سور حلب الأولي وبواباته .. صفحات كتاب “تاريخ حلب “للأسقف أردافازت سورميان (7)

سور حلب (1)

الفصل الخامس

سور حلب الأولي وبواباته

السور الأولي للمدينة ـ سور نور الدين ـ باب أنطاكية ـ باب الجنان ـ باب النصر ـ باب قنسرين أو خالكيس ـ باب الأربعين ـ باب المقام ـ الباب الصغير وباب العراق ـ ترميمات السور

السور الأوّلي للمدينة: عندما نمعن النظر في التحصينات القديمة لمدينة حلب تُلاحظ ظاهرتين مميزتين:خط سير الجبهة الجنوبية غير المنتظم من جهة وبناء القلعة وموقعها غير المألوفين من طرف آخر.  وُيلاحظ فوراً أن القلعة شُيدت في وسط المدينة تماماً عوضاً عن بنائها في إحدى زوايا السور كما هو الحال في دمشق وحمص والقدس والقاهرة وبغداد والموصل ونهاية ديار بكر. وكنت قد زرت قلعة أرضروم عام 1921 التي تقع,كقلعة حلب, في وسط السور.  ويُعتقد أن سبب بناء قلعة حلب في هذا الموقع نابع عن أمور تعود إلى طبيعة التربة. وخط سير السور بوضعه الحالي المهدّم غير محدد المعالم ويعود إلى العصرين الأيوبي والمملوكي وجميع الكتابات على بوابات المدينة هي مدونات حديثة نسبياً لا يزيد عمرها عن 5-6 قرون. وابن الشداد الذي وصف حلب يروي بأن المدينة تعرضت إلى ترميمات وتغييرات متتالية تعود بشكل خاص إلى نور الدين في القرن 12 م لذلك تعرف هذه الأعمال باسمه. ويصف المؤرخ تلك الترميمات المختلفة التي أجريت قبل هذا التاريخ فقط التي لم تغيير الشكل العام للحزام الدفاعي أو الأسوار بطريقة تلفت النظر لذلك يمكننا القبول باحتمالية إعادة بناء وترميم السور البيزنطي القديم الذي أدى إلى تغيير بعض تفاصيل معالمه الخاصة وإعادة بنائه عبر القرون وكان في شكله الكامل في عهد الظاهر غازي. ومن المعلوم أن تشييد منشأة دفاعية كاملة حول مدينة ما هو مشروع كبير يتطلب وقتاً طويلاً ونفقات كبيرة جداً لتحقيقه. وإن سوراً محصناً كسور مدينة حلب الذي تمت رعايته مدة طويلة من الزمن يحتاج للترميم عندما تضعف أو تزول وسائله الدفاعية القوية تجاه أنواع التسليح الجديدة وتوسع رقعة المدينة وتُكره السلطات على نقل خط الدفاعات الأولية إلى النقاط الآهلة أكثر من غيرها.  ومن المعلوم أن حلب كانت مدينة صغيرة في القرن 12 م ومحرومة من الأهمية الاقتصادية والعسكرية والإدارية بينما كانت مدينة حيوية جداً في العهد البيزنطي وهذا هو السبب الرئيسي لعدم حدوث أي تغيير أساسي على تحصينات حلب في القرون الهجرية الخمسة الأولى. وقصة هذه الأسوار والتحصينات هامة في حادثتين ولا علاقة لها مع التطور الحقيقي للسور ولكن كان لهما تأثير على التغييرات التي أجريت على سير مخططها. وأول حادثة هي حفر ما يسمى “خندق الروم” أو الخندق الروماني. ويُعرف متراس بهذا الاسم circumvallation  حُفر من قبل البيزنطيين عندما طوّقوا حلب في عام 962 م وذلك دون ريب بهدف حصار القلعة التي كانت تشكل نصف دائرة عريضة ويعادل طول قطرها عرض المدينة من أولها إلى آخرها.

فكر المعنيون في المدينة في القرن 13 م استخدام هذه الحفرة أو الخندق لغاية دفاعية وتم زيادة عمقها وتسوية جدارها الداخلي بحيث زاد انحدار الخندق ثمّ شيد سور بالأحجار التي ظهرت عند حفر الخندق. وهذا الجدار الخارجي الذي يوصل باب المقام بباب النيرب وباب الجنان يبين لنا بجلاء شكل خندق الروم الخارجي الدقيق بدءاً من قلعة الشريف حتى تلك البقعة التي يلتقي فيها الخندق بزاوية السور الشمالية-الشرقية. ومع الأسف زال السور تقريباً في هذه المواقع كذلك اختفت معالم الخندق حوله عبر هذه القرون الطويلة عدا الجهة الغربية لباب القناة بسبب حفر الخندق وبناء السور في تربة صخرية فآثارها ماثلة أمامنا حتى اليوم. الحادثة الثانية هي مسألة قلعة الشريف المبنية من قبل علي الحسن الحُطيطي الذي كان قد سلم حلب إلى مسلم بن القريشي العقيلي. وبناء على تأكيدات المؤرخين شيد هذه القلعة في عام 1085-1086م لأنه كان يهاب انتقام سكان المدينة بسبب امتلاكه للمدينة. وبعد وفاة والده لم يعترف الحلبيون بأي حاكم سواه فأدى ذلك إلى هزيمته لجند القلعة بقيادة القائد مسلم المعروف بأمانته.

