مساجد أخرى في حلب…صفحات كتاب “تاريخ حلب “للأسقف أردافازت سورميان (12)

ardavazt-sourmeyan-book-cover (1)

الفصل التاسع

 

مساجد أخرى في حلب

يعدد ابن الشحنة, من الحتمل انطلاقاً من حيث الأهمية,الجوامع التالية الموجودة في حلب في القرن 15: (1) جامع سليمان (2) جامع البختي (3) جامع في بنقوسة (4) جامع ألتونبغا (5) جامع الناصرية (6) جامع مانكليبوغا (7) جامع إلبوغا (8) جامع تغريبردي (9) جامع أكبوغا الأطروشي (10) جامع الطواشي (11) جامع باكدامور القرناصي أو القاضي (12) جامع الصروي (13) جامع المهمندار (14) جامع بحسيتا (15) جامع الشعيبية (16) جامع القيقان (1) جامع الخواجا (18) جامع الحبيسي (19) جامع إشقدامور (20) جامع القلعة

جامع سليمان: أسسه أسد الدين شيراكوه صاحب حمص وقرئت فيه الخطبة ووسعه الأمير سيف الدين بن سليمان بن جندار. وابتنى الأمير أيضاً مدرسة ومدفناً قربه ودفن فيه. وقد زال الجامع ولم يبق منه أثر.

جامع البختي: كان هناك جامع في حي الرمضانية بهذا الاسم حيث تقرأ الخطبة وفيه جرس يدق لجمع المسيحيين. وكان الجامع كنيسة قديمة على اسم أحد القديسين.

جامع في بنقوسا: شيده الكردي مدير شرطة حلب وكانت تقرأ فيه الخطبة. وقد أصبح ضياء الدين عيسى بن محمد الحكياري إمام وحقوقي شيراكوه أحد مساعدي السلطان المصري صلاح الدين بعد اعتلائه على منصب رئيس الوزراء. وكان ضياء الدين يرتدي الزي العسكري ولكنه يضع عمامة القضاة على رأسه. توفي ودفن خارج القدس عام 1189م. وقد شيدت في حلب وضواحيها في هذه الحقبة ما ينوف على 20 جامعاً تقرأ فيها الخطبة ومن أشهرها:

جامع ألتونبغا: شيده الصالحي حاكم حلب ثم دمشق عام 1323م قرب “الميدان الأسود”على الرغم من وجود تاريخ 1338م على مدخله الكبير. وهذا الجامع هو الثاني بعد الجامع الكبير الذي شيد داخل الأسوار. ويقع الجامع قرب الخندق الروماني على الجهة الشرقية من المدينة. وللجامع مدخلان:الواحد منهما على الجهة الغربية وهو الرئيسي وقد بنى أيضاً مراحيض عامة كبيرة قربه لصالح الشعب. والمدخل الآخر الواقع على الجهة الغربية أصغر مقارنة بالأول ومنه يخرج المصلون أمام باب القلعة. وقد سمي الحي باسم الجامع. وفي هذا الحي يجمعون ملح الجبول في المستودعات. وكان في موقع هذا الجامع مدرسة ضُمت إليه لاحقاً الجامع. وكانت واردات بيع الملح تعود إلى متولي الجامع الذي كان يخصصها لمصاريفه الشخصية. وكمعظم المساجد كان بالقرب منه مدفن وقبر أحد الموالي تم الاستيلاء عليها بطرق غير مشروعة.

جامع الناصرية: شيد على أنقاض كنيس ميتخالي اليهودي. وقاضي القضاة كمال الدين بن الزملكاني الذي يصف تحويل الكنيس إلى جامع عام 1327م قرر بحكم قضائي هدم الكنيس وبناء “المدرسة الناصرية” باسم الملك الناصر التي حولت إلى جامع تقرأ فيه الخطبة حتى اجتياح تيمورلنك الذي خرب سطحه. و قد قام المقرئ بترميم السطح بعد فترة واستمر في تقديم الخطبة.

جامع مانكليبوغا: يقع قرب باب قنسرين وهو من أجمل جوامع حلب فقد شيده الشمسي حاكم حلب ودمشق في عام 1376م. وهناك كتابة على مدخل الجامع تشير إلى عام 1365م.

