التكايا الإسلامية داخل وخارج سور المدينة …صفحات من كتاب “تاريخ حلب “للأسقف أردافازت سورميان (17)

ardavazt-sourmeyan-book-cover

الفصل الخامس عشر

التكايا الإسلامية داخل وخارج سور المدينة

      لم تلتفت البلدان المجاورة في الشمال والجنوب والشرق منذ القدم إلى أهمية مدينة حلب الجغرافية والعسكرية والتجارية الاستثنائية فحسب,بل كان لدول كبيرة وبعيدة جداً عن حدودها أطماع للسيطرة على هذه المدينة المشهورة وقلعتها المنيعة ومد حدود نفوذها إلى دول أخرى.  وعندما أضحت سوريا تحت الهيمنة المملوكية وتحولت بعدئذ إلى دولة نصف مستقلة في القرن 15 م وتخلصت تدريجياً من الحكم البيزنطي والإفرنجة والسلاجقة والتتار قامت بمداواة جراحها بسبب التدمير والتفقير والوهن العام الذي أصابها جراء الاجتياحات المدمرة في عصر شيدت التقوى الإسلامية صروح دينية وخيرية لا تحصى في كل مكان انتشر في ربوعه الإسلام وكانت مدينة حلب بين تلك المناطق المنكوبة التي تحتاج لإعادة البناء والترميم. وقد آست المدينة كثيراً بسبب الدمار الواسع النطاق والأعداد الكبيرة للأيتام والجرحى والمعوقين الذين كانوا ضمن اهتمام وشفقة الناس لذلك لم يكن بوسع الحمية الدينية غض النظر أمام مشاهد البؤس هذه وخاصة أن وضع الحلبيين المادي العام يسمح بالاستجابة لشعور القيام بعمل الإحسان والبر. فشيدت في المدينة بين القرنين 12-14 م مدارس إلى جانب الجوامع المشهورة التي تعلم فروض وواجبات الدين الإسلامي ودراسة القرآن الكريم لليافعة وعلى مسافة غير بعيدة عن الجامع كانوا يبنون التكايا لمساعدة الفقراء والأيتام والأرامل بسبب عدم وجود منشآت متخصصة في هذا الشأن.  ولم يكن ممكناً أيضاً غض النظر عن المرضى بالأمراض العقلية والنفسية فقامت حلب منذ وقت مبكر جداً ببناء بيمارستان خاص لتلك الطبقة البشرية التعيسة في حي الجلوم الذي  سيأتي ذكره لاحقاً. ولم يكتف مسلمو حلب السابقين الخيّرين على تحسين أوضاع هؤلاء فحسب, بل قاموا بالدفاع عن الحيوانات المنبوذة الوحيدة المشردة فخصصوا “جامع القطط” (جامع العثمانية-المترجم) لسكنى القطط المشردة وتأمين قوت لهم حتى يومنا هذا. لذلك على المرء عدم الاستغراب بحقيقة وجود أعداد كبيرة من الجوامع والمساجد والمؤسسات الخيرية من مستشفيات ومطابخ ومشافي وغيرها. وكان لتعاظم عدد هذه التكايا سبب آخر.  بعد ظهور الإسلام مباشرة تقريباً انقسم المسلمون إلى شيع مختلفة ليس بسبب الاختلافات في المفاهيم الدينية فحسب,بل كانت هناك دواعي سياسية وعسكرية أيضاً وابتداء من القرن 8 م وكان أتباع الدين الجديد مقسمين إلى أربع طوائف رئيسية فقامت كل طائفة,كما هو الحال اليوم,بتنظيم أمورها الداخلية والازدهار بتضحيات أعضاء الطائفة المادية والمعنوية. ومن الطبيعي بأن تبقى كل طائفة دينية وفية لمعتقداتها وعقيدتها. وللوصول إلى غايتها واستمرار كينونتها وأبديتها قام أتباعها بتأمين الأسس المادية الضرورية من بناء المساجد والمدارس والخانكاه(التي تشبه الأديرة) وغيرها من منشآت البر والإحسان إلى جانبها. وبسبب التنافس بين هذه الطوائف التي تعمل تحت لواء الإسلام الواحد وصلت أعمال الخير والتضحيات إلى مستويات عالية استثنائية “لمجد الله ورسوله وتقدم الطائفة”. وانطلاقاً من هذا المبدأ شيدت في المراكز الإسلامية الكبيرة في الشرق وفي حلب أيضاً بين القرنين 10-11م مدارس دينية-طائفية:شافعية وحنفية وحمدانية وحنبلية ومالكية وغيرها قرب الجامع الخاص لكل طائفة مباشرة. والكلام ذاته يطبق على التكايا أيضاً. وليس هناك أدنى ريب بأن مدينة حلب كانت صورة طبق الأصل بهذا المعنى مقارنة ببغداد ودمشق والقاهرة المراكز الإسلامية الكبيرة حيث تعمل في ربوعها أكثر من طائفة إسلامية بمنشآتها الدينية الخاصة.