باب الحديد: سور نور الدين: كنا قد ذكرنا في الأعلى أن أولى الترميمات الهامة على جدار السور جرت بعد القرن 12 م فقط. حقيقة ًهدم الزلزال الهائل في عام 1157 م قسم من تحصينات حلب تاركاً المدينة مكشوفة وغير حصينة أمام اجتياحات الفرنجة وجحافل سلاجقة الأناضول فأسرع نور الدين بالدفاع عن المدينة ضد هذين الخطرين الداهمين وبادر في السنة التالية إلى بناء متراس ترابي أو حجري لزيادة تحصين السور وأُكره على اللجوء إلى ذلك بسبب تقدم الصليبيين نحو حلب وكان يزيد التحصين كلما اقتربوا من المدينة. وعدا عن ذلك كانت التحصينات المهدمة بسبب الزلزال عديدة جداً لذلك حدد المواقع الأكثر حيوية المزمع ترميمها وشيد هذه المتاريس الترابية نظراً لضيق الوقت وعدم إمكانية إرجاع الأسوار إلى وضعها السابق. علاوة على ذلك لم يكن فن الإنشاء العسكري قد سجل انتصارات في تلك الحقبة إلى درجة إكمال تشييد هذا الساتر أو السور الواقي rempart بكامله بسرعة. ويروي لنا ابن الشداد حول خط سير هذا السور الواقي الأولي قائلاً:((. . أقام نور الدين جداراً أولياً وكان السور يمتد في ذلك الوقت من باب الصغير حتى باب العراق ومن قلعة الشريف حتى باب قنسرين وباب أنطاكية وبعد ذلك يتجه من باب الجنان حتى باب النصر وباب الأربعين. وقد أضفى نور الدين على هذا الجدار الأولي شكل متراس ثان بارتفاع أقل من السورالحقيقي)). وعدد المتاريس ومكانها الدقيق التي ذكرت من قبل المؤرخ بعيدة عن جميع أنواع الشبهات وخاصة أن قلعة الشريف معروفة والبوابات الثمانية هي أبواب المدينة التي نراها جميعها كاملة في أماكنها الأصلية اليوم.  وهذه الأبواب الثمانية هي:

باب أنطاكية: يتألف من بابين ويمتد السور من هنا شمالاً. ونجد برجاً بنقش أسدين متقابلين وكتابة من العهد الفاطمي تؤكد بأن باب أنطاكية كان في هذا المكان بالذات قبل أعمال الترميم التي قام بها السلطان نور الدين. وقد فُتح الباب على الجبهة الغربية للمدينة باتجاه الطريق المؤدية إلى مدينة أنطاكية ومنها جاءت تسمية البوابة.

باب الجنان أو باب البساتين: يبدو بأنه بقي على وضعه السابق طوال سنين عديدة.  ويتجه السور شمالاً من باب أنطاكية ويصل إلى هذا الباب بعد تخطيه برج الأسدين بمسافة بسيطة ً. وهناك أبراج عديدة لا تزال تحافظ على أقسامها الداخلية السابقة على الجبهة الغربية للسور وعلى طرفه الشمالي. وبعد إضافة هذه الحقيقة إلى حقيقة قِدم باب أنطاكية وخط سير السور تحت زاوية قائمة فإنه لن يكون أمراً غير طبيعي الاعتقاد بأن الجبهة الشرقية,على الرغم من الإصلاحات العديدة التي جرت عليها,تقف في مكانها الأصلي بينما السور المنطلق من هذا القسم يعود إلى عصر الظاهر غازي. ويلفت النظر خط سير السور وتعارضه مع الترتيب العام لهذا القسم.  ونجد قرب باب الجنان آثار جامع شيد على الجهة الداخلية لأحد الأبراج في وقت ما.  وبقرار من الحكومة تم هدم هذا الباب في عام 1889 بهدف توسيع الطريق وبذلك لا نجد أي أثر له اليوم.

