شارع آراكس يغري السياح و يحمل الطابع الأرمني بامتياز

لا يختلف شارع آراكس الواقع في منطقة برج حمود كثيرا عن شوارع التسوق الشعبية المعروفة كـ«خان الخليلي» في القاهرة و«الحميدية» في دمشق. وعلى الرغم من أنه يبدو أكثر تأثرا بسوق «لابوس» الفرنسي، حيث الباعة المتجولون يفترشون أرصفته يمينا ويسارا، هذا ينادي على ساعات يدعي أنها سويسرية الصنع بقالب كوري، وذاك يلمع أصابع الخيار ورؤوس البندورة على عربته الخشبية قبالة بائع آخر يفتخر بالصناعة اللبنانية وينادي على قمصان وجوارب قطنية، كتب عليها «صنع في لبنان».

وحدها رائحة «البسطرمة» و«السجق» المنبعثة من المحلات الخاصة بتحضيرها والمشهورة في هذه المنطقة بالذات تذكرك أنك في العاصمة اللبنانية، وبالتحديد في شارع آراكس، ذات الطابع الأرمني، ويعتبر أحد أشهر شوارع التسوق في لبنان.

يتفرع من هذه السوق المتاخمة لمنطقة الدورة في بيروت نحو الخمسين زقاقا، كلها معروفة بـ«شارع آراكس»، على الرغم من أن بعضها يحمل أسماء أخرى كشارع «الأخطل الصغير» و«أرمينيا» و«طرابلس» و«بلانكو» وغيرها، وفي أكثر من مائتي محمل تجاري ومائة مطعم. ويرتبط ارتباطا جغرافيا وتاريخيا وبشريا بسوق كبيرة تعرف بسوق برج حمود وتبلغ مساحتها نحو الـ500 ألف متر مربع، غالبية التجار وأصحاب المحلات فيها من الجالية الأرمينية التي جاءت لبنان إثر تهجيرها من تركيا في منتصف العشرينات، والمعروف عن الأرمن إجادتهم التجارة والأعمال الحرفية والفنية، وقد عملوا في لبنان في شتى الميادين الصناعية. فصاروا من أربابها أمثال بول أيانيان (تاجر إضاءة) وآغا سركيسيان، تاجر أدوات كهربائية، كما دخلوا المعترك السياسي، وتم تمثيلهم رسميا في مجلس النواب اللبناني وشاركوا في الوزارات.

اللافت في هذا الشارع، الذي يضج بالحياة وتضيئه اليافطات والواجهات على الجانبين أن فيه كل ما يخطر في البال وما تحتاجه من البابوج (الحذاء) إلى الطربوش، كما يقول المثل اللبناني. ويعتبر «آراكس» الأول من نوعه في لبنان والعالم، كمركز تجاري شامل لكل الخدمات السياحية، وفيه محلات تختص ببيع المفروشات والمجوهرات والمأكولات، كما فيه محلات للألبسة والألعاب والأحذية والحقائب الجلدية وغيرها وبأسعار مدروسة وأقل تكلفة عن غيرها من الأسواق التجارية في لبنان بنسبة 20 إلى 25 في المائة. ويجذب «آراكس» السياح والمواطنين اللبنانيين على السواء الذي يقصدونه، خاصة لشراء الإكسسوارات، كالحلي والمجوهرات والحقائب والأحذية الجلدية.

وتقول إيفا سماحة، إحدى السيدات التي اعتادت التسوق من «آراكس»: إن البعض قد يستخف بصناعات هذه السوق ويعتبر إنتاجها ونوعيته أقل جودة من المستوى المطلوب، ولكنها تؤكد أن البضاعة نفسها هي التي تباع في المحلات الراقية في أسواق الكسليك وجونيه وبيروت وبأسعار خيالية، وأنها شخصيا تشتريها من «آراكس» بنصف ثمنها تماماً.