     يتكلم المؤرخ الحلبي ابن الشحنة في مؤلفه استناداً على مصادر ابن الشداد التي تسبقه بقرن حول الجغرافيا الطبيعية والبشرية للمدينة ويعدد جميع تكايا حلب تباعاً حسب أهميتها وقد زال معظمها تحت تأثير تخريبات الزمن وبقي بعضها صامداً أمام التحركات السياسية والعسكرية والاجتياحات والعوامل الطبيعية الهدامة كالزلازل والفيضانات والمحل وأعيد بناؤها وترميمها وظلت على الحياة بعناد كبير. وحسب مذكرات ابن الشداد كانت هناك التكايا (couvent الخانقاه) التالية في الماضي:

خانقاه القصر: يقع تحت القلعة. أسسه نور الدين وسمي باسم الموقع الذي بنى عليه حاكم حلب الفاطمي عزيز الدولة قصراً بين عامي 1017-1023م. شيد الخانقاه على موقع القصر المهدوم في عام 1158م.

الخانقاه القديم : أسسه السلطان نور الدين أيضاً قرب خندق القلعة المطل على القصر العدلي وعُين شمس الدين أبي القاسم الطرسوسي مشرفاً على بنائه. وهذا البناء الذي كان واسعاً وكبيراً جداً بُديء بتشييده في عام 1249م. وللخانقاه غرفة خاصة للشيخ وقبة للصوفيين وإيوان كبير وجامع.  ويُنزل عبر باب يقع على الجهة الشرقية من باحة الصوامع إلى غرفة استقبال كانت تجلب إليها المياه من قناة حيلان. ومدخل البناء كبير جداً وله مقعدان حجريان شيدا قبل اجتياح تيمورلنك عندما كان حسام الدين البرغلي شيخ هذا الخانقاه. وكان للخانقاه مطبخ يجهز فيه طعام الصوفيين وهو في حالة خراب منذ سنوات طويلة.  وفي هذا المكان بالذات أسس الشيخ شهاب الدين عمر بن محمد السهروردي جماعة(أخوية) دينية. توفي مؤسس الخانقاه في عام 1235م. وقام الشيخ عز الدين بن علاء الدين الهديري بترميم بعض أقسام الخانقاه فاشترى أنواعاً عديدة من المرامر الملونة لرصف البناء بسبب خراب الأرضية الكامل ثم قام بسد الباب الذي كان يؤدي إلى الصهريج وفتح باباً جديداً في الرواق. وبعد هذه الإصلاحات انتقل الشيخ إلى الخانقاه وعاش فيه حتى وفاته.  وللخانقاه أوقاف في جبل السماق قرب أريحا وحمام خلف القصر العدلي. وقد تخرب الخانقاه بعد فترة فجاء الشيخ مبيّض وقام بترميم بعض أقسامه ولكنه انهدم في النهاية. وكان بالقرب من مدخل الخانقاه دكاكين كانت أوقافاً له.