باب النصر: كان يسمى ب”باب اليهود” أيضاً حتى القرن 13 م لأنه كان يُفتح باتجاه الحي الذي يسكن فيه اليهود ومقبرتهم بينما يذكر اليوم بباب النصر كما سماه السلطان الظاهر غازي. ولا يتعدى مكان تغيير الباب سوى بضعة أمتار إثر ترميمات القرن 13 م ويمكننا القول بأن الحالة السابقة لا تتطابق مع الجبهة الشمالية للسور لأن المؤرخ ابن الشداد يستخدم كلمة “إنشاء” للأعمال التي تمت على الجهة الشمالية لباب الجنان ويُتأكد بأنها لم تكن إصلاحات بسيطة بل كانت أعمال خطط لها مسبقاً ثم نفذت على جميع أقسام السور تقريباً.  ويعود ذلك القسم من السور الذي يوصل باب النصر بالزاوية الشمالية-الغربية منه إلى الحقبة الأيوبية كما يؤكد المؤرخ شخصيا. لذلك يجب التفتيش عن موقع السور الدقيق والدائم في عصر نور الدين جنوباً وعلى طول الشارع الذي يعبر حي اليهود تحديدا. ويبدو لي بأن هذا الشارع موجود منذ زمن بعيد ويمكن القول بأن قسماً منه يتطابق مع موقع السور الأولي القديم للمدينة. وعلى الرغم من سكوت المصادر حول هذه النقطة فإنه يمكن القبول بتلك الفكرة بأن السور كان متقدماً عن ذلك القسم على الجبهة الشمالية ٍالذي يمتد على الجهة الشرقية من باب النصر لأن السور الروماني عوضاً عن الاتصال بخندق المدينة,كما كان في السابق, يقع الآن على بعد 30 متراً عنه. وتشهد الزاوية الجميلة للبرج أو بقايا البرج الحربي أن الغازي هو الذي قام بإعادة إنشائه كما تؤكد بعض الكتابات غير الكاملة. ولا ريب كان الجدار القديم يمتد بخط مستقيم من الموقع الأولي لباب النصر حتى الخندق الروماني ولكن بناء المدرسة الرضائية غيرمعالم الشارع ولم يبق منه أثر.

باب قنسرين: يقع باب قنسرين أو باب خالكيس على الجهة الجنوبية من المدينة وهو أهم أبواب حلب ويعود بناؤه إلى قرن قبل ظهور الإسلام ويتألف من 4 أبواب. ومن المؤسف أن الشهادات والكتابات حوله قليلة جداً.  ويتماثل تاريخ باب قنسرين بتاريخ باب النصر لأن أوضاعه تبدلت بعد الترميمات المهمة التي نفذت في عام 1256 م وسكوت المؤرخين العرب برهان على بقاء الباب في مكانه الأصلي ولم تجر عليه تغييرات كبيرة عدا طرفه الشرقي الذي زال كاملاً. ويبدو أن السور قد دُفع إلى الأمام من الجهة الغربية في القرن 13 م عند إعادة بناء هذا الباب. وكان المكان الأصلي يبدأ من الشارع الذي يربط الزاوية الجنوبية-الغربية للسور الحالي بساحة بزة ثم يسير السور غرباً ويمر أمام مقبرة الكليباتي حيث نجد برجاً تحول إلى كومة من الأنقاض عليه كتابة باللغة العربية. وهناك برج آخر بين هذا البرج وباب قنسرين وهو تحت خطر الانهدام والزوال.

باب الأربعين: يقع على الجهة الشمالية للقلعة وبالقرب منها وهما مرتبطان ببعض بممر مقنطر. وبالرغم من زوال الباب منذ 5 قرون (حيث بني حي زقاق الأربعين الحالي) ولكنه باستطاعتنا تحديد موقعه دون صعوبة تذكر ودقة كافية. ومعلوم بأن باب الأربعين كان قد شيد قرب حمام السلطان وعلى الجهة المقابلة للبرج الذي أنشأه جكم على منحدر القلعة. ويوجد شارع اليوم باتجاه شمال-جنوب مقابل هذا البرج وعلى جهته الجنوبية حيث نعثر على آثار زاوية البرج المذكور. وليس هناك شك بأن هذه الطريق شيدت في مكان الخندق القديم الذي كان يتصل بالقلعة تحت زاوية قائمة عوضاً عن الوصول إلى الجهة الشرقية كما هو اليوم. ومع ذلك هناك بعض التخمينات حول هذه المواقع أيضاً بسبب زوال الباب والسور في هذا المكان عدا المدخل السري المغلق بباب حديدي ومزدان بنعال مزركشة يصل عرضه إلى 87 سم على جدار السور وعلى الجهة الشرقية من برج جكم ويشبه الباب السري لقلعة دمشق. ومن البديهي أن يُفتح هذا الباب السري على المدينة لذلك نعتقد بأن المدينة كانت عامرة على الجهة الغربية من هذا الممر السري. ومن جهة أخرى تؤكد دراسة ابن الشداد بأن الأبنية الموجودة على التلة تقع خارج أسوار المدينة ويفهم من ذلك بأنه عندما كتب المؤرخ تاريخه لم تكن الأبنية قد أدخلت ضمن سور المدينة بعد. نهايةً يؤكد المكان الذي خُصص لتشييد السور على وجود باب جكم الذي كانت مهمته الدفاع عن تلك النقطة حيث يتصل السور بالخندق. ويبدو لي بأنه بإمكاننا بعد ذلك تحديد موقع باب الأربعين على الطرف الجنوبي من الشارع وعلى الجهة المقابلة من باب جكم وقرب حمام السلطان حيث الشارع يجتاز المدينة باتجاه شمال- شرق. وهذه الطريق الأخيرة هي التي حددت مكان باب القناة ووضحت تعبير المؤرخ”خارج باب الأربعين”.