جامع إلبوغا: مشهور بالروايات الشعبية العديدة التي تحكى عنه. شيده الناصري حاكم حلب على أنقاض خان يعرف بـ “خان البيض” عندما ثار ضد السلطان برقوق وخشي على نفسه من الاغتيال أثناء صلاة الجمعة. وقد تم القبض عليه عام 1315م لذلك نعتقد بأن بناء الجامع جرى قبل هذا التاريخ ببضع سنوات وخصص له أوقافاً. وبعد أغتيال الحاكم استولى السلطان على  العقار. وكان إلبوغا قد ابتنى حماماً قرب القلعة وإلى جانبه مدرسة خاصة للأيتام وبركة ماء. ولم يكن للجامع أي وارد سوى ما يصرف عليه من الحمام حتى القرن 15 ولكن أقرباء الناصري في القاهرة كانوا يأتون إلى حلب ويطالبون بواردات الحمام معتبرينه ملكاً خاصاً لهم وكان السلطان قد استولى عليه.

جامع التغريبردي: ابتناه تغريبردي حاكم حلب ثم دمشق في عام 1394م قرب الأصفري وحي التركمان عندما أصبح المسؤول الأول في حلب. ويعود أول تأسيس له إلى ابن طومان.

جامع أكبوغا الأطروشي:  ابتناه أكبوغا حاكم حلب ثم دمشق في منطقة سوق الخيل عام 1399م وقام بتزيينه بأعمدة صفراء من المرمر وأقام فيه مدفناً وخصص لهما أوقافاً. وقد انتقل أكبوغا إلى طرابلس ثم دمشق وعندما عاد ثانية إلى حلب توفي فيها في عام 1403م عندما لم يكن بناء الجامع مكتملاً بعد. وقد قام خلفه دامرداش بإكماله وخصص له أوقافاً لذلك يسمى الجامع باسم هذا الحاكم تارة وباسم الآخر تارة أخرى. ولتقديم فكرة حول المنافع التي قدمها باشاوات حلب يكفي أن نذكر بأن دامرداش أمر ببناء 5 حوانيت قرب الجامع إثنان منها عند المدخل الشمالي للجامع وحانوتين آخرين تحت غرفه وقيسرية أمامه تماماً و7 دكاكين أمام باب القلعة و14 دكاناً في”سوق الخشخاشين” ودكاكين أخرى في “سوق البرادعية” على الجهة الشرقية للجامع و22 حانوتاً أيضاً في السوق ذاته و 3 دكاكين في “سوق السقطية” وحانوت واحد في “سويقة علي” و7 حوانيت في “سوق السلاح” و5 حوانيت في “سوق الأبرية” و 36 دكاناً في “سوق السجاد” وفدان واحد من الأرض في قرية تل نصيبين في منطقة جبل سمعان وأراض في قرية معرة مصرين في منطقة سرمين ونهاية نصف بستان السيّاب الواقع مقابل باب أنطاكية. وبناء على عقد عقاري يعود لعام 1450-1451 اشترط مهيب الدين بن الشحنة بأن يكون لهذا الجامع مؤذنه الخاص وصرف قسم من واردات الأوقاف على تربته والمدرسة اللتين ستبنيان قرب بيته في منطقة الأنصاري وعلى والقسطل العام الذي سيشيد أمام باب القلعة. وهناك رواية شعبية حول هذا الجامع بأنه: ((كان في إحدى نوافذ الجامع مرآة يجد فيه المرء صديقه الغائب. وقد جاء أحد الألبانيين يوماً ونظر إلى المرآة فوجد صديقه الغائب ميتاً على فراشه ويستعد الناس لنقله إلىالمقبرة)). الفن الهندسي في هذا الجامع يشبه فن الهندسة في بخارى وخيوا.

جامع الطواشي: كان يقع على الجهة اليسرى للشارع العريض الذي يوصل باب المقام بالمدينة.

جامع باقدامور القرناصي أو جامع القاضي: هذا الجامع الشهير كان يقع على الجهة المقابلة للمحكمة الشرعية قرب خندق القلعة وغير بعيد عن باب الأربعين.

جامع الصروي: يقع في حي البياضة.