خانقاه الست: شيدت والدة الملك الصالح إسماعيل بن نور الدين الخانقاه في عام 1183م تحت القلعة.  وقد قامت الأميرة أيضاً ببناء مدفن قرب الخانقاه لدفن ابنها الملك الصالح. وقد آوت هذه المرأة الحكيمة بعض العميان في هذا المكان كي يحفظوا القرآن الكريم وخصصت للخانقاه بستاناً يقع على الطرف الغربي من المدينة.

خانقاه البلاط: شيد من قبل الأسير السابق شمس الخواص لولو الذي أعتقه تاج الدولة ططش بن الملك رضوان ويقال بأن هذا البناء هو أول خانقاه شيد في حلب في عام 1116م. وقد ابتنى المؤسس هذا الصرح عندما كان حاكم حلب ويحاول الاستيلاء على المدينة لكنه قُتل. وبناء على أبي الدر (الجزء الرابع صفحة 218-220) كان الخانقاه يقع في سوق البلاط الذي يدعى سوق الصابون الآن. وللخانقاه بابان:أحدهما يُفتح على سوق البلاط والآخر على الجبهة الشرقية. ونجد بأن اسم المؤسس منقور على ساكف الباب الشرقي. وقد تم هجر الخانقاه لفترة فامتلأت الفسحة خلف الباب الشرقي بالأنقاض وجفت البركة وتوقف جريان الماء. وعندما وصل الشيخ التقي علاء الدين بن يوسف الجبرتي إلى حلب أحيا مدرستي الصاحبية والحدادية وخصص بعضاً من وقته لهذا الخانقاه وأصبح إمامه ومؤذنه ونظّف بركته وجاء بالماء إليه من قناة حيلان وقدم الأمير تغريبردي بن يونس جميع المصاريف فقد كان حاكم القلعة في ذلك الوقت وقام بإصلاحات مهمة أخرى في المدينة.

خانقاه الملك المظفر: شيده مظفر الدين كوكبوري بن أمير أربيل زين الدين بن علي كوتشاك قرب الجامع الكبير في حي السهيلة الذي يدعى الآن سويقة حاتم. وبناء على تأكيد الشيخ كامل الغزي (نهر الذهب في تاريخ مملكة حلب, الجزء الثاني ص 271) يقع هذا الخانقاه في زقاق الفرن الذي كان يدعى شارع سيد حمزة سابقاً. وقد خصص زين الدين عمر بعض البيوت المبنية باللبن وقفاً للخانقاه.  وكان الخانقاه في الماضي مشهوراً ومزدهراً ولكن زالت معالمه الأصلية الآن بسبب استيلاء السكان المجاورين عليه بعد إغلاق بابه.

خانقاه ساحة الفراد: شيد من قبل مجد الدين بن أبي بكر محمد بن بن محمد بن نوشداكين الذي توفي عام 1170م.

خانقاه سعد الدين كوموشتاكين: شيده الأسير الذي اعتقته ابنة الأتابك عماد الدين زنكي. توفي سعد الدين في عام 1178م ولا يُعرف مكان دفنه.

خانقاه شمس الدين: شيد من قبل شمس الدين أبي بكر أحمد بن العجمي وكان يقيم في الخانقاه سابقاً قبل وفاته في عام 1234م. وقد خصص شقيقه الشيخ شرف الدين أبي طالب الخانقاه وقفاً لصالح الصوفيين.  وكان الخانقاه يقع في حي البازيار وكان بناء كبيراً ومتيناً بطابقين وتم تبليط أرضية الرواق بالمرمر الأصفر وفيه بئر ماء ومسجد للشافعيين وخصصت له أوقاف هامة جداً. وكان الخانقاه مزدهراً ويجلس فيه بشكل عام قضاة المدينة حتى اجتياحات تيمورلنك.

خانقاه الخادم: يقع قرب الخانقاه السابق وعلى الجهة الشمالية منه. ومؤسس الخانقاه كان أحد الأسرى الذين اعتقهم ابن العجمي وخصص الخانقاه لنساء العائلة اللواتي قمن بتحريره.  وكان للخانقاه بابان وفيه قبر لا يُعرف صاحبه.