باب المقام: يسمى باب دمشق أيضاً. وقد سُميت بعض أبواب السور إلى جانب بعض أحياء حلب باسم الزيارات والأمكنة المقدسة ً.  وبسبب وجود هذا الباب على طريق مزار النبي إبراهيم في قلعة حلب فقد دعي بباب المقام. وقد باشر الملك الظاهر بتشييده وأكمل بناءه ابنه الملك العزيز.  وكان هذا الباب قائماً قبل قرنين كبقية أبواب حلب.

الباب الصغير وباب العراق: ليس صعباً تحديد موقعي هذين البابين على الرغم من زوالهما وتغيير معالم الحي كاملة في وقت متأخر. وكان الباب الصغير يتجه نحو خندق القلعة حيث يقف برج على منحدر القلعة أقامه جكم وهذا الأخير يحدد لنا نقطة تواصل سور القلعة بخندقه لذلك من المفترض أن يكون موقع الباب الصغير هنا بشكل تقريبي.

أما باب العراق فقد كان يُفتح دون أدنى ريب على الجهة الشمالية من جامع الطواشي قرب حمام الذهب.  ومن المعلوم بأن السور الذي يمتد على الجهة الجنوبية من هذا الباب يمر عبر حارة البزة ويتبع الطريق التي كانت تتجه من حمام الذهب إلى ساحة بزة وهي تلك البقعة التي تقع فيها الزاوية الجنوبية-الشرقية للسور القديم.

ترميمات السور: كان شكل سور مدينة حلب أكثر ترتيباً في عهد نور الدين مقارنة بالحاضر ولم يلف بالقلعة كاملة. لقد جرت أولى الأعمال الإنشائية العسكرية الكبيرة من قلاع وحصون في سوريا ابتداء من القرن 13 م لذلك ليس هناك قلعة واحدة رممت من أساساتها حتى قمتها في النصف الأول من القرن المذكور ويمكن فهم ذلك إنْ أخذنا بعين الاعتبار التقدم في عهد الفرنجة في مجالي فن البناء والتحصين دون نسيان الأوضاع السياسية السائدة آنذاك. وأمير حلب الظاهر غازي الذي كان قلقاً على أملاكه أمام الاجتياحات المحتملة قام بتحصين قلعة حارم وأفاميا ونجم ودافع عن حدود بلاده فساهمت هذه الإصلاحات العسكرية الإنشائية في تحقيق تطلعات السلطان في وحدة امبراطوريته الواسعة ومركزية الحكم. ولم يُغض الظاهر غازي الطرف عن عاصمة إمارته حلب أثناء القيام بهذه الترتيبات بل على العكس فقد استمرت تلك الأعمال الهامة مدة لا تقل عن نصف قرن. وإذا كانت روايات المؤرخين المعاصرين صادقة فقد قام أمراء حلب بالترميمات والتجديدات تدريجياً مدة 50 عاماً في حلب انطلاقاً من مقتضيات العصر دون وجود برنامج عام. ومن الصعوبة بمكان تحديد تلك الإنشاءات كرونولوجياً لأن جميع الكتابات والشهادات قد زالت عدا تلك المحفورة على الجدران الداخلية للقلعة. ومع ذلك نعلم بأن القسم الذي هُدم في عهد الظاهر غازي بدءاً من عام 592 هـ بناه نور الدين وتم إعادة بناء السور الممتد بين باب الجنان وباب النصر إلى جانب ترميم هذا الباب الأخير.  وقد شيد الأمير سوراً أيضاً على الجهة الشرقية من دار العدلية ثم بادر بعد 14 سنة في إعادة بناء القلعة خلال مدة 5 سنوات. وعدا هذه الأعمال الهامة أمر الظاهر غازي بتعميق الخندق الروماني.

قام العزيز محمد بإصلاح الخندق الروماني حول قلعة حلب ثم رمم الناصر يوسف الثاني السور الممتد بين باب الجنان وباب قنسرين في عام 642 هـ وأعيد بناء باب أنطاكية في السنة التالية وباب قنسرين في عام 654 هـ.

سيكون مفيداً وصف أهمية هذه الأعمال المنجزة إنْ بدأنا الحديث بسور حلب الأولي.

هدم الجدار الأمامي الذي شيد كساترfausse-Braie : الظاهر غازي الذي كان نشاطه منصباً بشكل رئيسي على إصلاح القلعة النهائي,أمر في الوقت ذاته بترميم  قسم صغير من السور القديم. ففي السنة الأولى من حكمه أمر بهدم الساتر الترابي-الحجري لأنه كان ينوي إعادة بناء تحصينات القلعة كاملة يقيناً منه بأن تأمين الذود عن المدينة لا يتم إلا  بتحقيق تلك الإنشاءات. وقد جرى تغيير مكان الواجهة الشمالية قبل بداية عهده. وإذا قبلنا نظرياً بنقل هذه الواجهة في السور القديم فقد كانت الحاجة والإمكانيات تدعو إلى دفع الجدار مسافة 100م إلى الخلف عند زاويته الشمالية-الغربية وأكثر من 20م عند باب النصر.