جامع المهمندار: شيد هذا الجامع الجميل حسام الدين الحسن بن بلبان المعروف بالمهمندار في باب النصر. وكان هذا أحد أمراء حلب الكبار الرئيسيين فقد ابتنى أوقافاً عديدة ومنحها للجامع على شكل أراض في قرية السموقة وحصة في حمام أعزاز وبيت أمام الجامع. وقد استولى ابنه جمال الدين يوسف على هذه الدار وعوض عنها بعقار آخر. وكان الأمير حسام الدين قد اشترط على توظيف بنّاء أو مهندس وجابي لجمع الآجارات ومشرف عام لتسيير أمور الجامع وأوقافه. وقد حُرر عقد الاتفاق هذا في 28 أيار عام 1303م. وكانت مياه الجامع غزيرة. وتمتاز مئذنته بأنها من أجمل المآذن في سوريا وحتى في مصر كما يؤكد المؤرخ العربي ابن الشحنة. وقد بني منبر الجامع وسدته بالمرمر الأصفر وشيدت المئذنة بشكل لا يمكن تمييز مداميكها بسبب النقوش الصغيرة عليها. وكان بالقرب منه مسجد قديم لم يشأ بانيه بهدمه فاكتفى بفتح باب بين المصليين. وابتنى عمر بن موسى بن علي الذي عين مهمندار ولاية حلب أوقافاً هامة في مناطق حلب وعنتاب وغيرهما وخصص ثلث وارداتها لهذا الجامع. وقد هدم زلزال عام 1822 الهائل أروقة هذا الجامع الباهر ونجت قاعة المصلى فقط. وقد خصص الأمير مقبل بن عبد الله وقفاً لصالح الجامع واشترط في العقد الذي أبرم في عام 1536 على تعيين ثلاثة أشخاص يجيدون حفظ القرآن لقراءة بعض الآيات القرآنية في الجامع قبل الصلاة الجماعية في أيام الجمعة من على المنبر وخصص لهم راتباً شهرياً.

جامع بحسيتا: يقع في “باب السلام” وعلى الجهة الداخلية لسور المدينة القديم ولا يزال قائماً حتى اليوم.

جامع الشُعيبية: يقع داخل باب أنطاكية.

جامع القيقان: يقع في حي العقبة.

جامع الخواجة: يقع في حي العقبة أيضاً. وهذا الجامع الذي رمم في عهد الغازي هو مسجد قديم جداً تحول إلى كتلة أنقاض حتى رممه أيدامير بن عبد الله الشما. ويقول المؤرخ أبو الدر حول ذلك :((كان محجاً تقام فيه الصلوات الجماعية. وهناك كتابة على مدخله تؤكد بأن أيدامير رممه في عام 1342م وتوفي في السنة التالية. ويوجد مدفن داخل الجامع تحت إيوانه الشمالي ولكن القبر المصنوع من المرمر الأصفر نقل إلى الرواق الشمالي للجامع ومن المحتمل أن أيدامير دُفن فيه. وقد رمم القاضي شهاب الدين بن الزهري سطح باحة الجامع عندما أصبح حاكم حلب.

جامع الحبيسي: يقع في حي البزة وتقرأ فيه الخطبة إلى جانب 20 جامعاً في حلب كما يؤكد ابن الشحنة.

جامع اشقتامور: شيد في عام 1372م ويقع داخل باب النيرب. وقد بنى المؤسس أيضاً حماماً وفرناً وخاناً وحوانيت كانت تقع خارج باب المقام وأوقفها إلى الجامع والمدفن. وكان المدفن واسعاً جداً وبابه مبني بالأحجار البيضاء الكبيرة وكانت له مقاعد بأحجار المرمر الأصفر. وكان القبر يقع في غرفة المدفن المقنطر وبجانبه بركة تُملأ بقناة صغيرة. وكان في باحة الجامع إيوان عال له نوافذ على أطرافه الثلاثة تتجه نحو الحديقة وينبوع تجري مياهه في بركة المدفن. وكان لهذا المدفن غرفاً وصوامع صغيرة للنساك ومراحيض عامة.

جامع القلعة: رأينا في فصل سابق بأنه كانت في قلعة حلب كنيستان:الواحدة منهما في المكان الذي ضرب إبراهيم خيمته حيث كان يحلب خرافه. شيد على هذا الموقع جامع في عهد المرداسيين يعرف باسم مقام إبراهيم العلوي وتُقرأ فيه الخطبة وكان محجاً عامراً ببركات الله. وقد ذكر مؤرخ عربي بأنه ظهر رأس يوحنا المعمدان المنقوش على حجر في بعلبك في عام 1043م فنقلوه في العام ذاته إلى حمص ثم حلب ووضعوه داخل هذا المقام في صندوق من مرمر داخل تجويفة المحراب. ويقول المؤرخ الآخر ابن العديم:((رمم نور الدين هذا المقام ولكنه احترق مع القلعة وخيامها وأسلحتها وجميع عتادها في عام 1212م في عهد الغازي. وبأعجوبة إلهية نجا هذا الصندوق cuve والبرهان على ذلك وجود رأس يوحنا المعمدان داخل الصندوق)). ويقول ابن الخطيب بدوره:((هذا الرأس موجود الآن في المقام السفلي للقلعة وقد خصص والدي له أوقافاً يقع قسم منها في قرية أورم الكبرى في منطقة جبل سمعان وتستخدم مواردها حتى يومنا هذا. وكنت دائم الزيارة لهذا المقام وسكنت قربه فترة معينة وتمتعت ببركاته. وقد علم ابن العديم أيضاً من أبي الحسن علي بن أبي بكر الهروي بأن في مقام إبراهيم في قلعة حلب صندوق يحتوي على ذخيرة يوحنا المعمدان بن زكريا الذي اكتشف عام 1042م. وكانت الخطبة تُقرأ في المكان ويحضر السلطان صلاة الجمعة)).