ويقول أحد أعضاء لجنة تجار هذه السوق كرنيكك تشيغوريان: «اللبناني يندفع وراء الأسماء البراقة واللماعة، مع أن بضاعة هذه السوق تصدر إلى دول أوروبية، بينها ألمانيا وبلجيكا وتباع في أسواق أخرى مدموغة بالأرستقراطية وتحت اسم مستعار لصناعة إحدى الدول الأوروبية المعروفة بأسعار خيالية، فهو يفضل شراءها من هناك، منبهرا بطريقة عرضها على شرائها من المصدر الأم، وبأسعار مقبولة، ولأن 90 في المائة من سكان شارع آراكس في منطقة برج حمود هم من التبعية الأرمينية، فقد اتسمت فروعه وأزقته بطابع الأرمن ونلاحظه من بعيد في الواجهات وعلى جوانب الطرقات، وتتجلى بأعمال يدوية كثيرة كتجفيف الزهور والتطريز وتبييض المعادن وبيع الأواني العتيقة والخزفية.

ويتفرع من «آراكس» شارع «ماراش» والخاص ببيع المونة اللبنانية من زيت زيتون وكشك وزعتر وبرغل وعصير دبس الرمان والخل وماء الزهر، إضافة إلى الحبوب على أنواعها والبخور الهندية واللبنانية التي يعيق برائحتها الشارع.

ويأخذ هذا الشاعر طابع أزقة بيروت القديمة، حيث رصت أرصفته ببلاط «هاغوب» وحجر يستهوي المشاة.

ويؤكد أحد البائعين في هذا الشارع أن نوعية الزبائن التي تقصده تتفاوت ما بين الشعبية والأرستقراطية، خصوصا أن الأسعار فيه تهبط إلى النصف تماما عن غيرها من باقي الأسواق ومن يقصد «آراكس» لا بد أن تستوقفه رائحة النقانق المتبلة والكباب والبسطرما، وهي من الأطباق الأساسية والمعروفة لدى الأرمن وتنبعث من مطاعم معروفة أمثال «وساكو»، و«فاروج» التي تلزمك أن تقف في الصف ولوقت طويل للحصول على ساندويتش شهير من حملاتها وتستقطب الزوار الأجانب لما تحمله من طعم مميز في خلطة سحرية أرمينية.

وعلى غير الأسواق الأخرى المعروفة في بيروت كسوق الحمرا ومار إلياس والمقدسي والكسليك، فإن «آراكس» هو الوحيد الذي ترتفع فيه نسبة المعامل والمصانع المحلية ويفوق عددها الـ70 مصنعا ومنها ما يصدر إلى السوق الأوروبية المشتركة بنسبة 90 في المائة من إنتاجها، إذ تشكل صادرات هذه السوق 40 في المائة من مجمل الصادرات للخارج في مقدمتها الأحذية والحقائب.

ويتذكر رئيس بلدية برج حمود الدكتور سولاك توتاليان بدايات هذه السوق في فترة الستينات، حيث بالكاد كانت تحتوي على بعض المحلات التجارية وأشجار الكينا والبرتقال تغطي مساحات شاسعة منها إلا أنه وعلى أثر اندلاع الحرب اللبنانية عام 1975 وإقفال الأسواق التجارية وسط بيروت، يومها شهد هذا الشارع نهضة عمرانية لافتة، لا سيما أن غالبية التجار وأصحاب المحلات المقفلة والمدمرة انتقلوا بفروع جديدة إليه.

ويرتدي هذا الشارع في كل موسم أو فصل حلة جديدة تتماشى معه، فتنتشر قبعات الصيف المصنوعة من القش والمزينة بشرائط ملونة، إضافة إلى المراوح الهوائية وألعاب الأطفال الخاصة في موسم البحر أيام الحر، بينما تزدان الطرقات والأرصفة بالمدافئ الكهربائية أو جاكيتات النايلون الطويلة والملونة للتخلص من البرد والمطر. أما أثناء مباريات المونديال لكرة القدم، فيعج «آراكس» بأعلام الدول المشاركة، ولا يتوانى البعض عن رفع أعلام الفريقين الأرمينيين المعروفين في رياضة كرة القدم الهومنتمن والهومنمن، لإرضاء بعض الزبائن المتحيزين لهذا الفريق أو ذاك.

جريدة الشرق الاوسط

Share This