ترميم الساتر بين باب الجنان وباب قنسرين: ذُكر سابقاً بأن الجبهة الجنوبية للقلعة دُفعت إلى الأمام بينما تم ترميم الجبهة الغربية في مكانها من المحتمل لقرب النهر الذي لا يتيح إمكانية نقل ذلك القسم من السور وهي ظاهرة معروفة أثناء ترميم الأسوار بشكل عام. ويمكننا التأكيد هنا بأن الملك الناصر يوسف خليفة الغازي أكمل جميع أعمال ومشاريع سلفه.  وكان الغازي قد أعاد بناء الجبهة الشمالية التي تبدأ من باب الجنان حتى الزاوية الشمالية-الشرقية.  وقد أمّن محمد دفاعات المدينة من الجهة الشرقية وذلك برفع جدار عير خندق الروم يصل إلى باب قنسرين بزاويته الشمالية-الشرقية. وقد منح يوسف الثاني مجهوداته للقسم المتبقي من السور وتحديداً من باب قنسرين إلى باب الجنان.  وبعد إتمام جميع هذه المنشآت الجديدة بالطرق الإنشائية الحديثة يمكن التأكيد بأن التحصين الجيد لحلب في جميع جهاتها قد تم وحقق الغايات الدفاعية.

ترميم القلعة: انطلاقاً من الناحية الهندسية المعمارية هناك علاقات وثيقة طبيعية بين السور والقلعة. ولم تغيير الترميمات والإنشاءات التي نفذت في الحقبة الأيوبية من خط سير السور على الرغم من أهمية الإصلاحات التي قام بها الغازي على القلعة ولم يجد ضرورة لتبديل القسم الشرقي من لسور المدينة.

ساتر قصر العدل: فُتح بابان في هذا الساتر أولهما “الباب الصغير” الواقع على الجهة الشمالية-الشرقية من خندق القلعة و”باب دار العدل” الواقع على الجهة الجنوبية.  ويمكن تحديد موقع الباب الأول بدقة ودون صعوبة.  وكان هناك قوسان حجريان قرب خندق القلعة حتى القرن 16 م الواحد منهما كان يدعى “باب القوس الخارجي” وكان يصل حتى باب الحمام الناصري والآخر كان يسمى “باب القوس الداخلي” الأكبر من الباب السابق ويقع على الجهة الغربية من الأول.  وكان الباب الجنوبي مخصصاً للسلطان والباب الثاني كان ممراً يؤدي إلى الباب الصغير.

الأعمال التي أجريت على خندق الروم: من الصعوبة بمكان تحديد طبيعة وزمن هذه الأعمال ولكن يُعرف مع ذلك بأن الظاهر غازي أمر بتعميق الخندق وسوّى جداره المنحدر.  وقد أكمل الأتابك طوغرول ما بدأه الظاهر.  ومع ذلك لا يمكن تحديد باني هذا الجدار بشكل مطلق وخاصة أن بعض المؤرخين ينسبون هذه الأعمال تارة إلى الغازي وتارة أخرى إلى ابنه العزيز محمد. ويبدو لي بأن هذا الأخير أتم أعمال والده. وليس هناك أدنى ريب من وجود جدار في هذا الموقع في عهد الأيوبيين وخاصة أن المؤرخ لا يكتفي بذكره فقط بل يشير بأن ترميملت جرت عليه أثناء الأعمال التي قام بها المؤيد الشيخ على الرغم من دور هذا الجدار الثانوي في الدفاع عن المدينة.

يُذكر في عهد الناصر يوسف الثاني الشدادي أن طول سور المدينة كان6225 ذراعاً ومحيط القلعة 1520 ذراعاً.  وبما أن الذراع=0. 554 م فيكون محيط سور حلب 3600 م.  وهذه الأرقام لا تمتّ بصلة إلى السور الحالي الذي يصل طوله إلى 5000 م. ويتبع من ذلك أن المؤرخ ابن الشداد اعتبر سد خندق الروم عملاً ثانوياً من حيث الأهمية.  وعلى الرغم من زوال معظم أقسام سور المدينة إلا أن القسم البسيط الذي ظل قائماً يعود كاملاً إلى العصر المملوكي حيث لا نعثر على منشآت قديمة تحت سطح الأرض أو استخدام مواد بناء قديمة. ويمكن الملاحظة أيضاً بأن جميع الأبواب هي من إبداعات السلاطين الجراكسة حصراً. ومقطع السور الذي لا علاقة مباشرة له مع الخندق الروماني كان يحتوي على ثلاثة أبواب جيدة الصنع بين القرن 13 م وحتى بداية الاحتلال العثماني. ونعلم من المصادر التاريخية أيضاً بأنه جرى في البدء بناء جدار من الآجر المشوي على خندق الروم في هذا القرن بينما تمتاز هندسة العمارة الأيوبية باستخدام الأحجار المنحوتة ولا تضاهي أية مدينة حلب من هذه الناحية حيث تستخدم الأحجار الكبيرة المنحوتة بشكل منظم كمواد بناء بديعة للأقسام الخارجية المرئية بينما استخدام القرميد المشوي يُفسَّر بأن العمل وقتي أو المنشآت التي شيدت بهذه المادة الأولية تأتي في الدرجة الثانية من حيث الأهمية. وكان هذا السور هو خط الدفاع الأول ومحصن بشكل خفيف بالأبواب البسيطة كباب دار العدلية. وهذا هو السبب لزوال جميع أقسام هذه الأسوار والأبواب تقريباً التي شيدت بالقرميد المشوي. وعلينا جذب الانتباه هنا بأن القرميد المشوي استخدم في تلك العصور في المنشآت الدفاعية على شكل بلوكات سميكة وضخمة جداً بمقدورها القيام بمهمة الدفاع. واستخدام القرميد المشوي فن يعود إلى منطقة ما بين النهرين وشاع استخدامه بجدية في مناطق سوريا الشمالية.  وبفضل السور والخندق الذي يحاذيه لم تكن الجبهة الشرقية من المدينة تحت خطر الهجوم المباشر لذلك لم تكن هناك حاجة ملحة لإعادة بنائه. وبسبب مرور السنوات الطويلة والأهمية الثانوية لهذا السد-السور المستحدث اعتُبر السور القديم السور الحقيقي للمدينة. وكان لتوسيع خندق الروم وإقامة السور الخارجي آثارهما الكبيرة في مسألة توسع المدينة.

