قصور حلب الملكية القديمة…صفحات كتاب “تاريخ حلب “للأسقف أردافازت سورميان (10)

الجامع 

الفصل السابع

قصور حلب الملكية القديمة

يقال بأن ملوك وأمراء حلب كانوا يقطنون في قصور المدينة أكثر من القلعة. وكان أحد هذه القصور مشيداً من قبل مسلَمة بن عبد الملك في القرن 13 م في الناعورة حيث سكن طوال فترة حكمه للمدينة عوضاً عن شقيقه الوليد وانهدم القصر لاحقاً وزال كليا ً. ويقول بن الشداد: ((بقي من القصر برج واحد وآثار بعض أبراج أخرى)). وقد عُلم في المدة الأخيرة بأن باب قنسرين شيد بالكامل بأحجار هذا القصر. وكان هناك قصر آخر في حلب شيد من قبل سليمان شقيق مسلمة عندما كان سليمان حاكم حلب. وبعد بنائه أضيفت إليه الزخارف والتزيينات بكل عناية. ومن هنا سمي الهدير باسمه. وكان الهدير عبارة عن قرية كبيرة خارج المدينة. ويستخدم تعبير هدير بشكل عام للمعسكرات الهامة. جاء في”مختصر البلدان: ((الهدير معسكر مهم ك “هدير طيء” أو هدير أية قبيلة أو شعب)). وكان بالقرب من المدينة “هدير حلب” وفيه عرب وتنوخيون وغيرهم فقد قاتل هؤلاء سكان حلب إلا أن السكان أكرهوهم على إخلاء المدينة. وقد وصلت جماعات عربية أخرى ونصبت خيامها هناك وتحول هدير حلب إلى معسكر كبير. ونقرأ في كتاب “فتوح البلدان” للبلاذري:((كان بالقرب من حلب هدير يسمونه “هدير حلب” حيث تجمعت جماعات مختلفة من العرب والتنوخيين وغيرها من القبائل. وعندما وصل أبو عبيدة إلى هناك بعد فتحه لقنسرين عقد مع سكانها عهد سلام وأكره السكان على دفع الجزية ثم قام السكان بعد ذلك بقبول الإسلام ديناً وظلوا في أماكنهم مع أولادهم وأحفادهم حتى وقت متأخر من وفاة الخليفة الرشيد. وبعد مدة هاجم سكان الهدير أهالي مدينة حلب وحاولوا طردهم خارج المدينة فطلب سكان حلب المؤلفين من القبائل الهاشمية العون من زعماء القبائل العربية المتمركزة حول المدينة تحت ظروف يائسة فلبى هؤلاء طلب مساعدة الأهلين وكان ظفر الهلالي بن عباس أول زعماء القبائل الذين وصلوا إلى المدينة. وإثر ذلك قام سكان الهدير بقتل جميعهم بعد عدم التوصل إلى اتفاق فيما بينهم. وقد جرت هذه الأحداث في عهد عصيان محمد الأمين بن الرشيد. وهاجر سكان الهدير إلى قنسرين واستضافهم سكانها بترحاب مقدمين لهم المأكل والملبس. ولكن الهديريين الناكرين للجميل بالكاد كانوا قد وصلوا إلى قنسرين عندما شرعوا في احتلال القرية فقام أهالي قنسرين بطردهم وبعثرتهم في جميع أرجاء البلاد فاتجه قسم منهم إلى تكريت وقسم آخر إلى أرمينيا وآخرون إلى بلدان بعيدة. ويشكل هدير حلب إحدى ضواحي المدينة الهامة وكانت مشهورة وتقع على الجهة الجنوبية-الغربية من حلب وعلى بعد رمية نبال عن سور المدينة ويدعى “هدير السليمانية”. ومعظم سكانه هم من التركمان المستعربين وجميعهم من الجنود المحنكين. وهناك جامع وحيد جميل حيث يصلون سوية وتُقرأ فيها الخطب. وللهدير أسواق عديدة ويمكن للمرء العثور على كل ما يبتغيه وله حاكمه ولكن هدير قنسرين أقل شأناً)).  (تاريخ ياقوت, المجلد-2.  ص 184)

يقول ابن الشداد:((عندما انسحب العباسيون من الحكم أمر عبد الله بن محمد بن علي بهدم ذلك القصر في الهدير)).

