المزارات المسيحية في الماضي…صفحات من كتاب “تاريخ حلب “للأسقف أردافازت سورميان (17)

مزار 19

الفصل السادس عشر

المزارات المسيحية في الماضي

       يؤكد ابن الشداد على وجود 70 موقعاً مقدساً للمسيحيين في حلب ومن أهمها الكاتدرائية الواقعة مقابل الجامع الكبير التي بنتها الملكة هيلانة والدة الامبراطور قسطنطين البيزنطي وكانت للكاتدرائية شهرة واسعة واحترام كبيرين من جميع مسيحيي حلب وكانت جموع غفيرة من عامة الشعب والتجار والإقطاعيين وموظفين كبار يصلون فيها تاركين بغالهم العديدة جداً أمامها. وعندما حاصر الفرنجة المدينة عام 1124م هرب حاكم حلب أُورطوق بن الغازي أمير ماردين فاستلم القاضي أبو الحسن محمد بن يحيى بن الخشاب زمام أمور المدينة. وبناء على المؤرخين المسلمين هاجم الفرنجة مقابر المسلمين وقاموا بهدمها. ويقول ابن الملا في تاريخه: ((غادر دوبيس وجوسلين وبودوان مدينة أنطاكية ووصلوا للهجوم على حلب فاحتل بودوان القسم الغربي منها وجوسلين الطرف الشرقي بمساعدة دوبيس. وقد قاوم هذه الهجمات سلطان شاه بن رضوان وصاحب باليس عبد الجبار بن ياغي- سيان. وكان للمسلمين 100 خيمة فقط بينما للفرنجة 200 خيمة. وعندما سار الفرنجة نحو حلب قاموا بقطع الأشجار وهدم المقابر ورفع شواهد بعض القبور لحرق حثثها وحينما لم يصلوا إلى مآربهم أشعلوا النار فيها)).

وقد سببت هذه الممارسات قلقاً شديداً لدى مسلمي المدينة فقام قاضي المدينة بمصادرة الكنائس الأربع الرئيسية في الأحياء الداخلية للمدينة وحول جميعها إلى جوامع ووضع فيها محارب منها الكاتدرائية التي شيدتها الملكة هيلانة فقد سُميت بجامع السراجين ثم أعيد تسميتها بمدرسة الحلوية. وقد ظلت هذه الكاتدرائية الرائعة دون تغيير حتى مجيء نور الدين فقد غير معالمها وأضاف إليها غرفاً وأبواب وحولها إلى مدرسة لتدريس العلوم الدينية انطلاقاً من طريقة أبي حنيفة. والكنيسة الثانية التي كانت تقع في سوق الحدادين حولها حسام الدين لاجين ابن خال صلاح الدين إلى جامع ومدرسة للطريقة الحنفية عندما أصبح صاحب حلب. والكنيسة الثالثة التي كانت تقع في درب الحطالبين حولها عبد الملك بن القائد المقدم إلى مدرسة للطريقة الحنفية أيضاً. أما الكنيسة الرابعة التي يشار بأنها كانت تقع على موقع حمام البيلونة فقد حولت بدورها إلى جامع ولكنها هدمت مع الوقت وشيد بيت في موقعه. وكان لهذه الكنيسة الرابعة ممراً مقنطراً تحت الأرض يتصل بهيكل كنيسة هيلانة. ويروى بأن هذه الكنيسة الأخيرة كانت محجاً محترماً  لجميع مسيحيي المدينة وأن هذا الحمام كان يعود للكنيسة وشيدت أكثر من مئة حجرة حول الكنيسة وتحتوي في وسطها على مصطبة عالية estrada. وحسب رواية ابن شرارة المسيحي قعد السيد المسيح على هذه المصطبة عندما جاء إلى حلب.  ويروى أيضاً بأن بعض تلاميذ السيد المسيح دخلوا إلى هذه الكنيسة. وكانت الكنيسة في الأصل معبداً وثنياً لعبادة النار استملكه اليهود وأصبح المكان في عهدهم محجاً مرموقاً ثم حوله المسيحيون إلى كنيسة والمسلمون بدورهم إلى جامع. ونهاية يروى بأن بار صوما أحد قسس هذه الكنيسة المحبوبين كان بين الأشخاص القلائل من سكان حلب الذين نجوا من المرض الذي فتك بسكان المدينة.

  1. Sauvaget (Les Perles Choisies d’Ibn ach-Chihna) I, Beyrouth-1933, p82

 

ينفرد “ملحق أزتاك العربي للشؤون الأرمنية” بنشر صفحات كتاب “تاريخ حلبللأسقف أردافازت سورميان.

* من كتاب تاريخ حلب” للأسقف أردافازت سورميان، مطران الأرمن الأسبق في حلب، (1925 – 1940)، ترجمه عن الأرمنية الدكتور ألكسندر كشيشيان، عضو اتحاد الكتاب العرب وجمعية العاديات، حلب، 2006.

Share This