أمر المؤيد شاه في عام 1417م بإعادة بناء أسوار حلب التي كانت قد تضررت بشكل كبير جراء هجمات تيمورلنك وإبادة السكان حولها. وقد أعيد بناء جدار خندق الروم والمنشآت حوله خلال ثلاث سنوات بدءاً من زاويته الجنوبية وحتى باب الجنان وباب العراق من الجهة الأخرى.  وبعد وفاة شاه خلفه مباشرة الأشرف بارسباي وبادر هذا بدوره في تنفيذ أعمال الترميم ولكن انطلاقاً من مسقط جديد كاملاً في هذه المرة بناء على تقرير قُدم إليه من قبل أحد منظمي جيشه.  وحسب هذا المشروع دُفع السور إلى الخلف على خندق الروم وعلى الوجه الشرقي للسد السابق وباب الأربعين ضمناً واستخدمت أحجار السور القديم في هذه الأعمال وتمت الأعمال الإنشائية في عام 1428م. إذاً يعود شكل السور الخارجي الحالي إلى مخطط برسباي فقد نُفذ بحذافيره بعده من قبل خلفائه قايتباي وابنه محمد وقانصوه الغوري أيضاً.

     هذه التغييرات الفجائية في نقل السور كانت بسبب استياء سكان المدينة من نظام السور المزدوج المحصن:أي سور خندق الروم وسور المدينة الأصلي. وكان جميع سكان تلك الأحياء دون استثناء من المسلمين في تلك الحقبة الزمنية.  وعلينا أن نعلم أيضاً بأن الأحياء الواقعة داخل السور الأولي,التي تتطابق مع مدينة حلب البيزنطية القديمة,تحتوي على عناصر غير مسلمة تصل نسبتها إلى 20 % في حي الجلوم و99 % في بحسيتا. وقد قلّت هذه النسبة كثيراً عندما شرع المسيحيون يسكنون خارج أسوار حلب في أحياء الجديدة والعزيزية والجميلية التي بدأ اليهود بدورهم يقطنون فيها في هذه الأيام. ويُعتقد بأن التاريخ التقريبي لسكن الحلبيين في الحزام التحصيني الجديد هو عام 1208م لأن المنطقة قبل ذلك كانت غير آهلة بالسكان ويتأكد من جدول يشير بأن قساطل أقنية حيلان كانت تقع داخل السور القديم. وتعود المنشآت بين خندق الروم والمدينة القديمة إلى العصور المملوكية بينما المنشأت التي قام بتشييدها الأتابكيون والأيوبيون تقع خارج أسوار المدينة وفي الأحياء الغربية منها وهي مسكونة من زمن بعيد حول المقام الذي شيد على بعد كيلومتر واحد جنوبي المدينة في منطقة نائية وخالية من السكان. والناحية المميزة أن جميع هذه الأبنية المملوكية هي جوامع تحيطها المقابر من جهاتها الأربع ولكل جامع منبره الخاص  وبهو واسع واحد وهي دلالة على وجود مواطنين مسلمين عديدين حول هذه المنطقة.  ومن المؤكد بأن تلك الجوامع تنتمي إلى مدرسة هندسة العمارة المملوكية وفنها. لذلك يمكن التأكيد بأن عدداً كبيراً من السكان المسلمين كانوا يسكنون في الجوار عندما شيد أول جامع على هذه البقعة في عام 1318 م وتحول هذا الحزام حول القلعة إلى منطقة سكن بدءاً من نهايات القرن 13 م أو بدايات القرن 14 م ومن هنا يُستنتج ويُفهم سبب نقل السور إلى مكان آخر.

تختلف بقايا السور معمارياً عن سد خندق الروم ونرى هذا الاختلاف ظاهراً بشكل جلي في الأبواب. ولسور حلب الشهير عدة أبواب في أحوال جيدة الآن بينما بقية الأبواب الأربعة: باب الفرج وباب الجنان وباب النيرب وباب الأحمر في حالة خراب نسبي. نهاية علينا إضافة مدخل القلعة إلى هذه الأبواب فيصبح رقمها الإجمالي 10 أبواباً 4 منها من العصر الأيوبي وبقية ال 6 الأخرى تعود إلى عهد المماليك.