خانقاه الأمير جلال الدين: أسسه الأمير جلال الدين أبي الدانا عبد القادر بن عيسى المعروف بابن أبي التنّابي. وتنّاب قرية كبيرة تقع الآن في منطقة أعزاز. وكان الخانقاه يقع في المنزل السابق  للمؤسس في حي العقبة الذي بني في عام 1241م. وقد ضُمت بعض أقسام الخانقاه إلى البيوت المجاورة. وهنا بالذات عاش الشيخ الفاضل شمس الدين الغزّي سنوات طويلة وكان يدرس الأيتام مجاناً في الجامع الكبير ويقوم بإطعامهم. وقد ارتبط به العديدون بوثاقة لدرجة تخصيص بيوتهم أوقافاً لغرض تأمين الفقراء بالمأكل والملبس. توفي هذا الشيخ التقي في 2 آذار عام 1423م.

خانقاه الأمير علاء الدين طايبوغا: بنى الخانقاه باسمه وكان منزله في السابق وخصصه وقفاً لصالح الصوفيين في سنة وفاته في عام 1243م. ويقع الخانقاه عل الطرف الجنوبي لقصر العدل ويظهر في الكتابة المنقوشة على مدخله بأنه شيد في عهد الملك الناصر يوسف.

خانقاه بيرم أو الشيخ حَوَش: يقع داخل رواق منزل الملك المعظم. وكان بيرم أسير حرب اعتقته الأميرة حريم خالة السلطان صلاح الدين.

خانقاه الإمام بهاء الدين: بنى هذا الإمام المشرّع  بن رافي بن الشداد الخانقاه بجانب المدرسة التي أسسها وفيه قبره حيث دفن في عام 1235م.

خانقاه سعد الدين مسعود

    شيده سعد الدين مسعود بن عز الدين إيباك فُطيسي فقد أعتقه معز الدين فاروق- شاهي. وقد خصص سعد الدين منزله للخانقاه كوقف.

خانقاه سونقورشاه: أسسه أبو الكاظم محمود بن زنكي ويقع في حي در البهاء وعلى الجهة الجنوبية من القصر العدلي في عام 1158م وكانت تكية مشهورة في حلب.

    بعد ذلك يعدد ابن الشداد التكايا الخاصة بالنساء في حلب:

تكية الأميرة فاطمة خاطون: شيدت الأميرة فاطمة بنة الملك الكامل التكية في حي القاضية وقرب بيمارستان نور الدين.  وبناء على كتابة على ساكف المدخل بنت الأميرة هذا الصرح وحددت له أوقافاً كي تسكن النساء الفقيرات فيه والقيام بواجب الصلوات الخمس.

تكية درب البنات: تكية بنتها زمرد خاتون وشقيقتها ابنتي حسام الدين لاجين بن عمر النوري.

تكية بناها السلطان نور الدين في عام 1159

تكية بنتها ابنة الحاكم كوس

تكية الملكة ضيفة خاتون: تقع داخل باب الأربعين وعلى الطرف المقابل لجامع الشيخ عبد الرحمن ومسجد حافظ.

التكية الكاملية: تقع قرب دار بني الخشاب.

تكية الأمير مجد الدين بن ضياء: شيدها الأمير داخل جامع إبراهيم في القلعة.

تكية الأتابك الأمير شهاب الدين طوغرل بك: شيدها الأمير على التلة الواقعة مقابل باب الأربعين.

  1. Sauvaget (Les Perles Choisies d’Ibn ach-Chihna) I, Beyrouth-1933, p. 98

 

ينفرد “ملحق أزتاك العربي للشؤون الأرمنية” بنشر صفحات كتاب “تاريخ حلبللأسقف أردافازت سورميان.

* من كتاب تاريخ حلب” للأسقف أردافازت سورميان، مطران الأرمن الأسبق في حلب، (1925 – 1940)، ترجمه عن الأرمنية الدكتور ألكسندر كشيشيان، عضو اتحاد الكتاب العرب وجمعية العاديات، حلب، 2006.


Share This