانسان وكذب اللسان فالحجارة تنطق واليوم داعش تعيد الماضى بإزالة الايات وحرق الانجيل و هدم دور العبادة والمدارس .

 وما هي مطالبكم ؟

لا تزال لدينا مطالب وأول هذه المطالب ان تعترف تركيا بالإبادة الإرمينية وأن تحنى رؤوسها أمام شهدائنا الأبرار لان الاعتذار هو نوع من التواضع للوصول للكمال كما نطالب برجوع حقوق الارمن و ممتلكاتهم من الاراضى والمدارس وغيرها .

وكيف ترى تعاطى المجتمع الدولى مع القضية الارمينية ؟

الأمم المتحدة تتعامل مع قضيتنا بنفس المنطق التى تتعامل به مع القضايا العربية تقول نعم دون أن تفعل شيئا وهناك تجاهل لمطالبنا وفى نفس الوقت الجانب التركى لا يريد أن يعترف ويزداد عنادا يوما بعد يوم ، لأنها تخاف من الإعتراف حتى لا يعطى الاراضى التى تم الإستيلاء عليها حتى ان بعض الكنائس فى تركيا تحولت لاسطبلات للخيول ومع ذلك أتمنى ان يعود التركي لضميره وأقل شئ ان يعترف بما فعله اجداده بمليون ونصف المليون شهيد .

لديكم علاقة قوية بشيخ الأزهر ؟

هناك علاقة صداقة قوية تجمعنا بالاضافة الى زيارات متبادلة فى اعيادنا والاعياد الاسلامية وحتى القومية .
هل أنتهت احتفالاتك بالمئوية عند الفعاليات التى شهدها شهر أبريل الماضى ؟

المئوية لم تنتهى وسوف نستكمل احتفالاتنا وندواتنا والمحاضرات وكل شئ ثقافي فى مصر وكل البلدان لأنه من الخطأ إذا توقفنا عن مئوية لنتتظر أخرى .

هدى المصرى

الدبلوماسي اليوم

Share This