هناك كتابات على البرج الكائن في الزاوية الشمالية-الشرقية للسور تؤكد بأن بناء القلعة والمنشآت حولها جرى في الوقت ذاته. ومن الغرابة بمكان أيضاً أن هاتين المجموعتين من الأبواب لا شبه بينهما. وبينما أبواب المجموعة الأولى ضخمة وجميلة كمدخل القلعة الذي تصل مساحته إلى 1000 م2 وهو يلفت النظر بجماله على الرغم من خرابه النسبي والعناصر المعمارية الطفيلية التي أضيفت إليه بينما المجموعة الثانية من الأبواب أصغر حجماً وفقيرة في منشآتها وأقل جمالاً في مظهرها العام لذلك تخربت بسرعة.

لإنهاء هذا القسم نؤكد بأنه بعد ظهور الإسلام وبناء مدن كالفسطاط والموصل وبغداد والقاهرة ليس هناك مدينة عدا حلب تمتاز بمخططها الواضح المنظم وشوارعها المستقيمة لذلك لا يمكن نسبها إلى الخلفاء العرب بل ندين بكل ذلك إلى الأسلاف لأن المدن السورية التي شيدت في العهود السلوقية والرومانية والبيزنطية تتطابق بمساقطها مع مسقط حلب. ويؤسفنا أننا لا نملك مصادر أو براهين مادية تثبت هذه الناحية الهامة عدا الكاتدرائية البيزنطية التي حولت إلى مدرسة الحلوية مع الأسف وهي ظاهرة هامة واستثنائية فقد كانت الكنيسة معبداً وثنياً في السابق والظاهرة تكررت في دمشق وحمص وحماه أيضاً. وإلى أن  تتوفر لدينا معلومات جديدة علينا أن نغض النظر عن نظرية تشييد مدينة حلب في العهد الروماني والبيزنطي لأن حلب كانت موجودة في تلك العهود كبلدة صغيرة ليست بأهمية أنطاكية وخالكيس الكبيرتين. ومع ذلك فإن المخطط العام للمدينة القديمة هيلليني (شطرنجية المخطط-المترجم) وتمثّل بيريا القديمة وقام سلوقوس نيكاتور بتوسيعها وتجميلها. والاحتمال وارد بأن يوماً ما وبسبب التنقيبات والأبحاث الجديدة يمكن التأكيد على صحة هذه المسألة.  J. Sauvaget (L’Enceinte Primitive de la Ville d’Alep) Beyrouth-1929

يصف القنصل الفرنسي الفارس لوران دارفيو محيط وأسوار وأبواب المدينة في عام 1682 قائلاً:((تحتوي حلب كما ذكرنا على أربعة تلال في محيط سورها وإثني عشر حياً على الجهة الخارجية منها. والإنسان الذي يتقن المشي يمكنه من الدوران حول المدينة مسافة ثلاثة فراسخ خلال ثلاث ساعات. وأسوار المدينة عالية وغليظة ومداميكها مرصوفة بالأحجار المنحوتة بشكل جيد وعلى طول مسارها تقع الأبراج ويبعد الواحد عن الآخر مسافة 50 قدماً وأحوال بعضها وأقسام من السور سيئة ومهملة في نقاط عديدة ولا أحد يهتم بترميمها والظاهرة عامة في جميع مقاطعات الامبراطورية عدا هنغاريا ويقال بأنها في حال أفضل. وللمدينة 10 أبواب وهي:باب أنطاكية وباب سجن المدينة وباب المقام أو باب النساء وباب النيرب وباب الأحمر أو الحماوة وباب الحديد وباب النصر وباب الفرج أو باب الكرمة وباب الجنان. ومفاتيح هذه ألأبواب تكون في حوزة آغاوات الإنكشاريين الذين يحتفظون هناك ب 50 عسكرياً أو انكشارياً للذود عن الباب وفتحه أو إغلاقه. ولا يحق لهؤلاء الإنكشاريين تغطية رؤوسهم كحراس القسطنطينية ولا يجبرون على الذهاب إلى الحرب. وقبل ثلاثة قرون تقريباً نُصب حول السور 40 مدفعاً من قياسات مختلفة ولكن القليل منها كان صالحاً للاستخدام وكان عددها أكبر لكن قام السلطان مراد الرابع باستخدمها أثناء حصاره لبغداد في عام 1630 وتمكن من احتلال المدينة ولم تُعوض بمدافع صالحة مرة أخرى. وفي القرن ذاته كانت مدافع أخرى محفوظة في مخزن الأسلحة داخل القلعة إلى جانب أسلحة هجومية ودفاعية وعتاد بكميات كبيرة فمُنع على سكان حلب من جميع الملل والأوروبيين دخول القلعة)).  Chevalier d’Arvieux (Memoires) Paris-1734, IV, p. 448