الكنيسة الأخرى كانت في موقع مقام القلعة السفلي المكرّس لإبراهيم أيضاً حيث توجد صخرة مبجلة كانت محجاً مشهوراً ويقال أن إبراهيم كان يقعد عليها. ولا نعرف بدقة مَن من الملوك أو الأمراء المسلمين بنى هذا المقام ولكن من المعروف بشكل جازم بأنه رمم وتمت زخرفته من قبل نور الدين الذي كان يصلي هناك في معظم الأحيان ويظهر تقوى كبيرة تجاه المقام. وقد بنى نور الدين صهريجاً من الرصاص في المقام وأمر بملئه طوال السنة ثم خصص أوقافاً عديدة له تقع جميعها خارج المدينة في المناطق الغربية منها. وبناء على تأكيدات ابن الخطيب كان هذا المقام يستخدم ككنيسة حتى ظهور المرداسيين. ويقول ابن بطلان في إحدى رسائله أن الهيكل الذي رغب إبراهيم نحر ولده إسحاق عليه كان موجوداً في هذه الكنيسة التي تحولت إلى جامع في عهد المرداسيين. وقد رمم نور الدين البناء وخصص له أوقافاً وشيخاً معلماً لتدريس الشريعة على طريقة الإمام أبي حنيفة.

     عندما سقطت القلعة بيد المغول في 23 شباط عام 1260م قام هؤلاء بهدم هذا الحصن الشهير وهذا المقام الثاني المكرس لإبراهيم إلى جانب أبنية ومنشآت هامة أخرى. وعندما عادوا إلى حلب في السنة التالية وجدوا بأن الحلبيين شيدوا برج حمام في القلعة فغضبوا بشدة وقاموا بهدم القلعة حتى أساساتها وأكملوا ما تُرك ناقصاً في المرة السابقة بهدم المقامين بشكل تعذر ترميمهما بأي شكل من الأشكال لاحقاً. وقد جرت هذه الأحداث في آذار عام 1261.

      عندما احترق المقام الذي كان يستخدم جامعاً قام سيف الدولة أبي بكر بن إلياس مراقب القلعة ورئيس التجار وشرف الدين أبي حميد بن النجيب الشامي الأصل ولكن المولود في حلب بجهود كبيرة لنقل الصندوق الذي يحتوي على رأس يوحنا المعمدان من القلعة إلى الجامع الكبير في المدينة ووضعه على الجهة الغربية من المنبر أو على الجهة الشرقية حسب قول آخرين. ومن هنا جاءت تسمية الجامع الكبير ب “جامع زكريا” أيضاً.

      توفي بدر الدين محمد بن إبراهيم بن الدقاق الدمشقي عام 1337-1338م وكان  يشرف على أوقاف حلب. وفي عهده تم فتح الباب المغلق في الجامع الكبير الواقع على الجهة الشرقية من المحراب الرئيسي. وكان بدر الدين قد سمع بأن في هذا المكان بالذات يقع رأس يوحنا المعمدان ولكن كانت له شكوكه في صحة الرواية لذلك أمر بفتح الباب على الرغم من المعارضة الشديدة التي واجهها فظهر باب من المرمر وقبر sarcophage مصنوع من المرمر أيضاً وضع على بلاطة مرمرية مربعة كبيرة ثم أزال هذه البلاطة فوجد تحتها جمجمة فهرب المتفرجون هلعاً وأعادوا القبر إلى مكانه ثم شيدوا جداراً مكان الباب ووضعوا أمامه رفاً كبيراً لوضع نسخ القرآن الكريم. ويروى بأن عاقبة ذلك كانت فشل بدر الدين ليس في جميع مشاريعه فحسب, بل ارتعد بشدة وبُتر لسانه بين أسنانه)).

  1. Sauvaget (Les Perles Choisies d’Ibn ach-Chihna) Im Beyrouth-1933, p. 66

ينفرد “ملحق أزتاك العربي للشؤون الأرمنية” بنشر صفحات كتاب “تاريخ حلبللأسقف أردافازت سورميان.

* من كتاب تاريخ حلب” للأسقف أردافازت سورميان، مطران الأرمن الأسبق في حلب، (1925 – 1940)، ترجمه عن الأرمنية الدكتور ألكسندر كشيشيان، عضو اتحاد الكتاب العرب وجمعية العاديات، حلب، 2006.

Share This