كان هناك قصر ثالث في خوناصرا (خناصر الحالية) في منطقة الحص وولاية حلب وأكثر تحديداً في الأحص فقد شيد من قبل عمر بن عبد العزيز وكان يسكنه في معظم الأوقات. ويوجد قصر رابع في قرية بتياس ابتناه صالح بن علي بن عبد الله بن العباس وسكن فيه وكانت أنقاضه لا تزال موجودة في أيام ابن الشداد كما يؤكد هو. وبناء على شهادة ابن الشحنة تقع بتياس خارج حلب وكانت من أملاك والده. ويؤكد المؤرخ ياقوت الحموي (الجزء الأول ص 667) بأن بتياس هذه يجب عدم الخلط بينها وبين القرية الأرمنية في شمالي أنطاكية لأنها كانت قرية تقع بين النيرب وبابيلا. وكان لعلي بن عبد الملك بن الصالح أمير حلب قصر هنا ولكن القرية والقصر في حالة خراب الآن. ويُتأكد من الموقع المشار إليه في قصيدة للبحتري حيث يذكر الشاعر الموقع إلى جانب بنقوسا وبابيلا.  ((عين المنصور صالح حاكماً لحلب وقنسرين وحمص في سنة 754 هـ. وتمركز في حلب وشيد قصراً خارج المدينة قرب النيرب سماه بقصر بتياس)).  ويقول ابن الخطيب الناصري: ((سكن بعض الهاشميين في حلب وجعلوها مركزاً لهم رافضين السكن في أية مدينة أخرى. وقد كرر صالح بن علي بن عبد الله بن العباس ذلك بأن أقام قصره في بتياس على الهضبة المطلة على النيرب على الجهة الشمالية-الغربية للمدينة . . . . )).

القصر الخامس الذي كان يدعى “الداران” يقع على الجهة الخارجية لباب أنطاكية شيده بنو صالح وهو مؤلف من قسمين يجري بينهما نهر قويق ويمتد قوس بينهما أقامه صالح بن عبد الملك وشُيد حي كامل حولهما لاحقاً. وقد أكمل عبد الملك إنشاء القصر ووضع له باباً جلبه من “قصر البنات” فقد كان من أملاك بعض الهاشميين في حلب. ولكن يؤكد ابن الشحنة بأن القصر كان يقع داخل المدينة على شارع “درب البنات”. وكان إلى الجهة الشرقية من هذا القصر المزدوج وعلى الجهة الشمالية لباب قنسرين حديقة باسم القصر الذي كان ملك مدرسة النورية للشافعيين.

     في كتابه “بغية الطلب في تاريخ حلب” يشهد ابن العديم: ((أن أبي أحمد الموفّق عين سيما طويل القامة الذي كان أحد الضباط العباسيين المرموقين حاكماً لحلب وتحصيناتها. وقد قام سيما ببناء قصر باهر قرب باب أنطاكية محاط ببساتين جميلة وسمي البستان ب “بستان الدار” ولا تزال هذه التسمية باقية. وقد سمي المكان ب “القصرين” بسبب هذا القصر المزدوج وأحدهما المبني على الضفة الواحدة من نهر قويق كان يسمى “السليمانية” ومنه تسمية “هدير السليمانية” أي هدير حلب. وقد قام سيما بإعادة بناء الجسر الممتد على النهر ووضع له باباً نقله من “قصر البنات” الذي يعود إلى الهاشميين بالذات ويقع في درب البنات في حلب وسمى سيما هذا الباب ب”باب السلامة”. وكان هناك قصر آخر على الجهة الداخلية من قصر البستان بناه أبو النصر منصور بن لولو أحد المعتوقين من قبل الحمدانيين. وكان القصر تحت خطر الانهيار لاحقاً فقاموا بهدمه وبناء بيوت صغيرة للفقراء على موقعه. وبعد فترة وفي عهد الملك العزيز قام علم الدين قيصر الظهيري بابتياع جميع تلك البيوت وهدمها لبناء قيسرية واسعة بأحجارها تحتوي على مستودعات أرضية كبيرة للزيت ودكاكين عديدة حولها وتوارثها أولاده وأحفاده. وقد تم الاستيلاء على بعض الدكاكين في عام 1273م لصالح الأمير بدر الدين المشرف العام على أملاك الملك الظاهر والخزندار بدر الدين.

نهاية كان هناك قصر سابع بناه سيف الدولة في الحلبة بعد تغيير مجرى النهر. وكانت الحلبة تقع قرب حلب على الجهة الغربية منها وكانت تمتاز بهوائها العليل النظيف وتربتها الخصبة وقربها إلى النهر. وكانت حلبتان لسباق الخيول وبساتين الكرمة تحيط بالقصر. وعندما حاصر نيكيفور حلب استولى على جميع ما وجده في هذا القصر ثم أمر بهدمه. وقد استمر أمراء حلب بالسكن في هذه القصور حتى عهد المرداسيين الذين كانوا أول الحكام فضلوا السكن في القلعة واستمر خلفائهم منذئذ بالتمركز داخلها)).

ينفرد “ملحق أزتاك العربي للشؤون الأرمنية” بنشر صفحات كتاب “تاريخ حلبللأسقف أردافازت سورميان.

* من كتاب تاريخ حلب” للأسقف أردافازت سورميان، مطران الأرمن الأسبق في حلب، (1925 – 1940)، ترجمه عن الأرمنية الدكتور ألكسندر كشيشيان، عضو اتحاد الكتاب العرب وجمعية العاديات، حلب، 2006.

Share This