بعد هذه المعلومات المقتضبة فإنه من الشيق قراءة الأسطر التالية للعالم ألكسندر راسل القنصل البريطاني الذي عاش في النصف الأول من القرن 18 مدة 13 سنة داخل أسوار حلب (في الطابق الثاني لخان الوزير مقر شركة الهند الشرقية-المترجم) التي تقدم صورة دقيقة حول أسوار وأحياء وقلعة حلب:(( للمدينة 9 أبواب في الوقت الحاضر-عام 1750: بابان على الجهة الشرقية وإثنان آخران على الطرف الغربي وإثنان على الجبهة الشمالية وثلاثة أبواب على الطرف الجنوبي. ويعد باب قنسرين أو باب السجن كما يسمونه الأوروبيون أجمل الأبواب وأكثرها تخريباً في الوقت ذاته وهو باسم إحدى أشهر المدن السورية وتحديداً خالكيس. والباب الآخر الواقع على الجهة الشمالية يدعى باب المقام أو باب دمشق. ويمتد بين هذين البابين سور يصل إلى تلة تسمى تلة الشريف. والباب الأول الموجود على الطرف الشرقي هو باب النيرب بينما الثاني هو ممر سري فقط باسم الباب الأحمر. والباب الأول على الجبهة الشمالية يسمى باب الحديد الذي يقود إلى ضاحية  والباب الثاني يدعى باب النصر أو باب القديس جاورجيوس من قبل الأوروبيين وكان يدعى بباب اليهود سابقاً ولكن الملك الظاهر  بن صلاح الدين قام بترميمه وإعادة تسميته بباب النصر. وهناك قنديل يشعل تحت الباب بشكل دائم لحفظ ذكرى الرسول إشعيا الذي كان يسكن في المكان بناء على أقوال المبشرين ويحج إليه المؤمنون. ويمتد السور بين باب دمشق وباب الحديد عبر حقل وأمامه خندق غير عال بالكاد يمكن الانتباه إليه بينما السور الممتد بين باب الحديد وباب القديس جاورجيوس مبني على هضبة تمتد حتى تلة الجبيلي. والسور الممتد من باب القديس جاورجيوس حتى الباب الغربي كان مبنياً بدوره على هضبة سويت مع الأرض وتحولت إلى سلسلة من المنازل للسكان اليهود. وسور الطرف الغربي متين جداً ولكنه تحول إلى منازل بسبب الخراب الحاصل في مواقع عديدة. وأول باب نلتقيه هنا هو باب الفرج ويدعى بباب البستان من قبل الفرنسيين و يدل مظهره العام على البؤس مقارنة بأبواب أخرى. ويقع على بعد 200 قدم من هذا الباب باب الجنان الذي يسميه الفرنسيون باب العتمة ويؤدي إلى جسر نهر قويق في ضاحية المشارقة.  والباب التاسع والأخير يُفتح على الطريق الغربية ويسمى باب أنطاكية. ويقع حي بحسيتا بين باب القديس جاورجيوس وباب الجنان وحي العقبة بين بابي العتمة وأنطاكية. أما الشارع الذي يسمى جلوم فإنه يقع قرب باب السجن. وقد بنيت بيوت مبعثرة قرب باب دمشق وتبدو للمشاهد بأنها ضواحي متفرقة. وهذه الضاحية والضواحي الأخرى التي تمتد حتى  مسكونة بالتركمان والأكراد والعرب. وتبدأ ضاحية  قرب باب الحديد مباشرة وتمتد شمالاً وشرقاً حتى تصل إلى بعض التلال وتتخذ أسماء خاصة مثل الشيخ يبرق وشيخ العرب وغيرهما. ولهذه الضاحية أبنية جميلة وبعض الجوامع والأسواق والخانات والمقاهي وهي مشهورة خاصة بسوق الحبوب النشيطة بسبب حركة القوافل الدائمة فيها. ويقطن العديد من الأشراف والشيوخ الأغنياء في  بالإضافة إلى دالي باش Deli Bash ومفرزته العسكرية. وسكان هذا الحي يتحاشون بشكل عام من الاحتكاك بالأجانب وهم أقل تحضراً عن بقية السكان في المدينة وعلاوة على ذلك يشكلون كتلة بشرية كبيرة ويتزعمون أية حركة سياسية أو عصيان. وتقع ضاحيتا الهزازة والجديدة الواسعتين إلى الشمال-الشرقي من  وسكانهما من المسيحيين عامة بينما على الطرف الآخر لنهر قويق تقع ضاحية المشارقة حيث يعيش مسلمون فقراء)).

Alexander Russell (The Natural History of Aleppo) London-1794,I, p. 37

ينفرد “ملحق أزتاك العربي للشؤون الأرمنية” بنشر صفحات كتاب “تاريخ حلبللأسقف أردافازت سورميان.

* من كتاب تاريخ حلب” للأسقف أردافازت سورميان، مطران الأرمن الأسبق في حلب، (1925 ـ 1940)، ترجمه عن الأرمنية الدكتور ألكسندر كشيشيان، عضو اتحاد الكتاب العرب وجمعية العاديات، حلب، 2006.

Share This